نظرية الانتقال الآني الكمّي بين الواقع والخيال السينمائي
تعود نظرية الانتقال الآني الكمّي «Quantum teleportation» لعهد بعيد، يُرجعِها العلماء إلى الحضارة المصرية القديمة من خلال العديد من البرديات المُكتشفة، واختفت تلك البرديات بعد أفول الحضارة المصرية القديمة لعهود طويلة، لتعود «فكرة انتقال المادة» في الظهور مرة أخرى في رواية «آلة الزمن» للروائي الشهير «هربرت جورج ويلز» في عام 1874، حينما تحدث عن جهاز يمكنه السفر بسرعات لا نهائية عبر الزمن، من خلال أحد العلماء من العصر الفيكتوري الذي اخترع آلة تنقله عبر الزمن، ويسافر بها للمستقبل للفرار من عالم 1900 المليء بالحرب.
بعدها بثلاثة أعوام ظهرت كتابات «إدوارد بيدج ميتشل» في عام 1877، والتي تتحدث عن نقل المادة بدلًا من الانتقال الآني، وذلك في كتاب «الرجل الشفاف» في صحيفة «The Sun»، وفي عام 1897 ظهر مصطلح «الانتقال الآني» في كتابات ساخرة للكاتب «Fred T. Jane»، يصف بها الانتقال من كوكب لآخر.
في عام 1931 ابتكر الكاتب «تشارلز فورت» مصطلح «Teleportation» للمرة الأولى عندما كتب عن ظاهرة الاختفاء والظهور المفاجئ لبعض الكواكب في حركتها حول الشمس، واستخلص منها المصطلح الذى يتركب من كلمتين مأخوذة عن اللغة الإغريقية هما: «tele» بمعنى المسافة، وكلمة «portare» أيّ تحمل، ومن المزج بينهما استخرج المصطلح «Teleportation» بمعنى «الانتقال الآني»، أو هو تقنية نقل الكتلة للأجسام المادية بشكل آني في دقة وسرعة لا متناهية.
الانتقال الآني الكمّي في القرآن الكريم
ذُكرت فكرة الانتقال الآني الكمّي في التوراة والإنجيل، وتحدثت عن نوع خارق من الانتقال، وفي الإنجيل ورد ذكر هذا الحدث في نسخ العهد الحديث من انتقال بعض القديسين من الرهبان من موقع لآخر كبيت المقدس والرجوع إلى مواقعهم مرة أخرى بشكل آني.
ورد في القران الكريم ذكر لنظرية الانتقال الآني في قصة إسراء ومعراج الرسول، صلى الله عليه وسلم، والتي وصفها الله- جل وعلا- في كتابه الحكيم:
وورد ذكر الإسراء والمعراج بروايات متعددة في صحيحي البخاري ومسلم، وفيها انتقل الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، إلى المسجد الأقصى ثم عرج للسماوات العلا مع سيدنا جبريل حتى بلغ سدرة المنتهى.
كذلك وردت فكرة الانتقال الآني في قصة نقل عرش بلقيس، عندما قام أحد رجال سيدنا سليمان، عليه السلام، وصفه القرآن الكريم بصفة «عنده علم من الكتاب»، بنقل عرش بلقيس من اليمن إلى القدس، والتي تبعد عنها بمئات الكيلومترات في غمضة عين وبشكل دقيق من دون أي خدش أو أجزاء مفقودة، وبمعجزة ربانية كما يقول الخالق عز وجل:
الانتقال الآني في العصر الحديث
وصف العلماء في العصر الحديث هذه التقنية بكونها الانتقال الآني من خلال جهاز إرسال، يقوم بنقل المعلومات إلى جهاز استقبال في مكان آخر، ونجحوا في نقل «بتات الكم»، وهي أصغر وحدة للبيانات أو المعلومات بالألياف البصرية بدقة تصل إلى 90%.
نظريًا يمكن تطبيق التقنية على الجمادات، وذلك لسهولة فك الأجسام وتحويلها إلى جسيمات أو فوتونات يمكن نقلها بسرعة لا نهائية كما في نقل البيانات بواسطة الإنترنت، وتكمن الصعوبة في نقل الكائنات الحية بنظرية الانتقال الكمي، ولقد ظهرت تلك النظرية منذ سنوات طويلة يُرجعها المؤرخون إلى وجود برديات من مصر القديمة تشرح تقنية الانتقال الكمي الآني كما سبق ذكره.
