تساؤلات حول الحياة في محطة الفضاء الدولية يجيب عنها روادها
في ليلة صافية لا يمكن نيلها بسهولة في هذا البرد القارس، ومع حب الإنسان الطبيعي للتطلع للسماء ومراقبة النجوم، يمكنك بسهولة أن ترى نفس ما كان يراه أحد أجدادك منذ 10 آلاف عام، نفس ما رآه جاليليو بمنظاره، نفس ما رآه كبلر، نفس ما رآه يوري جاجارين من نافذة مركبته فوستوك في أول رحلة بشرية خارج الكوكب، بالإضافة لعنصر آخر لم يره أي منهم يومًا ما؛ محطة الفضاء الدولية، والتي يمكنك ببعض التدقيق ومتابعة مدارات حركتها على موقعها الرسمي، معرفة مواعيد مرورها فوق سطح منزلك أو سماء مدينتك، لتستطيع مراقبة تلك النقطة المضيئة سريعة الحركة التي لا تشبه أي نجم أو شهاب في سمائنا، أثناء مرورها لدقيقة قبل اختفائها في الأفق، في رحلتها التي تقطعها حول الأرض بشكل مستمر منذ أنشئت، وحتى نهاية رحلتها المخطط لها في العقد القادم.
وستراودك بالتأكيد أسئلة كثيرة ككل متابعي مهمة المحطة، وحيث الحياة هناك بلا جاذبية ولا ليل أو نهار لفترات ممتدة كما نعرف نحن سكان الأرض. فهل يرى قاطنو محطة الفضاء الدولية القمر؟، هل يشعرون بدفء الشمس؟، كيف يتصرفون في حالة انفصال رائد عن المحطة؟، كيف يأكلون؟، يمكنك قراءة بعض الإجابات في هذا التقرير السابق، لكن هذه المرة يجيب رواد محطة الفضاء الدولية وبعض العاملين بناسا عن الأسئلة بشكل مباشر على الموقع الشهير Quora، والموجهة من متابعي المهمة العلمية الأكبر في تاريخ البشرية. ويتيح Quora التواصل المباشر بين الجماهير والخبراء المتخصصين في مختلف المجالات، وأعتبره شخصيًا من أفضل مواقع الإنترنت التي لا غنى عن متابعتها.
وقد اخترت في البداية أسئلة بسيطة تشغل بال العديدين من محبي الفضاء، وذلك كبداية لسلسلة نقدم فيها أهم الأسئلة العلمية والتقنية في مختلف المجالات مع عرض لإجابات المتخصصين والعلماء والأساتذة على كل سؤال.
معضلة الطعام في الفضاء
السؤال الأول عن الطعام على متن محطة الفضاء الدولية، حيث استفسر أحد مستخدمي Quora عن كيفية حصول رواد المحطة على طعامهم، بينما تساءل مستخدم آخر عن أنواع الطعام على متن المحطة وكيفية إعداده.
أجاب عن السؤالين روبرت فروست Robert Frost، مهندس الطيران بناسا، والذي قضى عشر سنوات في تدريب رواد الفضاء على أنظمة التحكم والطيران الخاصة بمحطة الفضاء الدولية، كما يعمل الآن في وحدة التحكم الأرضية الخاصة بالمركبات المرسلة للمحطة.
أوضح فروست أن محطة الفضاء الدولية يرسل لها مركبة إمداد كل شهرين تحمل الطعام، مع بعض الأدوات العلمية الجديدة الخاصة بالتجارب التي تجرى على متنها. ويختلف طول مدة صلاحية الطعام حسب نوعه، كما على الأرض، كما أن المعالجة الحرارية وتفريغ العبوات من الهواء يعطي للطعام فترة صلاحية تصل لـ 18 شهرًا. ويعمل العلماء وخبراء الطعام على إطالة فترة الصلاحية قدر الإمكان وذلك تجهيزًا لرحلة المريخ والتي تطلب طعامًا صالحًا لمدة خمس سنوات على الأقل.
أما عن أنواع الطعام، يقول فروست إن رواد المحطة يزودون بثلاث فئات من الطعام؛ طعام طبيعي، وطعام مجفف، وطعام معالج حراريًا. نصف هذا الطعام يأتي من ناسا بينما نصفه الآخر يأتي من وكالة الفضاء الروسية.
الطعام المجفف Rehydratable: وهو طعام تم تجفيفه تمامًا قبل إرساله، ولإعادته لطبيعته وقت تناول الطعام يضاف إليه الماء الساخن. ومن أمثلة الطعام المجفف البطاطس المهروسة، والمعكرونة، والجبن، والبيض المخفوق، والجمبري، والخضروات، واللبن، وفطائر السجق، والسباجتي باللحم، والفريك.
