القصص القرآني في أدب محفوظ والحكيم
كما تحدثنا في المقال السابق عن كيفية استخدام السير والأخبار والملاحم للقصص القرآني في صياغة سردية كونية منفتحة على العجيب والمدهش، وكيف أن هذه الكتابات استطاعت مد القصص القرآني لآفاق أسطورية تدور حول الحدود الإنسانية القصوى: الجنس، والعنف، والدين.
فكذلك كان على الأدب العربي الحديث أن يقوم بمثل هذا المد للقصص نحو الأسطورة لا بدافع تخليص القرآن من أصليته كما في حالة السير والملاحم، بل بدافع مهمة وضعها رواد الأدب الحديث على عاتقهم، وهي مهمة تحويل الأدب العربي لأدب إنساني يستطيع أي إنسان في أي زمان ومكان أن يتأثر به. وكان هذا المد لحدود الرواية نحو آفاق الأسطورة مرتبط برغبة اختراق أعمق أبعاد المشاعر البشرية. ولأن هذا الاختراق يفترض التوفر على معين رمزي ثري وخصب يمكن اللجوء إليه في سبيل كشف، والتعبير عن، هذه المشاعر، فقد كان من الطبيعي استلهام الرموز التي تقدمها الثقافة الدينية الإبراهيمية لهؤلاء الكتاب. لكن ولأن هذه الرموز كانت محتجبة وراء اعتبار القصة القرآنية حقيقية تاريخية أو مجرد مجاز تمثيلي وليس قصة أسطورية رمزية، وكذلك لابتعاد معظم كتاب الأدب الحديث عن التراث غير العالم من ملاحم سير كاشفة عن أسطورية القصص كما تحدثنا سابقا، فقد كان على الأدب العربي الحديث نفسه أن يقوم بهذه المهمة؛ أن يقوم بكشف أسطرة القصص القرآني عبر استخدامه لها كمعين رمزي.
لكن علينا التنبه أولا لكون هذا الاهتمام بالقصص القرآني من قبل الأدباء والذي يتوخى استخدامها كمعين رمزي للتعبير عن المشكلات الأكثر حدية، لم يكن هو التعامل الوحيد أدبيا مع القصة؛ بل مثل فحسب أحد التعاملات مع القصة القرآنية، في حين مثلت القراءة المجازية للقصص القرآني كجزء من محاولة تثبيت منظومة فكر عقلانية تفسح المجال داخل الدين لتقبل العلم الحديث طريقة أخرى للتعامل مع هذا القصص. ونستطيع أن نمثل لهذا الاستخدام الأخير للقصص برواية «أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ، وكذلك راويات «غفران»، «طارق من السماء»، «خشوع» لثروت أباظة.
كما نمثل للأول الذي يعد موضوع هذا المقال بروايات «اللص و الكلاب» و «السمان والخريف» و «ثرثرة فوق النيل» لنجيب محفوظ، ومسرحيتي «أهل الكهف» و «سليمان الحكيم» لتوفيق الحكيم.
