ضربات استباقية: كيف ستواجه إسرائيل أنفاق غزة؟
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
لا يرتبط السؤال المُتعلق بأنفاق حماس بكيفية التعامل معها فقط، بالنسبة لإسرائيل، بل أيضًا بطبيعة المواجهة التي ستتبع التعامل معها. حيث لم تُحقق الجولات المتكررة من القتال في قطاع غزة – والتي تُجبر حماس إسرائيل على خوضها منذ عام 2009 – أهدافها الإستراتيجية الضرورية مثل: الردع على المدى البعيد، وإحداث أضرار جسيمة بالجناح العسكري لحماس، وإضعاف المنظمة، وفرض قيود فعالة على تعزيزاتها العسكرية المستقبلية.وقد أثبتت عملية الجرف الصامد 2014 أن أنفاق الهجوم المحفورة تحت حدود قطاع غزة كانت الأداة الإستراتيجية الوحيدة تقريبًا التي امتلكتها حماس للحفاظ على أي مكاسب هامة، ومعظم ما أطلقت عليه “المفاجآت والجهود العسكرية” – مثل الصواريخ بعيدة المدى، والطائرات بدون طيار، وقوات الكوماندوز البحرية – قد فشلت. إلا أن الأنفاق كانت أداة عسكرية تسببت في أضرار بالغة لإسرائيل؛ فعلاوة على العناصر التي عبرت الأنفاق لقتل الجنود الإسرائيليين، فإن مجرد وجود الأنفاق زرع الخوف وسط المدنيين في المناطق القريبة. ومن هذا المنطلق، انجرّت إسرائيل إلى خوض مناورة برية محدودة، كجزء من مواجهة استمرت 50 يومًا انتهت دون اتفاق شامل لتجريد قطاع غزة من الأسلحة.
تتسم العلاقات الحالية بين إسرائيل وحماس بالرغبة المشتركة في عدم الانجرار إلى جولة أخرى من الصراع. فبالنسبة لإسرائيل، تمنعها الرغبة في تجنب التصعيد عن مواجهة استعدادات حماس بشكل معلن، وتُلزمها بسياسة من السلبية المجبرة عليها. كما أنه من الصعب أن تضمن إسرائيل أن المؤن الواردة إلى القطاع، خصوصًا مواد البناء، لا تُستخدم في التعزيزات العسكرية، رغم أن ذلك مُرجّح بقوة.علاوة على ذلك، وبينما أدى خطاب إسماعيل هنية الأخير، بشأن حفر الأنفاق ومخاوف الإسرائيليين الذين يعيشون قربها، إلى تجدد النقاشات حول قضية الأنفاق، إلا أنه لم يجدّ أي جديد بصددها. ويتمثل الفارق الوحيد في مدى الجدية التي أصبحت المؤسستان العسكرية والسياسية في إسرائيل تتناولان بها التهديد. وعلى أي حال، يتعين أن يكون النقاش حول الاستجابة المناسبة من جانب إسرائيل مدروسًا جيدًا، وأن يتحسب للتصعيد العسكري الذي قد يتبع تلك الاستجابة.ولا تعدّ الأدوات المتوفرة حاليًا أمام إسرائيل كافية لردع حماس عن مباشرة تعزيزاتها العسكرية، بما في ذلك حفر الأنفاق. وبينما قد تؤثر أنشطة إعادة الإعمار على جاهزية حماس لمواجهة الجيش الإسرائيلي على المدى القريب، فإنها لن تقضي على الطموحات العسكرية للحركة على المدى المتوسط والبعيد. وبناءً على ذلك، تتمثل المشكلة الرئيسية لصناع القرار الإسرائيليين في ماهية الخط الأحمر الذي سيتطلب تجاوزه من قبل حماس لتنفيذ عملية عسكرية استباقية تستهدف الأنفاق. ويبدو أنه يتعين أن يتمثل ذلك الخط الأحمر في اكتشاف الأنفاق العابرة للحدود، أو حقيقة، أو حتى الاحتمالية المرتفعة، أن حماس قد قررت مباشرة حملة عسكرية ضد إسرائيل في المستقبل القريب.على مر السنين، عندما واجهت إسرائيل أوضاعًا متصاعدة الحدة، واعتبرتها غير مقبولة، استعدت لتنفيذ عمل وقائي أو استباقي، والعمل الاستباقي هو مبادرة لصد بناء العدو الإستراتيجي لقواته، دون امتلاك معلومة مسبقة مؤكدة حول توقيت حدوث التهديد. فهو ينطوي على هجوم يستبق هجوم العدو، ولكن تنفيذه يتم عندما تصبح نية العدو لاستخدام القوة في المستقبل القريب يقينًا.
