لدى بوتين «خطة لتدمير الغرب» وتدعى: «دونالد ترامب» (1)
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
قال دونالد ترامب يوم الأربعاء لصحيفة «نيويورك تايمز» إنه لن يهب بالضرورة لنجدة دول الناتو التي تهددها روسيا، وسوف يحدد موقفه من الدفاع عنها، إذا ما تعرضت لهجوم روسي، بعد مراجعة كون هذه الدول «موفية بالتزاماتها نحونا أم لا». كان هذا التصريح الأخير لترامب، والذي استقبل على الأرجح بفرحة في الكرملين.
كتب فرانكلين فوير في وقت مبكر من هذا الشهر عن الطرق المخيفة التي ينتهجها ترامب وتصب في مصلحة تحقيق خطط بوتين لزعزعة استقرار الغرب.
لدى فلاديمير بوتين خطة لتدمير الغرب – وهذه الخطة تبدو كثيرًا مثل دونالد ترامب. طوال العقد الماضي، عززت روسيا اليمينيين الشعبويين في أنحاء أوروبا. أقرضت المال لمارين لوبان في فرنسا، عبر حوالات مالية موثقة جيدًا للإبقاء على حملتها الرئاسية مستمرة. وجد مثل هذا السخاء طريقه إلى رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو برلسكوني، الذي كسب «شخصيًا وبسخاء» من صفقات الطاقة الروسية، حسبما قال سفيرٌ أمريكي في إيطاليا؛ كذلك تشارك برلسكوني زجاجة نبيذ من القرم عمرها 240 عامًا مع بوتين، ويبدو أنه يستفيد بشكل كافي من سرير مُهدى إليه من الرئيس الروسي.
هناك نمط واضح: حيث يدير بوتين جهودًا سرية نيابةً عن السياسيين الذين يهاجمون الاتحاد الأوروبي ويريدون الابتعاد عن الناتو. لقد كان راعيًا لجولدن دون «الفجر الذهبي» في اليونان، أتاكا في بلغاريا، وجوبيك في المجر. كما حذر جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي، من هذه الجهود في خطابه العام الماضي بمؤسسة بروكينجز: «يرى الرئيس بوتين مثل هذه القوى السياسية كأدواتٍ مفيدة يمكن التلاعب بها لإحداث شقوقٍ في الجسد السياسي الأوروبي، والتي يمكنه لاحقًا استغلالها». تمزقات يرجح أنها سوف تتضاعف بعد البريكسيت – وهي حملة روجت لها أجهزة الدعاية الروسية العديدة بشكل أنيق.
يعد تدمير أوروبا هدفًا مبالغًا فيه؛ كذلك إضعاف الولايات المتحدة. فحتى الآونة الأخيرة، ركز بوتين اهتمامًا عابرًا فقط على الانتخابات الأمريكية. ثم جاء مباشرة المرشح الجمهوري المفترض.
من الواضح أن دونالد ترامب هو المرشح المفضل للكرملين، وأكثر من ذلك. فقد احتفل بخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. ويندد بحلف الناتو. كما أنه معجب كبير بفلاديمير بوتين. صُوّر إخلاص ترامب للرئيس الروسي على أنه حماس مهرج لشريكه الزعيم القوي. لكن تصريحات الثناء من جانب ترامب تعد بمثابة شيء أقرب إلى الولاء الدوني. ففي عام 2007،أشاد ترامب ببوتين لـ«إعادة بناء روسيا». وبعد عام أضاف أنه «يؤدي عمله جيدًا. أفضل كثيرًا من رئيسنا بوش». عندما مزق بوتين الاستثنائية الأمريكية في مقال رأي نشر بصحيفة نيويورك تايمز عام 2013، وصف ترامب المقال بأنه «عمل مميز». ورغم الأدلة الوافرة، ينكر ترامب أن بوتين قد اغتال معارضيه: «مع كامل الإنصاف لبوتين، أنت تقول إنه قد قتل أشخاصًا. لكنني لم أر ذلك». وفي حال اتضاح حدوث هذه الاغتيالات، فيمكن التسامح بشأنها، حيث قال: «على الأقل هو زعيم». وليس فقط كأي رئيس قديم: «سأقول لك إنه من حيث القيادة، يحصل بوتين على أعلى تقييم».
