مسلسل «Ramy»: عن المواجهة بين صلاة الجمعة وسهرة الجمعة
بهذه الكلمات يمكن تلخيص الموسم الأول من المسلسل الأمريكي Ramy والذي يحمل اسم بطله وصانعه، الممثل الأمريكي المصري «رامي يوسف»، والذي يحمل في المسلسل اسم «رامي حسن».
ربما لم يسمع الكثيرون بالمسلسل الذي أصدرته منصة Hulu للعرض المنزلي، تمامًا كما توقع «رامي» نفسه أثناء تسلمه جائزة الجولدن جلوب في فئة أفضل ممثل في مسلسل كوميدي، على أنغام موسيقى «لونجا 79» الذي يبدو آمنًا أن نؤكد أنها عزفت للمرة الأولى تاريخيًا في قاعة الاحتفالات بفندق «بيفرلي هيلتون» بضاحية بيفرلي هيلز.
الموسيقى التي يعرف المصريون أبًا عن جد أنها موسيقى برنامج «الكاميرا في الملعب»، لا يعرف الأمريكان بالطبع أنها من تأليف هاني شنودة، كما لا يعرفون أيضًا أنها لعبت لمئات المرات في مقدمة مباريات الدوري المصري على القناة الثانية والثالثة، وربما يتعرف بعضهم عليها اليوم للمرة الأولى من خلال مسلسل رامي.
المسلسل يمسك بعنق النوستالجيا المصرية الحديثة إذن، في نفس التوقيت الذي يقدم لمشاهديه فيه حكاية من الداخل لشاب من أصل مصري مسلم، يعيش في أمريكا، حيث تبدو أزمة الهوية التي يعانيها بين دينه وتراث عائلته والعالم الذي يعيش فيه أمرًا لا مفر منه، لكن السؤال الأهم هنا، هل أزمة الهوية تلك حكرًا على أبنائنا في الخارج؟ وهل يقدم رامي حكايته بعيدًا عن الصور النمطية التي يظهر بها العرب والمسلمون عادة في الإنتاجات الأمريكية، أم أن موسيقى «الكاميرا في الملعب» كانت مجرد غطاء مصري لحكاية خواجاتي؟
أبناؤنا في الخارج: الجيل الثاني
المسلسل يتحدث بشكل مكتمل عن تجربة خاصة جداً، وهي تجربة عائلة مصرية عربية مسلمة تعيش في أمريكا، وبشكل رئيسي حكاية الابن في هذه العائلة، الابن الذي ينتمي للجيل الثاني، وبالتالي فقد ولد وعاش في أمريكا أكثر مما عاش في مصر، إنجليزيته باللهجة الأمريكية أفضل بكثير من قدرته على تحدث العربية باللكنة المصرية، إلمامه بما يفعله الشباب والكبار في أمريكا أكثر مما يعرفه عن ما يفعله أقرانه في مصر. ولكن في كل الأحوال السؤال الأهم هنا يظل سؤال الهوية، فرامي رغم كل هذا لا يزال المصري المسلم بالنسبة للأمريكان.
الهوية الدينية هنا تبدو جزءًا من حكاية بطلنا، لأنه يبدو وعن سبق إصرار قد أصر أن يحتفظ بها، ويأخذها على محمل الجد، هو مؤمن فعلًا بوجود إله، مؤمن فعلًا بالإسلام، لكنه في نفس اللحظة يريد أن يحيا حياة سعيدة كما يحاول أصدقاؤه ومعارفه وكل من يحيط به، وهذا يضعه في مواجهة مباشرة أمام سؤالين، هل ستشرب مشروبات كحولية أو ستجرب تدخين سيجارة محشوة أثناء سهراتك مع الأصدقاء؟ هل ستواعد الفتيات اللاتي تعجب بهن، بكل ما تحمله المواعدة أو اللهو من معنى؟ هذان هما السؤالان الأهم في سهرات الجمعة، هذان هما المكونان الأهم لسهرات الجمعة في حقيقة الأمر.
