«متلازمة ما بعد كورونا»: الأسباب والعلاج

لا صوتَ يعلو فوق صوتِ كورونا، تلك الجائحة العالمية التي أصابت أكثر من مائة مليون من البشر، وحصدَت أرواح 3 ملايين منهم حتى اللحظة، وما تزال خطرًا مُحدقًا بمئات الملايين حول العالم، رغم بدء الجهود الحثيثة لتوزيع لقاحات كورونا في العديد من دول العالم، لا سيما الغنية منها.

وعلى المستوى الشخصي، تمثل الإصابة -أو مجرد الاشتباه فيها- بفيروس كوفيد-19 ضغطًا نفسيًّا وجسديًّا كبيرًا على المريض والمحيطين به، على اختلاف الفئات العمرية، والظروف الصحية.

وبعد مرور أكثر من عام على تلك الجائحة، وتراكم الخبرات بأنماط الأعراض المرضية والمضاعفات التي يسببها هذا الفيروس، فقد كثُرت الإشارة إلى ما بات يُعرف بـ «متلازمة ما بعد كورونا» post-covid syndrome، والتي أصبحت تؤرق الكثير من الناجين من الإصابة، وعددهم بالملايين حول العالم.

ليس هدفنا هنا بالطبع إحباط من عبروا بنجاح من تلك الإصابة الخطيرة، إنما زيادة مساحة الوعي بتلك الظاهرة ليكونوا أكثر استعدادًا لها، وكذلك لنَزُفَّ البشرى بأن غالبية من يمرون بتلك المتلازمة يتخلصون من أعراضها تدريجيًّا بمرور الأيام والأسابيع.

ما هي متلازمة ما بعد كورونا؟

هي استمرار العديد من الأعراض المرضية، وتطاولها لأسابيع أو لأشهر، بعد الإصابة بفيروس كوفيد-19، ورغم أنها لحسن الحظ لا تحدث مع كل المصابين، فإنه قد لوحِظَ حدوثُها مع نسبةٍ ليست بالقليلة منهم على اختلاف درجة الإصابة، فحتى بعض المصابين بالأدوار الطفيفة، قد عانوا بعدها من تلك الكوكبة من الأعراض المرضية طويلة المدى.

ولا يوجد أفقٌ زمني محدد لتلك الظاهرة، فقد مرت لدى البعض في بضعة أيام فحسب، بينما تطاولت في آخرين حتى وصلت إلى 6 أشهر. وأشهر تلك الأعراض هو الإجهاد الشديد، وآلام الصدر، وتسارع ضربات القلب، وضيق التنفس بأقل مجهود، وآلام المفاصل، وضعف التركيز، وتقلب المزاج، وأعراض الاكتئاب، وتساقط الشعر … إلخ. وقد لاحظ أطباء مستشفى «مايو كلينيك» الأمريكية الشهيرة أن تلك المتلازمة تصيب النساء أكثر من الرجال، لأسبابٍ غير معلومة. وتتناسب شدة تلك الظاهرة مع مدى شدة الإصابة بكوفيد-19.

في دراسةٍ أُجريت على مائة مُصاب بكوفيد-19 بمختلف درجات الشدة، منهم 32 مريضًا دعت حالتهم الإكلينيكية إلى الحجز في الرعاية المركزة. أقر أكثر من 72% من مرضى الرعاية المركزة بأنهم عانوا من الإجهاد الشديد لفترة طويلة بعد الشفاء، بينما حدث هذا مع 60% من باقي المرضى، بينما عانى ما يقارب نصف مرضى الرعاية من ضغطٍ نفسي شديد، بينما حدث هذا مع ربع الباقين.

وفي دراسة أخرى أُجريَت على 150 مريضًا فرنسيًّا، أقرَّ 100 منهم باستمرار بعض الأعراض بعد أكثر من شهرين من الشفاء، وصرَّح بعضهم بأن أعراض ما بعد كورونا قد فاقت في تأثيرها السلبي عليهم أعراض المرض نفسه.

وتاريخيًّا، ليس فيروس كوفيد-19 هو الوحيد الذي لوحظ معه مثل تلك المتلازمة، فقد عانى منها المصابون بفيروساتٍ أخرى من عائلة كورونا مثل فيروس السارس، وفيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية.

اقرأ: أهم 8 خرافات حول لقاح كورونا في مصر.

ما هي أسباب تلك المتلازمة؟

لا يوجد أسبابٌ محددة لتلك الظاهرة، لكن لدينا العديد من النظريات التي قد تفسر البعض أو الكثير من تلك المجموعة من الأعراض، مثل وجود بقايا التهاب وتضررٍ في الأعضاء الحيوية بالجسم كالرئتيْن والقلب… إلخ، رغم زوال الأعراض الرئيسة للمرض.

