بعد الحصار الخليجي: هكذا ضغط اللوبي القطري من خلال مناصري «إسرائيل»
هذا التقرير جزء من مشروع «الحج إلى واشنطن» الذي أنجزه فريق ساسة بوست لتغطية أنشطة لوبيات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة بين 2010 و2020. ومعظم المعلومات الواردة في التقرير تستندُ لوثائق من قاعدة بيانات تابعة لوزارة العدل الأمريكية، تتبع لقانون «تسجيل الوكلاء الأجانب (فارا)»، الذي يُلزم جماعات الضغط بالإفصاح عن أنشطتها وأموالها، وكل الوثائق متاحة للتصفح على الإنترنت.
في الأعوام الماضية كانت الولايات المتحدة أرضًا مفتوحةً للتواصل السياسي الخلفي بين دول عربية عدَّة وإسرائيل، ومنظماتها المناصرة لها في واشنطن، ووفَّرت شركات اللوبيات قنوات بديلة للتواصل غير الرسمي مع شخصيات مقرَّبة من المجتمع اليهودي الأمريكي ومناصري إسرائيل. في هذا التقرير نستعرض تفاصيل ثلاث علاقات لدولة قطر مع هذه الجهات، وأهدافها من التعاقد معها.
التطبيع يدخل مرحلةً جديدة مع الأزمة الخليجية
استغلت بضع دول خليجية قنوات التواصل مع اللوبي الإسرائيلي في ملفات مختلفة، منها تنسيق التطبيع المباشر بين هذه الدول وإسرائيل، بدءًا بالتطبيع الثقافي وصولًا للتطبيع الدبلوماسي والسياسي المُعلن.
لكن الأزمة الخليجية كانت نقطة فارقةً انتقلت فيها جهود التطبيع الخليجي لمرحلة جديدة؛ إذ اعتمدت دول الحصار بكثرة على جماعات الضغط المناصرة لإسرائيل ووظَّفتها لمهاجمة قطر، ومثلها دخلت قطر في معركة اللوبيات لتستقطب شخصيات بارزة ومهمة في المجتمع اليهودي الأمريكي ومن مؤيدي إسرائيل، لمناصرتها والضغط ضد دول الحصار أحيانًا، ولصد الجهود التي تتهمها بدعم الإرهاب في أحيان أخرى، فماذا فعلت تحديدًا؟
فريدلاندر.. أرثوذكسي في الكونجرس
يأتي العقد الأول بين أيدينا مذيَّلًا باسم رجل الأعمال القطري، حسان علي بن علي، وسجَّل في 10 نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، مع «مجموعة فريدلاندر – Friedlander Group» التي يملكها ويديرها عزرا فريدلاندر.
فريدلاندر هو يهودي أرثوذكسي مناصر بالكامل لإسرائيل، وأحد الوجوه البارزة لليهود الأمريكيين، ويتمتع بعلاقات جيدة في الكونجرس الأمريكي وفي دوائر الحكم بإسرائيل. وينص العقد على السعي لتعزيز العلاقات القطرية-الأمريكية، والتأثير «إيجابيًّا» في علاقة قطر مع المجتمعات اليهودية في أمريكا.
وسيقدم فريدلاندر استشارات سياسية للعميل القطري باقتراح أسماء شخصيات بالكونجرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي من المفيد الاجتماع بهم. ومن اللافت للنظر أن أول نسخة نشرت من العقد وردت فيها بنود عن التواصل مع قيادات إسرائيلية بارزة، ولكن سرعان ما أرفق فريدلاندر نسخًا جديدة من العقد شُطب منها بند التواصل مع إسرائيليين، وأبقى بند التواصل مع «يهود أمريكيين».
وبجانب التوصيات، قال العقد إن فريدلاندر سينسِّق اجتماعات لحسان بن علي مع أعضاء كبار في مجلس الشيوخ، ومع قادة يهود، ومسؤولي مراكز أبحاث وجماعات ضغط، وسيسعى إلى جمعهم في عشاء معه، ويذكر أن فريدلاندر شجع قادة يهودًا على المشاركة في هذا العشاء. لا تذكر الوثائق الكثير من التفاصيل، ولكنها تُورد اجتماعات مع أعضاء بالكونجرس لمناقشة قطر وجهودها في «محاربة الإرهاب»، وأهم هذه الاجتماعات مع النائب الديمقراطي إليوت أنجل، صديق إسرائيل الحميم وأحد أعمدتها في الكونجرس.