وانتقلت تلك البرديات المصرية القديمة للعالم الفيزيائي الفرنسي تسلا في أوائل القرن العشرين، وطبقها على نفسه بالفعل بعمل تجربة تُدعى «الحقل الموحد للطاقة»، وكاد يختفي لولا قيام مساعده بفصل تيار الكهرباء ووقف التجربة، والتي علّق عليها تسلا بقوله، إنه كاد بالفعل يختفي للأبد لولا ما قام به مساعده من فصل الجهاز.
بعدها استكمل آينشتاين الفكرة وقام بعمل تجربة فيلادلفيا، واستخدم فيها سفينة حربية أمريكية عليها بحّارة، وذلك أثناء الحرب العالمية الأولى، وأثناء التجربة اختفت السفينة بالبحّارة من فوقها وعند ظهورها في مكان آخر، توفّي عدد من البحّارة، وتحدث البحّارة الناجون من باقي البحّارة، والذين اختلطت ذرّاتهم بذرّات السفينة عن انتقالهم لزمن آخر، عن رؤيتهم لأماكن وأحداث وأزياء مختلفة للبشر.
بعدها أوقفت الجهات الأمنية الأمريكية النشر بخصوص تلك التقنيات المتطورة، وحتى الآن وعلى الرغم من استحالة تنفيذ فكرة الانتقال الآني للأجسام الحية في الواقع في حدود الإمكانات القليلة المتاحة، فإن الفكرة ظهرت في كثير من الأفلام الأمريكية.
تمكّن العلماء في عام 1969 في ولاية سياتل بنقل صندوق صغير من غرفة لأخرى تبعد عنها بمسافة 6 أمتار، وفيها تم وضع جهاز لتجميع الجزئيات المتنقلة، إلا أن الصندوق تجمّع بشكل عكسي. وفي عام 1993 قام العالم «تشارلز بينيت» ومعه عدة باحثين من شركة «IBM» بنقل عملة معدنية من مكان لآخر بنفس الغرفة داخل قناة مُحاطة بمجال مغناطيسي قوي، ونجحت التجربة وانتقلت العملة من الحاوية الأولى إلى الحاوية الثانية، واستغرقت نحو ساعة، رغم إن الحاويتين على مسافة 90 سم فقط. وبعد 15 عاماً أعيدت التجربة واستخدمت فيها عدة عملات، مما أدى لاندماج القطع مع بعضها البعض، وتكوين أشكال غير معروفة.
الانتقال الآني في الخيال السينمائي
ظهرت في ثمانينيات القرن العشرين سلسلة من أفلام الخيال العلمي، والتي ظهرت فيها فكرة الانتقال الآني، وهي أفلام Star Trek للمخرج Jay Abrams، وكذلك سلسلة أفلام Star Wars، للمخرج George Lucas.
تبع ذلك مجموعة أفلام أمريكية كما في فيلم «الذبابة – The Fly»، وهو فيلم رعب تم إنتاجه في الولايات المتحدة وصدر عام 1986، الفيلم من تأليف «جورج لانجيلان» وإخراج «ديفد كروننبرج»، ويحكي عن عالِم غريب الأطوار يخترع آلة انتقال آني يمكنها نقل الأجسام من مكان لأخر، وذلك بتفكيك الجسم إلى جزيئات وإعادة تركيبها مرة أخرى في مكان آخر، وينجح في تطبيقها على الجوامد، وعندما يبدأ في تجربه الجهاز على نفسه –كما حاول العالم تسلا في الواقع من قبل– فتدخل ذبابة في الجهاز في نفس وقت التحول وتختلط جزيئات العالم بجزيئات الذبابة، وبعد اختلاط جزيئات العالم بالذبابة يتحول إلى مسخ آدمى. ونلاحظ هنا تأثير تجربة فيلادلفيا والتي سبق شرحها على مؤلف الرواية.
كما ظهرت فكرة الانتقال الآني في سلسلة «Back to Future»، في ثمانينيات القرن العشرين، والذى كتبه وأخرجه «روبرت زيميكس» والذي أصبح المرجع للكثير من الأفلام والمسلسلات التي تناولت السفر عبر المستقبل، كذلك في فيلم المتنقل أو القافز «Jumper»، وهو فيلم أمريكي أُنتج عام 2008 من نوع الخيال العلمي والأكشن، وهو مقتبس من رواية صدرت عام 1992 بنفس الاسم للمؤلف «ستيف جولد»، وكان الفيلم من إخراج «دوغ ليمان»، ويدور حول قدرة شاب على التنقل الآني بينما هو يُطارَد من قبل منظمة سرية. وتوالت الأفلام والمسلسلات التي تعتمد على فكرة التنقل عبر الزمن.
