لدى بوتين «خطة لتدمير الغرب» وتدعى: «دونالد ترامب» (2)
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
تتمثل إحدى الحقائق الهامة عن ترامب في افتقاره للجدارة الائتمانية. فبعد إفلاسه عام 2004 وسلسلته الطويلة من الدعاوى القضائية، قررت البنوك الكبرى أنه لا يستحق بذل الجهد من أجله. بل فضلوا عدم لمس من نصب نفسه «ملكًا للديون». جعله ذلك يطارد مصادر أقل تقليديةً للأموال. على سبيل المثال، سلط موقع «بازفيد» الضوء على جهوده لجذب معمر القذافي كمستثمر. لكن الأموال الليبية لم تصل أبدًا. بل كان رأس المال الروسي هو ما غذى العديد من المشروعات التي تحمل توقيعه – ساعده ذلك في الحفاظ على صورته كبانٍ عظيم بينما تعافى من الإفلاس.
لم تأتِ الأموال بشكل مباشر. فأثناء بحثه عن المال، لجأ ترامب إلى شركة حديثة صغيرة تدعى «بايروك جروب»، وعقدا معًا صفقاتٍ عقارية ضخمة باستخدام اسم ترامب. كان رئيس الشركة مسؤولًا سابقًا بالاتحاد السوفيتي يدعى توفيق عارف، والذي جمع ثروة صغيرة عبر إدارة فنادق فاخرة في تركيا. ولإدارة عمليات الشركة، عيّن عارف فيليكس ستّار، السوفييتي المولد، الذي نشأ في شاطئ برايتون بأمريكا ولم يكمل دراسته الجامعية. غير ستّار اسمه إلى ساتر، على الأرجح ليبعد نفسه عن الأنشطة الإجرامية التي سيكشف البحث عن الاسم عنها بسهولة. أثناء شبابه، قضى ساتر وقتًا في تمزيق وجه رجلٍ باستخدام كأس مارجريتا مكسور في شجار حانة. كما ضبطه البنك الفدرالي الأمريكي لعمله في شركة سمسرة في الأسهم مرتبطة بأربعة عائلات مافيا مختلفة، والتي جمعت 40 مليون دولار من صفقات احتيالية. تصف إحدى الدعاوى القضائية لاحقًا «تاريخ ستّار المثبت في استخدام أساليب شبيهة بالعصابات الإجرامية لتحقيق أهدافه». وتشير أخرى إلى أنه قد هدد مستثمر لدى ترامب بصعق خصيتيه، وبتر ساقه، والإبقاء على جثته في صندوق سيارة ساتر.
فيم كان يفكر ترامب بدخوله في أعمال تجارية مع شركاء كهؤلاء؟ إنه سؤال حاول ترامب تجنبه عبر تقليل صلاته ببايروك وخطايا ساتر. «لقد تورط في مشكلات لأنه تشاجر في حانة، وهو أمر يفعله الكثير من الناس»، حسبما صرح ترامب ذات مرة. لكن ترامب لم يكن مجرد شريك لـ«بايروك»؛ بل اندمجت الشركة معه. كما عمل ساتر في برج ترامب؛ ووصفته بطاقة عمله بأنه «مستشار كبير لدونالد ترامب». جمعت الشركة صفقاتٍ لمشروعات عملاقة تحت إدارة ترامب واسمه – اثنان في فورت لودرديل بفلوريدا، منتجح في فونيكس، و«ترامب سوهو» في نيويورك. تم بالفعل بدء العديد من هذه المشروعات، لكنها كانت مجرد بداية فقط. «كان ترامب مأخوذًا بشكل خاص بعلاقات عارف الدولية»، حسبما أوردت التايمز (بعدما أقام مشترون لوحدات في «ترامب سوهو» دعوات قضائية متهمينه بالاحتيال). في أحد تصريحاته، قال ترامب إنهما قد تناقشا بشأن «الكثير من المشروعات في جميع أنحاء العالم»، وإن عارف قد جلب مستثمرين روسًا محتملين إلى مكتب ترامب للقائه». ووصف ترامب نطاق طموحاتهم بقوله: «سيؤدي ذلك إلى إنشاء فندق ترامب الدولي وبرج موسكو، كييف، إسطنبول، إلخ، بولندا، وارسو».
