وقفية الأميرة زينب للعتقاء والعلماء والفقراء
أنشأت الأميرة زينب بنت محمد علي باشا والي مصر وقفية ضخمة في عهد أخيها سعيد باشا كافل الديار المصرية. ووثقتها بحجة صدرت من محكمة الباب العالي بمصر بتاريخ 24 شوال 1277هـ/ 3 مايو 1861م. وهذه الحجة مسجلة برقم/4 قديم سجلات وزارة الأوقاف -مسلسلة رقم 292- ولها ملف تولية برقم 212)، ولها وثائق كثيرة محفوظة بمحافظ عابدين – بدارالوثائق القومية، ومنها المحفظة رقم 168 أوقاف/ عن الفترة من 23/10/1908 إلى 31/3/1952م).
اشتملت هذه الوقفية على سرايتين اثنتين، ولوكاندة، ومساحة من الأراضي الزراعية قدرها: سهمان، و17 قيراطاً، و10.250 فداناً. وأشارت حجة الوقفية إلى أن مصادر تملكها لهذه العقارات والأراضي وهي: حجة الهبة والتمليك الشرعية، الصادرة من محكمة الباب العالي بتاريخ 22 جمادى الأولى 1262هــ، وحجة التبايع الصادرة من المحكمة نفسها بتاريخ 15 صفر 1266هــ، والحجة الشرعية الصادرة من تلك المحكمة أيضاً بتاريخ 11 ذي القعدة سنة 1268هــ. وقد وكَّلت عنها في وقف ذلك كله زوجها يوسف كامل باشا، الذي شغل منصب الصدر الأعظم، وقبل ذلك شغل مناصب رفيعة أخرى بالحكومة العثمانية منها رئاسة مجلس الأحكام العدلية بالآستانة/إسطنبول.
نصت حجة هذه الوقفية على الموقوفات وهي:
- جميع كامل السرايتين بمصر المحروسة، بظاهر الأزبكية، وقريباً من قنطرة الدكة، والقنطرة اليسرى وبركة قرموت. واشتملت كل سراية من السرايتين على قصور وحمامات وأود وكشكات وجنينة لطيفة متخللة أرضها بالأشجار المتنوعة وغير ذلك من السواقي والمظلات وآبار ماء معين، ونخيل البلح وأخشاب الكرم، والنارنج، والتمر حنة، والياسمين، والأخشاب المختلفة، وغيره مما دار عليه السياج المحيط بالسرايتين، بما في ذلك الحكر الذي لجهة وقف الخواجا صالح المغربي، وقدره سنوياً 1500 نصف فضة سنوياً.
- وجميع كامل قطعة الأرض التي مساحتها 16 قيراطاً و41 فداناً، الكائنة بناحية منية السرج المعروفة بغيط عبدالوهاب، وما استجد بها من القصر والجنينة والوابور المعد للماء والسواقي والدوار، وغير ذلك مما يشتمل ذلك جميعه بدلالة حجة التبايع الشرعية المؤرخة بمحكمة الباب العالي بتاريخ 25 صفر 1266هــ.
- وجميع قطعة الأرض التي مساحتها 7 قراريط، و2 فدان بناحية منية السرج أيضاً بشرقي جسر شبرا ولها حدود أربعة عينتها حجة الوقفية.
- وجميع كامل الرزقة الأحباسية الطين السواد التي بلا مال «إلى ما شاء الله» المعبر عنها بالجفلك، ومساحتها 2 سهم، و20 قيراطاً و10.199 فداناً، وهي بعد الأبعادية وبعد الرزق المخصصة للجوامع والزوايا وقدرها 1 س و23 قيراطاً و78 فداناً؛ إذا لا دخل لهذه المساحة بهذه الوقفية. وهذه الرزقة واقعة بعدة نواح تابعة لأقليم المنصورة، منها بناحية شاوة سللنت مساحة قدرها 12 قيراطاً و1832 فداناً. وقد امتلكت الأميرة زينب هذه الرزقة وما يتبعها من الأبنية والسواقي والغراس والعدد والمواشي من إبل وبقر وأثوار وجواميس وخيول وحمير وآلات زراعية وحاريث ونوارج وقصابيات وفؤوس ومعازيق وغيرذلك من المنافع والحقوق التابعة والمنسوبة إلى الجفلك، وذلك بموجب تقسيط ديواني صادر لها بأمر أبيها محمد علي باشا ومؤرخ في غرة رجب سنة 1255هــ 10 سبتمبر 1839م.
