صراع محتمل: هل يأتي تنصيب ترامب على حساب الاقتصاد الصيني؟
تصريحات مثيرة للجدل، تحمل في طياتها لهجة عدائية، أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من شأنها تأجيج الأوضاع بين أكبر قطبين للاقتصاد العالمي، واتهام صريح للصين بأنها دولة تتلاعب بعملتها من أجل الإضرار بالمصالح الأمريكية، وقال ترامب: «بيننا حرب تجارية، ونحن لن نخسرها». وتلا ذلك تصريحه في الحادي عشر من يناير/كانون الثاني الجاري، «لماذا ينبغي علينا أن نلتزم بمبدأ الصين واحدة إذا لم نتوصل إلى صفقة مع الصين في قضايا أخرى، في مقدمتها القضايا التجارية».
يأتي هذا في الوقت الذي أظهرت فيه أرقام الهيئة العامة للجمارك الصينية تراجع الفائض التجاري للصين مع الولايات المتحدة الأمريكية بنحو 10 مليارات دولار بين عامي 1015 و 2016. ومن المحتمل أن يتراجع هذا الفائض في ظل تولي ترامب لإدارة البيت الأبيض، وتعرُّض الصين لإجراءات حمائية كبيرة، وعدم المقدرة على النفاذ إلى السوق الأمريكي، وهنا يثار تساؤل حول ما ستشهده الأيام المقبلة من حرب تجارية محتملة بين قطبي الاقتصاد العالمي.
مساومات سياسية
من المرجح استمرار اللهجة العدائية إلى أن يحقق ترامب بعض من المكاسب التجارية، لاسيما أنه يعلم حسابات الربح والخسارة، ويتبنى رجل الأعمال الأمريكي شعار «إعادة أمريكا عظيمة مرة أخرى»، ويبدو أن ذلك سيصطدم مع طموحات الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي يصور نفسه على غرار ترامب كزعيم قوي مهمته الأساسية «جعل الصين عظيمة مرة أخرى».
وبدأت التصريحات العدائية مع قيام ترامب باستخدام الشعارات الحماسية خلال حملته الانتخابية، بتعهده برفع الضرائب على السلع الصينية واعتبار الصين «دولة تتلاعب بالعملة»، لأنها تتعمد تخفيض قيمة عملتها الوطنية، حتى يتفوق المنتجون الصينيون على الأمريكيين، وحذر بفرض ضرائب جمركية على السلع الصينية الوافدة للسوق الأمريكي بنحو 45%، وتخفيض ضرائب الأرباح على الشركات التي تعمل بالسوق الأمريكي لتستقر على نحو 15% بدلا من 35%، لتستطيع منافسة السلع الصينية، وقال ترامب: «بيننا حرب تجارية، ونحن لن نخسرها».
وزادت حدة التصريحات العدائية بعد أن تلقى ترامب اتصالا هاتفيا من رئيسة جزيرة تايوان، تساى أنج وين، بحجة التهنئة على الفوز في الانتخابات الأمريكية. تلك الجزيرة ذات الحكم المستقل، والتي تعدها الصين أحد أقاليمها. أعقب هذا الاتصال تصريح لترامب، ملمحا إلى أن واشنطن قد لا تلتزم بسياسة الصين الواحدة التي تتبعها منذ سبعينيات القرن الماضي، في إشارة تدل على سير واشنطن نحو استخدام حجة الاعتراف بجزيرة تايوان كورقة ضغط ضد بكين لتحقيق مكاسب اقتصادية، أهمها رفع قيمة اليوان الصيني في مقابل الدولار الأمريكي.
وكان الرد الصيني شديد الحدة، إذ قوبل أمر المساومة على السيادة واستخدام ترامب لجزيرة تايوان للضغط على الصين من أجل تحقيق مكاسب تجارية بالرفض، واحتجت وزارة الخارجية الصينية على هذه التصريحات المعتدية على مبدأ «صين واحدة»، والقائم منذ سبعينيات القرن الماضي، كحاكم للروابط الصينية الأمريكية. وحذرت صحيفة جلوبال تايمز الصينية أن مبيعات آيفون والسيارات الأمريكية وغيرها من السلع الأمريكية ستعاني من انتكاسة حالة قيام الرئيس الأمريكي ببدء حرب تجارية ضد الصين.
تشابك اقتصادي
لا شك أن التشابك الاقتصادي بين الاقتصاد الصيني والأمريكي بلغ ذروته مؤخرا، حيث بلغ حجم التجارة الخارجة بين البلدين نحو 600 مليار دولار في العام 2015، خلافا للتجارة في الخدمات التي تتفوق فيها واشنطن على نظيرتها بكين بفائض قدره 33 مليار دولار في العام نفسه. وكانت الصين أكبر مصدر للبضائع المستوردة إلى الولايات المتحدة في عام 2015، وفقا لمكتب الممثل التجاري الأمريكي.
