بانوراما رمضانية: البداية
من المعروف أنَّ الأعمال الدِّرامية بمختلف أشكالها تمرُّ بثلاث مراحل أساسية هي البداية، والعُقدة، والنِّهاية. تتضمن مرحلة البداية التَّقديم للحبكَة الدِّرامية والشَّخصيات الأساسيِّة بالعمل، ثم مرحلة العُقدة التي تشهد ذُروة التصاعد الدرامي، وتنتهي بمرحلة النهاية التي تشهد التطور الأخير للأبطال والحبكة سواءً بحل هذه العقدة أو تركها مفتوحة سواءً للغرض الفنِّي، أو لمجرد طرح القضية اجتماعيًا.
يتنافس في هذا الموسم الرمضانيِّ 31 عملاً دراميًا من مختلف الألوان ما بين الكوميديا والحركة والتراجيديا وغيرها. اخترنا في هذا التقرير تسعةٌ من أبرز الأسماء المطروحة هذا العام، وسنقوم في الأجزاء الثلاثة لهذا التقرير بعرض مراحل التَّطور الدِّرامي المختلفة بهذه الأعمال، وكذا طرح توقعاتنا الشخصية لشكل هذا التطور ومآله الأخير.
أفراح القُبَّة:
يُعد مسلسل أفراح القُبَّة العمل الروائي الأول للكاتب العالمي نجيب محفوظ والذي يُنقَل للدراما منذ مسلسل حديث الصَّباح والمساء (2001)، ويعتبر التحدي الرئيسي الذي يواجهه هذا العمل هو افتقاده لخبرة محسن زايد الذي نقل أغلب روايات نجيب محفوظ للدراما، وشَهد له أغلب عُشَّاق محفوظ بتمكنه الشديد، حتي في الجوانب التي يختلف فيها عن النص الأصلي للرواية.
وكان المسلسل قد تم إسناده إلي السيناريست محمد أمين راضي في مراحل الكتابة الأولي، وعكف بالفعل علي كتابة 18 حلقة منه قبل أن يعتذر عن استكماله بسبب خلافات مع المخرج محمد ياسين، ثم تم استبداله بالكاتبة نشوي زايد، ابنة الكاتب محسن زايد.
يتبع المسلسل تيمة مسرح الحياة. فحبكته تدور حول مجموعة ممثلين يخوضون تجربة مسرحية جديدة. فيجدوا نص المسرحية يعرض لتفاصيل حياتهم الدقيقة التي لايعلمها غيرهم. ولأن حياتهم مليئة بالخطايا، فقد أرعبتهم الفكرة، وأرعبهم انكشاف خطاياهم علي الملأ. سينهكهم البحث عن المتلصِّص علي حياتهم، وهو ما سيوقعهم في مزيد من الخطايا.
القيْصَر:
الإعلان الدعائي للمسلسل شديد الغموض، وشديد القِصَر أيضًا حيث لم يزد وقته عن 50 ثانية فقط. يظهر فيه «يوسف الشريف» بقوامٍ قويٍ ولحيةٍ طويلةٍ. ومضات سريعة من المسلسل عُرضت في الإعلان ربما لاتساعدنا كثيرًا علي كشف كل الأحداث، ولكنَّها تمكننا من توقع بعضها، فيوسف الشِّريف شخص يدعي القيصر، والقيصر لقب معبِّر عن شهرته وقوته، ويبدو أنَّه متطرف ديني متورط في بعض الأعمال الأرهابية، تُلقِي الشُّرطة القبض عليه ولكنه يتمكن من الهرب.
يبدو أنَّ حبكة المسلسل ستختلف عن مسلسلات يوسف الشريف السَّابقة، التي شهدت الكثير من الالتواءات الدرامية، أي التغيُّرات المفاجئة في مسار المسلسل التي لايتوقعها المشاهد. فحبكة المسلسل ستعتمد في الأساس علي المطاردة بين الشرطة والقيصر، والأشخاص الذين سيقابلهم القيصر في طريقه أثناء الهرب، ستكون المفاجآت في طرق وأساليب القيصر في الهروب من الشرطة وعامل الإبهار سيتمثل في المعارك والمطاردات. هل سنشهد تطورا جديدا في درما الحركة، أم أنَّ الإعلان القصير ضخَّم من توقعات الجمهور، هذا ما ستخبرنا به الليالي الرمضانية القادمة.