- وجميع كامل اللوكاندة التي أنشأتها الأميرة زينب، وأعدتها لسكن الإفرنج الإنكليز. وكانت كائنة بخط الأزبكية قريباً من قنطرة الدكة بجوار السرايتين المذكورتين. وقد تم الانتهاء من بناء هذه اللوكاندة لتحل محل مدرسة الألسن قبل تاريخ تحرير حجة هذه الوقفية.
وتضمنت حجة الوقفية وصفاً تفصيلياً بديعاً للمكونات المعمارية للوكاندة، وعندما تقرؤه فكأنك تتجول في أرجائها وتستمتع بمناظرها الرائعة، وذلك طبقاً للتوثيق الوصفي لها الوارد بالحجة الشرعية الصادرة من محكمة الباب العالي بتاريخ حادي عشر من ذي القعدة 1268هــ. وهذا الوصف بتمامه هو الآتي:
«اشتملت اللوكاندة على: واجهة شرقية بالحجر الفص النحيت، ومركب عليها من قبلي وبحري درابزين خشب خرط علو داير ن الحجر النحيت بالواجهة المذكورة. وسلم سبع درجات داير من الجهتين، ويتوصل منه إلى بسطة بها باب مقنطر بالحجر يغلق عليه درفتا باب خشب، يدخل منه إلى دهليز به يمنةً باب يغلق عليه درفتا باب من الزجاج، يدخل منه إلى أوده سقفة رومياً بها أربعة شبابيك شيش مطلين على الطريق –البركة- وشباك مطل على الأودة الآتي ذكرها فيه، وبالدهليز المذكور يسرة باب معلق عليه درفتي باب زجاج يدخل منه إلى أوده مسقفة رومي بها أربعة شبابيك شيش مطلين على الطريق والبركة، وبالأودة المذكورة باب يدخل منه إلى مسقفة رومي بها أبرع شبابيك اثنان منهما على الطريق والبركة والآخران على الفسحة الآتي ذكرها فيه.
وبالأودة المذكورة بابان، أحدهما موصل للدهليز المذكور، به مكتبان خشب مقفلين بالزجاج، والثاني موصل للفسحة المذكورة، ويتوصل من باقي الدهليز إلى فسحة مستطيلة مسقفة بالرومي، بها يسرةً ست أود مسقفين رومياً، بكل منها شبابيك شيش مطلين على الطريق، ومزيرة وكرسيين راحة وباب موصل لحوش كشف سماوي به خمس أود مسقفين رومي، بكل منها شباك خرط طل على الحوش، به أصلح لنج وكرسي راحة، وباب موصل للجنينة.
وبالفسحة المذكورة باب يغلق عليه درفتا باب من الزجاج، يدخل منه إلى حل كبير مسقف رومياً، ركب عليه ملقف زوجي مركب عليه أربع بوايك من الخشب مركبين على عامودين من الخشب به ست شبابيك مقفلة بالزجاج، ثلاثة منها مطلة على الطريق والبركة، والثلاثة الأخرى طلة على الجنينة المذكورة تجاه الداخل باب مركب عليه درفتي باب زجاج يدخل منه إلى دهليز مستطيل سقف رومياً، به أربعة عشر أوده مسقفات رومياً، لكل منها شبابيك شيش مطلة على الطريق والجنينة.
وبوسط الفسحة المذكورة باب موصل للجنينة المذكورة مغروس بها أشجار متنوعة، وبوسطها فسقية مركب عليها جمالون بوص وبالفسحة المذكورة سلم داير بجهتين يأتي ذكره فيه. سفله باب موصل لجنينة ثانية يأتي ذكرها فيه. وبالفسحة المذكورة ستة كراسي راحة، وباب موصل للجنينة الموعود بذكرها وبالفسحة المذكورة باب يدخل منه إلى دهليز مستطيل به يسرة ثمانية حمامات أفرنكي، بكل منها مغطس وشباك مطل على الجنينة، بأقصى الدهليز باب موصل للأود المذكورة.
يتوصل من السل الموعود بذكره أعلاه إلى فسحة مستطيلة بها خمس عشرة أودة مسقفات رومياً، بكل منها شبابيك شيش مقفلين بالزجاج مطلين على الجنينة والطريق، وبأقصى الفسحة يمنة سلم ثلاث درجات يصعد من عليه إلى فسحة مستطيلة ركب عليها ملقفين بها يمنة ويسرة تسعة عشر أوده مسقفات رومياً، بكل منها شبابيك مطلة على الطريق والجنينة، وبالفسحة المذكورة سل هابط وصل للفسحة الأخرى، وبأقصى الفسحة كرسي راحة وباب موصل لدهليز مستطيل ومسقف رومي به تسع أود وثلاث كراسي راحة.
