سباق الإعدامات بين السعودية وإيران في السنوات الخمس الأخيرة
يؤرخ البعض لبداية العمل بالعقوبة الكبرى بهذا التاريخ، لكن بالطبع عقوبة الإعدام وُجدت مع تكون المجتمعات كنوع من العدالة الإجرائية. وتنوعت طرق التنفيذ، وتطورت مع الوقت ما بين الشنق وقطع الرأس بحد السيف وقطع الحبل الشوكي العنقي والرجم بالحجارة والحقنة المميتة وغرفة الغاز والكرسي الكهربي والرمي بالرصاص وأساليب أخرى تختلف باختلاف المعتقدات والعادات. لكن مع الوقت بدت عقوبة الإعدام عصا في أيدي الأنظمة السياسية لقمع معارضيها واتهامهم تارة بالفساد وتارة بالإرهاب فنادت أصوات كثيرة وتأسست حركات عالمية للمطالبة بوقف العمل بهذه العقوبة.
منظمة العفو الدولية
كخطوة على الطريق، جعل الاتحاد الأوروبي تعليق العمل بالعقوبة وقت السلم شرطًا للحصول على عضويته، ما جعل دولة مثل تركيا، في إطار سعيها للانضمام إلى الأسرة الأوروبية، تقرر إلغاء عقوبة الإعدام على أراضيها بإقرار من البرلمان التركي في أغسطس 2002. وبذلك أضحت أوروبا قارة لا تطبق عقوبة الإعدام.
مع إعلان المملكة العربية السعودية تنفيذها حكم الإعدام بحق الشيخ نمر باقر أمين النمر -أحد رجال الدين الشيعة السعوديين، والمعروف بمعارضة النظام الحاكم في المملكة والمتهم بالتحريض على أعمال عنف وقعت بالقطيف قبل سنوات- ضمن 47 شخصا نُفذت بحقهم عقوبة الإعدام، نشبت حرب كلامية بين المسئولين في إيران ونظرائهم السعوديين، فإيران تعتبر نفسها الأب الروحي لشيعة العالم -من ضمنهم بالطبع شيعة السعودية وهم يمثلون ما بين 10-15% من سكان المملكة البالغ عددهم 20 مليونا.
في منطقة مليئة بالتناقضات الطائفية والدينية والإثنية مثل الشرق الأوسط تصبح حادثة كهذه مشوبة بتصفية الحسابات السياسية بين الخصمين السياسيين الرئيسيين في المنطقة (السعودية وإيران) والمتحاربين بشكل غير مباشر على أكثر من ساحة، ومع استهداف رموز المعارضة من كلا المذهبين داخل الدولتين، يصبح الموقف أكثر توترًا في أعقاب كل حادثة.
انطلقت الاحتجاجات في طهران واقتحم المحتجون السفارة السعودية، واتهمت إيران على لسان رئيسها حسن روحاني السعودية بأنها تؤجج الفتن وتدفع بالمعارضين لاستخدام العنف واللجوء للتطرف، بينما وصفت المملكة -على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير- طهران بأنها دولة راعية للإرهاب لاعتراضها على قضية الإعدام وتسهيل حكومتها اقتحام المحتجين للسفارة. حتى كان آخر ما وصلت إليه التراشقات الثنائية بينهما، بإقرار الرياض قطع كافة العلاقات الدبلوماسية بينها وبين طهران. وعلى إثر الحادثة، اتهمت منظمة العفو الدولية المملكة بأنها تصفي حسابات سياسية خلال هذه الإعدامات.
ما موقف الدولتين إذًا من أحكام الإعدام؟
تُقر السعودية عقوبة الإعدام على جرائم القتل والاغتصاب والزنا والارتداد عن الدين الإسلامي وممارسة السحر وممارسة الإرهاب وترويج المخدرات. وتتنوع آليات التنفيذ بين الضرب بالسيف أو الرصاص أو الرجم في حالات الخيانة الزوجية. وتخصص لتنفيذ العقوبة ساحات مُعدة خصيصًا لهذه المهمة أبرزها ساحة الصفاة وسط الرياض.أبرز الانتقادات التي وُجهت للمملكة بهذا الصدد مؤخرا، التقرير السنوي الصادر عن منظمة العفو الدولية في نوفمبر الماضي تُتهم فيه المملكة بأن أحكام الإعدام لديها تصدر بعد محاكمات جائرة، تفتقر إلى الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة المنصوص عليها في القوانين والمعايير الدولية لحقوق الإنسان” ويرجع أكثرها لجرائم دون القتل كترويج المخدرات. كما أورد التقرير أن المملكة لا تطبّق أحكام الإعدام حصرا على مواطنيها، فنصف الإعدامات التي نُفّذت عام 2013، كانت في حق أجانب، علمًا أن بعض المنفذ حكم الإعدام بحقهم هم دون 18 سنة. ومن ضمن 63 شخصا أُعدموا في 2015 بتهم تتعلق بالمخدرات، كانت غالبيتهم -45- من الرعايا الأجانب. ومعظم هؤلاء من العمال المهاجرين من البلدان النامية، وهم لا يحسنون اللغة العربية، ومحرومون، كما يشير التقرير، من الترجمة الكافية أثناء محاكمتهم.
أما إيران فسجلها حافل بعدد غير مسبوق من أحكام الإعدام المنفذة على أراضيها وبحسب تقارير محلية ودولية فإن إيران احتلت المرتبة الثانية بين أكثر الدول تنفيذا للعقوبة الكبرى لثلاثة أعوام على التوالي 2013، 2014، 2015.
وكان من بين أكثر الانتقادات التي وُجهت لإيران بهذا الصدد، ما أوردته منظمة العفو الدولية “إن الزيادة الاخيرة في الإعدامات في إيران مثيرة للقلق، خصوصا وأن هذه الأحكام تصدر عن محاكم تفتقر كليا للاستقلالية والحيادية” وتابعت المنظمة قولها: