مسلسل «رمضان كريم»: دراما الشخصيات العادية
بعد أن انتهت الجلبة ولملم الموسم الدرامي أغراضه ورحل، وبعد أن تحدثنا جميعًا عن المسلسلات المميزة والمختلفة والمبهرة وحتى الفاشلة، حان الوقت لنتحدث عن مسلسل هادئ وناعم لم ينافس بشراسة في المعارك النقدية، كما لم يشارك في معارك الأكثر مشاهدة طوال الشهر، مسلسل عادي جدًا لم يتميز بشيء معين، ولكن متابعته تضعك في مأزق محير: هل من الممكن أن يكون الفن جميلاً من فرط عاديته؟.
مسلسل «رمضان كريم»، الدراما السردية القديمة والتي تدور في حارة شعبية دون صراعات محتدمة ودون أي مميزات سوى أنها تنقل بأمانة ما يحدث في حيوات هذه الطبقة، أحداث عادية دون حبكة تجعلك تتساءل عن أحداث الحلقة القادمة ودون تشويق، اللهم إلا التشويق الإنساني الذي يجعلك تتوحد مع الأبطال حتى لو لم يكونوا يعانون مأساة حقيقية.
الدراما السردية في مواجهة الحبكات المعقدة
المسلسل يدور في حارة من حواري مصر القديمة، الأبطال الأساسيون هم أسرتان لأخين هما أسرة «سيد رجب» الذي يقوم بدور الأستاذ «رمضان» مع زوجته «سلوى عثمان» وابنتيه «روبي» و«ريهام عبد الغفور» وابنه «كريم الأبنودي»، وأسرة «الحاج كريم» الذي يقوم بدوره «محمود الجندي» وزوجته «سلوى محمد علي» وابنيه «شريف سلامة»، و«كريم عفيفي» وابنته «سهر الصايغ»، وأسر أخرى وبيوت تحوي المزيد من الحكايات من جيرانهم في الحارة.
لا يمكنك أن تجزم أن المسلسل يدور حول فلان البطل الذي يدور في فلكه باقي الأبطال، حتى وإن كان المسلسل تتصدره «روبي» على البوستر وباقي الأبطال من خلفها، إلا أنها ليست بطلة وحيدة، المسلسل يعتمد على سرد العديد من القصص العادية جدًا، التي تتماهى مع المجتمع في دوائر عديدة يجمع بينها فقط أنها جميعًا من الطبقة الشعبية، والتي بالمناسبة لا تختلف مشاكلهم كثيرًا عن باقي الطبقات الاجتماعية.
المسلسل لا ينافس بقوة لأنه ليس ذا حبكة معقدة وقصة لها بداية ووسط ونهاية، لا ينتظر المشاهدون كي يعرفوا ماذا سيحدث لفلان وكيف سيتصرف، ولكنه يلعب في ملعب مختلف تمامًا، ملعب قديم بعدت عنه الدراما المصرية لصالح الحبكات المعقدة والقصص المختلفة، ملعب الدراما لأجل الدراما وليس من أجل الأحداث، يعبر عنه جدًا لقطة في آخر تتر البداية عندما تجد برادًا يصب شايًا في كوب زجاجي، مع كتابة رقم الحلقة، هذا مسلسل يصلح للمشاهدة وأنت ترتشف الشاي في دعة، لا يحتاج إلى توتر وانتباه وتحفز وجري لاهث وراء الحلقات، هذا مسلسل «رايق».
التمثيل ثم التمثيل.. ثم التمثيل
صبري فواز (يمين) – وسيد رجب، من مسلسل رمضان كريم
رغم أن المسلسل لا يتطلب قدرات خارقة في أداء شخصياته، حيث إنهم لا يواجهون أحداثًا غريبة أو صعبة بشكل حقيقي، إلا أن كل شخصية في المسلسل كان يؤديها صاحبها بالمسطرة، وهو ما يرجع بالتأكيد لقدرة المخرج سامح عبد العزيز علي قراءة وتوظيف كافة طاقم التمثيل بالمسلسل، والاهتمام حتي بالممثلين الذين يقومون بأدوار صغيرة أو ثانوية.
