بينما ينتظر السوريون في الغوطة وإدلب غارات طائرات النظام وأعوانه الروس والإيرانيين، رغم شمول هذه المناطق ضمن اتفاق خفض التوتر؛ يعلن النظام السوري تمكن وحدات دفاعه الجوي من إسقاط طائرة إسرائيلية من طراز F-16، بعد قيام الأخيرة باستهداف قرابة 12 موقعًا حربيًا تابعًا للنظام، بينها 4 مواقع إيرانية.

تتميز الطائرة F-16 الأمريكية المعدلة بأنها درةّ التاج سلاح الجو الإسرائيلي، فهي توصف بالعاصفة، وتُستخدم في العمليات الإستراتيجية والنوعية، وتملك إسرائيل منها قرابة الثلاثمائة قطعة. كما تتمتع بنظام تتبع موجود في خوذة الطيار، يمكنه من توجيه الأسلحة إلى الهدف بمجرد النظر إليه.


قواعد اشتباك جديدة تفرضها إيران

أكدت الرواية الإسرائيلية أنها لم تبادر بالضربة العسكرية إلا بعد تعرض سيادتها الوطنية للاختراق، بعد دخول طائرة بدون طيار تابعة لإيران مجالها الجوي في منطقة الجولان المحتلة، ما استفزها لشنّ هجومٍ موسع، وصفه المتحدث الرسمي باسم جيش الإحتلال «أفيخاي أدرعي» بأنه الأوسع منذ عام 1982.

وجهت الطائرات الإسرئيلية ضربة قوية لمنظومات الدفاع الجوي المتطورة التابعة للنظام السوري، في قاسيون، الديماس، مطار المزة، وبالقرب من الجولان في منطقة «جباب». كما تم استهداف مطار T-4 في ريف حمص، كونه تابعًا للنفوذ الإيراني. بررت إسرائيل ضربها له بحجة انطلاق الطائرة الإيرانية منه، حسب صور وفيديوهات بثتها الصحافة الإسرائيلة عن حطام يقال إنه للطائرة الإيرانية التي استهدفتها طائرات الأباتشي.

من جانبها، نفت غرفة عمليات حلفاء سوريا التي تضم قياديين من إيران وحزب الله، وتتولى تنسيق العمليات القتالية إرسال أي طائرة مسيرة فوق الأجواء الإسرائيلية، واصفةً الاتهامات في هذا الصدد بأنها «افتراء». كما اعتبر حزب الله اللبناني إسقاط طائرة حربية إسرائيلية من طراز F-16 بمثابة «بداية مرحلة إستراتيجية جديدة» ستضع حدًا لاستباحة إسرائيل الأجواء والأراضي السورية. مؤكدًا أن المعادلات القديمة قد انتهت، وأنه ثمة معادلات جديدة ستضع حدًا للغطرسة الصهيونية.

اقرأ أيضًا:بيدك تفرض إرادتك: قصة البرنامج الصاروخي الإيراني

على كل حال، وبعيدًا عن من بدأ التصعيد، يبدو أن صبر إسرائيل على هيمنة إيران وحزب الله على طوق الجولان قد نفد. من جانبها، أرادت إيران أن تثبت للجارة حقيقة تغير المعادلات القديمة فعلًا، وأن السنوات السبع الماضية من القتال في سوريا لن تذهب هدرًا، وعلى إسرائيل أن تدرك أن أي عمل مستقبلي سيكون له عواقب وخيمة.

لذلك من المرجح أن تكون إيران هي من بدأت بالفعل باختراق المجال الجوي الإسرائيلي للتحرش بدفاعاتها، ما يفسر حالة الغضب التي ظهرت بها إسرائيل في ضربها عددًا كبيرًا من المواقع العسكرية، وهو ما يؤدي تكراره مستقبلًا لتغيير معادلات القوى القائمة في الحرب الأهلية السورية.

لذلك كانت روسيا حادة في لهجتها، رغم أن هناك من يعتقد أن موسكو قد أعطت ضوءًا أخضر لتل أبيب لتنفيذ الضربة الأخيرة بغرض إجبار طهران على القبول بالتفاوض على بقاء الأسد، غير أن هذا الرأي الأخير يفتقر إلى بعض الحقائق التي يأتي في مقدمتها الخلاف الأمريكي-الروسي مؤخرًا.