دعمت إسرائيل أنجل بسخاء نظرًا إلى نفوذه الواسع في الكونجرس بصفته رئيسًا للجنة العلاقات الخارجية، وأينما نظرت في تشريعات للكونجرس مؤيدة لإسرائيل فستجد اسم أنجل في المقدمة.
واجتمع فريدلاندر مع جمهوريين آخرين، منهم النائب بيتر روسكام، عضو لجنة الوسائل والطرق، ورئيس اللجنة الفرعية فيها للرقابة، وعضو لجنة التحقيق في أحداث بنغازي. روسكام من نقَّاد قطر الدائمين في الكونجرس، وفي منتصف 2013 رعى جهدًا حثيثًا للضغط على قطر لقطع علاقاتها بحركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالكامل.
وتحدَّث الباحث الأمريكي جوناثن شانزر عن هذه الرسالة وتفاصيلها في مقالة له، ويذكر أن الرسالة جاءت فورًا بعد تحرك الجيش المصري لإسقاط الرئيس المصري محمد مرسي، ليمنع بذلك عن حركات المقاومة الفلسطينية أي غطاء أو مساندة إقليمية، وهنا تحرَّك النائب روسكام للضغط على قطر لتنهي علاقتها بالكامل مع حماس، بعدما أضحت قطر الفاعل الخليجي الوحيد لا في صفِّ الربيع العربي فقط، ولكن في دعم حركات المقاومة الفلسطينية.
وعمل شانزر – كاتب المقال – موظفًا سابقًا في الخزانة الأمريكية، ويعمل الآن نائبًا لرئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهو مركزٌ بحثي يميني أمريكي، ويتعاون شانزر تعاونًا مباشرًا مع اللوبي الإسرائيلي، وللوبي الإمارات تواصل مستمر معه ومع مركزه.
ولكن سرعان ما جاءت الحرب، في يوليو (تموز) 2014، بإطلاق إسرائيل «عملية الجرف الصامد» ضد قطاع غزة المحاصر، وبالتزامن مع الحرب الطاحنة في القطاع طالب النائب روسكام وزارة الخارجية الأمريكية بتقديم تأكيد بأن مساعدات قطر لقطاع غزة ستوجَّه لمواطني القطاع ولن توظف لدعم حماس.
وردَّت الخارجية الأمريكية بتأكيد هذه المعلومة، ولكنها قالت في الوقت نفسه إن علاقة قطر مع حماس مفيدة للولايات المتحدة؛ إذ تسمح لقطر الحليفة لأمريكا بأن يكون لها تأثير في حماس، وأن يكون لها قنوات اتصال مع الحركة تسمح بتثبيت وقف إطلاق نار.
حضور فعالية تكريم شمعون بيريز في الكونجرس
وتواصلت الشركة مع السيناتور الجمهورية كيلي أيوت، وهي راعية قرار في مجلس الشيوخ لتكريم الرئيس الإسرائيلي السابق، شمعون بيريز، بميدالية الكونجرس الذهبية، وتعمل السيناتور عضوة في لجان عدة، منها: الأمن الداخلي، والقوات المسلحة، وتترأس فيها لجنة فرعية عن الجاهزية.
وتمنح الميدالية من الكونجرس للمدنيين فقط، ولم يكرَّم بها إلا سياسيَّان أجنبيان سابقًا، أولهما: وينستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا الشهير ووجه الإمبريالية البريطانية، والآخر نقيضه نيلسون مانديلا، زعيم جنوب أفريقيا وأبرز مناضليها للتحرر من الاستعمار، ووقع الاختيار على بيريز ليكون الشخص الثالث الذي حاز هذا التكريم.
وذكر عزرا فريدلاندر أن حسان بن علي، رجل الأعمال القطري، هو رئيس دولي مشارك لهيئة الكونجرس المسؤولة عن تكريم بيريز، وفي 7 مايو (أيار) 2014 حضر ابن علي فعالية في الكونجرس للاحتفال بالموافقة على تكريم بيريز.
