الجزء الثاني من «Ramy»: رحلة الإيجو بين الشيخ علي وميا
ما هو الحد المقبول للنكات؟
ما هو الحد الذي تتحول عنده الكوميديا من إثارة الضحكات إلى توليد شعور بعدم الراحة والإحراج؟ هذه هي المساحة التي قرر مسلسل Ramy وبشكل يبدو واعيًا أن تدور أحداثه من خلالها، هناك مسلسلات أخرى تدور في نفس المساحة، أشهرها The Office حيث تتحدى الأحداث حدود الصوابية السياسية، كما تتحدى كل التوقعات المسبقة عما هو مسموح بظهوره على الشاشة، لتتحدى في بعض الأحيان أيضًا حدود اللياقة الاجتماعية عما يقال وما لا يقال.
هذه التحدي لا يحمل في جوهره دوافع يمينية مضادة للصوابية السياسية عادة، على العكس تمامًا، الأفكار اليمينية تظهر هنا بشكل كاريكاتوري مبالغ فيه، يجعلها أكثر حماقة حتى مما هي عليه في الحقيقة.
لكن المعضلة الكبرى في مسلسل (رامي) بالتحديد أن هذا الإطار الكوميدي / غير المريح يدور داخله محتوى عن شاب أمريكي مسلم من أسرة مصرية، هكذا يصبح تحدى اللياقة الاجتماعية مركبًا؛ لأن الصور النمطية هنا ليست عما يقوله البشر وما لا يقولونه، ولكنه أيضًا عن الصور النمطية عن المسلمين والعرب.
رامي قد نجح في الموسم الأول في حصد نجاح جماهيري ونقدي، فبعد التتويج المفاجئ بجولدن جلوب أفضل ممثل في مسلسل كوميدي، اكتسب المسلسل مساحته الخاصة في جدول مشاهدات الباحثين عن السيت كومز، في أمريكا وأوروبا، وبالطبع في مصر والوطن العربي.
في الجزء الأول قدم رامي لنا رحلته، حيث المواجهة بين صلاة الجمعة وسهرة الجمعة، محاولة التوفيق بين الهوية المسلمة التي قرر رامي أن يحتفظ بها، وبين مظاهر ومباهج الحياة الغربية التي ولد وعاش فيها، قمة التناقض في الجزء الأول ظهرت في الأساس من خلال المحاولة في التوفيق بين التعاليم الإسلامية الخاصة بعدم ممارسة الجنس قبل الزواج، الزواج الذي أصبح حاليًّا قرارًا صعبًا ومصيريًّا، يصعب تحمل تكلفته كما يصعب أيضًا تحمل عواقبه في بعض الأحيان، وبين الشكل الحديث للعلاقات بين الشباب في المجتمع الأمريكي، حيث الارتباط والحب يحدث عادة وبشكل مكتمل قبل الزواج، أزمة الهوية هذه استمرت حتى النهاية، لتبدو معها الهوية المصرية المسلمة قدر هذا الشاب، جزء من لا وعيه يجب أن يوفق أوضاعه معه، حتى ولو كانت كل المؤشرات مضادة له.
في الجزء الثاني تستمر الرحلة، لكن رامي الذي قدم لنا حكايته بشكل نشط تمامًا في الجزء الأول، يصحبنا في الجزء الثاني في رحلة شاب كسول، أو كما يطيب للمصريين وصفه (علق)، حيث عدم الفعل يكفى في أحيان كثيرة للتسبب في مأساة.
ليختطف الأنظار على حسابه وجهين، الأول هو علي، الشيخ الصوفي الطاهر، والثاني هو وجه ميا خليفة، الذي يكفي اسمها ونظارتها فقط لتعريفها في الكثير من الأحيان.
الفراغ
في أحد أهم لحظات الجزء الأول يلتقى رامي برجل يعمل في تنظيف أحد المساجد، هذا الرجل الأمريكي الأبيض يلخص لرامي مشكلته الأساسية في أنه محاصر في حلقة مفرغة من محاولاته لإرضاء (الإيجو) الخاص به، هذا الإيجو هو كبقعة سوداء متسخة على رامي أن ينظفها.
المعنى هنا أن رامي ليس مسلمًا، ليس متبعًا لتعاليم الإسلام، عن اقتناع، أو محبة، ولكن لأن مظهره كمسلم يرضي الإيجو الخاص به، والإيجو كما نعرف هو أحد مكونات الشخصية طبقًا لمدرسة فرويد، هو المكون الذي يدفع الشخص للالتزام بما يظن أنه يظهره بمظهر الشخص المحترم، هكذا يدخل الإيجو، والسوبر إيجو أيضًا، في صراع مستمر مع المكون الآخر المعني بإشباع الرغبات والشهوات «الهو- id».
