خصخصة السكك الحديدية: مأساة يخشاها المصريون
حالة من الترقب مصحوبة بالقلق تُسيطر على ملايين المواطنين المصريين المستفيدين من خدمات السكك الحديدية في مختلف الخطوط، بعد موافقة مجلس الوزراء على إدخال تعديلات على قانون 152 لسنة 1980 الخاص بإنشاء الهيئة القومية لسكك حديد مصر، تقضي بمنح القطاع الخاص الحق في المراقبة وتحديد أسعار الخدمة، ما يشي بإمكانية تضاعف أسعارها وإرهاق كاهل المواطن المصري.
البعض يخشى أن يتحكم القطاع الخاص بالأسعار دون رقابة، خاصة أن مبدأ الاستثمار لديه قائم على الربح بالدرجة الأولى، ومن ثمَّ طبيعة وجودة الخدمة التي يُقدمها، فيما قال آخرون إن أي زيادة في الأسعار ستُثقل كاهلهم في ظل حالة الانعدام التي يُعانونها، منذ أن بدأ قطار الخصخصة بالسريان في مصر، كنتيجة لسياسة الإصلاح الاقتصادي التي تتبعها الحكومة تحت ضغط صندوق النقد الدولي.
بيد أن الحكومة تؤكد أن التعديلات التي أصابت قانون هيئة السكك الحديدية تسمح للقطاع الخاص بإدارة وتشغيل وصيانة خطوط السكك الحديدية دون نقل ملكية المرفق لها، وأن الهدف من ذلك لا يتعدى تحسين الخدمات ورفع كفاءة المرفق، الذي يخدم حوالي 350 مليون راكب سنوياً.
الخصخصة حل متوارث للحكومات
بالعودة إلى التاريخ وبدايات عملية الخصخصة، لم يكن الرئيس السيسي وحده صاحب تقليد بيع المرافق العامة للقطاع الخاص وإزالة يد الدولة عنها بما يخدم مصالح الشركات الاستثمارية دون منافسة، إذ إن البدايات تعود إلى العام 1991 في عهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، وقتها، وبناءً على توجيهات صندوق النقد الدولي، وبسبب تفاقم الديون الخارجية لمصر وزيادة عجز الميزانية وارتفاع معدلات التضخم، تم تطبيق سياسة الخصخصة وبيع شركات القطاع العام للمستثمرين.
تجدد الجدل حول فكرة الخصخصة في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، حين تم الترويج عن منح امتيازات خاصة لدولة قطر عبر مشروع «محور تنمية إقليم قناة السويس»، إلا أن المشروع لم يتحقق بسبب مهاجمة السياسيين والاقتصاديين له ومن ثم الإطاحة به. ومن بعده جاءت حكومة شريف إسماعيل، وسارت على نفس الخطى.
وتُشير هذه الإجراءات من الحكومات المتعاقبة إلى التزامها بشروط صندوق النقد الدولي، والتي تتلخص في خمسة محاور؛ تبدأ بتحرير سعر صرف الجنيه، وتمر برفع الدعم تدريجيًا عن المحروقات والطاقة، ثم تقليص الجهاز الإداري للدولة، وتاليًا سد عجز موازنة الدولة، وأخيرًا التخلي عن شركات القطاع العام والالتجاء للخصخصة، وهو ما يحدث حاليًا.
وبحسب خبراء واقتصاديين، فإن لجوء الحكومات إلى الخصخصة عائد إلى عجزها عن إدارة القطاع العام، وضعف استخدام الموارد المتاحة لتقديم أفضل خدمة ممكنة، إضافة إلى عدم وجود آليات رادعة لحساب المسئولين المقصرين، ما يشي بأن المرفق لا يحتاج للخصخصة، بقدر حاجته إلى إدارة ناجحة ذات كفاءة عالية، وقادرة على إصلاح المرفق من أجل تلافي وقوع الحوادث.
الدولة لن تتحمل تكاليف التطوير
عدة تصريحات رصدها «إضاءات» للرئيس عبد الفتاح السيسي تشي برفضه تحمل الدولة تكاليف تطوير السكك الحديدية، مُتذرِعًا بالمليارات التي ستُصرف دون جدوى في ظل ضعف المرفق وقلة إيراداته مقارنة بما يُنفق عليه. حيث يرى السيسي أن وضع المبالغ التي ستُنفقها الدولة على تحسين المرفق في البنك مقابل فائدة 10% أفضل بكثير مما يُمكن أن يجنيه من مبالغ محدودة لن تُفيد ميزانيته أبدًا،إذ يقول:
وقبل مرور 72 ساعة على تصريحات السيسي، جاءت موافقة مجلس النواب المصري على تعديل قانون السكك الحديدية بإتاحة الفرصة للقطاع الخاص للاستثمار في السكك الحديدية.
وتُشير المعلومات إلى أن الدولة ستتحول إلى مُراقب فقط على قطاع السكك الحديدية، فيما ستضطلع شركات القطاع الخاص بعملية الإدارة والتشغيل والصيانة، بموجب عقد التزام لا يتجاوز الـ 15 عامًا –بحسب تقديرات الحكومة- التي أقرت بأن التعديل فرضه ضمور موازنة التطوير لهذا القطاع الذي يخدم أكثر من 350 مليون راكب سنويًا.
