الصلاة والحرية الدينية في عُمان والبحرين
في مول العرب بمصر صليت الجمعة قبل سفري، أذكر أن الخطيب أبدع كبقية الخطباء، وأنني خرجت منزعجًا بعد الصلاة؛ لا سكن ولا طمأنينة، ولا أعرف لماذا صليت الجمعة هناك إلاّ أنني استجبت لنصيحة صديقي القريب رامي. مما أذكره من كلام الخطيب أن العلماء الذين خدموا البشرية باختراعاتهم وعلمهم من الكفار في النار، لا أدري ما مناسبة هذا الكلام في سياق كان يتحدث فيه عن حُرمة جلب العروس لأشياء كثيرة في زفافها! تحريم وتحليل كما أراد وحفنة كبيرة من الخلق في النار وسر ارتفاع الدولار في مصر قلّة البركة، أتدرون ما البركة؟ البركة في اتباع هدي النبي.
حديث لا يُعرف أوله من آخره، ولا معنى له، لذا أحمد الله على حرصي على صلاة الجمعة في مسجد لا أقيم فيه وزنًا لما يقوله الخطيب، وعادة ما ألجأ إلى مسجد السيدة زينب أو غيره من الأماكن التي أرتاح فيها، لذا في السفر لا أحرص على حضور الجمعة في المسجد إلا إذا صادف وجودي قرب مسجد، فما يقال عندنا يُقال عند الآخرين، وقد جرّبت الصلاة في عدة بلدان ما وجدت في الخطبة إلاّ ما يزيد ضجر الإنسان ويبعده عن السكينة والاطمئنان.
بنايات المساجد في عُمان بعضها ضخم جدًّا أُنفقت عليه أموال طائلة، أذكر مسجدًا دخلناه في بهوه «أسانسير» يحملك للأعلى رائحته جميلة وكُتل الخرسانات فيه كثيرة، ذكّرني ببعض المساجد الحديثة في إستانبول في نظافته، لكنني لم أؤدِ الصلاة فيه، كما فعلت في تركيا، وصليت في زاوية صغيرة بعيدة عن العمران أنا والأستاذ «مصطفى بن تمسك» والشيخ خميس، كما كنت أصلي في تركيا في المساجد القديمة، المعمار الحديث لا ترتاح روحي فيه أبدًا ولا أشعر بشيء يقربني من نفسي، حتى لو كان البناء مسجدًا، أشعر أن هذه الأبنية تهزم الإنسان وتبلعه في داخلها فلا يبقى منه شيء يحيا.
لفت نظري في سلطنة عُمان الأذان حسب الصيغة الشيعية استمعتُ إليه وأنا أسير مع الأساتذة المشاركين في مؤتمر التطرف الفكري، وعرفت أن المسجد يصلي فيه الشيعي والسني والإباضي جنبًا إلى جنب ولا يحمل أحدٌ أحدًا على الصلاة قسرًا إن لم يصل في وقتها ولا يُغلق الحانوت عنوة! لم تكن البحرين كما كانت عُمان، شيءٌ ما رغّبني عن رؤية المساجد من الداخل، وقد مررت في سوق المنامة مع صديقي أحمد فلم أتوقف إلاّ لحظات قصيرة للنظر إلى المساجد (الشيعية) ربما عرفتُ أنها شيعية من أسمائها، لكنني شعرت أن المباني حزينة للغاية لا أدري لماذا؟!
لم نؤدِ صلاة الجمعة أنا والطبيب السوري براء فقد فاتنا الوقتُ، ولزم علينا أن نسرع لنلتقي الشيخ «إبراهيم المريخي» المعروف ووالده بمشايخ الصوفية في البحرين، حدّثني براء عنه كثيرًا ونحن في طريقنا إليه، التقيتُ به فكان أغلب الحديث عن مصر، وبدا الشيخ متواضعًا وواثقًا مما لديه، كان لتوه قد عاد من مؤتمر أهل السنة والجماعة المنعقد في الشيشان، لا يختلف رأيه عن رأي الشيخ «علي جمعة» في انتفاضات الدول العربية، ومن أجمل ما ورد في هذا اللقاء حديثه عن الشيخ «إسماعيل صادق العدوي»، فقد تربيت صغيرًا بين يديه، وكنت وما أزال أحفظ طريقته في إلقاء خطبه ودروسه، حينما أخبرني أنه تتلمذ عليه أصغيت كثيرًا ورحت أحكي أكثر وكان الشيخ حريصًا على السماع. أكرم ضيافتنا الشيخ وقد وعدني براء الذي يعشق السماع أنني سأستمع إلى صوت يذكّرني بجيل المصريين القدماء.
كان أحد السوريين صاحب الصوت الجميل الذي أنشد من كلمات السادة الوفائية ما عطّر المجلس وحلق بنا في عالم سامٍ، ذكّرني الرجل بإمام زاوية الشيخ «ناظم الحقاني» في إستانبول كان سوريًّا أيضًا وكان صاحب ذكر وحافظًا للقرآن، ويبدو أن أهل سوريا اليوم في الإنشاد أفضل بكثير من أهل مصر، هذا إذا تحدثنا عن الشباب اليوم.
مجلس الذّكر في (المحرق) عدده قليل، ما يقوله صديقي أحمد رضي إذن صحيح من أن عدد الصوفية في البحرين ليس كبيرًا، فمن خلال هذا النموذج تكوّن لديّ تصوّر عنهم يوافق ما قرأته مما كُتب عن (التصوف في الخليج).