التعامل التمثيلي مع القصص:
الهم المسيطر على رواية أولاد حارتنا للعملاق نجيب محفوظ هو كيف لنا أن نتجاوز القول الديني عن الكون الفيزيقي، فنجيب المؤمن بالتقدم العلمي إيمانا كبيرا لا يحجب إيمانه الشديد بالدين مثلما عبرت عن ذلك كلماته ورواياته مثل «قلب الليل» و مجموعة «حكاية بلا بداية ولا نهاية»، يواجه هنا إشكال الحديث الديني عن شكل الكون فيزيقيا وهو الحديث الذي أثبت العلم التجريبي الحديث لا أحقيته، لذا فهو يتساءل عن كيفية الحفاظ على العلم والدين معا، ويسعى لتحقيق هذا عن طريق تجاوز القول الديني عن الفيزيقا دون تجاوز الدين ذاته، فعبر «أولاد حارتنا» ثم «حكاية بلا بداية ولا نهاية»[1] ميز نجيب بين الثابت في الدين والمتحول، وحاول أن يرسم صورة جديدة للسردية الدينية تبقي على بعض الثوابت وتستغني عن المتغيرات بحيث يمكن لها أن تستوعب داخلها العلم الحديث ومنطقه وإنجازاته. في ظل هذه المحاولة حضرت قصص القرآن مثبتة في أولاد حارتنا ثم متجاوزة عبر تأويل مجازي لها في حكاية بلا بداية ولا نهاية، فهذه الأخيرة تستغني بكل وضوح عن قصة جنة عدن المذكورة في الأولى وما يحيط بها من خلق آدم بيد الله والتمييز الأولي والمعطى إلهيا للإنسان على بقية المخلوقات كمجازات، لصالح القصة العلمية عن كوكب غير مميز «كوبرنيقوس» وإنسان انحدر من سلف مشترك مع القردة «داروين» لا يمتلك ناصية الوعي الكوني بل تتحكم فيه قوى لا يعيها «فرويد»، مما يعني أن استخدام نجيب للقصص في هذه الرواية الشهيرة هو استخدام تمثيلي وليس أسطوريا، فهذه القصص عنده هي مجرد صياغة تمثيلية مجازية لشرف الإنسان وعلو قدره، يمكن تأويلها حفاظا على الثابت منها فقط وهو شرف الإنسان وعلو قدره، وقبول المتغير الذي أثبته العلم وهو أن هذا العلو لا ينبع من معطى إلهي بل من كفاح الإنسان لنيل هذا الشرف واستحقاقه «أصل المتاعب مهارة قرد تعلم كيف يسير على قدميه فحرر يديه…»[2].
وبالتالي فهو استخدام يلتقي كثيرا مع تعامل خلف الله مع معظم القصص أو حتى تعامل محمد عبده، لذا فإننا نستطيع أن نرى في تغلب الصناديقي بطل حكاية بلا بداية ولا نهاية، صورة أخرى لعبده وخلف الله، فهو سليلهم الفقيه المستنير الذي يؤوِّل النصوص ليفتح المجال لتقبل العلم الحديث كما هو الوصف الجميل من غليون لرؤية عبده لعلاقة العلم بالدين [3] أو كما هي حجج خلف الله لضرورة الالتفات للجانب الفني للقصص لا التاريخي لتقبل ما يثبته علم التاريخ الحديث عند بعض ما تحكيه هذه القصص.
كتب الأديب المصري ثروت أباظة [4] بعض الروايات التي استلهم فيها أيضا القصص القرآني بوضوح شديد مثل «خشوع» و «طارق من السماء» و «غفران» التي تعد إعادة رسم لقصص الأنبياء يوسف وموسى ومحمد، وأعمال أباظة عبارة عن إعادة رسم لقصص القرآن تحاول عصرنتها عن طريق علمنة معجزاتها واستبدالها بأحداث واقعية كي تناسب الشكل الكلاسيكي للرواية الواقعية، و كي تؤدي دورها في تكريس رؤية عقلانية للعالم لا تتعارض مع شعور بضمان إلهي لنصرة الحق على الباطل لكن عبر سنن مطردة؛ فمثلا لقاء موسى والخضر يتحول في قصة «طارق من السماء» لمنام يراه سامي أو موسى وليس لحدث يتم في الصحو مما يحفظ للرواية واقعيتها وللسنن الكونية انتظامها؛ لهذا يمكننا القول أن استخدام أباظة هذا للقصص لم يكن يهدف أبدا لتحرير أسطوريته، بالعكس تماما فقد كان أباظة يسعى للقضاء على هذه الأسطورية.
على عكس هذه الاستخدامات للقصص يتجه اهتمامنا هنا لهذه الأعمال التي استطاعت تحرير الجانب الأسطوري من هذا القصص.
