رمضان النازحين: طقوس مفقودة وحنين لا ينتهي للوطن
بعضٌ من كسرات الخبز اليابس، وقليل من المعلبات التي قاربت صلاحيتها على الانتهاء، تستطيع أن تُبقي النازحين من بلاد الحرب أيامًا معدودة على قيد الأمل، لكنهم أبدًا لن يُعيدوهم إلى منازلهم التي دُمرت على مرت سنوات الحرب.
أولئك خرجوا هاربين من قذائف الموت إلى دول الجوار، فاستقر بهم الحال في المخيمات، التي أعدتها تلك الدول على حدودها أو داخل مدنها، وهناك بدءوا يُقاسون العذاب والذل في توفير متطلبات الحياة لأطفالهم وأسرهم، التي تتفاقم – حسب شهاداتهم لمؤسسات إغاثية وإعلامية – مع شهر رمضان، إذ علاوةً على افتقادهم لما يسد رمقهم يفتقدون طقوس وعادات الشهر؛ سواء ما تتعلق بالمأكولات والمشروبات أو بالعادات الاجتماعية والأجواء الروحانية، خاصة صلاة التراويح.
في سوريا استقبل أكثر من 6 ملايين نازح رمضانهم الثامن على وقع الحرب وفي خيام التشرد، وفي العراق كذلك حلَّ رمضان حزينًا على أكثر من 2.3 مليون نازح داخل العراق من أصل 3.5 مليون، والحال في اليمن التعيس أكثر وجعًا فرغم أنها جاءت في الترتيب الثالث من حيث عدد النازحين داخليًا جراء الحرب للعام الماضي بواقع 160 ألف حالة، فإنها الأكثر ألمًا من حيث الفاقة التي يحيا تفاصيلها النازحون والتي قد تصل إلى المجاعة قريبًا.
لدى أولئك النازحين لم يعُد رمضان كما كان سابقًا في بلادهم المستعرة حربًا ودمارًا، لقد تغيرت ظروفهم وأحوالهم مع انتقالهم إلى حياة الخيم والتشرد، وتغيرت الطقوس التي اعتادوا عليها خلال الشهر الكريم وخاصة لمّة العائلة على مائدة الإفطار.
سوريا: لا شيء يُشبه الحياة
ثمانية أعوام ونيف، لم يجد السوريون سبيلًا للاحتفاء بشهر رمضان المبارك كما كانوا يفعلون قبل أن تُشتتهم حرب «الأسد» وحلفائه، بعضهم يُذوبه الحنين إلى لمّة وطقوس الشهر، فيأتي من مهجره خلسًة ليشبع بعضًا من مشاعره مع من تبقى من الأهل والأحباب، وآخرون ينهش قلوبهم الحزن على مصير من تفرقت أشياعهم في مخيمات النزوح داخل سوريا، أولئك الذين يلتحفون الخيام البالية بلا ظلٍ أو طعام، تجدهم يرجون سبيلًا للعودة إلى ديارهم بعد أن تضع الحرب أوزارها.
«تركي العيسى» استقر به الحال في مخيم عشوائي شرق دير الزور بسوريا، يفترش الأرض ويلتحف السماء بلا أي مقومات أُخرى للبقاء، يقول لإحدى المؤسسات الإغاثية التي أطلعتنا على شهادته:
المطلب الوحيد للرجل – كما يقول- هو العودة إلى وطنه وبيته بأمان، ولا يضيره إن كان مدمرًا أو لا، فلديه الهمّة ليُعيد بناءه من جديد، فقط ليجتمع فيه بمن تبقى من أسرته أحياء بدلًا من تشتتهم في مخيمات اللجوء.
وبحسب عبد العزيز أحمد قيطاز، إعلامي سوري، فإن العديد من السوريين في مخيمات اللجوء في تركيا أو الأردن بدءوا مع انتصاف شهر رمضان العودة إلى ديارهم أملًا في قضاء إجازة العيد مع أهلهم في المدن السورية الآمنة من بطش الأسد ونظامه، وقال:
الكثير من النازحين السوريين مرَّ على خروجهم 2 – 7 سنوات، تضوروا خلالها حنينًا لحاراتهم وبيوتهم ولأزقة شوارعهم ولصوت المسحراتي في فجر رمضان ولضجة الأسواق قُبيل المغرب، لرائحة المعروك ولطعم عرق السوس، ولصلاة التراويح ودعاء القنوت، اليوم يرجون أن يستعيدوا شيئًا منها.
العراق: بعض الحرية لا تكفي
سوءٌ في الخدمات وإهمال متعمّد من الجهات الحكومية، وغياب للمنظمات الإنسانية والإغاثية عن دعم النازحين، جملة إجراءات يعيش تفاصيلها أكثر من مليوني نازح في العراق بعد أن تشتت أمنهم خلال الحرب التي شنتها البلاد ضد تنظيم داعش، وأدت إلى تخليص معظم الأراضي العراقية من صلف حكم التنظيم وإرهابه الممتد من 2014.
