الجولات التحضيرية: لأن الجميع يصطنع الضحكة أمام الكاميرا
لا أعرف عدد المرات التي كنت فيها فريسة مثالية لنفس الفخ الذي يمكن تسميته الحدث العالمي. يبدأ الأمر كالعادة بانبهار تام أن هناك حدثًا عالميًا سيكون على قرابة كيلومترات منك، ريال مدريد يلعب في إستاد القاهرة وشاكيرا تغني تحت سفح الأهرامات وأخيرًا محمد منير والشاب خالد في حفل مشترك.
يكمن الفخ دومًا في خيارين: إما سوء التنظيم أو ارتفاع التكلفة بشكل مبالغ فيه، وفي الأخير ينتهي الحدث بصورة قررت أن تلتقطها رفقة أصدقائك والجميع بملامح سعيدة للغاية، لكنها في الحقيقية سعادة مفتعلة فقط لتليق بالحدث العالمي الذي حضرته دون غيرك.
أنت تعرف جيدًا أن تجنبك لتلك الظروف وتوفير نصف تلك الأموال كان سيجعلك أكثر سعادة، على الجانب الآخر ربما كان النجم العالمي نفسه يحتاج ظروفًا أفضل للغناء والاستمتاع، لكن الوحيد الذي ضمن سعادته بلا شك هو المسئول عن الحفل الذي حصل أمواله نقدًا بغض النظر عن المتعة المتحصلة من الحدث.
في كرة القدم هناك فخ مشابه يكون المستفيد الوحيد فيه هو إدارات الأندية وهو فخ الجولات التحضيرية.
اعتادت الأندية الأوروبية على القيام بجولات تحضيرية في آسيا والولايات المتحدة حيث تلعب بعض المباريات الودية وتجني الكثير من الأموال ويبدو الجميع سعداء لكنها سعادة أمام الكاميرا ما يبدو.
دعنا نتحدث من وجهة نظر كل فرد في القصة حتى نتفهم حقيقة الحدث بالكامل. فلنبدأ بالأندية، لماذا تبدو الجولات التحضيرية في غاية الأهمية؟
الأندية: أموال لا يمكن خسارتها
أقرت إدارة اليونايتد بوجود انخفاض بنحو 50 مليون جنيه إسترليني في الإيرادات التجارية. حيث سجل انخفاضًا من 279 مليون جنيه إسترليني في عام 2020 إلى 232.2 مليون جنيه إسترليني. وعزت الإدارة جزءًا من هذه الخسارة إلى عدم قدرتهم القيام بالجولة التحضيرية المتفق عليها في الهند.
هذا يفسر لك ببساطة كيف أن كلاسيكو الأرض لعب منذ أيام قليلة في لاس فيجاس وكيف أن أندية أرسنال وتشيلسي وإيفرتون يلعبون في بطولة مصغرة بالولايات المتحدة بينما كان لقاء يونايتد ومانشستر يونايتد في أستراليا.
تستفيد الأندية الكبيرة فقط من تلك الجولات التحضيرية، والسبب ببساطة أن الأندية التي لا تنتمي لهذه الفئة العليا يحصلون على رسوم أقل ومع ذلك لا يزالون يتحملون نفس تكاليف السفر. لذا من الناحية التجارية غير مفيد إطلاقًا.
تطور الأمر سريعًا وأصبحت كل الأندية الكبرى تدرك قيمة وأهمية تلك الجولات، يمكنك رصد ذلك من حديث جاري هوبسون الذي ينظم رحلات ما قبل الموسم لفرق الدوري الإنجليزي الممتاز عن تعامله مع نادي أرسنال.
كان للفرنسي فينجر تفويض مطلق في لندن بما في ذلك فترة ما قبل الموسم بالطبع، أدى ذلك إلى انتقال أرسنال إلى معسكر في النمسا من اختيار فينجر لأول مرة خلال موسم 98 / 1997 واستمر ذلك لسنوات.
مع تزايد الضغط المالي الخاص بثمن انتقال النادي من هايبري إلى استاد الإمارات بدأ فينجر في اتخاذ قرارات مختلفة. كان حل أرسين الوسط هو القيام برحلة النمسا المعتادة ثم مباراتين سريعتين متتاليتين في طريق العودة.
أدرك النادي أن مباراتين سريعتين في ألمانيا على سبيل المثال وأخرى في إسبانيا تجني الكثير وهنا أصبح من المعتاد أن ترى أرسنال يسافر إلى أماكن أبعد حيث كانت المكاسب التجارية أكبر.
بعض الأندية أيضًا لديها بنود في عقود الرعاة تلزمهم بجولات محددة الأم وبمجرد تنشيط هذا البند يتحصل الفريق مدفوعات إضافية من شريكه. هذا يفسر لك لماذا سافر اليونايتد عام 2012 في رحلة مدتها 8000 ميل، واستغرقت 16 ساعة من كيب تاون إلى شنغهاي للعب مباراة واحدة ضد شنغهاي شينهوا.
كان هذا من أجل المساعدة في إطلاق شراكة جديدة مع جنرال موتورز (GM) التي وافقت على صفقة للنادي لاستخدام شيفروليه كشريك رسمي. أرادت جنرال موتورز تنمية علامتها التجارية في الصين وكانت على استعداد لدفع أموال لشركة يونايتد للمساعدة في القيام بذلك.
هل تعتقد أن فكرة السفر كل تلك المسافة لأداء مباراة واحدة أمر لطيف للمدرب أو اللاعبين؟ هنا ننقل إلى وجهة نظر اللاعبين.