فلو أدرنا ظهرنا لأولاد حارتنا نحو أعمال أخرى لنجيب محفوظ بدءا من رواية نجيب «اللص والكلاب» و «السمان والخريف» و «ثرثرة فوق النيل» فإننا سنجد نجيب يستخدم عددا من الرموز الدينية لتعميق شعور شخصياته، وللارتفاع بمعاناتهم لأبعاد كونية. ففي هذا الروايات الثلاث نجد حضورا شديد الوضوح لرموز «المخلص» و «الصلب» و «الطوفان».
فرواية «اللص والكلاب» نستطيع أن نقرأها كتصعيد رمزي لمأساة سعيد الذي يواجه الخيانة والشر والعبث؛ تصعيدا يحول سعيد لمسيح يستهدف إصلاح العبث وإنقاذ العالم، وينعكس على صفحة مأساته مأساة قتل قابيل لأخيه.
هذه الرمزية تتعمق تماما حين يقرر نجيب منح بطل روايته «السمان والخريف» اسم (عيسى) الذي ترواده مشاهد الصلب حتى يرى البرص مصلوبا على الحائط تماما كما يرى نفسه مصلوبا بأخطاء غيره؛ أخطاء فاسدي الساسة عشية حركة الضباط في يوليو. وحين يكتشف عيسى أن اسمه ليس على مسمى، وأن يديه ضالعة في الفساد يفكر في طوفان كطوفان نوح يدمر للبشرية كلها هذه المرة ويطهر ذنوبها؛ إنه حلم بإسكاتولوجي ينهي العالم ثم يعيد بناءه من جديد.
ويبدو أن الطوفان قد غمر بالفعل أهل «ثرثرة فوق النيل» الذين يعيشون في عوامة مربوطة إلي الشاطيء بحبال متهتكة، وتتكرر رغبتهم في حوت يونس المنجي!
هذه الرموز التي استخدمها نجيب محفوظ في تعميق معاناة أفراده هي حصيلة تراث ديني عميق ينتمي له نجيب محفوظ. وكما قلنا، فإن رمزية هذا القصص لم تكن متاحة لرواد هذا الجيل بل فقط تمثيلية هذا القصص كانت متاحة، لكن الرغبة في تعميق وجدان أبطال نجيب هو ما دفعه ناحية هذا القصص ليحولها من قصص تمثيلي لمعين رمزي يحقق له كشف، والتعبير عن، أعمق أبعاد شخوصه.
مما يعني أن استخدام نجيب لهذا القصص كما قد أفاده في كوننة أشخاصه فإنه في نفس اللحظة حرر أسطورية هذا القصص.
سليمان الحكيم وأهل الكهف
نستطيع من خلال قراءة عناوين كتابات الحكيم فحسب أن ندرك كيف استلهم الحكيم عددا كبيرا من الأساطير العالمية مثل أوديب وشهرذاد وبراكسا وبجماليون، وسندرك أيضا عبر مجرد الاستعراض السريع للعناوين حظ القصص الديني من هذا الاستلهام، فقد كتب الحكيم «أهل الكهف» و «سليمان الحكيم» مستلهما قصصا دينيا عميق الجذور في التقليد الإبراهيمي.
والحكيم بصورة خاصة من بين أدباء جيله، وانطلاقا من تصورات معينة لوظيفة الفنان ودوره في التاريخ، كان شديد الاهتمام بتلك القضايا ذات الطابع الإنساني. هذا لا يعني أن صاحب البرج العاجي لم يكتب عن مشكلات واقعية ويومية ووطنية، بالعكس، اعتُبر الحكيم من قبل بعض النقاد الفرنسيين أحد أهم مبلوري الشعور القومي -وكلنا قرأنا يوميات أشعب ملك الطفيليين-، لكن الاتجاه نحو القضايا الأكثر تجريدا كان هو الأكثر حضورا في أدب الحكيم، وكانت تلك الأساطير العالمية أحد
أهم أدوات الحكيم في إيصال تصوراته عن هذه القضايا. لكن فقط لو تخلينا عن المعنى الذي يملأ هذا اللفظ أداة، حيث توحي هذه اللفظة بكون الأساطير تمثل محض وسيط لإيصال فكرة الحكيم، في حين أن تأمل في بعض أعماله قد يفضي بنا لتعديل هذه الرؤية، فتلك الأساطير، وكما قلنا في مقال سابق، تعمل هي نفسها على تحريك وجداناتنا عبر إمكانيتها الرمزية، وكذلك فإن قضايانا حين ترتفع إلي حد كبير من العمق الإنساني فإنها وحدها تستدعي تلك الرموز المشحونة في الأساطير، كما رأينا في استخدام نجيب لها، وهو نفس ما حدث هنا مع الحكيم.