لكن إعادة السيطرة على البلاد من الحكومة لم تؤد إلى عودة جميع العوائل النازحة إلى ديارهم نتيجة حالة التدمير والهدم، بقوا في المخيمات يعانون الويلات من شدة الحرارة وانقطاع التيار الكهربي وشح الدعم المادي وافتقارهم للطعام، لحين تنفيذ الحكومة خطط الإعمار التي تعهدت بها للمناطق التي تضررت بفعل الحرب.
هذه الأوضاع المأساوية أرخت سدولها على مظاهر الحياة في رمضان العراق؛ فالنازحون هناك لا يملكون إلا التفكير بكيفية تدبير وجبتي الإفطار والسحور ليتمكنوا من أداء فريضة الله، وهو ما أكدت عليه «رجاء محمد»، نازحة من مدينة يثرب جنوبي تكريت، مركز محافظة صلاح الدين شمالي العراق، فقد كانت تعتمد على المساعدات الخيرية لتدبير أمور يومها، لكن شُحها منعها من ذلك، تقول:
وفي ظل عدم كفاية المساعدات التي تأتي من وزارة الهجرة والمهجرين في العراق، فإن الغالبية العظمى من النازحين يعتمدون على المنظمات الإنسانية والمتبرعين المدنيين خلال شهر رمضان والعيد.
وبحسب منظمة رافد للإغاثة والتنمية، فإنها بدأت مع بداية شهر رمضان التخفيف عن كاهل النازحين بتوفير وجبتي الإفطار والسحور في مخيم «الأهل» للنازحين في حي الرسالة قضاء أبو غريب.
يقول «صهيب حسن تايه»، رئيس المنظمة، والذي تواصلنا معه عبر صحفة المنظمة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: «إن مشروع مطبخ الخير والبركة للصائمين خفّف الكثير من معاناة النازحين»، ويُتابع أنهم يوميًا يُقدمون الطعام والماء للنازحين، كما يعكفون على حث المتبرعين لإدخال البهجة على أطفال العراق في مخيمات النزوح، بتوفير كسوة العيد سواء ملابس أو مبالغ نقدية تُمكنهم من اقتنائها والابتهاج بها.
اليمن: أحرنته الفاقة وأدماه الجوع
في اليمن لم يعد خافيًا على أحد حجم المعاناة التي يواجهها الشعب هناك، تحت وطأة العدوان والحصار برًا وبحرًا وجوًا، لقد نهش الفقر أجساد النازحين وأبقاهم على حافة الموت في ظل شح المساعدات المقدمة إليهم.
وفي رمضان لا يختلف الحال كثيرًا عن باقي أشهر السنة، وجبة واحدة فقط اعتادوا عليها منذ لجوئهم، ومع قدوم رمضان يتم تأجيلها لحين موعد الإفطار.
بمجرد تفحصك لصور الأطفال والنساء اليمنيين في منطقة ضروان بمحافظة عمران شمال العاصمة صنعاء، ترى المعاناة شاخصة في الوجوه، فالمنطقة تشهد إحدى أكبر أزمات النازحين في العالم، وفق مؤسسات دولية.
هناك لا شيء يُشبه الحياة فالغذاء والماء والدواء في عداد العدم، أما الدعم فلا يوجد سبيل إليه، رغم وجود أكثر من 280 أسرة داخله، إذ تُعاني تلك العائلات من الحرمان من الاحتياجات الضرورة والخيام والمواد الغذائية ناهيك عن دورات المياه.
ويقول «صادق الضرواني»، مسئول المخيم المكلف من اللجنة المجتمعية بالمنطقة: «إن المنظمات المانحة لا تقوم بأي دور حقيقي لتغيير واقع نازحي مخيم ضروان»، باستثناء ما تقدمه هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية، التي تتكفل بإيواء 180 شخصًا شهريًا بمواد غذائية، مؤكدًا أن ذلك أقل بكثير من الاحتياجات الفعلية لعائلات النازحين.
بينما أشار «أنطونيو غوتيريش»، الأمين العام للأمم المتحدة، خلال مؤتمر الاستجابة الإنسانية في اليمن، إلى أن أكثر من 75% من السكان هناك يحتاجون للحماية والمساعدات الإنسانية، وبيّن أن خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن لعام 2018 تحتاج إلى 2.96 مليار دولار أمريكي، لتوفير مساعدات لنحو 18 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بزيادة مليون شخص عن العام الماضي، 2017، بينهم 8.8 مليون لا يعرفون كيف سيحصلون على وجبتهم الغذائية التالية.