بناء على شخصيات طاقمها، كانت شركة بايروك نفسها مقدرًا لها أن تنتهي بسيل من الدعاوى القضائية. فقد أقام المدير المالي للشركة،جودي كريس، دعوةً قضائية ضدها متهمًا إياها بالاحتيال. وفي مسار التقاضي، الذي يظل مستمرًا، ذكر كريس مصدرًا رئيسًا لتمويل مشروعات ترامب الكبيرة: «شهرًا بعد شهر لمدة عامين، أو في الواقع كلما نفذت أموال بايروك، كانت شركة بيروك هولدينجز تظهر بشكل سحري بتحويل مالي من «مكان ما» كبيرٍ كفاية ليستمر نشاط الشركة». وفقًا لكريس، تأتي تلك المدفوعات الكبيرة من مصادر في روسيا وكازخستان أملت أن تخفي أموالها. تمثل مصدر آخر لتمويل بايروك في صندوق استثماري أيسلندي – نشاطه متوقف حاليًا – يحمل اسم «فل جروب»، الذي يعد جاذبًا للمستثمرين الروس «المقبولين» من قبل بوتين، حسبما تذكر الدعوى القضائية. (ذكرت صحيفة الدايلي تيليجراف أن بايروك قد أدرجت استثمارات الصندوق على نحو خاطئ على أنها قرض، لتجنب سداد ضرائب تصل إلى 20 مليون دولار على الأقل).
هذه المشروعات ببساطة أكبر طموحًا وأكثر محورية لمستقبل ترامب من أن يتجاهل المصدر الرئيسي لتمويلها. وهناك تزامن دقيق بين اعتماده بشدة على استثمارات مبهمة من روسيا وتزايد إشادته ببوتين بقوة. في عام 2007، قال للاري كينج، «انظر إلى بوتين – وما يفعله بروسيا – أقصد، أنت تدرك ما يحدث هناك. أقصد أن هذا الرجل – سواء أيعجبك أم لا – يقوم بعمل رائع».
بينما لم يلوث بوتين يديه بالانتخابات الأمريكية، حرث الروس واشنطن – حيث شغّلوا شركات فاخرة لوضع الإستراتيجيات، تبرعوا بالأموال للمراكز البحثية، جمعوا زمرة صغيرة من الخبراء المتعاطفين مع وجهات نظر قائدهم العالمية. وتمثل حملة ترامب التتويج غير المرجح لهذه الجهود. لقد كانت الحملة جاذبة للمعجبين ببوتين متشابهي الفكر. قد لا تكون «معجبين» الكلمة الصحيحة تمامًا، بما أن الكثير من هؤلاء المستشارين قد استفادوا من وكلاء الدولة الروسية.
دعونا نبدأ من القمة. مدير حملة ترامب هو عنصر ذابل اسمه بول مانافورت. وصحيحٌ أن مانافورت مرتزق تجاريًا. كانت شركة الاستشارات القديمة خاصته في واشنطن رائدةً في ممارسة تمثيل مستبدي العالم، بصرف النظر عن طبيعة سجلاتهم القاتمة. «قدمنا لمحة عن مداه الاستبدادي مبكرًا من هذا العام». لكن في أواخر مشواره المهني، كرس مانافورت نفسه للعمل نيابة عن عملاء مقربين للكرملين. تمثل إنجازه الكبير في إعادة إحياء المسيرة المهنية المحكوم عليها بالفشل للسياسي، المفتقد للكاريزما، فيكتور يانوكوفيتش. توجت جهود مانافورت لتغيير الصور العامة وإستراتيجيته الفطنة بانتخاب يانوكوفيتش رئيسًا لأوكرانيا عام 2010. بفضل جهود مانافورت، تم ضم أوكرانيا إلى نطاق نفوذ بوتين. وعلى خلاف المستشارين الأمريكيين الآخرين الذين انتقلوا سريعًا من وإلى كييف، بنى مانافورت معسكرًا هناك. حيث أصبح مستشارًا أساسيًا للرئيس – الذي أصبح شريكه في لعب التنس.
إن كان مانافورت الصلة الوحيدة بالكرملين في حملة ترامب، فإن وجوده قد لا يعني شيئًا. لكنه بالكاد معزول.