وفي غرفة ملأى بمؤيدي إسرائيل ومناصريها من السياسيين الأمريكيين، وفي جلسة لم يُذكر فيها الفلسطينيون إلا عرضًا عندما تحدث السيناتور الجمهوري، راند باول، عن رفضه لجهود المصالحة الفلسطينية، وما قد ينتج منها من حكومة فلسطينية تشارك فيها حماس، وتنتفع من خلالها بالمساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية.
وقف حسان بن علي وبدأ كلمته قائلًا: «إذا لاحظتم، أنا لست يهوديًّا ولا أمريكيًّا، أنا في الحقيقة قطري ومسلم… وجودي بين ضيوف مميزين مثل الحاضرين اليوم تشريف خاص لي»، ثم أشاد برغبة المجتمع اليهودي الأمريكي في التواصل والعمل مع الجميع «من كل الأعراق والمعتقدات تحت رب واحد».
ظهرَ حسان بن علي مجددًا في فعالية تكريم شمعون بيريز عند وصوله لواشنطن، بتاريخ 25 يونيو (حزيران) 2014، وألقى ابن علي الكلمة الأولى في حفل التكريم، وأثنى فيها على بيريز و«قيادته النموذجية»، و«مسيرته المهنية المسخَّرة للخدمة العامة». وعندما جاء دور الحديث لبيريز، شكرَ حسان بن علي وأشاد بما فعله، وقال إنه يعلم أن هذا «أول تعبير عن الصداقة» من هذا النوع والمستوى.
وأخيرًا، اجتمع فريدلاندر لصالح ابن علي مع السياسي الجمهوري ريك ميرفي، دون توضيح هدف الاجتماع. وأُلغي العقد في 30 مايو (أيار) 2015، قبل شهور من الموعد الطبيعي لانتهاء العقد، ودفع ابن علي مقابل هذه الخدمات 10 آلاف دولار فحسب، وهو مبلغ صغير جدًّا بمعايير سوق اللوبيات.
ولكن عاد ابن علي ليجدد العلاقة في 14 سبتمبر (أيلول) 2018، لتنتهي بعدها بأقل من شهرين في 30 أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه، وفي التعاقد الثاني دفع ابن علي 15 ألف دولار. قيمة العقد في الأصل 200 ألف دولار لمدة عام، على أن يعمل فريدلاندر على تنسيق اجتماعات لابن علي مع أعضاء بمجلس الشيوخ، مع تحفيز قادة يهود ودبلوماسيين على المشاركة في هذه الجلسات، ولا تورد الوثائق تفاصيل إضافية عن هذه الأنشطة.
ويذكر أن فريدلاندر عمل لصالح حزب الانتماء اللبناني، ذي الأغلبية الشيعية والمناهض لحزب الله.
مساعد السيناتور تيد كروز في خدمة قطر
تُظهر الوثائق العقد الثاني لدولة قطر، ولكن هذه المرة باسم السفارة القطرية بواشنطن مع شركة «ستونينجتون ستراتيجيز – Stonington Strategies»، بتاريخ 24 أغسطس (آب) 2017.
ويعمل في الشركة نيكولاس موزين، وهو أمريكي مناصر لإسرائيل، عمل مساعدًا للسيناتور الجمهوري المعروف، تيد كروز، الذي ترشح للانتخابات الرئاسية في 2016 وتراجع في النهاية أمام ترامب، وهو مناصر شرسٌ لإسرائيل، وبعد خروجه من الانتخابات انتقل مساعده موزين للعمل في فريق حملة ترامب الانتخابية، وبعد فوز ترامب بالرئاسة أسس شركته الخاصة للضغط السياسي.
ولهذا التعاقد توقيت خاص؛ إذ يأتي بعد نحو 80 يومًا من إعلان الحصار على قطر، وستعمل بموجبه الشركة على بناء علاقات لقطر مع شخصيات أمريكية مناصرة لإسرائيل، ومع المجتمع اليهودي الأمريكي.
20 زيارة لقطر
وقدمت الشركة لقطر عدَّة خدمات، من أهمها تنسيق 20 رحلة من الولايات المتحدة لقطر، سافرت فيها شخصيات أمريكية لم ترد أسماؤها في الوثائق، ولكن كشفت عنها وسائل إعلام أمريكية، أو تحدثت بعض الشخصيات عن زيارتها علنًا. كان موترون كلاين أحد المشاركين في هذه الرحلات، وهو رئيس المنظمة الصهيونية الأمريكية، وناقدٌ شرس لقطر ويدعو باستمرار لتصنيفها دولة راعية «للإرهاب» بسبب دعمها لحركات المقاومة الفلسطينية.
