من الممكن أن تغير زوجتك، مواقفك السياسية أو دينك، ولكن من المستحيل أن تغير ناديك المفضل.
إيريك كانتونا أسطورة مانشستر يونايتد عن شغف التشجيع

تشجيع فريق معين والانتماء له ليس معنى سهلاً كما يبدو على المسامع لأول مرة، ولكنه يحوي معاني أعمق تتعلق بكوننا بشرًا أكثر من كوننا محبين للكرة. الآن نحن بصدد بحث ظاهرة في التشجيع الرياضي المصري ظهرت من زمن بعيد ولكن توهجت واتخذت شكل «التريند» في وقت قصير؛ ألا وهي ظاهرة عادل شكل أو كما يطلق عليه محبوه «الزعيم عادل شكل».

إذا كنت تنوي قراءة شيء ما حول الكوميديا المثارة حوله أو طريقة كلامه أو ما شابه فبالتأكيد مكانك ليس هنا، هنا سيتم فحص أسباب توهج ظاهرة شكل في المجتمع الكروي المصري.


كيف بدأت الحكاية؟

في الأول من فبراير/ شباط عام 2012 حدثت الحادثة الأبشع في تاريخ الرياضة المصرية، حين فقدت كرة القدم 74 شابًا من جمهور النادي الأهلي في ملعب بورسعيد. لم ينتهِ الأمر عند التوتر وطلب الثأر والعقوبات وخلافه، ولكن وحتى الآن ولمدة 7 سنوات ما زالت تقام أغلب المباريات في البطولات المحلية التابعة للاتحاد المصري لكرة القدم بدون جمهور. أمر طبيعي بعد ذلك أن تنتقل منصات الجمهور من المدرجات للمقاهي ومواقع التواصل الاجتماعي ومن هنا بدأت قصة عادل شكل.

في حقبة ما قبل 2012 وتحديدًا منذ بداية الإعلامي مدحت شلبي في الظهور بشكل شبه يومي على الهواء لما يقارب خمس ساعات فكان لابد له من أن يملأ الفراغ العملاق الذي يمتلكه، فبعد أن يحلل المباراة للمرة الألف حتى دون أن يراها ينتقل بكاميراته لنقل لقاءات مراسله من ملعب المباراة، حينها يتردد في آذان الجميع: «صباح الخير صباح النصر.. مدحت شلبي محمد نصر» وكأن هذا مقدم الدفع من بعض قيادات الجماهير في الملاعب المختلفة، والتي كان من بينها شكل بالتأكيد، حتى يتم إذاعة لقطاتها بصورة منفردة فتأخذ وضعًا اجتماعيًا أفضل في مجتمعاتهم الصغيرة.

فقد عادل شكل وأمثاله من قيادات الجماهير هذه الميزة الكبيرة بالظهور شبه اليومي في أحد أكثر البرامج الرياضية متابعة عندما حرمت أجهزة الدولة دخول الجماهير ربما لأسباب سياسية أو أمنية كما يقولون، لذلك كان على عادل شكل إيجاد وسيلة أخرى للوصول إلى الجماهير من خلالها؛ السوشيال ميديا.


من هو عادل شكل؟

شكل هو عادل محمود علي والشهير بعادل شكل، سكندري المولد والميول. مجرد مشجع اتخذ على حد قول الكثيرين التشجيع مهنة، وواجه اتهامات كثيرة بأنه يبتز اللاعبين والإدارة ماديًا للهتاف لهم في المدرجات كونه يتحكم بطريقة ما في الجمهور، ولكنه نفى هذه الاتهامات.

ما يؤكد ذلك هو أنه لا يعمل ومسجل بهويته الشخصية مشرف بنادي الاتحاد، معروف بموالاته لمحمد مصيلحي رئيس مجلس إدارة​ نادي الاتحاد، ومعاداته للرئيس الأسبق عفت السادات. ينفي شكل أنه مأجور ويؤكد مرارًا أنه ورث حب الاتحاد من أبيه وأنه وضع ابنه فور ولادته في لفافة خضراء ليصبح اتحاديًا على حد تعبيره.

عاد شكل منذ ما يقارب العام بشكل أقوى على مواقع التواصل الاجتماعي ببعض المصطلحات التي اكتسبت شعبية ربما أكثر منه مثل «الهانتي كانتي» و«الناحو» و«قطر ستة إلا تلت». مصطلحات تلقاها الجمهور بشكل كوميدي وصنعوا منها مئات الأشكال من النكات المصورة حتى صورته هو أضحت صورة مضحكة في حد ذاتها. الغريب أنه يتعامل مع السخرية منه دون غضب، ربما لأن الشهرة هي هدفه ورأس ماله، أو لأنه لا يفهم هذا النوع من الكوميديا الجديدة على الفيسبوك.