رامي في الجزء الثاني لا ينظف هذه البقعة المتسخة، لكنه يحاول أن يتخلى عن (الإيجو) الخاص به بشكل مكتمل، من خلال التورط في مجموعة من اللحظات التي تحمل قدرًا غير متخيل من التحرج الاجتماعي، لكنه رغم ذلك أيضًا يبقى أسيرًا له، يبقى مدعيًا محاولًا اكتساب القيمة من اعتراف الغير، لا مؤمنًا مقتنعًا مرتاحًا لما يفعل.
رامي في الجزء الثاني لا يفعل أي شيء، لا يتخذ أي قرار بشكل حقيقي، هو يسير مع التيار، يحاول إرضاء الكل، وهذا ما يقوده للسقوط في النهاية، هذه النقطة السوداء المتسخة تتحول لثقب أسود، تدفعه لما يلي الموت في درجة السوء، ويسبقه في بعض الأحيان، الفراغ.
من لحم ودم وكاريكاتور
يستمر المسلسل في الجزء الثاني على نفس السُّنة الحسنة التي بدأت في الجزء الأول، ألا وهي صناعة حلقات مكتملة عن شخصيات الحكاية الأخرى بعيدًا عن رامي، حلقات في الجزأين هي أفضل إجمالًا من الحلقات التي تدور حول رامي ورحلته مع الإيجو الخاص به.
أفضل ما في هذه الحلقات أن تقترب تمامًا من شخصيات أسرة رامي، تقدمها كبشر من لحم ودم، نرى دينا (الأخت) في الجزء الأول وهي تصارع الصورة النمطية عن فتيات العرب وكونهن إما مريم العذراء وإما غانيات، هنا نرى الرابط بين دينا والدين من خلال الجانب السحري من المعتقدات الدينية، جانب التبركات واللعنات الذي يربط العديد من البشر بالدين أكثر من ارتباطهم بالمعتقد نفسه.
حلقات اللحم والدم تكتمل لتصنع أفضل حلقات هذا الجزء عن فاروق / فرانك، الأب الذي يقوم بدوره عمرو واكد، المصري الذي هاجر، وكيف حاول في كل لحظة أن يوفق بين توقعات أهله، وبين واقعه، بين أبيه وبين ابنه. هنا في هذه الحلقة أيضًا استخدام مبهر لأغنية (أنا لك على طول) مرة أخرى يستخدم رامي الإرث الموسيقي المصري بشكل ذكي للغاية، قد نفرد لتحليله مقالًا مكتملًا مستقبلًا.
مايسة (الأم)، تحظى بحلقة خاصة مميزة هنا أيضًا، فبعد حلقة عنها كأم / أنثى منسية في الجزء الأول، هنا نتعرف معها على الحياة بعيون أم شرق أوسطية، الكثير من الطيبة، والكثير من عدم المعرفة أيضًا، لكن الطيبة والمحبة تسود في النهاية، لتخبر ترامب وهي تتستلم الباسبور الأمريكي أنها ليست مثله.
على الجانب الآخر فما بدأ مع الشخصيات الكاريكاتورية التي قدمها رامي في الحلقتين الأخيرتين من الموسم الأول، الصور النمطية المكتملة للأسرة المصرية والسائق المصري، يظهر هنا أيضًا صور نمطية أخرى أبرزها صورة الثري الخليجي الذي يستعين بميا خليفة لمساعدته على التوقف على إدمان مشاهدة المواقع الإباحية.