الكِيف
«إحنا اللى دَوَّبَنَا الشباري جَوَّهُ اللباري.. بالدهلكه» أكثر ما سيقابله هذا المسلسل بالطبع هو المقارنة بالفيلم الذي يحمل المسلسل اسمه ويعيد إنتاج قصته -التي عُرضت في منتصف الثمانينات- في قالب يناسب العصر الحالي.واختصارًا للكثير من التحليلات فهذا ما نتوقعه من تغيير؛ سيتم استبدال المهرجانات الشَّعبية بالمواويل التي أدتها شخصية «مزاجنجي» في الفيلم، سيتم إدخال بعض المخدرات حديثة الانتشار إلي الحكاية وفي مقدمتها «الترامادول»، وأخيرا سيتغير مسار الأحداث ولن تقع شخصية الدكتور الكيميائي التي يؤديها «أحمد رزق» في الإدمان ولكن سيقع ابنه، أو أحد أفراد أسرته أو كلهم في ذلك.التحدِّي الأهم لهذا المسلسل سيكون بعيدًا عن العِبرة الأخلاقية التي سيحاول بالطبع سيناريو «أحمد محمود أبو زيد» تقديمها عبر نفس أسلوب الفيلم بكشف تناقضات المجتمع و تعريته. التحدي الأهم سيكون في التغلب علي صورة «محمود عبد العزيز» و«يحيي الفخراني» الحاضرة بقوة في خيال كل من شاهد الفيلم ولو مرة. وعلي أي حال نتوقع أن تلاقي إيفيهات مزاجنجي «باسم سمرة» صدي لدي مشاهدي المسلسل من الشَّباب، كما نتوقع أن تلاقي المهرجانات التي سيغنيها رواجا بين جمهورها المتوقع. اسم «الكيف» كفيل بجذب المشاهدات حتي لو كان بإيفيهات وجمل مكررة، أما التحدي الحقيقي هو أن يتذكر أحد ما قدمه هذا المسلسل بعد عام واحد من الآن .. ولا نقول بعد ثلاثين عاما وهي الفترة التي مرت علي إنتاج الفيلم. وفي النهاية لا يبقي سوى التأكيد علي أن “كله بالدهلكه”.
رأس الغُول
من المتوقع أن يدور المسلسل في إطار كوميدي, والكثير من الأحداث البوليسية في ذات الوقت، ـ«محمود عبد العزيز» يكرِّر تيمة الرجل القوي المعروف لقوات الأمن، والتي تحاول بدورها إلقاء القبض عليه، وشهدنا هذا في أعماله السابقة «باب الخلق» و«جبل الحلال». سيؤدي محمود عبد العزيز دور «درويش عبدربه» نصابٌ ماهر، حاد الذكاء، خفيف الدم، يستطيع الخروج من المواقف المختلفة بأكبر قدر من المكاسب.
اعتاد محمود عبد العزيز التألُّق في الأدوار الكوميدية، فلا ننسي أفلام مثل «الكيف»، و«أبو كرتونة»، و«سيداتي آنساتي». ستعتمد حبكة المسلسل علي مطاردة رجال الشرطة لدرويش، وسنتعرض لكثير من المواقف الكوميدية بطول المسلسل.
وبرغم مشاركة نجوم كبار مثل «ميرفت أمين» و«فاروق الفيشاوي» ولكن لن تكون أدوارهم سوي أدوار مساعدة لمحمود عبد العزيز. الذي يؤدي الشخصية المحورية بالعمل وتدور كل الأحداث حوله، ولن يكون وجودهم إلا لزيادة الثِّقل الدعائي للمسلسل.
