قراءة في ضوء «تسريبات الإخوان» الأخيرة
من الواضح أن عملية «تسريبات الإخوان» التي ظهرت أخيرًا لها ما بعدها وأن الأمر ليس عبثيًّا أو وليد اللحظة وإنما هو عمل منظم منهجي ومرتب، فالذي يقوم على هذا الأمر – بغض النظر عن حقيقة انتمائه – يفعل ذلك وفق خطة تهدف إلى اجتذاب الناس ولفت أنظارهم إلى شيء ما يقوم بالإعداد له وقد يكون هذا الأمر في صالح الإخوان وقد يكون ضدهم بحيث يكتسب أولاً جمهوراً شبقًا – سواء من الإخوان ومؤيديهم أو من أعدائهم من مؤيدي السيسي – ينتظر أن تروي تلك التسريبات ظمأه في الكشف عن فضائح أو حقائق جديدة تدين الإخوان، أو تنصفهم وتبيّض صفحاتهم.
لينتقل بعد ذلك إلى الجزء الثاني من خطته ليقوم بقلب الطاولة على من يستهدفهم، بل و ربما على الجميع على الساحة المصرية، و ربما تتجاوزها إلى الحالة الإقليمية ومن ثمّ الدولية .
فطريقة التوجيه الواضحة من خلال بعض المنشورات على صفحة IkhwanLeak – وهي الصفحة القائمة على نشر تلك التسريبات على موقع فيسبوك، و تويتر، و يوتيوب – تشي بالكثير من خلال بعض الرسائل المبطنة في سياق حديث القائمين عليها وردودهم المدروسة على تعليقات أعضائها المختلفة انتماءاتهم وآراؤهم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.
ويتجلى هذا واضحًا أيضًا في انتقائهم للمقاطع «المسربة» من بين 15 ساعة كانت الصفحة قد أعلنت امتلاكها لها في بداية تدشينها في بداية ديسمبر كانون الماضي، والتي تذاع لأول مرة فعلاً سواء ما ظهر في المقطع الترويجي الأول للصفحة الذي كان بعنوان {الجماعة السرية} في إشارة إلى جماعة الإخوان والذي طرح من خلاله ثلاثة أسئلة ظهرت باللهجة العامية المصرية كالآتي:
– هل الإخوان صادقة في كلامها مع الناس؟ – هل ظاهرها زي باطنها زي ما قيادتها بتدعي؟ – يا ترى إيه الحاجة اللي عاوزة تخبيها على الناس والرأي العام؟ وهو ما أحدث ضجة كبيرة في الإعلام الموالي للانقلاب وللسلطة الحالية في مصر واستقبلوها بنشوةٍ وتشفّ كبيريْن، بل وقام أحد الإعلاميين بالترويج لها طالبًا من جمهوره متابعتها بشدة، مشيرًا إلى أن «الصفحة» سوف تشهد تسريباتٍ خطيرة تدين الإخوان وتفضحهم، على حد قوله. ثم ما تبعه وهو التسريب الأول من نوعه لرجل الأعمال المصري والنائب الأول لمرشد جماعة الإخوان «خيرت الشاطر» المعتقل حاليًا في سجون السيسي حيث يظهر من خلال التسريب – والذي تجاوزت مدته 15 دقيقة متواصلة – في مكتبه الخاص أو منزله ويتحدث فيه بأريحيّةٍ تامة لبعض الأشخاص بجواره في الأغلب ينتمون إلى الصف الثاني أو القيادات الوسيطة في الجماعة، متناولاً بعض الأمور عن فكر الإخوان ونظرتهم للخلافة، والأحزاب والممارسة السياسية، وتقسيمه لدور الحركات الإسلامية ومجهوداتها بعد سقوط الخلافة على حد تعبيره . وكان عنوان التسريب «نزع القناع عن فكر الإخوان»!، في إشارة لأفكار الإخوان التي يحاول البعض إنكارها والتملص منها حول إيمانهم بالخلافة ورفضهم لفكرة الحدود، ..إلخ. ثم التسريب الأخير الذي ظهر فيه (ياسر علي)، المفرج عنه في الشهور الماضية، المتحدث السابق باسم رئاسة الجمهورية في عهد مرسي، وحديثه عن انقلاب يوليو 52 وأثره على المجتمع والحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر؛ مما يمثل جزءًا من نظرة الإخوان لـ «دولة يوليو» التي يمثلها الجيش المصري والقطاعات المرتبطة به وأثر ذلك على وجه الحياة في مصر .
ولعل أكثر المتابعين لتلك «التسريبات» – إن صحت التسمية – لا يجد فيها أبدًا ما يشين الإخوان بل إنه يزيد من شعبيتهم ويقوي ارتباط قواعدهم ومؤيديهم بهم، وإن كان البعض منهم يتندّر على تسميتها بتسريبات فذلك يرجع على الأرجح إلى تعوّد الكثيرين منهم على ما يعنيه وما يمثله له مصطلح «التسريبات» الذي نشأ منذ التسريبات التي خرجت من داخل أروقة الجيش المصري وخاصة من مكتب قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، والتي كان بها الكثير مما يدينهم ويشينهم ويظهر الكثير من الحقائق التي أخفوها ويضعهم في مواقف محرجة بشكلٍ لا يليق سواء من خلال تعبيراتهم أو حقيقة أفكارهم وعلاقاتهم وأجندتهم التي يخفونها، أو التي كانوا يخفونها حتى بانت سَوْْأتها من خلال ما عُرض من تسريباتٍ شغلت الرأي العام المصري والعربي، وما زالت تطرح مضامينها بين الحين والآخر إذا ما استدعى الأمر ذلك.
وعلى الجانب الآخر فإن تلك التسريبات تكشف بعض أفكار الإخوان «التأسيسية» والأصولية التي بُني عليها منهج الجماعة منذ نشأتها على يد الإمام الشهيد حسن البنا عليه رحمة الله، والتي حاول بعض قادتها أن يخفوها أو يتجنبوا الحديث عنها في الفترة الأخيرة التي سبقت الثورة ثم ما تلاها من فترة عرض الأفكار على إثر مناخ الحرية المؤقت الذي كان من مكتسبات 25 يناير، وخاصة في مسائل ما يعرف بـ «الخلافة» والحدود بين الدول وعلاقة الجماعة بالدولة المصرية الحديثة وممارستها للسياسة عبر آلياتها المختلفة عن أبجديات وفكر الجماعة مثل الأحزاب وخلافه .
وهو ما علق عليه البعض أيضًا أن للجماعة خطابيْْْن، خطاب للداخل وخطاب للخارج، خطاب يتم تداوله بين قيادات الجماعة وأعضائها، وخطاب آخر يتم تصديره لوسائل الإعلام ودوائر السياسة الغربية، بل ويذهب البعض الى أبعد من ذلك ليقول أن هناك خطابًا ثالثًا يكون فقط في الدوائر الضيقة جدًّا داخل القيادات العليا من الجماعة ولا يطّلع عليه الآخرون، ويستشهد هؤلاء على ذلك بالأزمة الأخيرة التي تعرضت لها الجماعة على المستوى التنظيمي والتي ما زال هناك البعض من المنتمين للإخوان لا يعلم أسبابها الحقيقية حتى الآن، هذا إن كان يعلم أصلاً أن هناك أزمة!.