ظهور ميا خليفة هنا يصحبه مشهد أثار حفيظة عدد من المشاهدين في المنطقة العربية نتيجة حديثها عن أنها مهددة بالقتل في الشرق الأوسط، في حين أن أفلامها لا زالت تحقق أعلى المشاهدات في نفس المنطقة، ميا التي تركت العمل بالمواقع الإباحية وتحولت للإعلام الرياضي حاليًّا، ظهرت لمشهد واحد في هذا المسلسل، ضمن حلقة مليئة بالكوميديا غير المريحة والصور النمطية عن أثرياء الخليج، هل كان هذا الحوار أيضًا ضمن خطة رامي لدفع حدود الكوميديا إلى أقصى درجات عدم الراحة وإظهار الصور النمطية بشكل كاريكاتوري؟ وبعيدًا عن الإحصائيات الخاصة بالمواقع الإباحية عامةً، ومع الوضع في الاعتبار أن إحصائيات استخدام الإنترنت في المنطقة العربية ضرب من ضروب المستحيل؛ لأن أكثر من نصف المواقع محجوب، ونصفها الآخر غير مهتم بحقوق الملكية الفكرية، هل ميا أكثر شهرة عمومًا في الشرق الأوسط مقارنةً بأمريكا وأوربا؟
الشيخ علي
على جانب آخر فالمسلسل في جزئه الثاني يقدم شخصية الشيخ علي، الشخصية الصوفية المسلمة التي تقترب من كونها شخصية لأحد أولياء الله الصالحين، الشيخ علي، الذي يقوم بدوره الفائز بالأوسكار مرتين مارشالا علي، قد يكون أحد أكثر الشخصيات المسلمة، التي تم تقديمها خلال تاريخ الإنتاجات الغربية عمومًا والأمريكية خصوصًا، إيجابية ومثالية، الشيخ علي مؤمن بحق، محب بحق، ويحاول قدر الإمكان مساعدة الجميع بحق، كما أنه لا يتصرف لمصلحته الشخصية أبدًا، هو بالتالي مضاد لكينونة رامي، الشيخ علي تحركه المحبة، الإيجو الخاص به في سبات عميق، في حين أن الإيجو الخاص برامي هو من يملكه.
هكذا تصبح رحلتهما معًا، رحلة الشيخ والتلميذ، صراع محتدم، هل ينجح الشيخ علي في قتل الإيجو الخاص برامي، أم أن إيجو رامي سيوقظ الإيجو الخاص بالشيخ علي ويدفعه لامتلاكه وطرد المحبة والسلام من قلبه.
هذه هي رحلة رامي في الموسم الثاني إذن، رحلة يتأرجح فيها المسلسل بين كوميديا غير مريحة تمامًا وصور نمطية وصلت لذروتها في حلقة ميا خليفة، وبين فكرة مثيرة للاهتمام عن صراع بشر من لحم ودم مع الحياة، عن التوفيق بين الإسلام والحياة، والأهم التوفيق بين الإسلام كروحانية وبين الإسلام كغطاء لإرضاء غرورنا، وهنا يظهر الشيخ علي.
من أنا ؟
في الموسم الأول انتهت رحلة رامي بالعودة إلى مصر، حيث ظن أنه سيجد صورة أكثر نقاءً لهويته، لكنه فوجئ بإجابة من ابن عمه شادي في صورة سؤال آخر (أين بلدي؟) مصر طبقًا لشادي وخصوصًا في الفترة الحالية ليست المكان المناسب للبحث عن الإله أو البحث عن الهوية. في الجزء الثاني يبحث رامي عن نفسه، كما تستمر رحلتنا معه للبحث عن الحقيقة وراء كل واحد من أفراد أسرته، عمه نسيم صاحب الآراء العنصرية والمظهر المنفر، الذي نكتشف حكايته الغرائبية وهويته المدفونة، أبيه الذي يتحمل الكثير للإبقاء على صورة الرجل الشرقي المسيطر على الواجهة، في حين أنه يعاني ماديًّا ومعنويًّا خلف هذا القناع، بالإضافة للأم والأخت اللتين تحظيان برحلتهما الخاصة بين جيلين مختلفين تمامًا من النساء.
رامي في الجزء الثاني يقدم ضحكات أقل من الجزء الأول، يقدم لحظات مضيئة أقل أيضًا، لكنه يقدم أسئلة أكثر، أسئلة قد تبدأ بما هو الحد المقبول للكوميديا بالنسبة لك؟ وما هو الحد الذي ستحتمله أنت خصوصًا إذا ما جاء من رامي، المسلم المصري الأصل؟ هل هذا الحد مرتبط بما أنت مقتنع به فعلًا؟ أم أن الإيجو يهيمن عليك؟
وقد تختتم الأسئلة مؤقتًا بمن أنت؟ ما هي هويتك؟ وما هو الرابط بينك وبين رامي؟ الميلينيالي / millennial الأمريكي أكثر من كونه مصريًّا، لكن العالم على أي حال أصبح صغيرًا جدًّا، ربما أنت شخصيًّا – خصوصًا أنك قرأت هذا المقال – تشترك مع رامي في الكثير من أفكاره، حتى ولو كان مجتمعك ودولتك مختلفة عن مجتمعه ودولته.
كيف ستستمر رحلة رامي في المواسم المقبلة؟ وكيف ستستمر رحلتك الشخصية مع الإيجو الخاص بك؟