علم النفس: لماذا نشجع؟ ولماذا السوشال ميديا؟

يقول د/ساندر فان ليندين دكتور علم النفس الاجتماعي بجامعة كامبريدج في أحد حواراته أن تشجيع كرة القدم يعتبر مهمًا لتكوين الشخصية لأنه يزيد من الانتماء لمجموعة والبشر بطيبعتهم يعيشون في مجموعات. يزداد الانتماء مع الوقت، ويُعتبر سب المجموعة أمام المنتمي لها سبًا له شخصيًا وهكذا.

هكذا التعبير بنحن لجماهير الكرة حينما يتكلمون عن النادي المفضل، كفزنا أو خسرنا أو نحتاج للتعاقد مع فلان وهكذا رغم أن النادي قد يبعد عنه آلاف الأميال وقد لا يدخله بحياته. الإحساس بالانتماء هو الذي قد يؤدي للهوس في التشجيع والذي نشاهده في كل دول العالم، ولكن هل عادل شكل هكذا؟

لا أحد يؤكد ولكن شعور الجميع أنه منتفع من هذا التشجيع قد يؤدي للإجابة بلا، حتى وإن كان مشجعًا للاتحاد فعلاً. ما يؤيد الفكرة السابقة هو استبدال شكل المدرج بالفيسبوك واستخدامه لأساليب وألفاظ ليس لها هدف سوى الشهرة والانتشار بعيدة كل البعد عن محيط التشجيع والحب.

هنا يعلق علم النفس عن سبب تعلق الناس بمواقع التواصل الاجتماعي،فحسب دراسات طبية أجريت على المخ البشري أثناء التعامل وجهًا لوجه مع البشر باستخدام الـ FMRI أو جهاز الرنين المغناطيسي؛ يظهر توهج المناطق المسئولة بشكل أو بآخر عن المشاعر السلبية ويشكل غير واعٍ، حيث يقوم المخ بتفسير نوايا الأشخاص ورغباتهم وتقييم شخصياتهم دون دراية أو نية، في حين يتغير الأمر تمامًا عند القيام بنفس الدراسة على المخ أثناء التواصل عن طريق الإنترنت مما يجعله أكثر راحة بالنسبة للمستخدم دون وعي أيضًا.

ربما هذا ما نمى رغبة عادل شكل بشكل أو بآخر في الظهور بطريقة شبه يومية على مواقع التواصل لأن التعامل في الحقيقة ربما كان يؤذيه أو ما شابه، وهذا لم يمنعه على أي حال من الدخول في صراعات دورية مع الجمهور وبعض المشاهير أيضًا.


ليسوا مثل عادل شكل

«كلوفيز اكوستا فيرنانديز» أو راعي البقر كما سماه البرازيليون، مستحيل أن تكون مشجع كرة قدم ولا تعرف المشجع البرازيلي الشهير ذا الشارب الكثيف ونسخة كأس العالم في أحضانه وإحدى عينيه تغمز للكاميرا وثغره يبتسم وصدره مكتسٍ بعلم السيليساو. الرجل الذي توفي في 2015 بعد صراع دام لتسع سنوات مع المرض اللعين السرطان.

كلوفيز الذي باع محل بيتزا كان يمتلكه في البرازيل وقرر أن يجول العالم خلف المنتخب البرازيلي،يقول للفيفا:

أعتبر نفسي اللاعب رقم 12، أنا أشجع وأنا أهتف، أنا اللاعب ذو المباريات دولية الأكثر.

زار كلوفيز أكثر من 60 دولة وحضر كل كؤوس العالم من 1994 حتى 2014 وتركنا بذكرى بكائه في مباراة السباعية الألمانية الشهيرة وهو يهدي كأسه المشهور لمشجعة ألمانية ووفقًا لصحيفة الإندبندنت قال لها:

اذهبي به إلى النهائي، كما ترين ليس سهلاً ولكنك تستحقينه.

الأمر لا يختلف كثيرًا عند الإسباني الشهير مانويل كاسيريس ارتيسيرو أو مانولو صاحب الطبلة كما يلقبه الكثيرون بسبب شهرته بالطبلة التي يجوب بها ملاعب العالم خلف المنتخب الإسباني.

خسرت أسرتي لأني هجرتهم، خسرت أموالي ومستعد أن أخسر أكثر لأنني أحب المنتخب الإسباني.
مانويل كاسيريس ارتيسيرو

ضحى مانولو بكل شيء في سبيل عشقه للقميص الأحمر، حضر 7 كؤوس أوروبية وثمانية كؤوس عالم حتى أصبح له متحف أمام ملعب المستايا به توقيعات المشاهير وأشهر الملابس التي ارتداها والطبول المختلفة. مانولو أصبح هدفًا للمعجبين يوقع لهم على الصور التذكارية والقمصان وهو لم يركل الكرة قط. اشتهر لدرجة أنه حصل على تكاليف السفر والإقامة من الاتحاد الإسباني وكأنه لاعب.

أين شكل من هؤلاء الذين ضحوا بكل شيء من أجل الكرة؟ هم ليسوا على صواب بنسبة كاملة بالطبع، ولكنهم بالتأكيد غير منتفعين أو مأجورين سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.