زار كلاين قطر في رحلة لخمسة أيام، وتحدث لصحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية عن اجتماعه مع أمير قطر تميم بن حمد الذي استمر لساعتين، وقال إنَّه حضَّر وفريقه بحثًا من 50 صفحة لقضايا لنقاشها مع جميع المسؤولين القطريين الذين التقى بهم. ومن القضايا التي سعى كلاين لمناقشتها؛ تسليمُ جثث جنود إسرائيليين قُتلوا في غزة، بالإضافة لمناقشة لتغطية قناة «الجزيرة» للصراع العربي-الفلسطيني، في تقاطع واضح مع الأجندة التي يعمل عليها اللوبي الإماراتي في واشنطن ضد القناة.
وقال كلاين إنه رفض زيارة قطر بعد عدَّة دعوات تلقاها بعد سبتمبر (أيلول) 2017، وفي الفترة نفسها أصدر بيانًا صحفيًّا عنوانه: «كلاين لا يقبل دعوة اللقاء بأمير قطر المؤيد لحماس»، ووصف الحكم في قطر بأنه «متوحش وشرير»، ورغم ذلك وافق في النهاية على الزيارة، بعد أن سبقته عدة شخصيات يهودية أمريكية مناصرة لإسرائيل.
لم يكن كلاين المعارض الوحيد لهذه الزيارات؛ فقد عارضها كثيرون من المجتمع اليهودي والصهيوني في الولايات المتحدة، ووتَّر الأجواء في تلك الفترة الوثائقيُّ الذي أعده فريق التحقيقات الاستقصائية في قناة «الجزيرة» بقيادة كلايتون سويشر، الصحافي الأمريكي الاستقصائي.
كان الوثائقي عن اللوبي الإسرائيلي في أمريكا وتأثيره في سياساتها، وسبقه وثائقيٌّ عن اللوبي وأنشطته في بريطانيا وحملاته التشويهية ضد مناصري القضية الفلسطينية.
التقى موزين، صاحب شركة الضغط، مع واحد من قادة اللوبي الإسرائيلي لمناقشة العواقب المحتملة لنشر الوثائقي، ولم يتفق الطرفان على شيء، وأشعر موزين على إثر ذلك زبائنه القطريين بأن نشر الوثائقي يهدد بتجميد التواصل بالكامل مع يهود أمريكا، وتنقل مجلة «تابلت» اليهودية الأمريكية أنَّ «الجزيرة» ألمحت لإمكانية عقد اجتماع مع زعماء يهود أمريكيين لمناقشة مخاوفهم بشأن منشورات الشبكة.
وفي النهاية مُنع بث الوثائقي، وخرج منتجه، كلايتون سويشر، بمقال رأي يتحدث فيه عن الضغط الإسرائيلي على قطر وينتقد منع بثه.
زارت شخصيات أخرى قطر، منها مالكولم هوينلين، نائب رئيس مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى، إحدى أكبر المنظمات الصهيونية الأمريكية، بالإضافة لمارتن أولينر، نائب رئيس «المنظمة الصهيونية الأمريكية». ووفقًا لوثائق الشركة في موقع وزارة العدل الأمريكية، بدأت الرحلات في 2 نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، وكانت آخر رحلة في 8 يناير (كانون الثاني) 2018.
وتورد الوثائق أيضًا أن الشركة دفعت لفندق الشيراتون في الدوحة، لفترات إقامة مختلفة في شهر نوفمبر 2017، وتوضِّح أن الشركة أخذت من قطر 203 آلاف دولار بدل نفقات سفر.
قطر توظِّف مناصرًا لإسرائيل ليعطِّل تشريعًا ضد «المقاومة»
في 25 مايو (أيار) 2017، قبل 10 أيام من حصار قطر، قدَّم النائب الجمهوري بريان ماست، عضو لجنة الشؤون الخارجية، قانونًا باسم «مكافحة الدعم الدولي للإرهاب الفلسطيني – Palestinian International Terrorism Support Prevention Act». يعد ماست، راعي المشروع، أحد أكبر المناصرين لإسرائيل، وهو معارض لحل الدولتين، ويرفض إقامة دولة فلسطينية من الأساس.