المسلسل من إخراج «أحمد سمير فرج» الذي يخوض تجربته الإخراجية الأولي، بعد أن عمل كمساعد مخرج مع «شريف عرفة» و«نادر جلال» و«عمرو عرفة» وغيرهم. ويبدو من الإعلان الترويجي أنه يستخدم أسلوب عين الصقر كثيرًا، أي التصوير من أماكن بعيدة والأقتراب أو الأبتعاد بالكاميرا كأن طائر يقترب أو يبتعد عن الحدث، ما يعني أن المزيد من الحركة بانتظارنا هذا الموسم.
سقُوط حر:
يبدو من الإعلان التشويقي للمسلسل أنه يدور بشكل أساسي حول «نيللي كريم» التي تقوم بدور مريضة عقلية تحارب مع عقلها كي تقنعه بما يراه الناس من حولها كما يظهر في إحدى اللقطات وهي تصرخ «إنتي مش حقيقية»، نتوقع أن تدخلنا «مريم نعوم» هذه المرة إلى عالم المصحة العقلية بما يدور داخلها من أهوال، سوف نتعرف على عدد من المرضى ومشكلاتهم وصراعاتهم مع ذواتهم، نتوقع أيضاً أنه ربما يتعرَّض المسلسل لبعض الانتهاكات التي تحدث داخل المصحَّات العقلية والتي تخِل بشرف المهنة.سوف تقابل نيللي كريم الكثيرين داخل المصحَّة، نتوقع أن يتقاطع طريقها مع طريقهم وألا يكتفي المسلسل بسرد خطوط متوازية لحالاتهم فقط، من تلك الشخصيات نماذج سوف يساهمون في تفاقم حالة نيللي كريم، أو سيكونون طرفاً في حياتها، تلك الشخصيات نتوقع أن نكتشف في النهاية أنها جزءً من مرضها العقلي، مما سيجعل المسلسل أكثر تعقيداً وصعوبة، وأكثر إمتاعاً أيضاً.
شِهادة ميلاد:
يبدو من البرومو التشويقي للمسلسل أنه يدور في إطار بوليسي وحركي كما عودنا «طارق لطفي» مؤخراً بعد مسلسلات مثل «بعد البداية» 2015، و«عد تنازلي» 2014، ولكن من اللافت للنظر التحوُّل الكبير في شكل طارق لطفي والأخبار التي تداولتها الصحف عن الحِمية التي اتبعها كي يظهر بهذا السَّقم على الشاشة.أما عن توقعات المسلسل، فيبدو أن طارق لطفي الضَّابط المرموق الشريف سيكتشف شيئاً مُشيناً عن نَسَبِه ربما يكتشف أن أباه أحد أباطرة الجريمة أو أحد منفذي إحدى العمليات الإرهابية الشهيرة، المهم أن نسب طارق لطفي لن يروقه في كل الأحوال وسيتعارض تماماً مع مبادئه. نتوقع أن تدور أحداث المسلسل حول تصميم طارق لطفي على تنفيذ العدالة، حتى لو كانت تلك العدالة تضر بسمعته تبعاً لإسمه المدوَّن في شهادة الميلاد.
مأمون و شركاه:
مرَّة جديدة يخرج لنا تعاون «إمام» و«معاطي» نموذجًا مكررًا للحكاية المعتادة منهم، رجل كبير في السن والقيمة، تتجمع عائلته أو أصدقائه حوله، ثم تحدث مشكلة ما حسب اسم المسلسل أو الفيلم، ثم تنتهي الأحداث بالطبع بحل العقدة وانتصار شخصية البطل بشكل مادي ملموس في الصراع أو بشكل معنوي اذ يتحول لشخصية أفضل.
