السعار: هل الموت في أنياب الكلاب؟
داء الكلب
الخوف من الماء، السعار، أو كما قالت العرب قديمًا داء الكلب، تعددت الأسماء والمرض واحد، يغازل مخيلة البشر من قديم الزمان فيملؤها رعبًا وفزعًا، ويجعل من وصف لكل عنيف بالمسعور، فهو قديم في نفوس البشرية بقدم حياتهم نفسها.
يُعد «السعار – Rabies» واحدًا من أشهر الأمراض العصبية في العالم، هدفه الرئيسي هو الجهاز العصبي المركزي والمخ، وهو أحد أهم «الأمراض المشتركة – Zoonotic Diseases»، وهي تلك التي تنتقل من الإنسان إلى الحيوان أو العكس، التي تعد فرعًا غاية في الأهمية من فروع الطب.
من المتهم؟
بحسب منظمة الصحة العالمية ينتشر الفيروس المسبب للمرض في جميع أنحاء العالم، فهو ينتشر فيما يزيد عن 150 دولة. وإن نجحت بعض الدول في التخلص منه كالولايات المتحدة وكندا على سبيل المثال، فهو لا يختص بأرض دون أخرى، إلا أنه أشد انتشارًا في المناطق النائية والريفية والدول النامية. يتعرض له ما يزيد عن 15 مليون شخص سنويًا، فهو مسيطر تمامًا على معظم أنحاء الكرة الأرضية، ومن هنا برزت الحاجة الأكيدة للسؤال: من أين تأتي العدوى؟
برغم أن الوطاويط تلعب دورًا هامًا في نقل المرض، إلا أن المتهم الرئيسي في نقل العدوى هو الكلاب، فنسبة 99% من حالات الإصابة بالسعار كان مصدرها الكلاب، وبالرغم من كل ذلك ليست كل الكلاب متهمة، فبين المستأنس الحاصل على التطعيم الذي لا خطر منه، وبين الشارد الذي قد يكون أكثر عرضة للخطر، وفوق هذا ليس كل من عضه كلب سيصاب بالمرض.
إن الإصابة بالفيروس تختلف من شخص إلى آخر ومن وقت إلى آخر، فالعض في الصيف حينما تكون الملابس خفيفة وأجزاء الجسم واضحة، غيره في الشتاء حيث الملابس الثقيلة ويتم تغطية أكبر قدر ممكن من الجسم. كذلك الإصابة في الأطفال الصغار أعلى، فهم غير قادرين على مقاومة الحيوان للدرجة التي جعلت حوالي 40% من الإصابات هي للأطفال وذلك غير البالغين الكبار الذين يمكنهم المقاومة والهرب.
بالإضافة إلى ذلك اختلاف مناطق العض، فالأجزاء البعيدة عن المخ من الجسم كالفخذ والساق والقدم غير الأجزاء القريبة كالوجه والصدر، حيث تلعب كل تلك العوامل في الكم المنتقل من لعاب الكلب المصاب للشخص نفسه أو لحيوان آخر سليم.
متى يمرض الحيوان؟
كاب مصاب بداء الكلب
على عكس الشائع، فإن الحيوان أو الكلب المصاب لن يملأ الدنيا نباحًا وضجيجًا، وهو في الأساس ذلك الذي لم يحصل على تطعيمه في الأوقات المحددة، ولكن الكلب في هذه الحالة سيفضل الهدوء والانعزال عن صاحبه، وفي تلك المرحلة سينعزل في الأماكن المظلمة الهادئة منقطعًا عن الطعام والماء، وسيكون دائم اللعق بلسانه لمكان العض، ثم بعد ذلك ستبدأ علامات المرض في الظهور عليه شيئًا فشيئًا:
فالبداية من ارتفاع درجة حرارته، وتنبهه لأقل المؤثرات الممكنة، وقد يبادر صاحب الحيوان في تلك الحالة إلى إطعامه بالقوة ظنًا منه أنه بهذا يساعده غير عالم أن تلك الوسيلة قد تنقل له العدوى بأسرع الطرق الممكنة.
في خلال يومين أو ثلاثة، يبدأ الكلب في الانتقال إلى المرحلة العنيفة من المرض، فتزداد شراسته ورغبته في عض أي شيء يقابله سواء كان حيوانًا آخر أو إنسانًا، ثم تزداد الأعراض توحشًا، فنتيجة شلل عضلات الفم يبدأ اللعاب في الخروج من فمه ثم يمتلئ رعبًا من رؤية الماء وينطلق هاربًا في طريقه ساعيًا نحو الموت، وهنا يزداد خطره على كل ما حوله، فقد يستطيع السير لمسافات طويلة للغاية وأثناء ذلك يقوم بعض كل ما ومن يقابله من كائنات أو بشر ناشرًا العدوى بأقصى ما يستطيع.