الطعام المعالج حراريًا Thermostabilized: يتم تسخين هذا الطعام لدرجات حرارة عالية تكفي للقضاء على كل الميكروبات والإنزيمات الضارة المحتمل وجودها، ومن ثم تخزن في عبوات. تشمل قائمة هذا النوع وجبات متكاملة أكثر تنوعًا كاللحم المفروم مع البيض أو الخضار، وحساء البازلاء، والسمك بالصلصة، بعض أنواع الطعام الإيطالي، واللحم المشوي، وشوربة الطماطم بالريحان، ودجاج بالصلصة البيضاء، والفول السوداني والبطاطا الأفريقية، واللازانيا.
يرسل أيضًا من حين لآخر طعام طازج كالتفاح والبرتقال والطماطم. وبسبب عدم توافر أجهزة تبريد طعام على متن المحطة، يتناول الرواد أي أطعمة طازجة بعد وصولها للمحطة مباشرة.
أما عن الخبز، فلا يرسل الخبز المعتاد للمحطة، وذلك لأنه يشغل الكثير من المساحة، غير أن فتاته أثناء التناول سيطفو في أنحاء المحطة. وبديلاً لذلك يرسل خبز التورتيلا «الرقاق» والمشهور بين رواد فضاء ناسا، الذين يقضون فترة طويلة في تكساس.
وهذه صورة لرائد فضاء يعد وجبة فطور برغيف تورتيلا، بيض مخفوق وصلصة حارة، والذي يعد من المفضلات في المحطة. كما أن زبدة الفول السوداني مع التورتيلا من المفضلات هناك كذلك.
القمر من الفضاء يبدو أروع بالتأكيد
هل يمكن لرواد المحطة رؤية القمر أثناء أنشطتهم المعتادة بداخل المحطة، أو أثناء ممارسة أي مهمة تجري خارج المحطة؟.
يجيب عن هذا السؤال رائد الفضاء الأمريكي كلايتون أندرسون Clayton Anderson، والذي زار محطة الفضاء الدولية مرتين خلال فترة عمله في ناسا والتي بلغت 30 عامًا قبل أن يتقاعد في 2013.
يقول أندرسون: «بالطبع، أتذكر أنه أثناء أول مهمة مشي فضاء لي في 23 يوليو/تموز 2007 رأيت القمر يشرق بشكل جميل وكلاسيكي. كنت أقوم بمهمة في الجزء الأمامي من المحطة، في منصة التخزين الخارجية External Stowage Platform، وقد توقفت لثانية لأعرف موضعي. نظرت للأعلى لأجد القمر كاملاً يشرق من خلف المحطة. لقد توقفت عن التنفس تمامًا من روعة المشهد».
لا يضيع رائد فضاء خارج المحطة… بسهولة
والآن إلى سؤال معقد نوعيًا مع إجابة طويلة لـكلايتون أندرسون كذلك.
ماذا يحدث لرواد الفضاء في مهماتهم خارج المحطة أو سيرهم الفضائي لو انفصلوا عن المحطة؟، هل سيسقطون في جاذبية الأرض أم يضلّون في تيه الفضاء الواسع؟.
احتمالية الانفصال عن المحطة أثناء مهمة خارجية ضئيلة للغاية، وعلى الرغم من عدم احتمالية حدوث ذلك، إلا أن رواد الفضاء يعَدّون جيدًا لمواجهة الأمر حال حدوثه.
وعند كل مهمة سير فضائي، يقوم الرواد بأول وأهم الاحتياطات قبل الخروج من المحطة. فقبل فتح البوابات، يتأكد كل رائد من وجود وسلامة حبال الأمان الخاصة بهم في البزة الفضائية -يبلغ طولها 85 قدمًا ومصنعة من الصلب مع بكرة قابلة للسحب-. وقبل الخروج من المحطة، يتأكد رائدا الفضاء من ربط حبالهما سويًا. الآن، كلا الرائدين ارتبطا ببعضهما كما أن أحدهما ربط حبله جيدًا بخطاف بداخل المحطة، ويمكننا أخيرًا فتح باب المحطة.
عند فتح الباب، يتم اتباع خطوات أمان أخيرة، حيث يخرج الرائد الأول EV1 خارج الباب برأسه ليقوم بربط الطرف الحر من حبل الأمان الخاص به في خطاف ارتكاز خارجي، ليصبح الرائدان مرتبطين في الداخل والخارج. يقوم EV1 بفك الرابط بينه وبين EV2 بالداخل، يلي ذلك ربط حبل أمان EV2 بخطاف الارتكاز الخارجي أيضًا. النتيجة النهائية أن الرائدين مرتبطان بخطاف الارتكاز الخارجي بأمان تام. يقوم بعدها EV2 بفصل حبله عن الخطاف الداخلي والخروج ليلتحق بزميله EV1 المحطة، والآن فقط يبدأ العمل الفعلي.