ويتوصل من الدهليز المذكور إلى فسحة صغيرة بها باب موصل لفسحة ثانية بها يمنة أوده بها شباكان على الجنينة، وباب يدخل منه إلى فسحة مستطيلة مركب عليها ملقف بها ثماني أود بكل منها شباك مطل على الجنينة، وبأقصى الفسحة باب موصل لفسحة صغيرة بها باب يدخل منه إلى فسحة بها ستة كراسي راحة وباب موصل للفسحة الأولى المذكورة، ويدخل من الباب الموصل للجنينة الموعود بذكرها إلى الجنينة ومهي مغروس بها أشجار متنوعة، وبها إسطبلات وحواصل وساقية بير ماء معين، كاملة العدة والآلة، مكمل ذلك جميعه بالأبواب والسقف الرومي والشبابيك الشيش المقفلة بالزجاج مفروش أرض ذلك جميعه بالبلاط الكدان منقوش سقفه وذلك بأنواع الدهانات، مسبل الجدر بالبياض، وما لذلك جميعه من المنافع والمرافق والتوابع واللواحق والحقوق بالصفة التي عليها ذلك الآن، المجاور ذلك من الجهة القبلية للسراي المروفة بسراي الرجال المذكورة أعلاه».
وحتى تتمكن الأميرة زينب من إبرام حجة هذه الوقفية الضخمة كان عليها الحصول على موافقة أخيها والي مصر آنذاك محمد سعيد باشا. وإلى ذلك أشارت حجة الوقفية وأثبتت أنها تمت حسب توكيل زينب لزوجها من ناحية، ومن ناحية ثانية حسب الأمر الصادر بذلك، من محمد سعيد باشا، والمحرر ومؤرخ بتاريخ 7 شوال 1277هــ، والمقيد بنمرة 30 الشامل لذلك ولغيره والمكتوبة صورته باللغة التركية على الخطاب المحرر باللغة التركية أيضاً ومؤرخ بتاريخ 11 شوال 1277هــ.
ونصت الحجة على أن الأميرة زينب أنشأت هذا الوقف على نفسها من تاريخه تنتفع به مدة حياتها، ثم من بعدها يكون وقفاً على من سيحدثه الله له من الأولاد، فإن توفيت عن غير ذرية، أو كانوا وتوفوا كلهم، يكون ذلك مصروفاً على ما يبين فيه وهو:
- حصة قدرها سدس الريع، يكون لزوجها مدة حياته، ثم من بعده يكون لأولاده وذريتهم إلى حين انقراضهم، فإن توفي عن غير ذرية يكون ريع الثلث ن الحصة التي قردها الربع مصروفاً في مصالح ومهمات إقامة شعائر الجامع الأزهر، وباقي ريع الربع المذكور يصرف في ثن خبز قرصة يلحق بجراية الجامع الأزهر ويفرق على السادة العلماء الحنفية المدرسين، فإن تعذر للجهتين المذكورتين، يصرف للفقراء والمساكين من المسلمين أينما كانوا وحيثما وجدوا.
- حصة قدرها ربع الريع، تكون وقفاً مصروفاً لعتقا حضرة الموكلة الواقفة؛ بيضاً وسوداً، وحبوشاً، ذكوراً وإناثاً، مع مشاركة عتقا الست نور قادن حرم جنتمكان محمد علي باشا؛ بيضاً وسوداً وحبوشاً، ذكوراً وإناثًا بالتفاضل بين جميع العتقا؛ للواحد أو الواحدة من العتقا البيض ضعف الواحد أو الواحدة من العتقا السود والحبوش، ثم يكون على أولادهم وذريتهم حين انقراضهم، فيؤول الثلث من تلك الحصة التي قدرها الربع إلى مصالح ومهمات وإقامة شعائر الأزهر الشريف. والثلثان باقي ريع هذه الحصة يصرف في ثمن خبز قرصة يلحق بجراية الأزهر ويفرق على السادة العلماء الشافعية والمالكية المدرسين به، فإن تعذر الصرف للجهتين صرف للفقراء والمساكين المسلمين.