ويمكننا أن نستثني من ذلك -وللغرابة- «روبي» التي لم تكن موفقة جدًا. فبرغم تفوقها الذي لا يستطيع أحد إنكاره بشكل عام إلا أنها لم تكن متألقة كما عهدناها مؤخرًا، ربما لأن الشخصية لا تمتلك الكثير من التفاصيل، هي تلعب دور «سناء» ابنة الموظف محدود الدخل، والتي تتطلع لتغيير واقعها وتتعرف على شاب ثري فتمثل أنها من طبقة مختلفة لتحظى به زوجًا، الشخصية معقدة بالطبع ولكن لم تكن مساحتها كبيرة، ربما لهذا لم تتمكن روبي من إيصال أي شيء بأدائها الذي كان عاديًا جدًا.
أما إذا أردنا أن نتحدث عن التميز الحقيقي فبإمكاننا أن نفرد صفحات للدويتو العبقري، «سيد رجب» أو «الأستاذ رمضان» الموظف الشريف الفقير، و«صبري فواز» أو «خميس» خطيب ابنته الموظف المرتشي الأفاق، نقيضين في الإنسانية وشبيهين في الأداء السهل الممتنع الرائع في المسلسل.
«سيد رجب» كان يمثل الأب الذي يشبه آباء كثيرين لا يرتشون ولا يسرقون وفي نفس الوقت لا يجيدون تدبر نفقات الحياة الكثيرة، ويحن طوال الوقت للوقت الذي كانت فيه الحياة أجمل وأسهل وكان شهر رمضان أكثر روحانية، ويتمسك بعادة المسحراتي التي يمارسها كل ليلة وينزل للشوارع الساهرة لينادي جيرانه وهو يطرق طبلة أبيه القديمة.
أما «صبري فواز» فهو الأفّاق الملاوع الذي يجيد كل الأخطاء ويرتكبها بخفة ودون أي إحساس بالذنب، «صبري فواز» استطاع فعلاً أن يجسد الشر العادي الناعم الكامن بداخل كل البشر والذي لا يجعلهم شياطين مكروهين في نظر الآخرين والذين يمارسون شرهم هذا يوميًا ولا ينتبه أحد، ربما كان زميلك في العمل أو جارك في العمارة خميس آخر ولكنك تتعامل معه يوميًا ولا تشعر أنه شر مستطير.
شخصيات أخرى ثانوية
يضم المسلسل الكثير من الشخصيات المرسومة جيدًا، فهناك «صباح» التي قامت بدورها «سهر الصايغ» والتي تمثل الفتاة الشعبية الساذجة التي تحب «حسين» الذي تختارها له أمه من صلاة التراويح ومترددة في قبوله زوجًا بسبب إعاقة في قدمه، وأخوها «جمال» الذي قام بدوره «كريم عفيفي» سائق التاكسي اللبش خفيف الدم السمج الذي لا يمكنك ألا تستمتع بكل مشاهده على الشاشة، و«نجلاء بدر» التي قامت بدور «زيزي» الراقصة المعتزلة التي تنكب على ماكينة الخياطة، والمعلم «حناوي» صاحب المقهى الذي أجاد أداءه «محمد محمود» بقمصانه القديمة وساعته الذهبية وجلسته واضعًا قدمًا فوق أخرى وكأنه فعلاً صاحب المقهى المتزوج من ثلاثينية حسناء يعشقها.
أما الأمهات في هذا المسلسل فقصة أخرى، «سلوى عثمان» مثلاً زوجة الموظف التي تجلس أمام «الشيف شربيني» لتدون وصفاته وتدخل الجمعيات لتجهيز ابنتها وتشاكس زوجها في نهار رمضان، امرأة شعبية حقيقية من لحم ودم، و«سلوى محمد علي» التي لم يكن دورها كبيرًا بأي حال من الأحوال ولكن كل مشاهدها كانت متقنة حتى الصامت منها، سيدة طيبة لا تعيش صراعات في حياتها الهادئة وتمارسها بكل ما أوتيت من عادية وإتقان.
الكثير من الشخصيات التي يسردها المسلسل والتي تستحق جميعًا الحديث عنها والمشاهد الحقيقية التي تدور فعلاً في أذهان الناس، استطاع المخرج «سامح عبد العزيز» أن يحركها جميعًا في إطار مبهر من فرط عاديته، أنت تتابع الشخصيات ليس لتعيش حياة أخرى مختلفة، ولكن لتتلصص على حياتك وحياة الآخرين على الشاشة، التلصص ممتع جدًا كما كان مسلسل رمضان كريم ممتعًا.