سر الجين النادر الذي جعل «بول سكولز» من أفضل لاعبي جيله
كان ذلك هو تصريح زيدان عقب سؤاله عن أصعب منافسيه في عالم كرة القدم. ربما كانت الإجابة باسم بول سكولز فقط كافية تمامًا للرد، لكن زيدان والذي يعد من أعظم لاعبي كرة القدم عبر تاريخها كان حريصًا للغاية على وصف سكولز بأعظم لاعبي الوسط في جيله.في واقع الأمر كان سكولز يمتلك كل المواصفات التي ينبغي توافرها في لاعب خط الوسط، كان يمتلكها جميعًا بنفس الكفاءة.قدرة بدنية هائلة تمكنه من المشاركة في الهجوم والعودة أيضًا للدفاع، قدرة هائلة على قراءة الملعب ومعرفة أين تحديدًا يريد أن يرسل الكرة بمجرد الحصول عليها، التمييز أيضًا بين معرفة الوقت المناسب للاحتفاظ بالكرة والوقت المناسب لتسريع إيقاع اللعب، قدرة ممتازة على حماية الكرة تحت ضغط المنافسين، القدرة على افتكاك الكرة من أرجل المنافسين في حالة الدفاع والتصويب القوي والمؤثر للغاية في مرمى المنافسين في حالة الدعم الهجومي.نعم تمامًا كل ما قرأته فيما سبق ليس من قبل النوستالجيا الكروية والحنين للاعبي الماضي بل هي حقيقة مجردة، كان بول سكولز يجيد كل ما سبق بنفس الكفاءة.الحديث عن إنجازات ومباريات سكولز قد يبدو مستهلكًا بعض الشيء، لذا دعنا نحاول أن نفسر ذلك الرجل تفسيرًا خارجًا عن المألوف بعض الشيء. فطالما كان هذا الرجل مختلفًا تمامًا عن بقية لاعبي كرة القدم، فلماذا لا نحاول تفسيره تفسيرًا مختلفًا؟
الجين الأحمر والقوة البدنية
يملك الدولي الإنجليزي أصولًا أيرلندية؛ والدته وجدته من جمهورية أيرلندا وجده لأمه أيضًا من الشمال الأيرلندي، ربما ذلك تحديدًا هو ما أكسبه الجين النادر المسئول عن حمرة الشعر.تمتلك أيرلندا أعلى نسبة من أصحاب الشعر الأحمر في العالم، ما يقرب من 10 ٪ من السكان لديهم شعر أحمر. الشعر الأحمر هو أندر لون شعر طبيعي في العالم، فقط 1-2% من البشر محظوظون بما يكفي للحصول عليه.يمتلك أصحاب الشعر الأحمر ميزة على نظرائهم، إذ لا يتطلب الأمر الكثير من التعرض لأشعة الشمس لأجسامهم لتصنيع كمية صحية من فيتامين د، وهو أمر مهم للغاية لصحة العظام.بول سكولز من أصحاب الشعر الأحمر، وذلك قد مده ربما بعظام جيدة وقدرة بدنية هائلة ساعدته على الركض جيئة وذهابًا دون تعب. إلا أن النصف الإنجليزي لبول سكولز جعل هذا الجين الأحمر يتسلل داخل قلبه أيضًا.لم يرتدِ بول سوى قميص فريق وحيد خلال مشواره مع كرة القدم وهو القميص الأحمر الخاص بفريق مانشستر يونايتد الإنجليزي، بدءًا من أكاديمية مانشستر يونايتد للشباب حتى أصبح اللاعب الإنجليزي الأكثر إحرازًا للقب الدوري الإنجليزي. كان بول هو قلب مانشستر النابض دئمًا، يقاتل بكل ما يملك داخل الملعب لآخر قطرة عرق في آخر مباراة له.
