البيان الرباعي: إذ لا شيء جديد في جعبة المحاصرين
كان من المتوقع أن نشاهد، أمس، حلقة محورية من مسلسل الأزمة الخليجية بين قطر والدول المُحاصرة لها؛ بعد أن مددت دول الحصار مُهلتها يومين إضافيين، ليتم الميقات اثني عشر يومًا كاملة. بدت قطر في تلك الأيام كما كانت قبلها، ثابتةً تؤكد في كل مناسبة أن المطالب لم تُعطَ لتنفذ، وإنما قُدمت من باب التعجيز والإذلال. وبدت فيها دول الحصار كأنها تخفي في جعبتها وابلًا من المصائب تنتظر انتهاء المهلة المحددة لتمطر به قطر. ولكن جاء البيان المُشترك اليوم ليُعلم المترقبين أنّ للأحداث أجزاء أخرى.
تقويم السلوك أم نزع السيادة؟
تعلقت قلوب الكثيرين بالبيان الرباعي، إذ سبق صدوره في الرابع من يوليو/تموز اجتماعٌ لرؤساء أجهزة مخابرات مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين في القاهرة. عقب مناوشات لفظية حدثت في اليوم نفسه بين وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، الذي أكدّ أن الإجراءات التي ستتخذها الدول المحاصرة تهدف إلى إرسال رسالة واضحة إلى قطر «كفى دعمًا للإرهاب»، وأنّه إذا لم تستجب قطر للمطالب فستكون العقوبات قانونية طبقًا للقانون الدولي.جاءت تلك المناوشات في وقتٍ كان الجميع فيه على أهبة الاستعداد لأسوأ السيناريوهات المحتملة، بعد انتهاء مهلة الساعات الـ48 التي طلبتها الكويت في الثالث من يوليو/تموز. ووافقت عليها الدول المُحاصرة من أجل إعطاء قطر وقتًا إضافيًا لتسليم ردها، وقد كان. ففي اليوم نفسه تسلمت الكويت الرد القطريّ؛ الذي وصفته دول الخليج في بيانها المشترك، الأربعاء الماضي، بأنه جاء سلبيًا. وهو ما لم يكن مفاجئًا، فقبل تسليم الرد الرسمي أعلن وزير الخارجية القطري في الثاني من يوليو/تموز أن المطالب صُممت لتُرفض.ولعل ما يؤكد ذلك هو إصرار وزراء خارجية الدول المحاصرة على رفض التفاوض بشأن الشروط، كما صرّح وزير خارجية السعودية، عادل الجبير، يوم 28 يونيو/حزيران أثناء زيارته لواشنطن. وشهد اليوم نفسه تصريحات سفير الإمارات لدى روسيا عمر سيف غباش؛ حيث أكدّ أن خروج قطر من مجلس التعاون الخليجي لن يكون العقاب الوحيد، بل ستقوم دول الحصار بتخيير الدول الأخرى بين إقامة العلاقات الاقتصادية مع قطر وبين إقامتها مع دول الحصار.برقت فكرة التخيير الاقتصادي والعقوبات المتنوعة بعد اتصال الرئيس الإيراني حسن روحاني يوم 26 يونيو/حزيران بأمير قطر ليؤكد ضرورة إنشاء المزيد من العلاقات الاقتصادية بين إيران قطر، والتي وصفها روحاني بالدولة الشقيقة. وسبق ذلك بيوم في 25 يونيو/حزيران تأكيد الرئيس التركي أردوغان وقوف بلاده اقتصاديًا وعسكريًا مع قطر ضد الحصار المخالف للقوانين الدولية.وجاءت تلك الفكرة تجسيدًا لما أسماه وزير الشئون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، في 24 يونيو/حزيران بـ«الفِراق»، حيث أكد أنّه إذا لم تستجب قطر للمطالب كاملةً فإن الحل هو الفِراق. ليتجلى بوضوح أن الهدف من المطالب ليس تقويم سلوك قطر، بل يتجاوز التقويم إلى تقويض السيادة الوطنيّة، وهو ما وعته قطر مبكرًا، ففي 24 يونيو/حزيران صدر بيانٌ عن الحكومة القطرية جاء فيه أن الهدف من الحصار هو الحد من سيادة قطر والتدخل في سياستها الخارجية، وليس محاربة الإرهاب. وهو ما برهنته بنود مطالب الصلح التي قُدمت في 23 يونيو/حزيران. وما يمكن استقراؤه من تسلسل سير أحداث الأزمة منذ بدايتها.
العالم لا يصطف خلف السعودية
شهدت الأيام الأخيرة اصطفافًا دوليًا واسع النطاق حول ضرورة التهدئة وحل الأمر بصورة دبلوماسية، وضرورة الاستماع إلى صوت الوساطة الكويتية. وهذا وإن كان لا يُعتبر اصطفافًا واضحًا في الصف القطري، فإنه كذلك ليس الموقف الذي توقعته السعودية وحلفاؤها.فحتى ترامب، البركان الذي أشعل المنطقة، أكد في اتصال هاتفي الأربعاء 5 يوليو/تموز مع الرئاسة المصرية ضرورة الوصول إلى حل سلمي يُسهم في استقرار المنطقة. وهو ما أكدّه كذلك وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون في اتصال مع أمير الكويت بشأن تثمين مجهودات الكويت في رأب الصدع بين الأشقاء. وأعلن نائب وزير الخارجية الكويتي خالد الجار الله أن وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون سيزور الكويت رسميًّا يوم السبت المقبل، لبحث تطورات الخلاف الخليجي وسبل احتوائه بشكل دبلوماسي يضمن للمنطقة استقرارها.وفي ضوء هذا التريث العالمي الذي عادل التهور الخليجي في بداية الأزمة يمكن قراءة بيان الأمس الذي جاء خاليًا من التصعيدات الخطيرة التي كثر الحديث عنها في الفترة الماضية، لتستمر بذلك الأزمة الخليجية في إطارٍ من الحرب الباردة، مناوشات كلامية، ولا شيء على الأرض.