شباك تذاكر سينما مصر 2019: الصعود إلى حافة المليار
لم يكد يمر منتصف العام، ومع ضجة سيمفونية مألوفة لتحطيم الأرقام القياسية، بدأت تتصاعد موجة تململ تفسر الأرقام الجديدة بأنها نتيجة للتضخم. الحقيقة أن هذه الموجة تأخرت عامين، لأن التضخم لا يصلح لتفسير ظواهر الانفجارات البركانية المفاجئة في 2019.
ما هو شعور متسلق الجبال المبتدئ وهو يجتهد للوصول للقمة الظاهرة بحدود نظره وعندما يظن أنه كاد يصل إليها يكتشف وجود قمة جديدة أعلى؟ ثم يتكرر هذا حتى يعتبر أن رحلته عبثية تماماً لأنه لا قمة نهائية لهذا الجبل. بالفعل لا توجد قمة لجبل شباك التذاكر المصري، لا خداع بصرياً تضخمياً في هذا، وصناعة السينما المصرية تمر بدورة نمو ساخنة، بل إن الدورة لا تزال في بدايتها.
هناك مسلمات تتفكك: السينما انتعشت وسط حصار رقابي غامض وضع الأفلام في دائرة الترفيه وحدها. تصويت الجمهور بالتذاكر منح أكثر من نصف إيرادات العام لأفلام أنتجتها شركات وجهات أمنية تستثمر فوائضها في الترفيه ودروس التربية الوطنية. مصطلح «السينما النظيفة» في 2019 هو شرط إنتاجي معمم لدرجة الاستعانة بغادة عادل في دور الإغراء بثاني أنجح أفلام العام. انكماش عدد الأفلام مع المبالغة في الإنفاق على التكنولوجيا لدرجة استخدام الدرون في تصوير مشاهد رومانسية على ارتفاع المائدة. الاستثمار في السلاسل لدرجة أن 3 من 5 أفلام تنافست في عيد الأضحى كانت أجزاء ثانية. 3 نجوم فقط، عبر 5 أفلام، سيطروا على أكثر من 70% بشباك التذاكر طوال العام.
حقائق جديدة في 2019
بالمقابل تأسست عدة حقائق جديدة: فلنرحب بعطلة منتصف العام الدراسي كموسم سينمائي جديد يتمتع بالاعتبار، بل إن الأسابيع الأولى الخفية في يناير برزت منها عدة ملايين إضافية لفيلم 122 الذي استعاد نوع الإثارة. الطلب الملح على الدراما الرومانسية عبّر عن نفسه بفيلم «قصة حب» مع إيرادات 11 مليون جنيه. طلب آخر على نوع الرعب تمت الاستجابة له من خلال «الفيل الأزرق 2» ثم «بيت ست»، بينما جمع الضيف 7.5 مليون بدراما تحدث في ليلة واحدة على مائدة عشاء عامرة بمحاورات دينية وثقافية بين نجوم لا أحد منهم له سطوة بشباك التذاكر.
انخفضت أجور النجوم وارتفعت ميزانيات الإنتاج، ومع العودة الواهنة لأحمد حلمي في «خيال مآتة» تراجعت الكوميديا العائلية، لكنها لا تزال أسعد حظاً من الكوميديا الشعبية التي تظل أكثر الأنواع غزارة في الإنتاج والعرض، دون أن ينجح أي فيلم منها في تجاوز الخمسة ملايين بالإيرادات بعد انحسار تأثير دور العرض الرخيصة لصالح شاشات المولات بالضواحي.
كما نلاحظ بالجدول التالي، فإن أكثر من نصف إيرادات العام أتت من فترات خارج أيام المواسم الرئيسية، لم تعد الإيرادات رهينة فقط لأيام العيد ولكن الأسابيع التالية ازدادت أهمية، كما فعل فيلم الممر الذي استعاد المقدمة بعد أسبوعين من انطلاق منافسة عيد الفطر، كما نجح الفيل الأزرق 2 في استكشاف الصيف الذي كان مهجوراً تماماً في 2018، وهناك فرصة أكبر لنموه بالعام المقبل.