اقرأ أيضًا:سقراط البرازيل: عندما أسقطت كرة القدم انقلابًا عسكريًا
الاعتزال والعودة وحذاء بخمسين إسترليني
عام 2004 قرر بول سكولز بمنتهى البساطة أن يعتزل دوليًا ويكتفي بسبع سنوات فقط من تمثيل المنتخب الإنجليزي، رغم كونه في التاسعة والعشرين فقط من عمره ويعد أبرز لاعبي الوسط ضمن منتخب بلاده. برر سكولز هذا القرار بأنه مناسب له ولعائلته.هكذا دون ضجة وخطاب وداع أو مؤتمر صحفي والكثير من اللقاءات. لقد قرر الرجل ما يناسبه ففعله وهو ما كرره عند اعتزاله مع نادي مانشستر يونايتد. قرر بول سكولز عام 2011 بعد عدد من الإصابات أن يعتزل كرة القدم نهائيًا، فالوقت المفترض للتخلص من الإصابة أصبح أطول. كما أنه مع الوقت بدأ يفقد دوره كلاعب أساسي في الفريق. ولذا قرر الرجل أن يعتزل كرة القدم لأنه كان يرى الموقف جيدًا، لقد فقد الرجل الكثير من بريقه السابق.انضم بول للطاقم التدريبي رفقة معلمه السير أليكس فيرجسون. وبعد عام واحد فقط ضربت الإصابات خط وسط الفريق، وهنا قرر السير فيرجسون أن الحل هو عودة سكولز من الاعتزال. وهنا قرر بول العودة لمساعدة ناديه. تدرب مرة واحدة فقط رفقة الفريق ثم قرر أن تكون العودة ضد الغريم مانشستر سيتي،وقبل بداية المباراة أدرك سكولز أن الأحذية التي كان يرتديها أثناء تدريب فريق مانشستر يونايتد الاحتياطي لا تصلح للعب المباراة. ولذا قرر بمنتهى البساطة أن يشتري زوجًا من الأحذية من متجر محلي مقابل 50 جنيه إسترليني ولعب بهما المباراة.رجل قادر على رؤية الموقف بهذا الوضوح ثم اتخاذ القرار المناسب والمضي في تنفيذه بتلك الدقة، خاصة عندما يتعلق الأمر بتلك القرارات المصيرية. فلا عجب أن يكون قادرًا على رؤية الملعب بنظرة ثاقبة واتخاذ القرار المناسب حول كيفية التصرف بالكرة.
القزم المصاب بالربو: الافتكاك والتصويب
ألقى فيرجسون نظرة على سكولز وهو في عامه السابع عشر ثم قرر أن هذا اللاعب لن يكون له أي فرصة مع الفريق، إنه مجرد قزم،ثم في عمر الـ 21 اكتشف بول سكولز أنه مصاب بالربو. وعلى الرغم من أنه لم يتعرض أبدًا لنوبة ربو خطيرة، إلا أن طبيب نادي مانشستر يونايتد كان دائمًا ما يُبقي جهاز الاستنشاق الخاص ببول في حالة الاستعداد لاستخدامه.لقد تحدى سكولز الجميع. فالعيوب التي كانت ربما تعيقه أن يصبح لاعب كرة قدم أفضل أصبحت بمثابة عوامل تحفيز له أن يبذل مجهودًا أكثر ويتطور مع الوقت ليتقن كل شيء حتى يستحق مكانًا أساسيًا في تشكيلة الفريق. الأشخاص الذين يعتقدون أنهم يمتلكون فرصة أقل في منافسة زملائهم يبذلون دومًا مجهودًا مضاعفًا حتى يقطعوا على الجميع أي فرصة للتشكيك في قدراتهم.ربما ذلك ما يفسر اعتراف سكولز نفسه أنه كان عندما يتعرض للضرب من قبل لاعب ما فهو يرد تلك الضربة خلال المباراة، فهو يقصد ضرباته للمنافسين أو كما يعبر عن الأمر سكولز نفسه أنه ربما يملك جانبًا مظلمًا في شخصيته، فقليل من القبح ليس أمرًا سيئًا في عالم كرة القدم.رجل تعرض للتشكيك في قدراته والشعور بأنه عرضة لمهاجمة نوبة ربو فجأة كان عليه أن يبذل المزيد والمزيد من الجهد وهو ما جعله يتألق في مهام قد لا تناسب تكوينه الجسماني، فإذا كان يراه البعض قصيرًا فهو يوضح للجميع أن هذا القصير قادر على افتكاك الكرة من بين أرجل أضخم اللاعبين بمنتهى القوة، بل إنه قادر على رد الضربات بشكل أقوى وأعنف، وعندما يسدد ذلك الضئيل فستكون تلك التسديدات صاروخية تمامًا لا يراها أحد إلا بعد أن تسكن الشباك. فلا تحسبوا أن هذا القصير الهادئ سيترك لكم أرض الملعب ويبقى صامتًا.تبقى تلك محاولات مختلفة لتفسير أداء ذلك الرجل المختلف، إلا أن الثابت هنا تمامًا أن سكولزي كما يلقب من أعظم لاعبي الوسط عبر تاريخ كرة القدم.