باختصار، يوفر المشروع إطارًا قانونيًّا وعمليًّا لشلِّ الأنشطة المالية لحركتي حماس والجهاد الإسلامي على مستوى العالم، ويخوِّل الرئيس الأمريكي بفرض عقوبات على أي أشخاص أو جهات تموِّل هذه الحركات ماليًّا أو عسكريًّا. ويذكر التشريع دولة قطر ويتهمها بتمويل ما يسميه «الإرهاب الفلسطيني». ووجد اللوبي الإماراتي ضالته في هذا المشروع الذي يضرب عصفورين بحجر واحد: المقاومة الفلسطينية وقطر، خصمها الإقليمي اللدود.
وهنا تطالعنا مفارقات عالم اللوبيات؛ إذ يعمل موزين، اليميني المؤيد لإسرائيل الذي استأجرته قطر، ويضغط لتعطيل تشريع يستهدف حركات المقاومة الفلسطينية، ولهذه الغاية اجتمع موزين مع مجموعة من أبرز أعضاء الكونجرس.
منهم السيناتور الديمقراطي بوب مينينديز، أشرس الديمقراطيين في الدفاع عن إسرائيل، والذي عارضَ اتفاقية أوباما النووية مع إيران على خلاف مع حزبه، وبالتوازي مع معارضة اللوبي الإسرائيلي لها، ولمينيندنز نفوذ واسع لكونه زعيم الديمقراطيين بلجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ. وناقشت الشركة مشروع القانون مع مستشار الأمن القومي، لستيني هوير، زعيم الأغلبية الديمقراطية بمجلس النواب.
واجتمع موزين مع شيوخ جمهوريين من لجنة العلاقات الخارجية: رون جونسون، وتود يونج، وناقشهما في العلاقات القطرية الأمريكية ووضع قاعدة العديد الجوية. ولموزين اجتماعات مع نواب جمهوريين أيضًا، منهم: ترينت فرانكس، وجو ويلسون، من لجنة القوات المسلحة، وجيف فورتنبيري، وزميله سكوت تايلر من لجنة المخصصات.
وفي النهاية أُسقط القانون لعام 2017 الذي يصنف قطر دولة راعية لحركة حماس، وطُرح من جديد عام 2019 ومرره مجلس النواب، لكن دون ذكر لقطر، ولم نجد ضمن وثائق اللوبي القطري أي محاولات ضغط ضد هذا التشريع الجديد.
مع إعلام اليهود الأمريكيين والصحافة الإسرائيلية
لم يقتصر عمل الشركة على التواصل مع الكونجرس أو تنسيق الزيارات، بل شمل أيضًا التمثيل الإعلامي لقطر أمام وسائل إعلامية يهودية أمريكية، وواحدة إسرائيلية.
تواصلت الشركة مع صحيفة «جيروزاليم بوست» لمناقشة العلاقات «القطرية الإسرائيلية»، دون الإفصاح عن أسماء الصحافيين الذين تواصلت معهم. وتواصلت مع أرمين روسين، من مجلة «تابلت» اليهودية الأمريكية، وله تقرير موسع عن علاقة قطر باليهود الأمريكيين وعن وثائقي الجزيرة الاستقصائي الذي ذكرناه سابقًا.
ومن صحيفة «ذا فوروارد»، إحدى أهم الصحف الأمريكية اليهودية، تواصلت الشركة مع محررة مقالات الرأي باتيا أنجر سارجن، لمناقشتها عن جهود قطر للتواصل مع المجتمع اليهودي الأمريكي، وتقدم الصحيفة تغطيات باستمرار عن قطر، وخاصةً علاقاتها بالولايات المتحدة وبالمجتمع اليهودي الأمريكي.
وأخيرًا، تُورد الوثائق اسم سارة الزيني، التي عملت في هذا التعاقد مع الشركة، وقدمت خدمات سكرتارية وإدارية، على حد وصف سارة في واحدة من الوثائق، وهي أمريكية فلسطينية من مواليد السعودية. ومن اللافت للنظر عملها لقطر وفي الوقت نفسه، بحسب مقال ترويجي عنها، قدَّمت إحاطات عن الشرق الأوسط لمسؤولين أمريكيين تحضيرًا لواحدة من زيارات ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان لواشنطن، وتجهيزًا لزيارات لقادة عرب آخرين.