كراسي التوزيع الموسيقية
الاستقرار أمر جيد للصناعة، لكن المؤشر الأفضل في 2019 كان تبادل مراكز القوة بين شركات التوزيع. في 2018 كانت الصدارة لشركات: دولار فيلم، ويونايتد بروس، وأفلام مصر العالمية، ثم في 2019 مشاركات قوية من أوسكار والماسة. وفي الخلفية تستمر الشركة العربية في توزيع أفلام السبكي الشعبية.
*(إيرادات 2019 فقط)
**(إيرادات متوقعة في الأسبوع الأخير من 2019)
من ناحية أخرى، تسببت المنافسة الطاحنة في تدمير فرص أعلى للمواسم الجانبية. ففي عطلة نصف العام الدراسي كان من المخطط إطلاق 6 أفلام جديدة، ثم استقر الأمر على فيلم واحد فقط «نادي الرجال السري»، ليتضح أن الأفلام الأخرى كانت مجرد مناورات دعائية وتوالى سقوطها في دور العرض، فيما عدا سبع البرمبة الذي هرب بنجاح إلى عيد الفطر ليحقق 35 مليون جنيه مستفيداً من ارتباطه بنجاح برنامج رامز جلال وكونه الفيلم الوحيد القريب لفئة الكوميديا الرومانسية العائلية.
الموازنة الخفية للسينما المصرية
وراء كل هذه الأرقام المبهرة، هناك حقيقة بسيطة عن عدم توازن ميزانيات الإنتاج مع إيرادات دور العرض. كمثال غامض، تجاوزت ميزانية إنتاج الممر 100 مليون جنيه، بينما توقفت إيراداته عند 74.5 مليون، 40% فقط من هذا الرقم يذهب للموزع بعد خصم الضرائب ونصيب دور العرض، ثم يخصم الموزع نسبته ويمرر الباقي للمنتج. هل خسر المنتج هشام عبدالخالق بالفيلم؟
أمام كل الأفلام مبلغ إضافي بالعرض التلفزيوني. بشكل مثالي يغادر أي فيلم السينمات ليُعرض حصرياً على القنوات التلفزيونية المدفوعة ومنصات الفيديو حسب الطلب، قبل إتاحته على القنوات المجانية، ثم خطوط الطيران والحافلات إذا أمكن. نظرياً يمكن للمنتج أو الموزع بيع حقوق العرض بشكل منفصل، لكن معظمهم يفضلون بيع حقوق الفيلم قبل أو خلال مرحلة الإنتاج، معظم أفلام 2019 تم بيع حقوقها لمجموعتي روتانا وART قبل بدء عرضها بالسينمات، وهو وضع أشبه بسلفة التوزيع التي اعتاد عليها المنتجون قديماً وخنقت الصناعة مع وصول الأزمة المالية العالمية للخليج، المشترون الآن يفضلون الحصول على الحقوق كاملة وتولي توزيعها على وسائط العرض الأخرى، وبعض الأفلام تنزل إلى دور العرض بشكل رمزي فقط من أجل تسهيل تسويقها للقنوات.
خاض «الممر» رحلة مختلفة بقرار عرضه على القنوات المجانية المصرية في عطلة 6 أكتوبر، معتمداً على حصيلة الإعلانات المباشرة، كان هذا قرار جهة التمويل التي فضلت استغلال جانبه الدعائي الوطني عن سرعة استرداد تكلفة إنتاجه. بينما انتظر «الفيل الأزرق 2» حتى شهر ديسمبر ليبدأ عرضه حصرياً على منصة شاهد.نت التابعة لمجموعة MBC.
الممر كان ضمن 18 فيلماً عُرضوا سينمائياً في الإمارات، ومعاً جلبت هذه الأفلام 7 ملايين دولار إضافية، لكن قسمة التوزيع الخارجي تقل فيها حصة المنتج عن نصيبه مع السينمات المحلية، والأفلام الأصغر تُباع نهائياً للموزع الخارجي في وضع أشبه بسلفة التوزيع المسبقة.
العرض الإماراتي أنقذ فيلم محمد حسين لمحمد سعد، فبعد فشله في الوصول إلى 5 ملايين بالسوق المحلي، حقق الفيلم ما يقارب المليون دولار بالإمارات. يدل هذا مع باقي أفلام القائمة على أن السوق في الإمارات يعتمد على المصريين الوافدين، وأن بوصلة هؤلاء تتبع السوق المحلي، مع ميل نحو التمسك بالنجوميات التاريخية، أو كأنهم متأخرون بعدة سنوات عن التطورات في الوطن. نفس الشيء حدث في 2017 مع عنتر بن بن بن شداد لمحمد هنيدي بعد فشله المحلي.