من أنا؟
المسلسل إذن يبدو بشكل رئيسي عن أزمة الهوية تلك، والهوية هنا دينية قبل أن تكون مصرية أو عربية، الأزمة بالأساس عن اعتناقك لمعتقدات تمنعك من الانخراط في أنشطة وسلوكيات يراها العالم من حولك أحد أركان وضعه الاعتيادي، هكذا إذن، ورغم أن المسلسل يدور حول عائلة مصرية مسلمة، فما نشاهده من خلال حيرة «رامي» يمكن الإحساس بانعكاساته في حياة أي شخص متدين حول العالم، يمكن أن تكون حيرة شاب متدين يحيا في مدينة القاهرة، أو بيروت، أو برلين، أو حتى حيرة قس كاثوليكي أبيض يعيش في أحد ولايات الجنوب في الولايات المتحدة الأمريكية، والمثال الأخير بالمناسبة حقيقي، فرامي نفسه قد صرح بأنها تلقى خطاباً من هذا القس الحائر بين تدينه وحياته عقب مشاهدته للمسلسل، في الخطاب يظن القس أنه هو بالتحديد «رامي».
بالعودة لأفضل حلقات المسلسل والمعنونة Strawberry، يعود رامي في فلاش باك لطفولته، وبالتحديد إلى 11 سبتمبر 2001، وهو اليوم الذي وصلت فيه أزمة الهوية العربية الإسلامية لطفل يعيش في أمريكا لمستوى جديد، رامي هنا يجد نفسه في لقاء خيالي مع أسامة بن لادن نفسه، وفي حلقة تتصادم فيها الهواجس الجنسية لمراهق صغير، مع الصورة النمطية للعرب والمسلمين كإرهابيين في ذلك التوقيت، يقدم لنا المسلسل معالجة شديدة الطرافة والعمق في نفس اللحظة، المثير للتأمل هنا أن هذه الحلقة بالتحديد وإن يتوارى فيها رامي يوسف عن البطولة، لكنه يقدم من خلالها جواز مروره ككاتب ومخرج له أسلوبه ولمسته الخاصة. لمسة تعد بالكثير في المستقبل القريب.
ينتقل المسلسل هنا إلى أزمة الهوية الإسلامية إلى وضعها أزمة مركبة أخرى، هو أنك من بين المسلمين جميعًا فأنت عربي أيضًا، الهوية التي لا تختارها، ولكن الآخرين يحصرونك داخلها، أنت عربي لأنك تبدو كذلك، اسمك يبدو كذلك، حتى لو لم تكن تتحدث العربية على الإطلاق.
بناتنا: لا تتركني هيك
يبدو رامي أيضًا مهتمًا وبشكل خاص أن يقدم تفاصيل شخصية عن حياة أبطال العمل الآخرين، الحكاية في الأساس قد تكون حكاية أسرته وأصدقائه وليست حكايته هو فقط، هكذا وفي حلقتين مكتملتين نشاهد لمحة عن الحكاية الخاصة بالأم – تقوم بدورها هيام عباس- والأخت – تقوم بدورها مي قلماوي.
تحمل حلقة الأخت عنوان Refugees، وفيها نشاهد الحياة بعيونها، فتاة في أسرة عربية مسلمة تتعرض وبشكل خاص لمراقبة شديدة على كل ما تفعل، وتتعرض لضغوط هائلة كي تحافظ على ما تعتبره الأسرة شرفها، في حين يُسمح لأخيها بفعل كل ما تُحرم منه، الصور النمطية الثيوقراطية عن النساء، هم إما مريم العذراء أو غانيات، والخيالات الجنسية بشكل خاص عن الفتيات العربيات، هذا ما يحاصر «دينا» خارج المنزل كما يحاصرها أهلها في الداخل.
أما حلقة الأم والتي تحمل اسم أغنية المغني البلجيكي الشهير جاك بريل Ne me quitte pas أو «ما تتركني هيك» فنقترب فيها من حياة هذه المرأة الفلسطينية التي تزوجت برجل مصري ثم أصبحت حياتها هي حياة أبنائها، لا أكثر ولا أقل، لا مكان لأي جديد في حياتها، ولا يفكر أي من أفراد الأسرة فيها خارج نطاق دورها كأم، مريم العذراء مرة أخرى.
في الحلقتين يبدو المسلسل غير مكترث بالتوقف عن كونه مضحكًا أو كوميديًا، وهذا بالتحديد ما يمنحه نقطة قوته الأهم، الضحكات قد تأتي في سياق الحياة الطبيعية، ولكن الأهم هو مسار الحكاية، والأهم في هاتين الحلقتين بالتحديد بالإضافة لحلقة Strawberry أن ما نراه يبدو وفيًا بشكل مكتمل لأبطاله، صادق جدًا في التعبير عنهم وعن مشاعرهم، حتى لو كان شديد السواد.
