محتوى مترجم
المصدر
The Conversation
التاريخ
2021/1/17
الكاتب
ديفيد توفلي

في الآونة الأخيرة، غدت أنظمة الذكاء الصناعي المعتمدة على الخوارزميات الرياضية [1] بمثابة الشريك الموثوق به في نواح كثيرة، تبدأ من التنبؤ بأحوال الطقس وتقلبات البورصة، مروراً بمساعدة الأطباء في تشخيص المرضى وعلاجهم، واكتشاف أدوية جديدة.

والآن يبدو أن الذكاء الصناعي قد وجد طريقه إلى المجال الذي طالما ظل حكراً على بني البشر، مجال الحب والعلاقات الغرامية، فغدت أنظمة الذكاء الاصطناعي تلعب دور «الخاطبة»، وربما تشهد العقود المقبلة ترتيب لقاءات بين الباحثين عن شريك الحياة، مع أفاتار للشريك المرشح، وذلك من قبل خاطبة آلية.

سيناريو غرائبي يبدو شبيهاً بأحداث فيلم «Her»، الذي أُطلق في دور السينما عام 2014، ليحكي أحداثاً تدور في المستقبل القريب في مدينة لوس أنجلوس، وفيها يقع بطل الفيلم في غرام نظام ذكاء اصطناعي، قصة حب غير تقليدية كانت سبباً في حصول الفيلم على إحدى جوائز الأوسكار.

الخوض في النفس البشرية

نحن الآن في بدايات العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، حيث تشهد صناعة «المواعدة» عبر الإنترنت- بقيمتها التسويقية التي تتجاوز 4 مليارات دولار أمريكي- تزايداً ملحوظاً في عدد اللاعبين، سوق واعد تُهيِّمن عليه حالياً مجموعة Match Group، التي تملك OkCupid، وMatch، وTinder، و45 غيرها من الشركات ذات الصلة.

وخلال مسيرتها الناجحة راكمت Match Group ومنافسوها كمية هائلة من البيانات الشخصية –وهي المادة الخام لتلك الصناعة- التي تقوم بشكل أساسي علي تحليل تلك البيانات للتنبؤ بكيفية اختيار الشركاء. يقول المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة Tinder «شون راد»:

الذكاء الصناعي هو ببساطة فلتر ذكي، يُدرِك تماماً ما تهتم به، فيأتيك به في التو.

ففي حين يرشد «لارا» (روبوت دردشة الذكاء الصناعي التابع لشركة Match) الزبائن خلال اللقاءات الرومانسية، ويقدم لهم اقتراحاته مُعتمداً على ما يقرب من 50 عاملاً شخصياً، يستخدم موقع التعارف eHarmony  الذكاء الاصطناعي لتحليل دردشة الأشخاص ليأخذ بأيديهم إلى الخطوة التالية، وفي الوقت الذي يستغل فيه Happn  قدرات الذكاء الاصطناعي في ترتيب ملفات التعريف وإظهار النتائج التي يتوقع أن يُفضِّلها المستخدم، نجد أن نظام الذكاء الاصطناعي لـLoveflutter يعتمد على التخمين ليدفع بالعلاقة قدماً، مثل اقتراح زيارة مطعم يفضله كلا الطرفين. وأخيراً وليس آخراً يستخدم Badoo تكنولوجيا التعرف على الوجه، وذلك لاقتراح شريك له طلة «كراش شهير».

عموماً، تلجأ أنظمة الذكاء الاصطناعي لمنصات التعارف، إلى تحليل التفاصيل الدقيقة للباحثين عن الشركاء، ومن ثَمَّ تستخدم نتائج تلك التحاليل، في تحديد ما يُلائم كل منهم، وهي في ذلك تلجأ إلى متابعة المنشورات العامة للأشخاص على مواقع التواصل الاجتماعي مثل Facebook وTwitter وInstagram، للإلمام بمواقفهم واهتماماتهم، رغبةً منها في التغلب على تحيز الناس عند الحديث عن سماتهم الشخصية، لا سيما وقد أظهرت الأبحاث أن عدم دقة الأشخاص في ذكر سماتهم الشخصية يظل هو السبب الرئيس في إفشال محاولات التعارف عن طريق الإنترنت.

هذا الكم الهائل من البيانات على الويب، والذي يصعب على العقل البشري معالجته، يتم فرمه في طاحونة الذكاء الصناعي، فيزداد ذكاءً وتوفيقاً.