يمثل ذلك مثالًا مختصرًا للغاية على مدائح ترامب لبوتين. لماذا لا يقدم له الروس نفس المساعدة السرية التي أغدقوا لوبان، برلسكوني والبقية بها؟ بالفعل، حسبما يقول الصحفي ببوليتيكو، مايكل كرولي، انطلقت الدعاية الروسية بكامل سرعتها لدعم ترامب، عبر استخدام أداة «روسيا اليوم» لسحق هيلاري كلينتون والإشادة بشجاعة السياسة الخارجية لترامب. (كهذا العنوان الرئيسي: ترامب يثير النقاش حول الناتو: هل هو «بال» أم «شرارة قد تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة؟») اخترقت أجهزة الاستخبارات الروسية خوادم اللجنة الوطنية الديمقراطية، سرقت ملفات استقصاء المنافسين بشأن ترامب وكل شيء استطاعت الوصول إليه. وشقت طريقها إلى حواسب مؤسسة كلينتون، حسبما ذكر موقع «بلومبيرج». ورغم أن الأمر قد يكون مجرد صدفة، لكن الدائرة المقربة من ترامب مزدحمة بالمستشارين والعناصر الذين عملوا طويلًا على تعزيز مصالح الكرملين.
لا يجب أن نضخم من شأن جهود بوتين، التي من الصعب أن تحدد نتيجة الانتخابات. ومع ذلك، ينبغي علينا النظر إلى حملة ترامب كمعادلٍ أخلاقي لحملة هنري والاس الرئاسية عام 1948،التي اخترقتها الشيوعية، وإن كانت الأولى أقل صدقًا ومثالية. لقد ربطت قوة أجنبية تتمنى السوء للولايات المتحدة ذاتها بحملة رئاسية كبرى.
ترجع مصالح دونالد ترامب في روسيا إلى العصر السوفيتي. في الواقع، هناك لقطات غير عادية له أثناء مصافحة ميخائيل جورباتشوف. تأتي تلك اللقطات من العام 1988، أي ذروة تطبيق سياسة البيريسترويكا وجهود جورباتشوف لسحر الجمهور الأمريكي. في رحلته الأسطورية إلى واشنطن ونيويورك، ترك الزعيم السوفيتي حدود سيارته الليموزين والطوق الأمني ليصافح الأمريكيين بسعادة. أوضح دونالد ترامب للمراسلين أن الزعيم السوفيتي سوف يشق طريقه إلى برج ترامب، الذي مثل محطة حاسمة في رحلته إلى الرأسمالية. كان ذلك في الواقع، اختلاقًا بدافع تضخيم الذات، والذي زرعه ترامب بنفسه في الصحف الصفراء، لكنها كانت كذبة مقنعة. قبل ذلك بعام، سافر ترامب إلى روسيا بدعوة من السوفييت. أرادوا من ترامب أن يطور فنادق فاخرة في موسكو ولينينجراد (سان بطرسبرج حاليا) لتغذية شهية النظام الجديد نحو التجارة الغربية. «استحوذت فكرة بناء أثرين في الاتحاد السوفيتي على خياله»، حسبما ذكرت مجلة نيوزويك.
يرجح أن ترامب قد ذكر زيارة جورباتشوف المرتقبة إلى برجه في المقالات الصحفية كحقيقة. لكن بالتأكيد مع عدم توقعه مطلقًا تحقق قصته المزيفة. لابد أنه شعر بالدهشة عندما تلقى خبر أن جورباتشوف أراد القيام بزيارة عفوية إلى برج ترامب. فسارع صاحب ناطحة السحاب بالنزول من مكتبه العلوي لتقديم الطاعة. يمكننا أن نرى في الفيديو رأس جورباتشوف يظهر من سيارته. ويندفع ترامب وحاشيته عبر الحشود. «عظيم، إنه شرفٌ عظيم»، حسبما قال قطب الأعمال الأمريكي أثناء تحيته للقائد الأعلى السوفيتي.
إحدى نقاط ضعف ترامب أنه لا يدقق دائمًا في اختيار من حوله، سواء أكانوا شركاء تجاريين، الأشخاص المريبيين الذين يعيد نشر تغريداتهم على تويتر، أو القادة الأجانب الذين يزورونه. كما تبين، هذا الجورباتشوف لم يكن القائد السوفيتي الحقيقي، بل مقلد يدعى رونالد ناب. في الواقع، كان ترامب يقدم الثناء للفائز بإحدى منافسات الشبه.
حاول ترامب في خمس مرات منفصلة بدء بناء مشروعات، فنادق، شقق، وبيعٍ بالتجزئة، في روسيا على أوسع نطاق. في إحدى المحاولات، وعد بإنشاء مزلجة جليد، ناد، ومنتجع صحي، لـ«أرقي المساكن في موسكو». ووصف مشروع آخر بأنه «أكبر فندق في العالم». جذب أسلوبه المبهرج النوفوريتش (الأثرياء الجدد) الروس، وقد أدرك هو ذلك. «السوق الروسي منجذب لي»، حسبما تفاخر من قبل. فسجل اسمه كعلامة تجارية في موسكو ورخصه كشركة خمور، والتي باعت فودكا «ترامب سوبر بريميام». زعم مسؤولون حكوميون أنهم أرادوا القيام بأعمال تجارية مع ترامب لأنهم اعتبروه هو أيضًا ممتازًا للغاية (سوبر بريميام). في منتصف التسعينيات، قال له الجنرال الذي أصبح سياسيا فيما بعد، ألكسندر ليبيد: «إن ذهب ترامب إلى موسكو، أظن أن أمريكا ستتبعه».بالكاد كان ذلك المثال الأول على تملق ترامب للقوة الروسية أملًا في تأمين أعماله التجارية. لم تتقدم مشروعات الفندق السوفيتي أبدًا. لكن على مر السنين، عاد ترامب إلى فكرة البناء في روسيا مرارًا وتكرارًا.