جدير بالذكر أن الأعمال الوقائية والاستباقية تُعد مفاهيم مألوفة ضمن العقيدة الأمنية الإسرائيلية، بدءًا بحملة سيناء عام 1956 (حملة وقائية) والعملية “موكد” Moked، التي فتحت الطريق أمام حرب الستة أيام 1967 (عملية استباقية)، إلى الهجوم على المفاعل النووي العراقي عام 1981، وهجوم عام 2007 على المنشأة النووية السورية، الذي تم نسبه إلى إسرائيل (جميعها هجمات وقائية).ولكن روح القرن الحادي والعشرين، أي الحساسية المفرطة على الساحة الدولية تجاه المبادرات الهجومية، والتغيرات في البيئة الإستراتيجية الإسرائيلية، بالإضافة إلى حقيقة أن العدو عادة ما يكون منخرطًا بشدة وسط المدنيين، ضيّقت نطاق الإجراءات الوقائية والاستباقية وقلّصت شرعيتها. فقد سرى خلال السنوات الأخيرة جدلٌ بشأن الحاجة إلى الهجمات الوقائية التي تستهدف قدرات حزب الله العسكرية المتزايدة في لبنان، التي تمثل تهديدًا أكثر قوة بكثير من تهديد أنفاق حماس. ولكن حتى الآن، لم يتم اتخاذ أي خطوات فعلية في هذا الاتجاه. فهل الأسباب المنطقية لاتباع ذلك الأسلوب مع حماس مختلفة؟.هناك عامل حاسم، يمكنه المساعدة في اتخاذ مثل هذا القرار، وهو توافر المعلومات الاستخباراتية عالية الجودة. فغياب المعلومات الدقيقة بشأن مواقع الأنفاق يجعل المشكلة نظرية، ما يخلق وضعًا يكون فيه السبيل الوحيد بالنسبة لإسرائيل للقضاء على التهديد هو أن تستولي على قطاع غزة، وأن تحدث أضرارًا جسيمة بسلطة حماس، مع المخاطرة بمواجهة الإدانة الدولية وعواقب الإضرار الشديد بالمدنيين. إلا أن مثل تلك الخطوات الشاملة، التي ستعني احتلال غزة، لا يُنصح بها. ولكن على الجانب الآخر، توفر التقديرات العسكرية الأكيدة بدائل عديدة.يتمثل البديل الأول في التعامل مع كل حالة من حالات الأنفاق العابرة للحدود، والتي تخترق مناطق السيادة الإسرائيلية، بشكل منفرد. ففي حال اكتشاف أي منها، يجب أن تكون الاستجابة محدودة ومركزة على تلك الأنفاق، مع دعمها بالمعلومات الاستخباراتية الدقيقة والرسائل الموجهة لحماس بأن ذلك العمل الوقائي لا يعكس أي رغبة في التصعيد.بينما يطرح الخيار الثاني التعامل مع المشكلة على نحو مُمنهج، بشكل يشمل جميع الأنفاق الممتدة على نطاق 3-4 كيلومترات من الجدار؛ أي، كامل حدود مدينة غزة. وينطوي ذلك الخيار على عملٍ أوسع، رغم أنه مقيدٌ أيضًا بشكل واضح، بناءً على خطة العمل البري ذاتها التي استخدمها الجيش الإسرائيلي في عملية الجرف الصامد. ويقدم هذا البديل، احتمالية مرتفعة للتصعيد واندلاع جولة أخرى واسعة النطاق من القتال.وقد تفلح إسرائيل في تجنب كلا الخيارين، لتتبنى بديلًا ثالثًا يستند على ضبط النفس، والاستجابة التكنولوجية، والاستخبارات المتقدمة، مع نية تمديد حالة الهدوء إلى أطول مدة ممكنة. بالتأكيد، إن تم تطوير واستخدام تكنولوجيا لرصد وإغلاق الأنفاق، سيكون من الأسهل الالتزام بضبط النفس وتعزيز الاستعدادات للمواجهة القادمة. فمثل تلك التكنولوجيا ستوفر لإسرائيل فرصة التقاط الأنفاس التي تحتاجها لتُعد خطة عمل ضد حماس، مع العلم بأن الأنفاق لن تظل بطاقة إستراتيجية حاسمة كحالها الآن، تمامًا كحال الصواريخ، حيث أثبت نظام القبة الحديدية أهميته في إنهاء كامل تهديد الصواريخ بعيدة المدى، في معظم أنحاء إسرائيل تقريبًا.هناك افتراضات أن تطوير نسخة من القبة الحديدية (تُستخدم تحت الأرض) قد يؤدي بشكل كبير إلى تغيير وضع إسرائيل العسكري في الصراع القادم. لذا، من الضروري توفير الميزانيات اللازمة لذلك في أسرع وقت، والتي ستسمح بتوفير التكنولوجيات الضرورية لرصد المواقع الدقيقة للأنفاق. ولكن طالما لم تتوافر هذه التكنولوجيا بعد، وطالما رصدت المعلومات الاستخباراتية علامات لهجوم وشيك من قبل حماس، تبدو الضربة الاستباقية ضرورية.