أين بلدي؟
في حلقتي الختام يعود رامي إلى مصر، يبتعد عن نقطة قوة المسلسل الأهم، ألا وهي كونه حقيقيًا وبعيدًا عن الصور النمطية للأسر العربية المسلمة في الغرب، يبتعد رامي بهذا أيضًا عن فريق عمله المميز في أمريكا، وهم عمرو واكد في دور الأب، الكوميديان مو عامر في دور صديقه مو، الكوميديان ديف ميرهاجي في دور صديقه أحمد، ستيف واي في دور ستيف، مي قلماوي في دور أخته دينا، وأخيراً الفلسطينية المميزة هيام عباس في دور والدته مايسة.
بالعودة لمصر يفقد المسلسل كل هذا، نغوص في صور كاريكاتورية عن المصريين، صورة نمطية لسائق التاكسي المصري، صور نمطية للعائلة المصرية، صورة نمطية عن الجد المصري الفلاح، وإن كانت مؤثرة وبها بعض من لمحات الحقيقة، ينجو من كل هذا شخصيتان هما شادي – ابن العم – والذي يقوم بدوره شادي ألفونس، وأماني – بنت العم – والذي تقوم بدورها روزالين البيه.
شادي هنا وإن كان متأثرًا أيضًا بالطابع الكاريكاتيري لهاتين الحلقتين، وذلك من خلال تقديمه لدور الشاب المصري خريج الجامعة الأمريكية في القاهرة والذي يفضل الحديث بالإنجليزية عن العربية، ويكرر كلمة hey nigga، إلا أنه يقدم مونولوجًا حقيقيًا ومؤثرًا عن مشاعر العديد من الشباب المصريين الذين لا يريدون الحديث عن السياسة أو الثورة، لسببين، أولهما، أن هذا أمر غير آمن في مصر اليوم، وثانيهما، أنها تذكرنا بأصدقاء وأحباب وأهل فقدناهم بالموت أو بالسجن نتيجة مطالبتهم بحياة أفضل لهم ولنا، وفي خضم هذه المعركة لم نعد نعرف أين هي بلدنا، وأين هو الله، هل هذه بلدنا حقاً، وهل من المنطقي أن يأتينا أحد للبحث عن الإله هنا!
هويتنا
يكرر رسام الكاريكاتير والمؤدي الكوميدي المصري «محمد أنديل» خلال برنامجه الشهير «أخ كبير» تذكير جماهيره بالهوية المصرية التي تتشبث بها العائلات المصرية والدولة في ذات الوقت، من خلال جملته الشهيرة «هويتنا يا ولاد ال××××××»، يسخر أنديل هكذا دائمًا من الهوية الوطنية المصرية التي تحولت مع الوقت لهواجس وضلالات عن أننا أعظم شعوب الكون، أو أننا لا بد أن نحترم المسئولين والكبار، أو أننا لا بد ألا نؤمن بحقوق المرأة أو الأقليات الجنسية والدينية والعرقية. أنديل لديه كل الحق، ولكننا هنا نتحدث عن جانب آخر لهذه الهوية، جانب يبدو موسومًا في جيناتنا حتى دون أن نعي.
يتحدث رامي هنا عن هذا الجانب من الهوية، جانب تمتزج فيه موسيقى هاني شنودة مع مذاق محشي ورق العنب مع الميل للإيمان بأن هناك قوة ما فوق طبيعية تدفعك لمخطابتها إن أحسست بأن طيارتك على وشك أن تسقط، جانب يبدو باقيًا في لا وعي الجيل الثاني من المهاجرين، أو في عقول شباب طردوا كل هذا بالتحديد من عقولهم بعد أن لعنوا تلك الهوية وتركوا مصر، حتى لو كانوا ما زالوا محتجزين داخلها، هكذا يقدم رامي مسلسلًا مهمًا في السياق الفني الأمريكي، لكنه مهم أيضًا إن كنت تشاهده من أي مكان آخر في العالم، وبالتحديد لو كنت تشاهده من مصر.