حين نتحدث عن العلم الحديث وما يوفره للبشرية من إمكانات يبرز تساؤل عن حكمتنا في التعامل مع هذه القدرة الهائلة. هذا التساؤل شغل كثيرا توفيق الحكيم الذي صنف عصرنا كعصر مادي منذ روايته «عصفور من الشرق»، ومعادلة هذه المادية لا تحتاج فقط لروحانية أو لجرعة شرقية لأوروبا الأنثى، بل تحتاج كذلك حكمة، غير أن هذا الصراع بين المادة/الجسد والروح، وكذلك بين القدرة والحكمة ليس جديدا، بل نستطيع القول أنها مشكلات رئيسية في عمق الوجدان البشري. هذا ما فكر فيه الحكيم ذاته حين التقط من ألف ليلة وليلة هذا الصراع بين الجسد/العقل ممثلا في صراع شهريار/شهرزاد، وحين التقط من قصة سليمان الحكيم هذا الحلم البشري في تزاوج العلم والحكمة، فسليمان هو رمز الدمج بين الملك والنبوة، حيث منتهى القدرة ومنتهى الحكمة.
ومن قوة هذا الدمج يظهر الخوف الذي تحمله البشرية من تخلف الحكمة عن القدرة، من أن يصبح سليمان الحكيم اسم على غير مسمى، فسليمان بلا حكمة يعني الهلاك، مثلما هو حال بطل مسرحية «سليمان الحكيم» الذي يصبح في نهاية المسرحية أسير لتلاعب الجان، لتلاعب القوة المجردة بعقل أخلاه حب التملك من ذكرى أي حكمة.
واستخدام الحكيم لهذا الرمز في مسرحيته قد أعطى لمسرحيته قوة تنبؤية مصدرها قوة الرمز؛ فلطالما تحدث الحكيم بأنه من أول من تنبؤا بخروج الجن من القمم، أي انشطار الذرة، لكن هذا ليس نابعا فحسب من حكمة توفيق الحكيم، بل من كون قصة سليمان لم يفتها أن تخبئ القدرة العجيبة في قمقم بعيدا عن أي يد، سوى يد نبي حكيم لشدة تقديرها لخطورة قدرة بلا حكمة كما قلنا.
فنحن هنا أمام علاقة جدلية بين فكرة الحكيم التي تمس مشكلات إنسانية حدية وبين رموز أسطورية عبرت عن هذه الإشكالات. وهو جدل تولد عنه قدرة كبيرة على تعميق الإشكال والوصول به لأقصى حدوده عبر استغلال ممكنات الرمز التي لم يكن لها الظهور دون اليد المبدعة للفنان ولمشكلاته المؤرقة.
نفس الأمر حدث عندما تناول الحكيم قضية أخرى مؤرقة له وهي قضية الزمن -ولعله لا توجد مشكلة أكثر حدية من الزمن- ومحاولة الإنسان الأزلية في محاربته والرغبة في الانتصار عليه وتحقيق الخلود إن لم يكن للذات فلما تصنعه من إنجازات، من أبرز هذه المحاولات محاولة المصريين القدماء تجاوز تدميرية الزمن وتحقيق الخلود عبر بناء تماثيل ومعابد وأهرامات طالما فتنت توفيق الحكيم.