مستقبل نظرية الانتقال الآني الكمّي
حتى الآن لا يمكن نقل أجسام البشر بتلك التقنية بنفس تلك الآلية السابقة الخاصة بالجمادات، فأي ماكينة ضخمة تستطيع رصد وتفكيك كل ذرات الإنسان -ذلك الكائن الذي تتجلى فيه العبقرية الإلهية- وإرسالها من مكان لآخر، لتقوم ماكينة أخرى بإعادة بناء الجسم بمنتهى الدقة من دون حدوث أي إزاحة ولو ضئيلة لأماكن الذرات قد تؤدي لتشوه الإنسان، وماذا عن أحلامه وأفكاره وذكرياته… إلخ؟
كذلك لأنه سيتم تفتيت الجسم إلى جسيمات صغيرة وفك شفرة الجينوم لكل خلية وتحويلها لبيانات ضخمة لا متناهية في الحجم يُعاد تجميعها في المكان الآخر المطلوب السفر إليه، ولضخامة البيانات الخاصة بالجسم البشرى يصعب- بل يستحيل- نقلها بالإنترنت بسرعته المعهودة، إلا أن الولايات المتحدة أعلنت عن تطور في الحواسب الكمية التي يمكنها نقل كم ضخم جدًا من المعلومات بسرعات أعلى من الضوء، ولمسافات ضخمة جدًا، بحيث تكون أسرع من الإنترنت العادي، إلا أنها تحتاج لتكنولوجيات وبنية تحتية خاصة.
ورغم تطور الحاسبات الكمية، فإن العلماء يرون أنه في حالة نقل جسم الإنسان فهو نقل لكائن حي وليس جمادات، بمعنى أنه بعد تفتيته لذرات ونقله وإعادة ترتيب ذراته من جديد، يستحيل نقل الروح المُحرِّكة للجسم، وذلك يعني أن الجسم سينتقل كجثة هامدة.
ويخشى العلماء من اختلاط ذرات الكان الحي مع موجودات أخرى كما في فيلم The Fly -الذي سبق شرحه- بعد حدوث الانتقال الآني لأحد أجسام البشر، وبوجود ذبابة في نفس نطاق الانتقال الآني اختلطت جزيئات الذبابة بالشخصية ليظهر كمسخ، وذلك يفسر وجود مشكلة أخرى هي وجوب العزل الكامل لجسم الإنسان لمنع اختلاط جسيماته بجسيمات كائنات أخرى موجودة في نفس المكان. ومن العقبات الأخرى عند تفكيك جسم الإنسان إلى ذرات يستحيل التأكد من إعادة بنائه مرة أخرى بنفس ترتيب ذرات جسده من دون حدوث أي خلل في تركيبه.
هناك أحد المقترحات بطباعة الأجسام طباعة ثلاثية الأبعاد، وذلك بعمل مسح ذرّي بالغ الدقة لكل ذرات جسم الإنسان ونقل البيانات بمنتهى الدقة إلى المكان المطلوب الانتقال إليه، وظهرت تلك الفكرة في أحد الأفلام الأمريكية بعنوان «Matrix Reloaded»، ولكن ذلك معناه وجود عدة نسخ من النموذج الأصلي، وكذلك؛ كيف يمكن للجسم الجديد الذي تم طباعته أن يحيا من دون روح؟
تتابعت التجارب حتى وصلت في عام 2017 لقيام علماء صينيين بنقل جسيمات فوتونية خفيفة من الأرض إلى قمر صناعي في الفضاء يبعد 310 ميلات عن الأرض بنجاح، والفوتونات هي جسيم أولى متناهي الصغر يحمل الإشعاعات الكهرومغناطيسية. هذه التجربة تُنبئ بإمكانية تحقيق تتطور كبير في الانتقال الآني في المستقبل القريب.
وتظل محاولة نقل الإنسان بنظرية الانتقال الآني هي المعضلة الأكبر، إلا أن المحاولات في هذا الإطار مستمرة بشكل متسارع، فلعل المستقبل يحمل لنا بُشرى نجاح الانتقال الآني للبشر، والذي سيُغيِّر وجه العالم وساكنيه.