بيراميدز: تساؤلات مشروعة حول الاستثمار المزعوم
بعبارات حاسمة، حاول الرجل الذي يرأس المنظومة الرياضية المصرية أن يضع حدًا لادعاء مسؤولي نادي بيراميدز المظلومية، الذين ارتأوا أن المناخ الكروي المصري تغلب عليه رغبة حقيقية في تعطيل مسيرة فريقهم.
ليست هذه المرة الأولى التي يدعّي فيها مسؤول ما أن كرة القدم المصرية مُسيّرة وفقًا لأهواء القائمين عليها. كل الأندية المصرية تشتكي من التعرُّض للظلم، بدرجات متفاوتة بالطبع.
لكن الغريب في تصريح صبحي، كان ترحيبه بما يطلق عليه «استثمار» أجنبي في كرة القدم المصرية. هل كان يقصد بالاستثمار تجربة بيراميدز حقًا؟
مظلوم في حبك يا مصر
هذه هي الرواية التي يحاول نادي بيراميدز تصديرها؛ عن طريق اختيار لعب دور الضحية، حتى وإن كانت الضحية هذه المرة ثرية كفاية ليحقق خسارة تقترب من ربع مليار جنيه مصري في ملف الانتقالات فقط منذ استحواذ مالكه الجديد سالم الشامسي على الحصة الأكبر من أسهم النادي، ناهيك عن بقية المصاريف التشغيلية لنادٍ لا يمتلك جمهورًا ولا ملعبًا.
يبرر عيد ذلك، بأن النادي الذي أنشئ وفقًا للرواية الأكثر منطقية لمكايدة جماهير الأهلي وإدارته، يمتلك عقود رعاية بالعملة الصعبة قادرة على تغطية مصاريفه.
هنا تتضح الإشكالية الأولى عند محاولة فهم تجربة بيراميدز كتجربة استثمارية، وهي أن العدالة التي يطالب بها النادي حديث العهد، إذا ما أردنا التجرُّد، لا بد وأن تشمل أيضًا إعلان النادي بشفافية عن مصادر دخله، ومقارنة مصاريفه بإيراداته، ليتضح للرأي العام جدوى هذا المشروع.
حتى نفهم القصة كاملة، يجب أن نخبرك أن فرق كرة القدم المصرية تنقسم لثلاث فئات: الأندية الأهلية (الجماهيرية)، الأندية المملوكة لجهات حكومية، والأندية المملوكة لمؤسسات خاصة.
طبقًا لعبد الرحمن الشويخ، المتخصص في الاقتصاد الرياضي، لا تفصح سوى الأندية الجماهيرية عن ميزانيتها بموجب قانون الرياضة، أما البقية الباقية، فالكشف عن تعاملاتها المادية يعد بمثابة الكشف عن أسرار عسكرية. بالتالي، ربما استفاد بيراميدز كذلك من غياب العدالة والشفافية، كغيره من الأندية المصرية.
عن أي استثمار نتحدث؟
حقيقة لم تنجح أي من التجارب التي عُرفّت بالاستثمارية في مصر؛ بمعنى أن كل الأندية المملوكة لأفراد أو مؤسسات خاصة تخسر أموالًا طائلة كل عام، لكن لسبب ما تستمر بقوة دفع لا يعرفها أحد، تمامًا مثل الأندية الشعبية.
هذا ما أكّد عليه سيف الأسيوطي، الذي شارك في تجربة فريق الأسيوطي الاستثمارية، التي انتهت ببيع اسم النادي لتركي آل الشيخ مقابل ما يدنو من 5 ملايين دولار أمريكي.
حسب الأسيوطي، حقق النادي ربحًا يقدر بـ60 مليون جنيه مصري عند بيع النادي، تخللها بعد الأرباح الهامشية في صفقات بيع اللاعبين المميزين. وفقًا لرأيه، كانت تلك الطريقة الوحيدة لتحقيق ربح حقيقي، ليس عبر المنافسة، لكن عبر محاولة تعظيم قيمة النادي، ثم بيعه لمالك جديد، مثل معظم المستثمرين الأوروبيين.
لذلك، إذا ما حاولنا أن نُحسن الظن، ربما ينتظر سالم الشمسي، مالك بيراميدز، فرصة مناسبة لبيع النادي بالفعل؛ لأنه لا يبدو كرجل يسعى للشُهرة، حيث لا يمتلك الإماراتي أي حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يظهر في وسائل الإعلام سوى في مناسبات نادرة جدًا قبل سنوات كما أن المعلومات المتاحة عنه محدودة جدًا.
الحيلة الأبرز التي تنتهجها إدارة بيراميدز هي تسريب بعض الأخبار بين الحين والآخر-في حيلة صحفية معروفة- عن نيّة المالك السخي دراسة مشروع استثمار ملياري يتضمّن بناء مدينة رياضية متكاملة، قبل أن تختفي هذه النية كأنها لم تكُن.
لماذا نحن هنا؟
طبقًا لتقرير «مدونة البنك الدولي» الصادر في ديسمبر 2020، لا يبدو من المرجّح نجاح أي تجربة استثمارية في كرة القدم العربية والمصرية خاصةً في القريب، لأن هذا النجاح مرهون بتكوين وحدات منفصلة مسؤولة بشكل كامل عن مراجعة حسابات شركات كرة القدم المحترفة ومراقبة حدود إنفاق الأندية، أملًا في تحقيق استدامة المنافسة والشفافية المالية، وبالتالي جذب انتباه المستثمرين الأجانب والمحليين.
يقودنا ذلك إلى السؤال الأشهر بالعقد الأخير: لماذا لا يتحوَّل الدوري المصري لدوري محترفين؟
الإجابة بديهية جدًا، وهي أنّ الوضع الحالي يخدم مصالح القائمين على الأمور. فمثلًا؛ تغطي اشتراكات الأعضاء والمباني الاجتماعية وغيرها من البنود التي لا علاقة لها بكرة القدم الخسائر التي تحققها الأندية الجماهيرية الكبرى في ملف كرة القدم. كما أن ناديًا مثل بيراميدز يستفيد من هذا نفس الفكرة وينفق ما لا يجنيه دون قوانين صارمة تردعه.
لذا، ربما سنظل ندور في نفس الحلقة المُفرغة؛ المعركة المستمرة بين الخير والشر، بيد أنّ في قصتنا هذه، لا وجود لخير مُطلق ولا لشر مطلق، الجميع مستفيدون، لكن الفكرة تكمُن في حبكة الرواية التي يتم تصديرها للجماهير.
في النهاية، دعنا نخبرك الرواية الحالية: بيراميدز تجربة استثمارية فاشلة جدًا، بينما تجربة فيوتشر أكثر نجاحًا. لماذا؟ لا أحد يعلم.