هل تنهي وفاة الطفل ريان قطيعة المغرب والجزائر؟
لحظات توحيد نادرة عاشها الجيران في المغرب العربي، بعدما ظل المغرب وجارته العربية الجزائر لأشهر في نزاع وصفه بعض المحللين بأنه حرب إقليمية باردة، لتتحول محاولة إنقاذ الطفل ريان فرصة إلى «مؤقتة على الأقل» لإخماد التوترات.
وبينما فعل رجال الإنقاذ في المغرب المستحيل لإنقاذ الطفل العالق في أعماق بئر على بعد 100 قدم شمال البلاد، غمر الجزائريون وسائل التواصل الاجتماعي برسائل التضامن والتشجيع، ثم التعاطف مع الطفل الذي خرج ميتًا.
كتبت الروائية الجزائرية المعروفة أحلام مستغانمي على «تويتر» وهي تعيد نشر صورة لريان: «يا الله أرنا عجائب قدرتك». لكنها لم تكن إلا واحدة من بين العديد من الجزائريين الذين انضموا إلى هاشتاج #SaveRayan، بمن فيهم نجوم كرة القدم والمغنون والمعلقون السياسيون، وكذلك الجزائريون العاديون.
تعاطف اخترق العداوة
ليس من المفاجئ أن المشاعر المعادية للمغرب كانت عالية في الجزائر. فرغم تشارك الشعبين اللهجة والروابط العائلية والثقافية والدينية عبر الحدود، تميز تاريخ البلدين بخلافات دبلوماسية واشتباكات عسكرية، بما في ذلك حرب الرمال عام 1963.
وفي السنوات الأخيرة، اتهم المغرب الجزائر بدعم جبهة البوليساريو الانفصالية، التي تطعن في مطالب المغرب بالسيادة على الصحراء الغربية. ومع تصاعد التوترات بشأن الصحراء، قطعت الجزائر في أغسطس 2021، العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، ثم أغلقت مجالها الجوي أمام الرحلات الجوية المغربية في سبتمبر. ليثير مقتل ثلاثة سائقي شاحنات جزائريين في الصحراء الغربية في نوفمبر مخاوف من تحول العلاقة المثيرة للجدل إلى حرب.
لكن يبدو أن مأزق الطفل ريان خفف من حدة الخطاب في الجزائر، حيث قدمت العديد من وسائل الإعلام الجزائرية تحديثات لحظة بلحظة لعملية الإنقاذ، بينما تابع الجزائريون أدق التفاصيل باهتمام شديد.
ذكريات عياش
بالنسبة للعديد من الجزائريين، أعادت عملية إنقاذ الطفل ريان الفاشلة ذكريات وفاة شاب جزائري يدعى عياش محجوبي، يبلغ من العمر 26 عامًا في 2018، بعدما ظل محاصرًا في بئر لمدة ستة أيام، قضى أول يوم منها دون أن يفطن أحد إلى سقوطه حتى سمع طفل صراخه.
وعلى غرار عملية إنقاذ الطفل المغربي ريان، شرع العاملون في الدفاع المدني الجزائري في الحفر حول البئر حتى الوصول إلى المكان العالق فيه عياش الذي لم يستطع العيش في مكانه أكثر من أربعة أيام بينما استمرت أعمال الحفر تسعة أيام حتى وصلت إلى جثة الهدف، في حادث أشعل موجة من الاحتجاجات المناهضة للحكومة، الذين ألقوا باللائمة في وفاته على الإهمال، لتندلع أعمال عنف شملت تحطيم سيارة والي ولاية المسلية.
الوقت مناسب؟!
وبينما كانت طواقم الإنقاذ المغربية تنتشل جثمان الطفل ريان، منهية بذلك محاولة إنقاذ عاطفية استمرت أربعة أيام، كان خطاب التوحيد قد بلغ أشده في الجزائر.
هسبريس المغربية نقلت عن مطربة جزائرية أن «الوقت مناسب للعودة إلى المشاعر الطبيعية وتنحية المشكلات جانبًا، بعدما وحد الطفل ريان الشعبين للصلاة من أجل إنقاذه، فيما اعتبره الباحث الجزائري ناصر جابي، المتخصص في علم الاجتماع السياسي، «طبيعي جدًا» باعتبارها مجرد تعبير عن المشاعر الحقيقية إن نحى الشعبان الأزمات السياسية وعادا إلى علاقتيهما «القوية جدًا».
لكن نفس الحادث الذي وقع في الجزائر قبل 4 سنوات يحذر من أن التقارب قد يكون مؤقتًا.
مدير مركز دراسات العلوم الاجتماعية بوهران، نجاح مبارك، الذي قال إن الأمل كبير في أن تكون حادثة الطفل ريان قد «أطفأت بالفعل نار الفتنة بين الشعبين»، استدل على ذلك بتضامن المغاربة مع أشقائهم الجزائريين عندما سقط الشاب الجزائري في البئر قبل أربع سنوات، بينما استدل الباحث المغربي في علم الاجتماع، علي شعباني، بتضامن الشعب المغربي مع الجزائريين خلال الحرائق التي ضربت منطقة القبائل بالجزائر، الصيف الماضي، وكيف عرض كثير من المغاربة التنقل للجزائر من أجل المساعدة في إخماد النيران.
لكن الحوادث نفسها لم تخمد الفتنة حينها. على العكس في حالة الحرائق تحديدًا، التي تصدر المغرب قائمة المتهمين فيها، بما أوصل العلاقة الدبلوماسية بين البلدين إلى حالة القطيعة.
لا صدى في السياسة
مع ذلك، يصر الباحثون في البلدين أن حالة التعاطف مع الطفل ريان لم تكن عابرة؛ لأن العابر في علاقة الشعبين هو الأزمات، بينما الثابت هو «أحاسيس الانتماء الواحد الضارب في التاريخ التي تخرج في مثل هذه المحن»؛ باعتبار أن «علاقات الشعوب تستجيب آليًا لعاطفتها الإنسانية أكثر من شيء آخر، متغاضية عن لأي أغراض سياسية أو أهداف سلطوية».
مبارك ذهب للقول، إن قصة الطفل ريان أعطت مثالًا لجميع الساسة الذين يسهرون على تفريق الشعوب لبسط سلطتهم أن مصير مشاريعهم الفشل، حيث إن روابط التعاضد بين الشعبين «ستحبط كل تلك المحاولات كما فعلت على مر التاريخ»، مشيدًا بتغير موقف العديد من وسائل الإعلام في البلدين، إثر حادثة سقوط ريان، وتحولها لأدوات تواصل وتقارب بعدما كانت تبث الفرقة، موازاة مع القرارات السياسية التي يأخذها هذا البلد أو ذاك.
توقعات الباحثين لم تجد صدى رسميًا على الأرض حتى اللحظة؛ فلم تصدر أي جهة رسمية في الجزائر بيان تعزية حتى اللحظة، وهو ما نأمل أن يتغيّر وأن يغيّر ريان من قواعد اللعبة.