واستمرت العلاقة بين السفارة القطرية والشركة لمدة عام، لتنتهي في 21 أغسطس (آب) 2018، بكلفة عالية وصلت إلى مليون و300 ألف دولار.
تبرعات قطرية لمنظمات صهيونية وإسرائيلية
يبدأ هذا التعاقد المهم في 15 يونيو (حزيران) 2018 مع شركة «ليكسينجتون ستراتيجيز – Lexington Strategies» ومالكها جوي اللحام، وهو يهودي سوري أمريكي، ورجل أعمال أسس سلسلة مطاعم فاخرة في نيويورك، وله علاقات متشعبة داخل الحركة الصهيونية بأمريكا واللوبي المناصر لإسرائيل.
ويذكر العقد أن اللحام قدم خدمات ترويجية لكأس العالم 2022 الذي سينعقد في قطر، ثم انتقل للحديث عن تعزيز العلاقات القطرية بقيادات المجتمع اليهودي في الولايات المتحدة.
وقَّع العقد عن الجانب القطري «اللجنة العليا للمشاريع والإرث»، المسؤولة عن التحضير لكأس العالم المُقبل عام 2022، ويُورد العقد اسم علي الذوادي، ويذكر صفته مديرًا لمكتب الشيخ محمد بن حمد آل ثاني، مدير اللجنة المذكورة.
ولا تُورد الوثائق معلومات تفصيلية عن أنشطة الشركة في الولايات المتحدة، ولكن تذكر أن اللحام تلقى مليونًا و400 ألف دولار أمريكي مقابل خدماته. ويوثِّق اللحام في هذا التعاقد تبرعه في 30 أكتوبر (تشرين الأول) 2017 بمبلغ 100 ألف دولار لـ«جنودنا يتحدثون – Our Soldiers Speak»، وهي مبادرة تابعة لمنظمة يهودية أمريكية تروِّج لمقاتلي الجيش الإسرائيلي.
وتبرع اللحام أيضًا بـ100 ألف دولار لـ«المنظمة الصهيونية الأمريكية – Zionist Organization of America»، قدَّمها على دفعتين: الأولى في 2 نوفمبر 2017، والثانية في 23 يناير 2018. وأخيرًا «منحة شرفية»، قيمتها 50 ألف دولار لشركة باسم «بلو دايموند هورايزنز»، المملوكة للسياسي الأمريكي مايكل هاكابي.
هاكابي هو سياسيٌّ جمهوري وحاكم سابق لولاية أركنساس، ومتسابق تنافس على ترشيح الحزب الجمهوري له للانتخابات الرئاسية عام 2008، وهو مبشِّر إنجيلي يتمتع بعلاقات واسعة في الدوائر الإنجيلية المؤيدة لإسرائيل، ودفعت الشركة هذا المبلغ لهاكابي ليزور قطر، وفور عودته من الزيارة كتب على «تويتر»: «أيام قليلة في الدوحة – قطر، الجميلة والحديثة والمضيافة بشكل مفاجئ».
ويعد هاكابي من المناصرين المتشددين لإسرائيل، فهو مؤيدٌ للاستيطان الإسرائيلي في الضفة المحتلة، على خلاف القانون الدولي والسياسة الأمريكية التقليدية من الاستيطان، وشارك في احتفالات لتأسيس وافتتاح مستوطنات إسرائيلية في الضفة الغربية، وصرَّح سابقًا بأنَّ الصراع العربي الإسرائيلي لم يحل بعد بسبب الفلسطينيين وعدم رغبتهم في «حلِّ سلمي».
وبجانب علاقاته مع منظمات صهيونية في أمريكا وإسرائيل، فإن ابنة هاكابي هي سارة ساندرز، المتحدثة السابقة باسم البيت الأبيض وترامب منذ منتصف 2017 وحتى منتصف 2019. وعلى كل حال، لم تدم علاقة قطر بهذه الشركة إلا شهرًا، لتنتهي في 17 يوليو (تموز) 2018.
هذا التقرير جزءٌ من مشروع «الحج إلى واشنطن»، لقراءة المزيد عن «لوبيات» الشرق الأوسط اضغط هنا.