سخر العديد من النقاد من فكرة أن ترامب لديه حلقة من مستشاري السياسية الخارجية في ضوء أن قائمة مرشديه الأولية قد ظهرت فجأة في شهر مارس وتضمنت أسماءً غير معروفة لمعظم الخبراء. لكن القائمة تشير إلى بعض الاتجاهات. فأحد المرشدين المفترضين لترامب كان مصرفيًا استثماريًا يدعى كارتر بيدج. أثناء مهمة عمل له في موسكو خلال الألفينات، قدم بيدج الاستشارات لعملاقة الغاز الطبيعي التي تسيطر عليها الدولة،جازبروم، وساعدها في اجتذاب مستثمرين غربيين. (في مارس، قال بيدج لبلومبيرج إنه مستمر في امتلاك حصص بالشركة). كما دافع بيدج عن روسيا باستمتاع. فقد كتب عمودًا يقارن فيه صراحة بين سياسة إدارة أوباما تجاه روسيا والعبودية في أمريكا الجنوبية. حيث قال: «يتوازي الكثير من الاقتباسات من إستراتيجية الأمن القومي لعام 2015 عن قربٍ مع منشورٍ صدر عام 1850 قدم توجيهًا لملاك العبيد حول كيفية إنتاج «العبد المثالي»».
أيضًا على قائمة المستشارين هناك الجنرال مايكل فلين، الرئيس السابق لوكالة استخبارات الدفاع. بعد 18 شهرًا من تركه للحكومة، سافر إلى موسكو وجلس على بعد مقعدين من بوتين في احتفال الذكرى السنوية العاشرة لصحيفة روسيا اليوم. كما انتقد مسؤول مجهول بإدارة أوباما فلين بشكل لاذع في تصريح لموقع بوليتيكو: «ليس الأمر في مصلحة أمريكا عادة أن يلتمس ضباط الاستخبارات الأمريكيين – الحاليين أو السابقين – اللجوء في موسكو».
في الآونة الأخيرة، بدأ ريتشارد بيرت، المسؤول بإدارة ريجان، تقديم استشارات السياسة الخارجية لترامب. وقد نمت انتقاداته للناتو ومناشداته للمزيد من التعاون مع بوتين من واقعية محسوسة بقوة. لكن مواقفه الأيديولوجية تتفق مع مصالحه المالية. فبيرت عضوٌ بمجلس إدارة «ألفا بانك»، أكبر بنك تجاري في روسيا، والصندوق الاستثماري المتمتع بمركزٍ قوي في جازبروم.
لدى مستشاري ترامب حصصٌ في شركاتٍ لا ينفصل نجاحها عن نجاح الدولة الروسية – حيث، في الواقع، الدولة والشركة متشابكتان بقوة. الأمر ليس مقتصرًا على رجل لديه انجذاب جمالي تجاه بوتين ومصالح تجارية في روسيا؛ بل إن آراءه معززة ومضخمة بواسطة منظمة لديها الكثير من الصلات المالية بالكرملين.
هل يتدخل بوتين بالفعل في هذه الحملة؟ أشار بوتين، بطريقته الباردة، إلى مصلحته المتجذرة. حيث أشاد بترامب بوصفه «موهوبًا للغاية». لكن أبواق بوتين معبرة أكثر منه. فقد قال فلاديمير ياكونين، الرئيس السابق للسكك الحديدية الروسية، عن ترامب إنه: «يعالج بعض أوجه القصور الداخلية للشعب الأمريكي». لا يبدو الكرملين مهتمًا كثيرًا بإخفاء مساعدته. فبعد فترة وجيزة من اكتشاف اختراق الاستخبارات الروسية لخوادم كلينتون، ظهرت فجأة وثائق على الإنترنت: ملفٌ إلكتروني لاستقصاء المنافسين الخاص باللجنة الوطنية الديمقراطية وكنز من جداول البيانات، بينها قائمة بالمتبرعين لمؤسسة كلينتون.