وبينما تختلف البدائل المذكورة آنفًا في نهجها من حيث تبنيها لضربات وقائية أم استباقية، فإنها تتشارك جميعها في افتراض أساسي واحد؛ وهو أن حماس ستدفع إسرائيل نحو خوض نزاع آخر. وبما أن الاعتقاد السائد يشير إلى أن الضربة الوقائية أفضل، فإن السؤال الأهم:ما هدف الجولة القادمة؟، وما مدى جاهزية إسرائيل لها؟.إن التوازن الإستراتيجي الحالي بين إسرائيل وحماس يعتبر فشلًا نابعًا من غياب الهدف الإستراتيجي المناسب عن الجولات السابقة من الصراع. فالأسلوب الذي نُفذت به عملية الجرف الصامد لم يسعَ إلى تغيير الواقع بين الطرفين في المستقبل، لذلك ظلت إسرائيل وحماس على ذات مسارهما المسدود في تعادلهما الإستراتيجي غير المتماثل. أي أن العملية (الجرف الصامد) قد فشلت في ضمان حدوث أي تغيير جذري في طبيعة العلاقة عما كان قائمًا بالفعل. لذا لا يُنصح بخوض جولة أخرى وفق نفس القواعد؛ حيث سيتكبد الطرفان تكاليف مرتفعة بينما لن تحمل أي نتائج إيجابية لأمن إسرائيل على المدى البعيد.وبالتالي، قبل أن تشرع إسرائيل في أي حملات جديدة، يتعين عليها أن تجيب على الأسئلة الأكثر جوهرية بشأن أهدافها العملياتية ومدى قابليتها للتنفيذ:
- كيف يمكن لإسرائيل أن تلحق أضرارًا جسيمة بالجناح العسكري لحماس ومن ثم تضمن تحقق أوضاعٍ أفضل عندما ينتهي القتال؟، كيف تمنع إسرائيل حماس من إجراء تعزيزات عسكرية مستقبلية؟.
- هل يصب ترك حماس على قمة السلطة في غزة في مصلحة إسرائيل، أم يتوجب على إسرائيل التخلي عن ذلك الافتراض، وربما العمل على إنهاء حكم حماس لقطاع غزة؟.
يستلزم الوضع الأمثل في مواجهة إسرائيل لقطاع غزة توفير حلٍّ تكنولوجي لمشكلة أنفاق الهجوم التابعة لحماس، وهو الأمر الذي سيؤجل بدوره الجولة التالية الحتمية من القتال مع حماس، وسيمركز إسرائيل في موقع أفضل عندما يحين موعدها.ولكن حقيقة عدم وجود ذلك الحل التكنولوجي الجاهز للتطبيق تعني استمرار المعضلة الخاصة بأفضل منحى للتعامل مع المشكلة. فيتعين على إسرائيل أن تثبت أن أنفاق حماس جاهزة لكي تُستخدم في الهجوم، مما يستدعي تنفيذ إجراء استباقي.مع ملاحظة خطورة تصاعد مثل ذلك العمل ليصبح نزاعًا كاملًا، فيجب أن يكون ذلك النزاع موجزًا وفعالًا، بناءً على الهدف الإستراتيجي الواضح، الذي يُحتمل أن يُحدث تغييرًا جذريًّا في توازن القوى وديناميكيات العلاقة بين الطرفين. بينما سيؤدي أي خيار آخر إلى تكرار مشاركة إسرائيل في ذات المباحثات بعد صراع آخر مع حماس في قطاع غزة.