بعد حوالي أسبوع من ذلك يكون الكلب قد وصل إلى محطته الأخيرة بالشلل العام لعضلات التنفس ومتجهًا صوب الموت الأكيد الذي يسوقه السعار إليه.
الإصابة في الإنسان
بطبيعة الحال قد يصاب الإنسان بالمرض من حيوان مصاب، وقد يمضي وقت طويل على ظهور الأعراض عليه والتي قد لا تختلف كثيرًا عن مثيلتها في الحيوان، من حب العزلة، و«الخوف من الأضواء – photophobia»، فالشلل الذي يصيب عضلات العين يجعل دخول الضوء إليها بكميات كبيرة ومؤلمًا للغاية.
ثم تتابع الأعراض فيظهر «الخوف الرهيب من الماء – Hydrophobia»، وذلك نتيجة للألم الذي يسببه الشرب بعد شلل عضلات البلعوم والفم، انتهاءً بالشراسة في التصرفات وردود الأفعال كنتيجة للهلاوس والتخيلات التي تراود المريض، ثم يؤدي ذلك إلى النتيجة الحتمية بالموت فمتى ظهرت الأعراض فلا رجوع ولا علاج ممكنًا.
ماذا تفعل إذا تعرضت للإصابة؟
في أثناء مراحل المرض المختلفة للكلب قد يتمكن من عض الإنسان، وبالتالي ينتقل الفيروس المسبب للمرض من لعاب الكلب إلى الجرح، فما الذي ينبغي عمله؟
1. أول شيء هو غسل الجرح جيدًا للغاية بالماء والصابون لمدة لا تقل عن 15 دقيقة.
2. تطهير الجرح بشكل جيد بالكحول والمطهرات للقضاء على أكبر عدد ممكن من الفيروسات فيه.
3. التوجه لأقرب مستشفى والتأكد من عدم خياطة الجرح بأي شكل كان حتى لا ينتشر المرض في مكان الإصابة.
4. أخذ المصل المضاد للتيتانوس، ويفضل أخذ مضاد حيوي قوي لأي عدوى محتملة نتيجة الجرح.
5. وهو الأهم، إن استطعت التحفظ على الكلب لمعرفة إن كان مصابًا بالمرض أم لا، وإلا توجه فورًا لأخد المصل المضاد للسعار.
هنا تبرز الأسطورة الشهيرة بأن المصل المضاد للمرض عبارة عن الحقن 21 مرة في جدار البطن، والواقع أن تلك الطريقة القديمة قد انتهت وأصبح المصل في أقصى برامج التطعيم المعتمدة عبارة عن حقن في عضلات الكتف ومقسم على أيام الإصابة (0، 3، 7، 14، 28)، وكل ما عليك فعله هو إخبار الطبيب بتطعيمك بالمصل سابقًا أم لا حتى يستطيع أخذ القرار المناسب.
كيفية الوقاية من المرض
أولها وأهمها التطعيم. فالتطعيم للإنسان والحيوان من أهم إجراءات الوقاية من المرض خاصة إن كان الإنسان في منطقة موبوءة بالسعار أو كثير التعامل مع الحيوانات.
أما بالنسبة للحيوان، فالتطعيم الدوري له ضد السعار بمختلف برامجه واجب، وهو من أساسيات الحفاظ على الصحة العامة للحيوان والإنسان معًا، ولذلك يجب مراجعة الطبيب في مواعيده بحيث إذا ما تعرض الحيوان للعض في أي ظرف أو مكان فإن المصل الواقي سيحميه ويحمي صاحبه وجميع المحيطين به من الكائنات والبشر.
ثانيًا: سرعة التعامل مع الإصابة باتباع الخطوات الصحيحة في الإسعافات الأولية، والسيطرة على الحيوان المصاب بأكثر الطرق أمانًا للمحيطين به فيحمي الجميع من الإصابة.
ثالثًا: حسن التعامل مع الحيوان وخصوصًا الكلاب والحرص على عدم إظهار أي علامات للضعف أو الخوف أو الجري أمام الكلب، فإن ذلك مما يثير فزعه فيتجه للعض والهجوم دفاعًا عن نفسه، بل يجب الهدوء الكامل والحفاظ على الثقة بالنفس أمام الحيوان فلا يحس بأنك مصدر تهديد له.
ختامًا، إن السعار في ظاهره مرعب كما عرفته البشرية، ولكنه بحسن التدبير وسرعة التعامل يغدو مستأنسًا ضعيفًا، ولئن أثبت السعار أمرًا ما؛ فهو معنى فلسفي شديد العمق بأن الخطر الحقيقي يأتي دومًا من الهادئ الصامت، فصاحب الصوت العالي في العادة لا خطر منه على الإطلاق.