ما بعد داعش: من يعلن انتصاره؟

دبابتين مدمرتين أمام مسجد في عزاز، سوريا

اليوم تجاوز الوضع في سوريا مرحلة السعي لإنهاء الحرب على داعش. وأصبح كل طرف يقاتل لترسيخ هيمنته وحماية مصالحه. أخذ التمدد التركي يتصاعد في «عفرين»، بجانب إصراره على التقدم حتى «منبج»، مقابل توحش النظام والروس في الغوطة وإدلب، لاسيما بعد تعرض مناطق التواجد العسكري الروسي لضربات عسكرية موجعة في الفترة الأخيرة تُوّجت في النهاية بإسقاط طائرة السوخوي.

شعرت موسكو أن مناطق الثوار يمكن أن تكون المِشرط الذي ستقطع به واشنطن أوصالها. فقررت التوسع في حملتها للإسراع من السيطرة على الغوطة الشرقية، تمهيدًا لدخولها إدلب. والجلوس على طاولة التفاوض من موقع المنتصر.

جاء الموقف الروسي حازمًا وحاسمًا في رفضه لتوجيه ضربة عسكرية كبيرة ضد حلفائه في سوريا، وطالب باحترام سيادة وسلامة الأراضي السورية، فيما يبدو أن موسكو غير راضية عن الضربة الإسرائيلية، لذلك هرعت تل أبيب لتهدئتها بأنها لا تنوي التصعيد، وأن ضربتها هذه كانت رد فعل فحسب.

يفسر بيان موسكو شعورها بتزايد النفوذ الأمريكي هناك، بعد سيطرة الأخيرة على مناطق في الجنوب والشرق والشمال. جعلت الثروة النفطية بيدها. وهو ما يفسر الضوء الأخضر الذي أعطته موسكو لأنقرة في عمليتها العسكرية ضد الوحدات الكردية؛ التي تستهدف من خلالها وضع حد للتوسع الأمريكي، من خلال ترك المجال مفتوحًا أمام الأتراك.

لذلك ليس مستبعدًا أن تستمر الحملة العسكرية التركية حتى «منبج»، بل هناك تسريبات عن سعي تركي لتحرير المناطق الواقعة تحت سيطرة الأكراد حتى الحدود السورية-العراقية. وبالتالي حدوث اصطدام تركي-أمريكي. وهو ما يحاول مستشار الأمن القومي الأمريكي «ماكمستر» علاجه بالطرق الدبلوماسية في زيارته إلى أنقرة.

اقرأ أيضًا:الفرصة لا تأتي مرتين: السلطان في عفرين بدعم روسي

كما يبدو أن الإسرائيليين لم ينسقوا مع الروس، وربما خرجوا عن التوافقات التي تمت مؤخرًا بين الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» ورئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» أثناء لقائهما في موسكو. أو لم يستمعوا لتوصيات الروس بعدم الإقدام على أي عملية عسكرية في سوريا في ظل الأجواء المعقدة حاليًا؛ ما يفسر اللهجة الحادة التي تعامل بها الروس في الرد على الحادثة.


واشنطن المضطربة: لن نعيد خطأ العراق في سوريا

بينما تدك أنقرة حلفاء واشنطن في «عفرين»،قامت قوات برية داعمة للنظام بضرب مقر قيادة للمقاتلين الأكراد السوريين على بعد 100 ميل تقريبًا إلى الجنوب الشرقي. وعلى بعد خمسة أميال إلى الشرق من نهر الفرات. بجانب تعرض التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لضرباتٍ جوية أخرى.

لم يقدّم الجيش الأميركي أيّ تفاصيل سوى أن القوات الروسية كانت تساند النظام السوري محملًا كليهما المسئولية المباشرة عنها؛ ما دفع التحالف للرد بهجوم على قوات النظام في «دير الزور» راح ضحيته قرابة مائة عنصر من عناصر الأسد.

في وقت سابق، وبالتحديد في الـ14 من يناير/ كانون الثاني 2018، أعلنت الولايات المتحدة التي تقود التحالف الدولي، عن تشكيلها قوات حرس حدود بقوام ثلاثين ألف مقاتل من القوات الكردية، وهو ما يعد بمثابة ترسيخ للوجود الأمريكي، وإقرار منها بشرعية الأمر الواقع فيما يخص الدولة الكردية، بدعوى قيادة أمريكا لمرحلة ما بعد داعش، حتى لا تسمح باستنساخ النموذج العراقي في سوريا.