- حصة قدرها الثمن من إجمالي الريع، تكون وقفاً على خادمي الأميرة زينب ذكوراً وإناثاً غير عتقائها، وهم الذين تعاطوا خدمتها إلى حين وفاتها، بمن فيهم السادة القراء المعينون لقراءة القرآن بسراي الواقفة حال حياتها، بالتفاضل بينهم. فيكون للواحد أو الواحدة ممن خدمها أو قرأ القرآن بالسراي المذكور عشر سنوات فأكثر ضعف ما للواحد أو الواحدة ممن خدمها أو قرأ القرآن بالسراي أقل من عشر سنوات. ثم من بعدهم يكون نصيبهم للعتقاء المذكورين سابقاً.
- حصة قدرها الثلث من ثمن الريع، تكون وقفاً على عمل مولد شريف يشمل قراءة قرآن وأذكاراً في كل سنة بمسجد وضريح حضرة جنتمكان الحاج محمد علي باشا بالقلعة. وفي وجوه خيرات وقربات وصدقات وقراءة قرآن وتفرقة خبز قرصة وتسبيل ماء عذب ورمي خوص وريحان رطبين على تربة الموكلة الواقفة التي ستدفن فيها أيام الجمع والأعياد على الدوام والاستمرار. فإن تعذر الصرف على ذلك يكون هذا القدر مصروفاً للفقراء والمساكين المسلمين.
- حصة قدرها نصف السدس من الريع، تصرف لعتقاء جنتمكان الحاج محمد علي باشا، الفقراء المحتاجين، الذكور والإناث، السود والحبوش بالسوية بينهم، فإذا مات أحدهم انتقل نصيبه لباقيهم، إلى حين انقراضهم، ثم يؤول ليكون وقفاً مضافاً لثلث الآتي ذكره، ليصرف في مصارفه ويكون حكمُه كحكمِه.
- حصة قدرها ثلث الريع، تكون وقفاً مرصداً على مصالح ومهمات وإقامة شعائر أربع عشرة جهة هي مساجد: الحسين، والسيدة زينب، والسيدة سكينة، والسيدة نفيسة، والسيدة فاطمة النبوية، والسيدة عائشة، والإمام الشافعي، والإمام الليث بن سعد، والشيخ عبدالوهاب الشعراني، والشيخ علي الخواص، والأستاذ العيني، الشيخ سعد الله الحسيني، وعلى الفقراء المقيمين والمترددين على تكية الكلشني، وتكية المولوية بالقاهرة أيضاً. فإن تعذر الصرف على تلك الجهات الأربعة عشرة، يكون ريع ذلك مصروفاً على الفقراء والمساكين المسلمين حيثما وجدوا وأينما كانوا.
بعد وفاة الأميرة زينب وبعد وفاة زوجها، آلت هذه الوقفية إلى ثلاث فئات من الذين اشترطت أيلولة ريع الوقفية إليهم وهم: العتقاء، والعلماء، والفقراء. أما العتقاء فكانوا رجالاً ونساءً، من الخدم والذين عملوا في حاشية الأميرة من السود والبيض والحبوش. وكانوا في أغلبيتهم يجمعون بين صفتي العتق (التحرر) والفقر. وأما العلماء فكانوا من مدرسي المذهبين الحنفي والشافي بالأزهر الشريف.
ومن وقائع استحقاق علماء المذهبين الحنفي والشافعي في ريع هذا الوقف: أن المستحقين منهم اتفقوا بوساطة الإمام محمد عبده في سنة 1903م مع دائرة سعيد حليم باشا ناظر الوقفية يومئذ، على أن يصرف لكل شخص خمسة عشر رغيفاً شهرياً، وفي آخر السنة تجري المحاسبة عن باقي الريع ويوزع عليهم نقداً. وفي سنة 1914م أحيل الوقف إلى وزارة الأوقاف، فجرت على هذه الطريقة لغاية سنة 1921م، ثم توقفت في سنتي 1922م، و1923م، فلم تصرف لهم هذه المبالغ، بل أرادت ضمها لميزانية المعاهد الدينية وتوزيعه على العلماء ضمن مرتبات وظائف التدريس. وكان راي وزارة الأوقاف أن هذا الإجراء مطابق لأحكام الشريعة، ولشروط الواقفين كما أفتى بذلك مفتي الوزارة. (مضبطة الجلسة رقم 28 – بتاريخ 9 شوال 1344هــ/13 مايو 1924م، ص 337).
