تشتعل المواجهات الحامية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بسبب الخلاف على القوة والنفوذ، فقد سبق هذه المواجهات العسكرية تبادل بيانات التهديد بين الطرفين على خلفية رفض الدعم السريع الانضمام إلى الجيش النظامي.

وبينما رفض الجيش رسميًا وعلنيًا انتشار قوات الدعم من دون تنسيق معه، أعلنت الأخيرة في بيان لها، أن من حقها الانتشار في كل أنحاء الدولة بهدف «تحقيق الاستقرار ومحاربة ظواهر الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية، ومكافحة التهريب والمخدرات والجريمة العابرة والتصدي لعصابات النهب المسلح».

ميليشيات الجنجويد

يعود وجود هذه الميليشيات المسلحة إلى محاربي الجنجويد في عهد الرئيس المخلوع، عمر البشير، الذي تمت الإطاحة به بعد احتجاجات شعبية عارمة عام 2019.

ففي عام 2003 حشد البشير بعض الرعاة العرب في إقليم دارفور المضطرب غرب السودان، وكون منهم عصابات مسلحة وسلطهم على المتمردين الأفارقة، واشتهروا بارتكاب مجازر وانتهاكات مروعة ضد المدنيين مما جعل البشير مطلوبًا أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب الإبادة الجماعية ضد سكان الإقليم.

وتألفت قوات الجنجويد بشكل أساسي من رعاة الإبل من عشيرتي المحاميد والماهرية بقبائل الرزيقات في شمال الإقليم والمناطق المجاورة له في تشاد، حيث الحدود مفتوحة وفوضوية.

وتحت قيادة موسى هلال، زعيم عشيرة المحاميد، ارتُكبت انتهاكات دموية شجعت البشير على جمعهم في قوة شبه عسكرية تحت اسم الاستخبارات الحدودية.

حميدتي

برز من بين أعضاء هذه الميليشيات، شاب يُدعى محمد دقلو، ويشتهر باسم “حميدتي” وهو لفظ تدليل لاسم محمد هناك، من عشيرة الماهرية ولم يكمل تعليمه الدراسي، لكنه أصبح أبرز أمراء الحرب وسط قبائل دارفور بعد أن تمرد بسبب توقف دفع الرواتب له ولمن معه.

لكن نظام البشير آواه واستعاد ولاءه بالمال، ومنحه ومن معه رتبًا عسكرية، وأصبح حميدتي فجأة ضابطًا برتبة عميد، وتمرد على موسى هلال، وأصبح موضع ثقة الرئيس البشير وعلا شأنه لديه، حتى إنه أسند إليه مهام كبيرة مثل دعم المعارضة التشادية ضد الحكومة هناك.

وفي عام 2013 تم إنشاء قوات الدعم السريع رسميًا بموجب مرسوم رئاسي لتضم قوات حميدتي تحت مسمى “قوات الدعم السريع”، ضمن سياسة “فرق تسد” التي اعتمدها البشير لموازنة مراكز القوى في ظل تراجع ثقته بالمخابرات.

وتم منح قوات حميدتي معسكرات قرب الخرطوم، وتسليحها بسلاح حديث وآليات كثيرة، وتم الاعتماد عليها في قتال المتمردين في كردفان ودارفور.

وبعد إزاحة البشير استمر حميدتي في ممارسة نفوذه وحاول زيادة قوته وتمتين علاقاته بالقوى الإقليمية كدول الخليج، وتحالف مع مؤسسة الجيش في مواجهة القوى المدنية وأصبح الرجل الثاني في المجلس العسكري الحاكم في السودان.

ومع اتهام القوى المدنية للعسكريين بسرقة الثورة، تم تنظيم فعاليات احتجاجية للمطالبة بنقل السلطة للمدنيين وإنهاء هيمنة بقايا نظام البشير، وهنا تدخلت قوات الدعم السريع بأسلوبها المعتاد، فارتكبت مجزرة أوقعت أكثر من 100 قتيل وأصيب نحو 700 شخص خلال فض اعتصام القيادة العامة في 3 حزيران/يونيو 2019، وتم اغتصاب النساء والرجال معًا.

في واقعة اتسمت بالمبالغة في الإجرام العلني بشكل مقصود لإرهاب المعارضين المدنيين، وإيصال رسالة مفادها أن حميدتي مستعد للذهاب إلى أقصى درجات الانتهاك ضد من يعارضه لدرجة الاغتصاب الوحشي في عرض الطريق بلا أي تردد.

ومع ذلك حاول حميدتي التنصل مما حدث وتعهد بمحاسبة المتورطين وشنقهم، وسعى لتحسين صورته الملطخة بالدماء عن طريق التعاقد مع شركة علاقات عامة كندية لتحسين صورته في الخارج وتلميعه، يديرها الضابط الإسرائيلي السابق آري بن ميناشي.

وفي الداخل حاول انتهاج أساليب مختلفة لنفس الغاية؛ فمثلًا تم الإعلان عن تكفله برعاية ألف طالب وطالبة من الفقراء، المتفوقين دراسيًا، وأطلق مبادرة لتمكين الشباب من مشاهدة مباريات كأس العالم مجانًا ووزع أتباعه أجهزة بث قنوات «بي إن سبورت» على أماكن التجمعات الشبابية لمشاهدة البطولة الرياضية التي استمرت من 20 تشرين الثاني/ نوفمبر إلى 18 كانون الأول/ ديسمبر العام الماضي، مع العلم بأن ثمن الجهاز الواحد حوالي ربع مليون جنيه.