يتخلل هذا كله سكيتشات مكرره لخفة دم «محفوظة» حينما يمارس الزعيم هوايته المعتاده في توبيخ الجميع و«رزعهم» بعض الصفعات الخفيفة علي الوجه أو «التبريق» الذي يتلُوه النظر إليهم باستخفاف، يتقاطع مع هذا بعض المشاهد الدرامية حينما نري الوجه الحزين «المحفوظ» الذي لا يملك عادل إمام غيره.الإضافات الجديدة في «مأمون وشركاه» أن عادل إمام سيقوم بدور رجل بخيل تكتشف أسرته أنه يملك ثروة طائلة، كما يبدو أن المؤلف يوسف معاطي أدخل خطا سياسيا في الحكاية سيتعرض فيه لبعض مشاكل المجتمع حاليا وفي مقدمتها قضية الإرهاب. بالطبع سنري رؤية سطحية للغاية في التعامل مع هذا. في حقيقة الأمر مقدار نجاح هذا المسلسل جماهيريا لا يتوقف علي أي شئ سوي وجود عادل إمام ، بسبب «العِشرة» التي تولدت عبر السنين بينه وبين المشاهد، لنستعير جملته في فيلم «التجربة الدنماركيه» حينما قال: «بقي في عشرة بيننا و بين الوزرا .. الوزير ده بقي زي أمك .. تقدر تغير أمك؟» هذا هو تماما ما يمثِّله عادل إمام للمُشاهد، «تقدر تغير عادل إمام؟»
هي و دافنشي :
ستري من اللحظة الأولي لمشاهدتك للإعلان التشويقي لهذا المسلسل بوضوح تام أننا أمام عمل له بطلين كبيرين اعتاد كل منهما أن يكون له مسلسله الخاص يخوض به غِمار منافسات دراما رمضان والآن اختارا أن يقتسما عملاً واحداً.الإعلان التشويقي يخبرنا أنَّ خالد الصاوي سيظهر كعادته في إطار من الكوميديا والتشويق والسخرية وحل الألغاز و أداء أدوار متعددة بأشكال متغيرة، هذا إذا هو «دافنشي»، ولكن أين ستكون «هي» وسط كل هذا الزحام، هذا هو التحدي الأهم أمام هذا المسلسل.ويبدو من الإعلان التشويقي أيضا أن «ليلي علوي» استطاعت أن تجد طريقها وسط الانفجار المسرحي المعتاد لخالد الصاوي، بإمكان ليلي أن تحافظ علي معادلة الدراما و المشاعر و تضيف أيضا اللمسة الإنسانية ليصنعا سوياً عملاً جديراً بالمشاهدة.هل سيستوعب نص محمد الحناوي قدرات ليلي وخالد؟ وهل سينجح المخرج عبد العزيز حشَّاد في إدارة هذا العمل وسط هذا الانفجار التمثيلي المزدوج؟ كل هذه الأسئلة تجعلنا نتوقع عملاً جديرًا بالمتابعة وسط زحام رمضان.
وَنُّوس:
يبدو من البرومو الأول للمسلسل أن «يحيى الفخراني» يقوم بدور رجل طيب ودود يقتحم عالم أسرة بسيطة هاتفاً «أنا صاحب أبوكو.. ونُّوس»، ولكننا نستطيع أن نلاحظ وجوماً لم يستغرق سوى ثواني معدودة يعتري وجه هالة صدقي، ثم يأتي البرومو الثاني الذي يمكننا أن نستقريء منه أن «ونُّوس» هذا ما هو إلا شيطان يحاول إغواء أفراد الأسرة وعلى رأسهم «نبيل الحلفاوي» والذي يقوم بدور الأب.بالطبع سوف يقوم «عبد الرحيم كمال» بكتابة سيناريو محكم لا يِقلُّ جمالاً عن أعماله السابقة، ثم عندما يتبارى يحيى الفخراني ونبيل الحلفاوي على حلبة التمثيل، فإن الفائز الأول هو المشاهد، نتوقع أن نرى أداءً مبهرا من النجمين الكبار.أما بالنسبة لشخصية ونوس فالمرجح أنه سيكون كائناً ما وراء طبيعياً، يستخدم التودُّد والطيبة في إغواء البشر، سوف يكون المسلسل تنويعاً على تيمة «فاوست» الذي باع روحة للشيطان، ولكننا نأمل ألا يقع عبد الرحيم كمال في فخ التكرار عندما ينتصر البشر في النهاية حتى لو لم يكونوا أخياراً جداً، فالشيطان أيضاً ينتصر كل يوم في الواقع فلا نستبعد أن ينتصر ونُّوس على الشاشة.