وحسب إحصاءات ميزانية الأزهر عن سنة 1941م، قدرت مرتبات العلماء الأحناف وجرايتهم من الخبز بمبلغ 3353 جنيهاً، ولم يتغير هذا المبلغ كثيراً حتى نهاية الخمسينيات، أما في الستينيات فقد وصل إلى 7631 جنيهاً، وفي سنة 1981 وصل إلى 17000 جنيه، ثم زاد مرة أخرى إلى 27000 جنيه، ابتداءً من سنة 1990م. (ملحق ميزانية الأزهر سنة 1940/1941م، دار الوثائق القومية، محافظ الأزهر، محفظة رقم 45. ومذكرة برقم/6 لسنة 1991م، بشأن النظر في تخصيص 10000 جنيه أخرى من خيرات وقف زينب بنت محمد علي، بملف التولية رقم 212).
ولم تخرج الأميرة زينب في ترتيب شئون إدارة وقفيتها هذه عن المعتاد في ذلك العصر؛ إذ اشترطت على الناظر والمتولي أن يبدأ من الريع بعمارة الموقوفات ومرمتها وإصلاحها، ولو صرف في ذلك جميع غلته. وأن يدفع الحكر المعين على جزء من أراضي الوقفية لجهة وقف الخواجة صالح المغربي. وجعلت النظارة لها، ثم لزوجهاً، ثم من بعدهما تكون للأرشد فالأرشد من عتقائها، ثم من بعدهم جميعاً تكون لناظر أوقاف الحرمين الشريفين بمصر. أما النظر الحسبي (الولاية العامة على الوقف) فمن بعدها يكون لوالي الديار المصرية. واحتفظت لنفسها بالشروط العشرة المعروفة، ولزوجها من بعدها، دون أن يكون لأحد آخر غيرهما استعمال هذه الشروط. وتضمنت خاتمة الحجة التأكيد على عقدة الوقف، والدعاء لمن أعان على بقائه، وتحذير من يسعى في إبطاله بسوء العاقبة في الدنيا والآخرة. وتحررت في 14 شوال 1277هــ.
كان من الذين حضروا مجلس الإشهاد على كتابة حجة هذه الوقفية وتوثيقها أحد عشر من كبار العلماء والأعيان ورجال الحاشية بمصر في عهد الوالي محمد سعيد باشا، وهم يومئذٍ: الشيخ شمس الدين محمد العباسي المهدي الحنفي، مفتي السادة الحنفية بمصر، والشيخ برهان الدين السقا الشافعي الأزهري، والشيخ نور الدين علي البقلي الأزهري، والشيخ شمس الدين محمد الرافعي الحنفي الأزهري، والشيخ إسماعيل الحلبي الحنفي الأزهري، والشيخ مصطفى حلبي الحنفي الكلشني، والشيخ عبدالله الرافعي الحنفي الأزهري، من أهل العلم بالأزهر الشريف، والجناب المفخم عثمان بك، وكيل دائرة الموكلة زينب بنت محمد علي باشا، والحاج بلال أغا الأسمر، معتوق السلطان عبد المجيد خان، والحاج سليمان أغا الشهير بالحكيم الحبشي، والحاج سيف الدين أغا الحبشي معتوق محمد علي باشا.
والأميرة زينب هي أصغر بنات محمد علي باشا، وأمها إحدى مستولداته اسمها شمع نور قادن. ولدت زينب في حدود سنة 1244هــ في القاهرة، وتزوجت في سنة 1264هــ من يوسف كامل باشا، ثم هاجرت هي وزوجها للآستانة سنة 1268هــ في عهد عباس الأول، وهناك ترقى زوجها في المناصب حتى صار صدراً أعظم للدولة العثمانية، وبقيت في إسطنبول حتى توفيت دون ذرية، ودفنت هناك في سنة 1302هــ. وقيل إن أخاها البرنس حليم باشا استغل فترة مرضها وقام بتحوير وقفياتها وجعل القسم الأكبر منها له ولأولاده. وقد وصفت حجة الوقف الأميرة أنها: «درة إكليل الدولة العلية، وغرة جبين الدوحة العثمانية، صاحبة المجد والإقبال، ساحبة ذيل العز والإجلال، تاج فرق ذوات الإحسان، فخر صاحبات العفة وعلو الشان، الست زينب هانم كريمة حضرة مولانا المرحوم بالرحمات الواسعة جنتمكان الحاج محمد علي باشا».