وبعد الانتقادات التي جلبها هذا الأمر واتهامه بإنفاق الأموال على السفه لأغراض سياسية وترك المرضى يموتون بلا علاج، أعلن عن تنظيم قافلة طبية لعلاج المرضى، وهكذا ظل يحاول غسل سمعته مدفوعًا بهاجس التخلص من آثام  اعتصام القيادة العامة.

وبموازاة ذلك تمت مضاعفة أعداد قوات الدعم السريع حتى تجاوز عددهم مائة ألف، واستمر في تزويدهم بأسلحة متقدمة.

كما تضخمت إمبراطوريته الاقتصادية ذات الطابع العائلي؛ فأقاربه خاصة شقيقه عبد الرحيم دقلو يديرون أنشطة المجموعة خارج نطاق أي مساءلة؛ فشركة الجنيد التي يملكونها تعمل في التعدين وقطاع النقل وأنشطة اقتصادية وخدمية وعمليات تهريب.

حروب الذهب

في السودان الذي يحتل المرتبة الأولى عربيًا في تصدير الذهب، بمبيعات تُقدر بأربعين في المائة من صادراته، نجح حميدتي في السيطرة على هذا القطاع، وامتلاك بعض المناجم، ومهدت قوات الدعم السريع الطريق أمام شركة الجُنيد، ففي نوفمبر 2017 استولى الدعم السريع على مناجم جبل عامر، بعد انتزاعها من يد موسى هلال، وأصبح حميدتي إمبراطور الذهب في السودان بدعم من نظام البشير.

ولم يكتف بما تحت يديه بل وُجهت له اتهامات بالوقوف وراء إشعال النزاعات في إقليم دارفور (لا سيما في جبل مون لأنه يحتوي على كميات كبيرة من الذهب، فبعد فشل عناصر من شركة الجنيد في إقناع السكان بالرحيل سلمًا، سعت قوات الدعم السريع للاستيلاء على جبل مون بالقوة، وشنت هجمات عديدة تحت ذرائع مثل سرقة المواشي، لترهيب من رفضوا الرحيل عن أراضيهم.

إذ يشترط رئيس منظمة «شباب جبل مون»، عبد اللطيف آدم، عودة المهجرين، وتوفير الأمن وإنهاء الميليشيات المسلحة، وتعويض أصحاب الأراضي إلى قرى حديثة يمكنهم فيها الوصول إلى الخدمات كالمياه والكهرباء والمدارس والمستشفيات والأمن، مقابل السماح بالتنقيب في المنطقة.

تأثير الدعم السريع خارج السودان

يتمتع قائد الدعم السريع بعلاقات وثيقة مع دولة الإمارات العربية المتحدة، وله مصالح اقتصادية كبيرة معها، وخلال حرب التحالف العربي لدعم الشرعية باليمن التي بدأت عام 2015، أبرم الإماراتيون صفقة مع حميدتي لإرسال قوة من الدعم السريع، للقتال في جنوب اليمن، كما تتعدد زياراته المنفردة للإمارات للتنسيق معها في الملفات المختلفة.

كما تُوجه اتهامات كثيرة لحميدتي بنشر مسلحي الجنجويد في ليبيا للقتال إلى جانب قوات اللواء خليفة حفتر، لكن قائد قوات الدعم السريع ينفي ذلك رسميًا ويقول «لسنا مرتزقة».

كما أنه مقرب من روسيا، وزار موسكو العام الماضي عند انطلاق غزوها لأوكرانيا، في موقف تم اعتباره بمثابة إعلان الاصطفاف بجانب الكرملين.

وليس سرًا أن قوات ميليشيات المرتزقة الروسية (فاجنر) توجد في مناطق نشاط ميليشيات حميدتي، رغم غموض أبعاد وحدود العلاقة التي تربط بين الطرفين في ظل اهتمام الروس بالمنطقة، ونشاطهم المكثف في محاصرة النفوذ الفرنسي في الدول القريبة كتشاد والنيجر ومالي وليبيا وأفريقيا الوسطى.

وقد تكشفت بعض أوجه التعاون بين الطرفين في ملفات إقليمية مثل دعم نظام أفريقيا الوسطى ضد معارضيه من «تحالف الوطنيين للتغيير»، وقد صرح حميدتي، في الرابع من يناير/كانون الثاني الماضي، بمنع الإطاحة بجمهورية أفريقيا الوسطى في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2022، ويوجه «تحالف الوطنيين للتغيير» اتهامات إلى قوات الدعم السريع بالتدخل في بلادهم ودعم مرتزقة فاجنر ضدهم.

وعلى العكس من ذلك تتسم علاقته بالغرب بالتوتر، ففي عام 2021 هدد حميدتي بأن السودان قد تكون مصدرًا للمهاجرين إلى أوروبا إن لم تقدم دعمًا لحكومته، قائلًا خلال مقابلة مع  موقع «بوليتكو» إن أوروبا والولايات المتحدة لا خيار لهما إلا دعم النظام السوداني لمنع أزمة لاجئين جديدة.

يرجع سبب النزاع اليوم بين قوات الدعم السريع والجيش إلى تهرب حميدتي من دمج قواته في الجيش النظامي، وتفضيله استمرارها كميليشيا خاصة تأتمر بأمره وتتمتع بصلاحيات مطلقة دون مسؤولية.

كما يُتهم دائمًا بأنه يجهز نفسه للقفز إلى سدة الحكم، وتأسيس نظام قمعي تحت سلطته مستغلًا إمكانيات قواته، ومعتمدًا على علاقته بروسيا التي قد توفر له الحماية المطلوبة كما فعلت مع أنظمة إفريقية مجاورة.