يمثل متخصصو التطوير العقاري الفاعلين عرافين حقيقيين؛ حيث يستطيعون استحضار صور ذهنية للأبنية الرائعة والأحياء النابضة بالحياة التي يراها بقية البشر مجرد مناطق مهملة. تمتع ترامب بالجرأة الكافية لتصور تطوير فنادق في موسكو عندما كان ذلك مغامرة مميتة. ففي عام 1996، تعرض مالك الفنادق الأمريكي،بول تاتوم، للقتل بواسطة كلاشنكوف، وهو الذي كان متهورًا بشكل كافي للشكوى بشأن المافيا وثقافة الأعمال المريبة التي تحمّلها. ومع ذلك لم يكن صعبًا إدراك مدى جاذبية روسيا في عيني ترامب، بالنسبة لمحصلتها وغروره. وصف مقال في صحيفة موسكو تايمز ترامب بأنه أول باني عملاق في المدينة منذ عصر ستالين. بالفعل، خطط ترامب لاحقًا لتطوير الموقع الذي أمل ستالين من قبل أن يشيد به قصر المؤتمرات السوفيتية.
لا يستطيع ترامب أبدًا أن يحاذي جميع العناصر في آن واحد تمامًا – أي، الاستثمار والقبول – ليكون الأول. رغم أن مغامرته داخل روسيا يجب اعتبارها نجاحًا باهرًا؛ فقد نصّب ترامب نفسه للانتصار حتى مع فشله. فمع كل مشروع عقاري محكوم عليه بالفشل، يُغدق عليه بالثناء في الدائرة الرئيسية التي تبارك الصفقات، أي، دائرة السياسيين الروس. (أمام مجموعة من المراسلين، قال ليبيد: «كنا نقرأ الكثير من الأمور العظيمة بشأن هذا الرجل النبيل وبلاده»). شجع الثناء المسؤولين الروس على الاستمرار في دعوة ترامب مجددًا من أجل الصفقات المحتملة الكبيرة. في كل مرة زار فيها موسكو في زيارة رفيعة المستوى، جذب ترامب اهتمام الصحافة وارتفعت مكانته.
جذبت هذه الصورة في النهاية المستثمرين. فساعد الروس في تمويل مشروعاته في تورنتووسوهو؛ حيث تهافتوا على الحصول على وحداتٍ في مبانيه حول العالم – لدرجة أنه جاء لاستهدافهم، عبر استضافة حفلات كوكتيل في موسكو لاجتذاب مشترين. (تضمن المستأجرون لديه عضو عصابة روسي، والذي أدار حلقة غير شرعية للعب البوكر في برج ترامب، ورافق ترامب في حفل مسابقة ملكة جمال الكون في موسكو). حتى عندما بنى برجًا في بنما، ضيّق نطاق جهود مبيعاته لجذب الروس، حسبما ذكرت صحيفة واشنطن بوست. «يشكل الروس مقطعًا عرضيًا غير متكافئ جدًا مع غيرهم في الكثير من أصولنا»، حسبما قال دونالد جونيور، ابن ترامب، متفاخرًا، «نشهد تدفق الكثير من الأموال من روسيا».
تتمثل طبيعة حملة دونالد ترامب في طمسها الجذري لمصالحه التجارية والسياسية – مثال على ذلك في الآونة الأخيرة باسكتلندا، عندما أشاد بتصويت البريكسيت بوصفه هبةً لدورات الجولف خاصته. حسبما قال أحد خبراء تمويل الحملات الانتخابية لصحيفة نيويورك تايمز: «تاريخيًا، يفصل المرشحون أنفسهم عن مصالحهم التجارية عند الترشح لمنصب. لكن ترامب فعل العكس عبر الترويج لشركاته أثناء الترشح للرئاسة». يرجح أن مثل هذه الدوافع التجارية البحتة ستقوي ثناء ترامب المنمق على بوتين. فوجود صديق في الكرملين سوف يساعد ترامب على تحقيق حلم زرع اسمه على ناطحة السحاب بموسكو – وهو حلم سعى لتحقيقة حتى مع تنظيمه لحملته الرئاسية. «تعد روسيا واحدة من أهم الأماكن في عالم الاستثمار»، حسبما قال ذات مرة، «سوف نكون في موسكو في مرحلة ما».