كل هذا المجهود لا يعد كافيًا بمفرده لو لم يقم رواد فضائنا الشجعان باتباع بروتوكولات الحركة بحبل الأمان بشكل سليم. فيجب عليهما كلما ابتعدا عن باب الخروج -حيث ما زال حبل الأمان مرتبطًا بالخطاف- أن يتحركا بطريقة تمنع حبليهما من الالتفاف والتعقد، وهي مهمة تبدو سهل، لكنها ليست بهذه السهولة خلال مهمة تستمر لمدة ست ساعات ونصف في بيئة بلا جاذبية. كما أن بعض المهمات تقع في مسافات تزيد عن 85 قدمًا، ولتلك المهمات يحمل الرواد حبال أمان إضافية، ليقوموا بتبديل أماكن ارتباطها بخطاطيف على المحطة كلما لزم الأمر.
لكني حتى الآن لم أجب على السؤال.
لو فشلت كل بروتوكولات حبال الأمان -وتذكر أنها احتمالات ضعيفة جدًا- وانفصل أحدنا تمامًا عن هيكل محطة الفضاء الدولية، سنكون جاهزين لذلك أيضًا، حتى ولو كان الأمر يبدو محرجًا لنا.
بينما يبدو احتمال أن يسقط الرائد في جاذبية الأرض كما يقترح السؤال بعيدًا جدًا، من الممكن إذا انفصل الرائد عن محطة الفضاء كليًا أن ينطلق بعيدًا عنها في الفضاء. والنتيجة هي ابتعاده تمامًا عن منزله الفضائي وضياعه في أعماق الفضاء. وإنقاذه بإرسال سفينة فضائية مخصصة فكرة عقيمة، فيكفي التفكير في الوقت الكافي لإرسالها وتحركها والتقاطها لرائد الفضاء الضال لنفكر في اختيار آخر لإنقاذه.
الحل؟، إنه حل مدهش فالفعل. فكما باك روجرز -شخصية فضائية خيالية- نحمل على بزاتنا جهاز دفع نفاذ jetpack. وعلى خلاف روجرز، فقد تدربنا جيدًا على هذا السيناريو بالضبط في أجهزة الواقع الافتراضي.
من داخل معمل الواقع الافتراضي أثناء التدريب
قاعة التدريب تسمى «معمل الواقع الافتراضي»، وهي مقر التطبيق الديناميكي العبقري DOUG (Dynamic Onboard Ubiquitous Graphics). وهناك نتدرب على استخدام آخر ملاذ لنا للعودة للمحطة، جهاز Simplified Aid for EVA Rescue (SAFER) في عالم افتراضي كامل.
مرتدين قفازات وخوذات خاصة، يُخلق حولنا عالم افتراضي يماثل السقوط من المحطة. وتكرار التدريب حتى الإتقان هو مفتاح العودة الآمنة للمحطة. وحيث إن SAFER هو ملاذ الرواد الأخير في العودة، فيجب أن يكون الجميع جاهزين تمامًا للتحكم والطيران به حتى المحطة. والطيران هنا كلمة عامة جدًا، فيجب في الفضاء أن نفهم ونتعلم جيدًا استخدام الفروقات الدقيقة بين الطيران العادي والميكانيكا الفضائية لكي نستطيع العودة، والتدريب يعلمنا الإتقان. نرى محطة الفضاء افتراضيًا، ونتحكم بجهاز التحكم المرتبط بالبرنامج، ليبدو الأمر كلعبة فيديو تحاكي تمامًا ما نختبره في الفضاء. وكلما تحسنت قدرتنا على العودة للمحطة، ازدادت صعوبة التدريب لنسقط أبعد وأسرع عن المحطة. ويستمر التدريب حتى نثبت قدرتنا على إنقاذ أنفسنا من أشد المواقف صعوبة.
الشمس تحمل الدفء للأرض، والفضاء أيضًا
يقول أندرسون:
بالتأكيد، يمكنك أن تشعر بدفء ضوء الشمس المار عبر نوافذ المحطة. وأحد أفضل الأشياء التي كنت أحب فعلها أثناء وجودي على متن المحطة هو الانتقال للقطاع الروسي من المحطة، ووقتها كان الجزء الروسي هو الوحيد الذي يمكن رؤية الشمس من نوافذه، حيث كنت أضع وجهي عليها. وحيث كانت الشمس تشرق في مداره المختفي جزئيًا خلف أرضنا، فأشعر بالدفء يغمر وجهي والضوء الساطع في عيني.
ولكي أنال التأثير الأقوى، كنت أقوم بغلق عيني وأتخيل أنني في منزلي على الأرض، ممددًا مع عائلتي في الحديقة الخلفية في يوم صيفي مشمس جميل، منغمسًا في الأشعة التي تحمل الحياة لنا من نجمنا الوحيد، القابع على بعد 93 مليون ميل. للحظات قليلة، كنت أشعر وكأنني عدت للمنزل، وكان هذا الإحساس جميلاً، جميلاً جدًا.