وفي إطار التجارة السلعية، يعلم ترامب أن موقف بلاده أقوى من الصين، إذ إنها أقل اعتمادا على التجارة الخارجية مقارنة بنظيرتها الصينية، حيث بلغ إجمالي التجارة الخارجية للصين ما يعادل 41% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015، بينما كان اعتماد الولايات المتحدة على التجارة الخارجية نحو 28% من الناتج المحلي الإجمالي في نفس العام. أضف لذلك قيام الصين ببيبع سلع أكثر للسوق الأمريكي.
وتسعى واشنطن في ظل إدارة ترامب إلى عرقلة نفاذ الصادرات الصينية إلى السوق الأمريكي، وهذا يعني تكبد الاقتصاد الصيني خسائر كبيرة. إذ بلغ إجمالي الصادرات السلعية الصينية إلى السوق الأمريكي ما قيمته 483 مليار دولار مقارنة بنحو 116 مليار دولار فقط مبيعات أمريكا إلى الصين عام 2015. ولفت ترامب إلى أن «الصين تفرض رسوما على منتجاتنا عبر الحدود، بينما لا نفرض نحن رسوما على بضائعهم». لذا من المحتمل أن تواجه الصين صعوبات قادمة، حتى بعد أن أظهرت مرونة في تعويم عملتها.
وعلى مستوى الاستثمار الأجنبي، تحظى الصين بأهمية نسبية، إذ تملك الشركات الصينية استثمارات ضخمة بالولايات المتحدة تقدر بنحو 45.6 مليار دولار، وذلك وفقا لتقديرات شركة Rhodium Group لعام 2015، وهي شركة استشارات أمريكية، موزعة بين عدد من القطاعات الحيوية.
وتظل استثمارات الصين في الديون السيادية الأمريكية، تحظى بأهمية بالغة كورقة ضغط رابحة للإدارة الصينية، إذ تأتي الصين في المرتبة الأولي عالميا، وفقا لما كشفت عنه الخزانة الأمريكية. إذ بلغت استثماراتها بنهاية شهر مارس/آذار 2016 نحو 1.244 تريليون دولار في الديون الأمريكية. أي تملك بكين وحدها نحو 20% من مجموع الديون الخارجية لواشنطن، لتصبح بذلك الدائن رقم واحد في العالم للولايات المتحدة الأمريكية.
كما تملك الصين أوراق ضغط أخرى يمكن أن تساوم بها الولايات المتحدة الأمريكية في إطار حربها التجارية. كإلغاء أوامر شراء طائرات من شركة بوينج الأمريكية، لاسيما وأن الصين قامت بمشتريات بلغت نحو 12% من مبيعات شركة بوينج عام 2015، ومن المحتمل تحول الصين نحو الشراء من شركة إيرباص جنبا إلى جنب مع خفض استيراد الأقماح الأمريكية وبعض السلع الزراعية كفول الصويا وغيرها من المنتجات الزراعية التي يمكن لبكين استعاضتها بالاستيراد من كندا والبرازيل والأرجنتين.
وإجمالا؛ تعد الصين الشريك التجاري الأول لعدد من الأسواق الأفريقية وأسواق الشرق الأوسط، كما أنها تمتلك حصصا تقليدية واسعة في السوق الآسيوي، كما أن إنشاء طريق الحرير لربط الصين بالعاصمة البريطانية، لندن، يأتي في إطار بحث الصين عن فرص تجارية جديدة لتعزيز صادراتها. لكن السوق الأمريكي مازال السوق الأكبر بالنسبة للصاردات السلعية الصينية. يرى عدد من المراقبين أن هناك صراعا محتملا إذا ما نفذ ترامب وعوده بتقييد نفاذ السلع الصينية للسوق الأمريكي. إذ سيؤدي هذا الإجراء إلى تراجع معدل النمو الاقتصادي للصين بنحو 1 : 2%.
ولا شك أن الرد الصيني سيكون مناسبا، في ظل ما تملكه من أوراق ضغط أهمها الاستثمار في الديون السيادية الأمريكية. فلن تسمح الصين بذلك بعد أن تضاعف الاقتصاد الصيني نحو 6 مرات في 14 عاما، وسعيها الدءوب لتتفوق على القوة الاقتصادية الأمريكية الأولى بحلول عام 2040، وفقا لتوقعات صندوق النقد الدولي، والثابت أن هذا التصعيد بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم لن يكون في صالحهما، ولا حتى الاقتصاد الدولي، فتبعات ذلك ستنعكس على نمو الاقتصاد العالمي ككل.