هذا النموذج، عندما انسحبت تاركة المجال أمام التمدد الإيراني على حد قول وزير الخارجية «ريكس تيلرسون»، الذي اعتبر تواجد الأكراد هذا مصلحة وطنية ستدافع عنها واشنطن. ويبدو أنها راغبة في التأكيد مرارًا وتكرارًا على رغبتها في عدم ترك سوريا لروسيا وإيران، ما أكدته الإستراتيجية الأمريكية الجديدة، واضعة مواجهة الأخيرتين كأحد مهام أمنها القومي.

أضف لذلك أن الولايات المتحدة تنظر إلى العلاقات التركية-الروسية بمنظور الخشية العالية؛ لأن هذه العلاقة بدأت تتجاوز حدود التعاون والتنسيق التكتيكي، إلى مستوى التحالف الإستراتيجي، وهذا يعاكس الرغبات الأميركية، وهو ما قد يُسرّع تحريك الولايات المتحدة لإستراتيجيتها الجديدة بشكل أسرع وأكثر فاعلية على الصعيدين السياسي والعسكري.

اقرأ أيضًا:عقدة ترامب: تدمير الدولة والعالم في طريق التمكين

لكن كيف يمكن لروسيا مواجهة هذا التحدي؟ وما مستقبل التعاون الروسي الإيراني؟ وكيف ستواجه إيران الإستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية ضدها؟ وما هي مساحات استغلال إيران لتطور حزب الله في مواجهة هذه التحديات؟

وكيف سيستغل حزب الله هذا السياق في تطوير قدراته في ضوء مرحلة ما بعد داعش؟ وإصرار الإدارة الأمريكية على رفض هيمنة إيران على المنطقة من جهة، وتهديدات إسرائيل المستمرة عن أنها ستقضى على حزب الله من جهة أخرى؟


حزب الله أكبر الفائزين

دبابة, سوريا, أعزاز, الحرب في سوريا

يتزايد الخوف الإسرائيلي من زيادة قدرات المقاومة السيبرانية الإسلامية في عالم القرصنة والحرب النفسية. التي تهدف لوضع منظومة الدفاع والمصالح الإسرائيلية تحت خطر الاختراق والتجسس. خاصة أنها تعتمد بصورة عظمى على تكنولوجيا المعلومات. رد قراصنة «حزب الله» على اغتيال زعيمهم «حسان اللقيس» في ديسمبر/ كانون الأول 2013 بتسريب وثائق ومعلومات حساسة تتعلق بالجيش السعودي ومجموعة «بن لادن» وقوات الدفاع الإسرائيلية.

طلبت إسرائيل التهدئة، وأعلنت في ضعف أنها لا تنوي التصعيد، رغم صدمتها بتعرض أسطورة التفوق الجوي للاهتزاز. بالتالي، فإن المعادلة الجديدة تقوم على أن الطيران الإسرائيلي قابل للتعرض للقصف مجددًا لدى إغارته على أهداف في سوريا.

تبدو أهمية الضربة في توقيتها وما تحمله من دلالات رمزية وربما سياسية. رمزيًا، يأتي إسقاط الطائرة كأول رد على قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، إلى جانب الجدل بشأن الجدار في جنوب لبنان والبلوك رقم 9. دخلت الرئاسة اللبنانية على خط الصراع، وأعلنت رفضها لعدوان إسرائيل على الأراضي السورية، وعزمها تقديم شكوى ضدها في مجلس الأمن.

سياسيًا، يمكن أن تضطر روسيا إلى الوقوف جنبًا إلى جنب مع محور إيران-حزب الله على الأقل تكتيكيًا لرغبتها في كسر النفوذ الأمريكي في سوريا. وربما سيستغل حزب الله هذا السياق في زيادة تطوره النوعي والعسكري، لاسيما وأن تجربة الحرب السورية قد منحته خبرات كبيرة في مجال حروب العصابات.

على كل حال، يبدو أن ثمة مرحلة جديدة ستدخلها المنطقة مع تزايد شعور الجميع بالخطر بدايةً من أقطاب المجتمع الدولي روسيا وأمريكا، مرورًا بمحوري النزاع القائم بين الممانعة والاستقرار، وانتهاءً بآمال التغيير التي تبحث عن موطئ قدم غائب في ضوء اتفاقهم جميعًا على رفض وجودها.