محمد بن سلمان: الأمير “اللامع” الذي يقود حرب المملكة الكبرى
لم تتوقف الفضائيات العربية والعالمية عن إعادة بث لقطات أذاعتها وكالة الأنباء السعودية من داخل مركز العمليات السعودية حيث تقاد حملة (عاصفة الحزم) ضد الحوثيين باليمن. اللقطات تظهر الأمير “محمد بن سلمان” يقود اجتماعا مع قادة الجيش والقوات الجوية السعودية بمركز العمليات، ثم الأمير وهو يرافق ولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف بينما يتابعان سير العمليات من حجرة المراقبة.
↵↵↵↵الأمير “محمد بن سلمان” ليس هو الابن الأكبر للملك “سلمان” وإن كان هو الابن “الألمع” في اللحظة الراهنة. فإخوته الأكبر(سلطان وعبد العزيز وفيصل) فيما يبدو مكتفين بأدوار أقل بروزا في الشأن العام، إذ يشغل الأول رئاسة الهيئة العامة للسياحة والآثار بالسعودية، والثاني يعمل نائبا لوزير البترول والمعادن، بينما يتولى الثالث إمارة منطقة المدينة المنورة.
↵↵↵↵محمد بن سلمان -الذي لم يتجاوز عامه الثلاثين بعد- لا يتولى فقط “وزارة الدفاع“، بل يضم إليها أيضا رئاسة “مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية“، والأهم “رئاسة الديوان الملكي“. المنصب الأخير حل فيه محمد بن سلمان مكان “خالد التويجري” رئيس ديوان الملك عبد الله وحاجبه المثير للجدل، والذي دأب إبان عهد الملك عبد الله -في سعي منه لإزاحة الجناح السديري لحساب تصعيد الأمير “متعب بن عبد الله“- على تشويه صورة محمد بن سلمان وإظهار ولي العهد الأمير سلمان -في ذلك الوقت- بصورة الشيخ الهرم الذي ينساق وراء نزوات ابنه الطائشة.
↵↵↵↵كانت أبرز تلك المحاولات متعلقة بالصدام الذي حدث بين الأميرين محمد بن سلمان وخالد بن بندر. خالد بن بندر هو أمير تدرج في العسكرية السعودية حتى وصل إلى منصب قائد القوات البرية قبل أن يعلن الملك عبد الله توليته إمارة منطقة الرياض. لم يستمر خالد بن بندر طويلا حتى أقيل من منصبه لصالح الأمير تركي ابن الملك عبد الله وعين بدلا من ذلك نائبا لوزير الدفاع مما أثار نوعا من الاستياء من إقالة أمير أثبت جدية وكفاءة خلال فترته القصيرة لتنصيب ابن الملك مكانه. إلا أن صراعا لم يلبث أن قام بين خالد بن بندر وبين محمد بن سلمان الذي كان يمثل شخصية مفتاحية في الوزارة التي يتولاها والده. صور التويجري ذلك الصدام -بصورة غير علنية ومن خلال (تسريبات) مجهولة المصدر- على أنه ناجم عن تجاوز الشاب النزق ومنازعته لمسؤوليات الأمير الكفء، بل وتجاوز في حقه لفظيا ولم يراع فارق السن بينهما، لينتهي الأمر بانسياق الأب -الأمير سلمان- وراء طيش ابنه، ليطلب من الملك (إعفاء) خالد بن بندر من منصبه، ويظهر الملك عبد الله بمظهر الحكيم الذي يعفي الأمير من منصبه بوزارة الدفاع إلا أنه يعينه بدلا من ذلك في رئاسة الاستخبارات العامة مستفيدا من كفاءته الثمينة.
↵↵↵↵هذا المشهد كان جزءا من مسلسل خطط له التويجري -كما أسلفنا- لتشويه صورة الجناح السديري ومحاولة إظهارهم بصورة الانتهازيين الغير مهتمين سوى بمصالحهم الشخصية وتوسيع نفوذهم على حساب الكفاءة ومصالح الوطن والمواطنين ومشاكلهم في مقابل تصعيد الأمير متعب بن الملك عبد الله. إلا أن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن، فتدهورت صحة الملك عبد الله بسرعة، وحاول التويجري تدارك الأمر واتخاذ أي إجراء عاجل لتغيير أو إحداث تسلسل معين في خلافة العرش لصالح متعب، لكن محمد بن سلمان فيما يبدو كان يد والده اليمنى في إدارة عملية انتقال العرش بالتعاون مع الأمير محمد بن نايف ليتم المشهد بإعلان الأخير وليا لولي العهد قاطعا الطريق على متعب بن عبد الله. لم ينته دور محمد بن سلمان في إزالة حقبة التويجري عند هذه النقطة، بل امتد أيضا للإطاحة بـ(رجال التويجري) عن طريق التغيير الوزاري الكبير الذي أجراه الملك سلمان وكانت لمسات يد محمد بن سلمان جلية فيه (انظر قراءة في التغييرات الوزارية: هنا).