بالطبع هناك أسواق أخرى مثل الكويت التي تُعد ثاني أكبر سوق للفيلم المصري مع قطر، ثم عمان والبحرين بمرتبة تالية، ثم الأردن ولبنان التي عُرض بها فيلم الضيف لعدم قبول موضوعه بالخليج. لا يزال سوق السعودية جديداً وهو متاح للأفلام الضخمة فقط، وسوق المغرب أقل أهمية وتنخفض به حصة الأفلام المصرية كل سنة.
أفلام لا تُحتمل خفتها
هذه هي المرة التي يتفق فيها الجميع على إيرادات ضخمة لأحد الأفلام، لأن تصدر فيلم Joker لجبل الإيرادات يأتي رغم كونه فيلماً درامياً سوداوياً دون نجوم، متوسط الميزانية، ليس مرتبطاً بسلسلة وخالياً من عوامل الضخامة والجاذبية التقليدية.
زادت عدد الأفلام المعروضة بنسبة بسيطة، ويتجاوز العدد 200 فيلم بعد إضافة أفلام الآرت هاوس الأجنبية (الجدول يتضمن فقط الأفلام المعروضة تجارياً بانتظام لأكثر من يوم على مدى أسبوع)، كما زاد عدد الأفلام التي حققت أكثر من 10 ملايين جنيه (11 فيلماً في 2019 مقارنة بـ8 في 2018).
بشكل خفي، يعبر نمو الأفلام الأجنبية في مصر عن مدى النمو والتطوير الذي حدث في البنية التحتية لدور العرض. الأفلام الأجنبية تظل محاصرة بقانون تحديد عدد النسخ ومنع العرض في العيدين، ولهذا فإن النمو الحقيقي بإيرادات الأفلام الأجنبية وزيادة عدد الأفلام يعتمد بشكل غير إحصائي على زيادة عدد الشاشات، فالمؤثر الأول على الموزعين هنا، هو عدد الشاشات وأسابيع العرض المتاحة لهم.
خلال 2019 ارتفعت إيرادات الأفلام الأجنبية بنسبة 20%، وهو نمو اسمي يجب خصم نصفه تقريباً لارتباطه بمعدل التضخم، من نسبة الـ10% الباقية يمكن استنتاج أن نمو دور العرض يدور حول نفس النسبة أو أقل منها قليلاً، وربما يكون عدد الشاشات قد وصل الآن إلى 500 شاشة، أكثر أو أقل بهامش بسيط، وقد وصل آخر إحصاء في 2017 إلى 400 شاشة فقط.
احتفالات مؤجلة
في 2019 حققت دور العرض المصرية نمواً في الإيرادات بنسبة 64% مقارنة بالعام السابق، بل إن نسبة النمو تزيد عند احتسابها بالدولار بسبب انخفاض سعره المتوالي طوال العام، ولقد زادت أسعار التذاكر على 3 موجات متتالية خلال العام ليصل متوسط أسعارها المتوقع عند 65 جنيهاً، وهو ما يرفع إجمالي مبيعات تذاكر إلى 15.4 مليون تذكرة.. هذا هو الرقم الوحيد الذي يستحق الاحتفال.
ويمكن تعطيل الاحتفال قليلاً والنظر إلى الجانب الأقل حظاً من النمو، وهو دور العرض، حيث تخدم شاشة العرض الواحدة 200 ألف مواطن تقريباً، لكن الحقيقة أن معظم المدن المصرية دون أي دور عرض، إجمالي مبيعات التذاكر يذكرنا بأن أقل من 5% من المصريين خاضوا تجربة المشاهدة في دار عرض خلال 2019، وأن الخطط الضخمة للتوسع في الإنتاج خلال 2020 ستواجه عنق زجاجة مصيري في دور العرض، وأن أفضل فترات النمو بالصناعة خلال 1997-2007 كانت مصحوبة بنمو مواز في دور العرض، وأنه حتى هذا النمو الفائق تبخر بسبب عمق الاعتماد على التصدير للخارج قبل استغلال كل إمكانات السوق المحلي.