كنت حريصًا على زيارة المعبد الهندوسي بعدما سمعت عنه، ذهبنا سوية أنا وأحمد، حدّث الحارس أنني مصري وأود أن أزور المكان، فاستأذن لنا والتقينا برجل مبتسم وهو يتحدّث معنا قبّل وتبرّك شابٌ مع والدته بقدمه، أكمل الحديث وكان من رحابة الصدر أن صعد معنا للمعبد، حينما رأيت أن الكل يخلع حذاءه كما نفعل في المسجد فأخبرته أننا لم نخلع أحذيتنا فعدنا لتركها بالأسفل.
لا يستطيع المسلم الذي لم يزر كنيسة في حياته أن يتفهّم ممارسة الآخرين لطقوس دينهم، تعوّدنا ونحن أطفال في مصر أن نسخر من القسس ومن ملابسهم، وكنا نسير خلفهم أحيانًا نرميهم بالتراب وأحيانًا نبصق عليهم، هكذا يفعل أبناء المناطق الشعبية التي تربيت فيها، رغم كثرة عدد النصارى والكنائس فيها، ربما كان ذلك من أثر التربية السيئة، وربما كان تابعًا لمعتقداتنا الدينية الخاطئة.
بعض الهندوس ينحني وهو يؤدي الصلاة، والبعض يسجد وبعضهم ينام مفترشًا الأرض بكامل جسده مادًا ذراعيه أمام رأسه، ولحظات ويقف والملا أو الشيخ الجالس أمامه قدر فيه ماء، يمدّ المتعبّد يده فيضع الشيخ قطرة أو ما يملأ ملعقة صغيرة فيشرب المتعبد ويمسح رأسه، وربما أعطاه حبة من الذرة المحمصة فأخذها على سبيل البركة، تداعى إلى ذهني مباشرة ما يحدث في الأضرحة والمقامات التي أداوم زيارتها منذ سنوات. وبعد أن عرّف الشيخ بنا ممن صحبنا منحنا الشيخ بركته فشربت الماء من يده أنا وأحمد ومسحت رأسي به ولم يفعل أحمد. ولأننا ضيوف أراد إكرامنا، الشيخ مانح البركة، فأعطى كل واحد منا كيسًا فيه بعض المحمصات، نسيه أحمد عمدًا ونحن نشتري شيئًا من الشارع وفقد مفاتيح سيارته معه، وحينما عاد للبحث عنها وجد الكيس معها، فأخبرته ألا يترك الكيس حتى لا نصاب بلعنة وضحكنا ثم وصلت الفندق سالمًا.
لم ألتقط صورًا لي في هذه الرحلة فرأيت أن أحتفظ بصورة لي في المعبد كما احتفظت بصورة لي في الإرسالية الأمريكية ويظهر خلفي القسيس زويمر، جلست في بهو المعبد والناس من حولي يدورون حول رمز مجسّد وعليه صورة، كما يطوف الناس حول الكعبة، للحظة حدّثتني نفسي ماذا يفعل هؤلاء؟ ولماذا يفرحون بالدوران حول هذا الرمز، ولماذا يلتقط هؤلاء جميعًا صور مبهجة في هذا المكان؟ ثم غابت الأسئلة حينما تذكرت صورًا أخرى مماثلة.
عرفتُ أن البهائية في البحرين تعيش في حرية لا تقارن بما يحدث معها في مصر، ففي مصر لا يتم الاعتراف بالبهائية وليست لهم أية حقوق مدنية، الأمر مختلف في البحرين، ومن الجدير بالذكر أن أول صلتي بالبحرين كانت عن طريق السيدة وفاء التي حضرت معنا محاضرة تحدّثنا فيها عن «أنّا ماري شيمل» وكتابها المترجم للعربية مؤخرًا (روحي أنثى) عن المرأة في التصوف الإسلامي، وقد سعدت وغيرها بما طرحناه من معلومات حولها أنا ومترجمة الكتاب «لميس يحيى»، ومن البهائية رتّلت كارمن أنشودة عن الأرض، وقرأت بعض أشعار مولانا جلال الدين. السيدة حنان كما فعل بهاء الله بالاستناد إلى أشعار مولانا في جزء من كتاباته أثبتها فرانكلين لويس في كتابه الرومي شرقًا وغربًا حاضرًا وماضيًا.
يُظهر وجود هذا المعبد وهذه الممارسات حرّية دينية كبيرة في البحرين، كما يحدث نفس الشيء في الإمارات، لكن من الغريب أنني وسط هذه الزيارات لا أعرف عن غالبية أهل البحرين من (الشيعة) شيئًا إلا بالصدفة حين حدّثتني صديقتي أنها حتى تعود لبيتها تأخذ وقتًا طويلًا فالشرطة تطوّق المكان، فأحد المشايخ الكبار الذي تجاوز السبعين ربما أو أكثر أُسقطت عنه جنسيته ولا بد أن يغادر بلده! لم أسمع بهذه الممارسة إلا عبر متابعتي لصديق على الفيسبوك كانت قد أسقطت عنه الجنسية وغادر من بلد إلى بلد حتى هاجر إلى بلاد لا تقيم وزنًا للاختلاف المذهبي أو الديني ويلجأ المسلم والمسيحي والهندي والعربي إليها ويعيش فيها آمنًا مطمئنًا تُحترم آدميته وحقوقه.
حاولت أن أنقل عبر هذه االمقالات (المقال الأول .. المقال الثاني) صورة مما شاهدته، ربما يتعرّف القارئ من خلالها على شيء غاب عنه، وربما يراجع ما لديه من معلومات عن بلداننا العربية.