↵↵↵↵↵↵↵↵على إثر ذلك، ومن خلال مسؤولياته الجديدة، عمل محمد بن سلمان على استبدال الصورة التي رسمها رجال التويجري عنه بصورة جديدة “لامعة”. فعبر رئاسته لـ “مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية” رفع الأمير توصية لمجلس الوزراء -وافق عليها المجلس- بإصدار قرار طالما طالب به السعوديون لسنوات طويلة -وربما عقود- يتضمن فرض رسوم على (الأراضي البيضاء). الأراضي البيضاء هي أراض فضاء واسعة موجودة داخل النطاق العمراني للمدن في المملكة متروكة من قبل ملاكها لتتضاعف أسعارها مع مرور الزمن. وتعود ملكية معظم هذه الأراضي لأمراء أو شركات استثمار كبرى تحتكر هذه الأراضي مانعة استغلالها في حل أزمة الإسكان لدولة ثرية يقطن معظم مواطنيها في بيوت مستأجرة ولا يستطيعون بناء بيوتهم الخاصة بهم -رغم توفير الدولة للقروض من خلال صندوق التنمية العقاري– نظرا لأسعار الأراضي الباهظة. لم يكد خبر هذا القرار يصدر إلا وارتفعت شعبية الأمير الشاب إلى عنان السماء، الأمير الذي بدا منحازا بقرار تاريخي للمواطن -والمواطن الأقل ثراء أو الأفقر بالتحديد- في مقابل محتكري الأراضي الواسعة من أثرياء الأمراء ورجال الأعمال النافذين.
↵↵↵↵لم يخفت صخب هذا القرار إلا وقد عادت صورة الأمير للواجهة مرة أخرى. هذه المرة ظهر الأمير الشاب بقامته الممتدة ولحيته الخفيفة التي تضيف إلى شبابه بضعة أعوام أخرى -ولربما عبّرت عن نوع من التدين والمحافظة- وهو يقود حربا في اليمن دفاعا عن مصالح المملكة الاستراتيجية في مواجهة غريمها التقليدي الإيراني “الشيعي”. حرب حازت على شعبية كاسحة بالداخل السعودي خاصة؛ الداخل الذي لم يخف نوعا من التململ والاستياء من سياسات الملك عبد الله الخارجية التي جعلت من محاربة الإخوان والحركات الإسلامية هدفها الأول، تاركة إيران ورجالاتها يتمددون في المنطقة ليطوقوا المملكة ويبتلعوا الدول العربية واحدة تلو الأخرى.
هذه الحرب التي يقودها الأمير الشاب هي أكبر حرب تخوضها المملكة منذ مشاركتها في حرب الخليج الثانية 1991؛ إلا أن السعودية هذه المرة هي من تقود الحرب مما يجعل محمد بن سلمان القائد الأعلى لهذا التحالف الواسع الذي أعلنت السعودية عن تشكيله من عشرة دول. حرصت الكاميرات على التقاط صور الأمير وهو يتفقد بنفسه القوات السعودية المتمركزة على الحدود الجنوبية مع اليمن في اليوم السابق لبدء العملية، كما حرصت على تصويره في مركز العمليات وهو يتابع مجريات الضربات الجوية بصحبة الأمير محمد بن نايف، ثم مرة أخرى وهو يستقبل الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي القادم على متن الطائرة السعودية مما يعطي إشارة بأن محمد بن سلمان هو الذي يتولى إدارة الملف اليمني الهام بأكمله.
الأمر الأخير الذي يجدر بنا ألا نفوت الإشارة إليه وإلى ما يتضمنه من دلالات في خاتمة هذا المقال، هو غياب صورة ولي العهد الأمير مقرن بن عبد العزيز عن المشهد بشكل كامل مع مفارقة كون والدته تعود لأصول يمنية مما يجعل من المفترض أن تكون صلته بهذا الملف -خاصة- وثيقة؛ وفي المقابل يتصدر أميرا الجيل الثاني محمد بن سلمان ومحمد بن نايف واجهة المشهد الذي ترفع في خلفيته صور العاهل السعودي في حربه الكبرى.
↵↵↵↵↵↵↵↵
اقرأ أيضا:
↵↵↵↵↵↵↵↵↵