عادة ما تبحث وكالات الاستخبارات الأجنبية عن معلومات بشأن الحملات السياسية الأمريكية. مثلما تنصت مخترقون صينيون على خوادم ميت رومني بحثًا عن شذرات مفيدة. لكن الروس ابتكروا فن نشر المواد التي سرقوها لضرب خصومهم. يتضح مثال على هذا الأسلوب في تسجيلٍ لمكالمة فظة بين المسؤولة بوزارة الدفاع الأمريكية، توريا نولاند، والسفير الأمريكي في كييف، جيفري بيات. تقول المزاعم إن الروس قد زرعوا التسجيل على موقع يوتيوب ثم نشروا رابط التسجيل على تويتر – ومن ثم احتل الأمر الأنباء العالمية. رغم أن الروس لم يتبنوا مسؤولية التسريب مطلقًا، لكن قليلين فقط شككوا في زعم البيت الأبيض بأن روسيا هي مصدر التسريب.
يمكننا فقط التكهن بشأن الوثائق التي يمتلكها الروس وكيف قد يستخدمونها. فالمواد التي نشروها حتى الآن تعد غير ضارة نسبيًا، لكنها قد تكون مجرد تلميح عن تسريباتٍ قادمة – مع تجربتهم لنشر مواد وقياس ردود الأفعال على التسريبات. وتعد مؤسسة كلينتون، في النهاية، هدفًا غنيًا للغاية ليتم استهدافه – فهي مؤسسة لديها نهجٌ محدد مرتبط بجمع التبرعات وهي بالفعل هدفٌ رئيسي لهجمات حملة ترامب. يُدعى أحد المواقع التي نشرت مواد مختلسة «جوتشيفر 2,0»، والذي يُظهر بقوة أنه من عمل مخترقٍ منفرد. يبرز الموقع تحذيرًا من أنه قد نشر فقط غيضًا من فيضٍ «من بين آلاف الوثائق التي استخلصتها». وهو ليس الوحيد الذي يجلس على كومة من المواد الضارة. فقد حذر جوليان أسانج، الذي قدم برنامجًا على «روسيا اليوم» من أنه «لدينا رسائل بريد إلكتروني متعلقة بهيلاري كلينتون تنتظر النشر».
يضاعف غرور دونالد ترامب سذاجته. فهو ضعيف أمام النفاق؛ وتتجاوز ثقته بنفسه قدراته الفكرية. يجعله كل ذلك عرضة بشكل خاص للاستغلال، إنه هدف سهل. لهذا السبب، دائمًا ما انجذبت إليه شخصياتٌ مريبة. (اطلع على شهادة ديفيد كاي جونستون المقنعة عن علاقات ترامب الطويلة بالجريمة المنظمة). ويبدو أن الرئيس الروسي، أيضًا، قد لاحظ ذلك. جدير بالذكر تصريح ترامب عن بوتين: «يصفني الرجل بالعبقرية ويريدونني أن أتخلى عنه؟ لن أتخلى عنه».
في النهاية، لدينا فقط أدلة عرضية على التدخل الروسي الهادف إلى تشكيل هذه الانتخابات – أي، سلسلة من نقاط البيانات المتفاوتة وتاريخ من التدخل القديم في منافسات مشابهة. لكن هذا النمط مقلق، وكذلك الافتراض الأساسي. إن أراد بوتين إعداد المرشح المثالي لخدمة أغراضه، فسوف يبدو نموذجه كثيرًا مثل دونالد ترامب. يريد المرشح الجمهوري أن يحطم تحالفاتنا العسكرية في أوروبا؛ يشجع تدمير الاتحاد الأوروبي؛ يؤيد تهدئة التوترات مع روسيا المتعلقة بأوكرانيا وسوريا، كتوجهٍ في السياسة الخارجية ولخدمة مصالحه المالية. سوف يؤدي وصول ترامب إلى الرئاسة إلى إضعاف المنافس الجيوستراتيجي الأقوى لبوتين. وعبر تغذية الكراهية العنصرية، سوف يمزق ترامب نسيج المجتمع الأمريكي. كما يعلن عن استعداده لفك القيود الدستورية عن السلطة التنفيذية. وفي مسعاه لإعادة التفاوض بشأن سداد الديون، سوف يدمر ترامب الإيمان والائتمان الكامل للولايات المتحدة.لخص أحد المدونين المؤيدين للكرملين مصلحة حكومته في هذه الانتخابات بصراحةٍ موضِحة: «ترامب سوف يسحق أمريكا التي نعرفها، ليس لدينا ما نخسره».