قطار الخصخصة يُداهم الغلابة
يبدو أن التبعات السلبية لعملية الخصخصة لن يغرق فيها سوى المواطن الفقير، والعمّال الذين يعتمدون بصورة كلية أو جزئية على موارد القطاع العام لتحقيق نسبة مقبولة من الضمان المجتمعي والاقتصادي لهم، أولئك ستُفلس جيوبهم بينما ستتكدس أموالهم في جيوب المستثمرين ورجال الأعمال الساعين إلى أكبر كم من الأرباح على حساب الغلابة.
ويخشى المواطن «أحمد عبد الشكور» ارتفاع وتحريك أسعار تذاكر القطارات وفقًا للذرائع الحكومية، بالتطوير وإسناد المهمة للقطاع الخاص، دون أن يحصل على خدمة مميزة تتناسب مع الزيادة، الرجل الذي تحدث لـ «إضاءات» أكد أن الحكومة تريد من خصخصة قطاع السكك الحديدية تعويض خسائرها التي تكبدتها بعد ارتفاع أسعار الوقود في الآونة الأخيرة، فالحكومة أعلنت في أكثر من مرة عزمها على رفع أسعار تذاكر القطارات العادية التي يركبها الموظفون ومتوسطو الدخل والفقراء يوميًا بنسبة 200%، بالإضافة إلى رفع أسعار تذاكر القطارات من الدرجة الأولى (مكيفة) 40%، والدرجة الثانية بنسبة 60%، وكذلك رفع تذاكر فئة الـ VIP بنسبة 20%.
فيما تُشير «فاطمة» الطالبة بكلية الصيدلة بجامعة عين شمس إلى أن قطار الخصخصة الذي بدأ بالسريان في مصر منذ عام 1991 أسدل ستائره المظلمة على المواطن الفقير، وأطلق يد المستثمرين في التحكم بأسعار الخدمات دون رقيب من الحكومة، لافتة إلى أن الأخيرة تنصلت من دورها في حماية حقوق المواطن وكفالة الضمان الاجتماعي والاقتصادي له، وبيّنت الفتاة التي بدت مُطلعة على بنود الدستور المصري أن خصخصة قطاع السكك الحديدية يُنافي المادة 32 من الدستور، والتي تمنع التصرف في أملاك الدولة العامة، وتُشير إلى أن «منح حق استغلال الموارد الطبيعية أو التزام المرافق العامة يكون بقانون ولمدة محددة».
وتشي التعديلات التي أُدخلت على قانون إنشاء الهيئة القومية لسكك حديد مصر، ووافق عليها البرلمان مؤخرًا، بأنه «يجوز للهيئة في سبيل تحقيق أغراضها، وبعد موافقة وزير النقل، إنشاء شركات مساهمة بمفردها أو مع شركاء آخرين، ويجوز تداول أسهم هذه الشركات بمجرد تأسيسها، وللعاملين في الهيئة شراء نسبة لا تتجاوز 10% من أسهم تلك الشركات»، كما أتاح للهيئة منح التزامات المرافق العامة للمستثمرين، سواء لأشخاص طبيعيين أو اعتباريين، لإنشاء وإدارة تشغيل وصيانة مرفق السكك الحديدية دون التقيد بأحكام قانون المرافق العامة، وقانون الامتيازات المتعلقة باستثمار موارد الثروة الطبيعية والمرافق العامة وتعديل شروط الامتياز، وذلك طبقًا لقواعد وإجراءات محددة.
حلول قبل الخصخصة
الدكتور حسن توفيق، أستاذ النقل والطرق بجامعة عين شمس، يرى ضرورة تطوير منظومة النقل والعاملين فيها، قبل دخول القطاع الخاص، ومشاركته في تطوير المنظومة، كون المستثمر يبحث عن العائد، وليس عن الضمانات الاجتماعية أو الخدمة الرخيصة.
وشدد على ضرورة تغيير الفكر الذي تُدار به هيئة السكك الحديدية والعمل على تقديم التدريب اللازم للعمالة الموجودة، ولا يرى توفيق في إنفاق المليارات على شراء جرارات جديدة أو أسطول قطارات حلًا جيدًا بل سببًا في تشكيل أزمة مستقبلًا.
وقال: «يجب إيجاد ضمانات لتأهيل العامل بجانب تطوير الخدمات المقدمة»، وبيّن أنه كخطوة أولى يُمكن مشاركة القطاع الخاص في نقل البضائع عن طريق السكك الحديدية، حيث تكون هناك ضمانات لتطوير البنية الأساسية، وهو ما ستستفيد منه المنظومة من خلال مد خطوط جديدة من الموانئ إلى مناطق الإنتاج، وهي فرصة حقيقية لتجربة الشراكة مع القطاع الخاص، في مجال لا تستفيد منه الدولة سوى 2.5 % حتى الآن.