اللاعبون: لا وقت للراحة
تضخمت رزنامة مباريات كرة القدم لحد أصبحت فيه أقرب لمشروع متواصل على مدار العام. وهو الأمر الذي يؤثر فنيًا دون شك على قدرات اللاعبين. يحتاج اللاعبون طبقًا لاستبيان أجراه «اتحاد اللاعبين المحترفين» إلى استراحة خمسة أسابيع بين المواسم، لكن المتوسط المتاح حاليًا ثلاثة أسابيع فقط.
بعض اللاعبين لا يمكنه الحصول على الأسابيع الثلاثة تلك ما بين مباريات دولية وجولات تحضيرية، لكنه في المقابل يعرف أنه يجني المال مقابل اللعب وأنه ملتزم من خلال عقد مع الفريق بلعب تلك المباريات.
على المستوى الفني فالأمر يصبح أسوأ خلال تلك الجولات. على الرغم من أن حجم الملاعب قد يكون أكبر، إلا أن جودة أسطح اللعب تبقى رديئة في أحسن الأحوال. بالنسبة لتلك الفرق التي اعتادت أداءها على ملاعب مثالية في أوروبا فإن محاولة اللعب على سطح تم تحويله من ملعب كرة قدم أو بيسبول أو ألعاب رياضية أمريكية يمكن أن يمثل عائقًا وسببًا وجيهًا للإصابات.
هل تتذكر قصة مانشستر وشيفروليه؟ لم يتوقف الأمر عند ذلك.
عندما تم إطلاق صفقة شفروليه مع يونايتد خلال جولتهما في الولايات المتحدة في عام 2014، وبينما كان فان خال ينمي نفسه بتحضير جيد للموسم الجديد حصل واين روني ودارين فليتشر على مفاتيح سيارة شفروليه كامارو المكشوفة وكان عليهم الخضوع لجلسات تصوير أثناء قيادتهما للسيارة عبر بيفرلي هيلز وهما يرتديان شعار الراعي الجديد.
في وقت لاحق من ذلك اليوم، تم إرسال اللاعبين للتوقيع على كرات القدم في محطة إطفاء لوس أنجلوس. وهكذا كانت الجولة التحضيرية
رغم كل ذلك على اللاعبين الظهور دومًا مبتسمين أثناء التوقيع على القمصان والكرات حتى لا يتكسر قلب المشجعين الأوفياء في هذا البلد البعيد. لكن هل تعتقد أن المشجعين لا يلاحظون ذلك؟ حسنًا، تلك هي وجهة النظر الأخيرة، المشجعين.
المشجعون: لا تأمل في الكثير
من المفهوم أن يكون مشجعو كرة القدم متحمسين لرؤية بعض أفضل لاعبي العالم على أعتاب منازلهم. لكن هل يحظى المشجعون الآسيويون مثلًا بالاحترام الذي يستحقونه؟ وهل هناك تأثير إيجابي على اللعبة المحلية كما يتم الترويج من قبل البعض؟
تصل الأندية الإنجليزية إلى آسيا مع فريق وسائل التواصل الاجتماعي الخاص بها وتتبعهم حزمة الصحافة الإنجليزية. في حين أن العديد من الصحفيين الآسيويين يأملون في قضاء بضع دقائق مع النجوم إلا أنهم غالبًا ما يجدون أنفسهم رفقة بعضهم البعض لا أكثر.
يتوقف اللاعبون للدردشة مع الكتاب الذين يعرفونهم ويتفاعلون معهم بانتظام على مدار العام، بينما يتجاهلون الصحافة المحلية التي هي في أمس الحاجة إلى هذه الفرصة.
أما المشجعون، فما زالت قصة رونالدو في كوريا عام 2019 لا ينساها أحد هناك. كان المشجعون في كوريا الجنوبية غاضبين من سلوك رونالدو الذي لم يكن متاحًا لتوقيع قميص ولم يجرِ أي مقابلات ولم يشارك في مباراة اليوفنتوس ضد فريق نجوم الدوري الكوري.
قبل عامين من تلك الحادثة اضطر فريق تشيلسي أن يعيد ظهيره كينيدي إلى إنجلترا من جولة النادي الآسيوية بعد نشره منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي بدا أنها تسخر من الصين وشعبها.
ربما تلتمس العذر لبعض اللاعبين المرهقين بعد أن تعرف شكل موسمهم الطويل وكيف أنهم على وشك الانهيار خلال تلك الجولة، لكن في المقابل ما ذنب المشجعين؟
ليست كل القصص قاتمة
في الحقيقة، لا يمكن أبدًا أن ننكر أن فكرة رؤية فريقك المفضل أوروبيًا في الملعب هو شيء من الخيال، شعور لا يوصف من فرط لذته. ويتضاعف هذا الشعور إذا كنت مغتربًا وحضر فريقك المفضل أخيرًا بجوارك. لا تزال مشاهد وجود الأهلي والزمالك في قطر يتذكرها الجميع، كيف أن الجماهير المصرية كانت في حالة جنون أثناء الاستقبال والتشجيع والاحتفالات بعد المباريات.
ليست كل القصص قاتمة، من المؤكد أن هناك شخصًا ما ذهب إلى مشاهدة فريقه المفضل من قلب الملعب الذي يبعد عن منزله بعض الأمتار وكان سعر التذكرة مناسبًا والتنظيم يضعه كأولوية. أنا لا أعرف الشخض لكنني سعيد من أجله، سعادة حقيقية ليست كتلك التي ترتسم على وجهي وأنا أشير إلى روبرتو كارلوس في الملعب، لا يبدو أنه كارلوس الذي في الصورة أليس كذلك؟ لديك حق، فلقد كنت على بعد حوالي ألف شخص آخر من الملعب!