وفرت قصة أهل الكهف للحكيم القدرة على تناول هذه العلاقة بين الإنسان وزمنه بسردها بقاء الفتية في الكهف لزمن تخطى الثلاثة قرون. فعبر قصتهم هذه مع الزمن وعن طريق قصة حب تجمع بين أحد الفتية وأميرة ثم حفيدتها يطرح الحكيم تساؤله عن قدرة القلب على تجاوز الزمن وتحريرنا من قبضته، ويعتبر أن الحب هو الوحيد القادر على تجاوز الزمن.
وهنا مثل قصة سليمان لم يكن للحكيم أن يصل بفكرته عن الزمن لأقصى بعد دون تلك الأبعاد الرمزية التي توفرها له قصة أهل الكهف، وأيضا لم يكن لقصة أهل الكهف أن تكشف ممكناتها الرمزية دون يد الحكيم فلولالها لظلت حبيسة التمثيل أو الأسطرة بمعنى اللاحقيقة.
ما وفرته لنا هذه الرحلة العجلى في بعض استلهامات الأدب المصري للقصص القرآني تمكننا من التأكيد على ما يقوله فتحي بن سلامة في كتابه «الإسلام والتحليل النفسي»[5] من أن:
فالأدب هو الذي قام بكشف أسطورية القصص عبر استخدامها كمعين رمزي، وكشف أسطوريتها «يعني كون تخييلات الأصول أو ما تتضمنه الأصول المتوهمة من تخييلات لا يمكن قراءتها من خلال فكرة الحقيقة و الزيف( أسطورة-كذب / حقيقة-أصل)، بل من خلال فكرة مواجهة المستحيل»، فكل هذه القصص التي يتضمنها القرآن «الأصل المتوهم» هي رموز أسطورية لمواجهة المستحيل.
هذا الخروج من حيز حقيقة/كذب والذي يحققه هذا التعامل مع القصص كأساطير، يعني الخروج تماما من فكرة «النص الموحي حقيقة في مقابل النص المختلق كذبا على الله» نحو النص نتاج التجربة البشرية للاتصال بالله والمرتبطة تماما بالأسطورة، أي الخروج من إطار الببغاء المُلَقن إلي إطار النحلة المبدعة لو استعدنا مجادلات سروش التي ذكرناها في مقال سابق.
كل هذا يعني أن استخدام الأدب المصري للقصص القرآني كان يفتح -ربما دون وعي منه- بوابة لتجاوز تأطير التجربة الروحية في إطار الوحي العمودي بصورة أسرع كثيرا من الفكر الذي لا يزال يتحرك في الإطار لا يستطيع تجاوزه.
[1] في كتابه «الله في رحلة نجيب محفوظ» يلفت طرابيشي النظر بذكاء لتشابه بناء رواية «أولاد حارتنا» مع قصة «حكاية بلا بداية ولا نهاية» مما يرجح كون نجيب كتب الأخيرة إكمالا لممشكلات الأولى.[2] آخر كلمات على لسان أنيس في رواية «ثرثرة فوق النيل».[3] في كتابه «الوعي الذاتي» يرى غليون أن تعامل عبده مع إشكال الدين والعلم لم يكن محاولة للتوفيق بين نظامين بقدر ما كان فتح لممكنات الدين لاستيعاب العلم.[4] ربما أباظة غير مشهور كأديب مقروء بالرغم من شهرته في السينما عبر عدد كبير من رواياته تحول لأفلام، على رأسها «شيء من الخوف».[5] يبدو أن الأمر مع التخييل الأدبي المصري يسبق كثيرا في الزمن قضية سلمان رشدي التي يبنى عليها بن سلامة استنتاجه -كذلك يسبقها تعامل السير والمغازي وتجاوزها أصلية القرآن- وكذلك يتجاوز في بلبلة الأصل قضية الآيات الشيطانية، فهو يشمل لا فقط نقض تأسيس الكتاب «أصلا» عن طريق كشف أن تقديس الأصل ونفي شيطنته جاء متأخرا كما تشير قصة الآيات الشيطانية والتي أبقت عليها السير كتأريخ لسيرة النبي الروحية، بل كذلك يشمل تحرير القصص من التعامل التمثيلي عبر كشف أسطوريتها.