بياناتك في طريقها إلى صناديق المواعدة

لكن أنظمة الذكاء الصناعي لن تكتفي بترشيح شريك الحياة، فهي لن تعمل وحدها، فحيثما حل الذكاء الاصطناعي فلا بد أن يُرافقه توأمه التكنولوجي الشهير، تكنولوجيا الواقع الافتراضي (VR). وما داما في سيرورة تطور متزامن، فربما نكون على مرمى حجر من إصدارات جديدة لتكنولوجيا الواقع الافتراضي، تتيح ممارسة المواعدة في بيئات محاكاة، لتُجنِّبك التورط في موعد حقيقي، هذا الأمر لا يبدو مُستبعَداً إذا أخذنا في الاعتبار ظهور تكنولوجيا «الصديقات الافتراضيات» Virtual Girlfriends – والتي من المفترض أن تساعد الناس علي المواعدة- منذ عدة سنوات خلت، ويشير النمو المتزايد لمثل هذه العروض إلى شعبيتها المتزايدة بين جمهور الباحثين عن شريك الحياة.

مع ما يكفي من بيانات المستخدم، ربما يتمكَّن الذكاء الاصطناعي يوماً ما، وربما في المستقبل، من إنشاء شريك مُخصَّص لك وحدك، بكل ما تتمناه من خصال، تلقاه هناك في الواقع الافتراضي، ولزيادة الإثارة والجدل، ستكون الخطوة التالية هي تكوين صورة رمزية (أفاتار) لهذا الشريك، يتمثل أمامك في صورة كيان مادي، حينما يسكن ذلك الأفاتار جسد روبوت شبه حي، فتكون أمام رفيق متكامل وشريك جنسي لو طاب لك الأمر.

مثل هذه الروبوتات المتقدمة لا وجود لها حالياً، لكن مُستشرفي المستقبل يرونها على مرمى حجر، يرونها ضرورية لتلبية الحاجة المشروعة لمزيد من الحميمية في المجتمع، وخصصوصاً بالنسبة لكبار السن والأرامل والأشخاص ذوي الإعاقة، في حين يُحذِّر النُقّاد من المخاطر الكامنة في التمييز والعنصرية ونزع الصفة الإنسانية، ليس فقط عن النساء، وإنما عن الرجال أيضاً.

حين تُنقِذنا التكنولوجيا من التكنولوجيا

ولكن استبدال البشر بالآلات يثير إشكالية أخرى، هي ارتفاع أعداد الأشخاص المنعزلين اجتماعياً الذين يستبدلون التكنولوجيا بالتفاعل البشري الحقيقي.

في اليابان، تسمى هذه الظاهرة- واسعة الانتشار- «Hikikomori». ففي الوقت الذي شهدت فيه اليابان انخفاضاً حاداً في معدلات المواليد على مدى عقود، ويتوقع المعهد الوطني لبحوث السكان والضمان الاجتماعي أن يتدهور عدد السكان من 127 مليون نسمة إلى نحو 88 مليون نسمة بحلول عام 2065.

لكن يبدو أن الحكومة اليابانية تُعالِج الأمر بمقولة «داوني بالتي كانت هي الداء»، حيث أعلنت في ديسمبر/كانون الأول 2020 ستضخ ملياري ين (نحو 25 مليون دولار أمريكي) في نظام المواعدة والمطابقة القائم على الذكاء الاصطناعي.

نعم للتيسير… لا للاستبدال

إن النقاش حول «الحب الرقمي»- كما هي النقاشات الرئيسية في تاريخ التكنولوجيا- يشهد استقطاباً حاداً، وربما تكون النقطة التي تشهد توافقاً في الآراء، ماثلة في مكان ما في المنتصف. الأمر المثير هذه المرة هو أن التكنولوجيا تتقدم بسرعة أكبر مما نقترب من توافق الآراء، وفي العموم تظل علاقتنا مع التكنولوجيا بنّاءة ومثمرة، ما دام مقدورنا السيطرة عليها، أمّا لو حدث العكس فربما يكون الثمن المدفوع باهظاً، وذلك حينما تجردنا التكنولوجيا من إنسانيتنا.

وقد استفاد البشر من التكنولوجيات الجديدة لآلاف السنين. تماماً كما تعلّمنا كيفية استخدام النار دون حرق المدن، لذلك سيكون علينا أيضاً أن نتعلم المخاطر والمكافآت المُصاحِبة للتكنولوجيا في المستقبل.

المراجع
  1. الخوارزمية: هي مجموعة من الخطوات الرياضية والمنطقية والمتسلسلة اللازمة لحل مشكلة ما، ابتكرها العالم «محمد بن موسى الخوارزمي» في القرن التاسع الميلادي.