يلقي البعض باللائمة على فرط نشاط الجهاز العصبي الانفعالي السمبثاوي المسئول عن تفاعلات التوتر والتحفز، وكذلك الضغط النفسي الذي تُسبِّبه تجربة الإصابة بهذا المرض، لا سيما الأدوار المتوسطة والشديدة التي تستدعي الحجز بالمستشفى، والحاجة لعلاجاتٍ متقدمة كوسائل الدعم التنفسي… إلخ.

يعتقد آخرون أن السبب قد يكون تكوُّن جُليْطات دموية صغيرة تسد وصول الدم إلى الأعضاء الحيوية مثل القلب، لكنها تكون متناهية الصغر فتسد الشرايين الصغيرة والشعيرات الدموية بشكلٍ مؤقت ثم لا تلبث أن تذوب، ثم تتكرر، وتتجدد الأعراض، وهكذا.

كيف أتعافى من أعراض ما بعد كورونا؟

للأسف، كما ذكرنا للتو، ما تزال الأسباب القاطعة لحدوث تلك الكوكبة من الأعراض مجهولة، وبالتالي فليس هناك علاجٌ محدَّد يمكن وصفه للقضاء عليها جذريًّا. ولكن لحسن الحظ فإنَّ الغالبية العظمى من المرضى يتخلصون من تلك الأعراض بمرور الوقت، وفي السطور التالية سنعرض بعض النصائح والوسائل التي تساهم في تخفيف تلك الأعراض، وزيادة فرص شفائها بشكلٍ تام وتقليل آثارها الجسدية والنفسية.

1. استشارة الطبيب المختص

هناك أعراض شديدة لا بد معها من العرض على الطبيب أولًا وإجراء الفحوصات الطبية المطلوبة. على سبيل المثال، الآلام الشديدة بالصدر، والتي لا بد معها من استشارة طبيب القلب، لعمل رسم القلب وفحوصاتٍ أخرى لاستبعاد وجود جلطة بالشرايين التاجية للقلب، أو بالشرايين الرئوية… إلخ، وتلقي العلاج المناسب في الوقت المناسب حسب الحاجة. وكذلك لا ينبغي التساهل في تعاطي أدوية سيولة الدم أو المضادات الحيوية، وحتى أقراص الفيتامينات… إلخ إلا بعد الرجوع للطبيب المختص من ذوي الخبرة في التعامل مع حالات كورونا.

2. الراحة البدنية وتأخير العودة للعمل والمجهود الشديد

يُنصح بعدم التعجل في العودة إلى دوامة العمل بشكلٍ كامل ما أمكن ذلك، وذلك لتسريع عملية الشفاء والتعافي، لا سيما بعد الإصابات المتوسطة والشديدة، وذلك لتجنب الضغط الجسدي والنفسي الذي قد يفاقم أعراض ما بعد كورونا، ويؤدي إلى تطاول مدتها.

3. الدعم النفسي

يحتاج من يعانون من متلازمة ما بعد كورونا إلى دعمٍ معنويٍّ كبير من المقربين منهم، لتخفيف الضغط النفسي الذي سبَّبته الإصابة بهذا الفيروس المخيف، وكذلك ما تمثله أعراض ما بعد كورونا طويلة المدى من عبءٍ جسديٍّ ونفسي كبير.

4. تمارين التنفس العميق

تجدي هذه التمارين نفعًا مع أعراض زيادة نشاط الجهاز العصبي الانفعالي السمبثاوي (تسارع ضربات القلب دون سبب واضح – آلام غير نمطية بالصدر – التوتر العصبي…) حيث يتنفس المريض ببطء وبعمق ما أمكنه ذلك مراتٍ عديدة يوميًّا، إذ يساهم هذا في تمدد الرئتيْن جيًدا بالهواء، وهذا يسرع تعافيهما من آثار الالتهاب الرئوي، فتتحسن أعراض ضيق التنفس ونقص المجهود وآلام الصدر بشكلٍ أسرع.

كذلك فإن تمدُّد الرئتيْن بالهواء ينشط الجهاز العصبي الباراسمبثاوي الذي يقلل الانفعال، ويعاكس آثار نظيره السمبثاوي، فتتحسن أعراض التوتر النفسي وتسارع النبض بسببٍ وبدون سبب، وكذلك آلام الصدر.

5. الرياضة المعتدلة

خير الرياضة في هذه المرحلة أدومها وإن قل. مجرد المشي يوميًّا ولو لـ 20 دقيقة، هو بداية جيدة من أجل تسريع التعافي من أعراض ما بعد كورونا، واستعادة المريض لكامل نشاطه ولياقته. كما تساهم الرياضة المنتظمة في تحسين الحالتيْن المزاجية والنفسية، وتقليل الشعور الطاغي بالإجهاد والكسل الذي يعاني منه معظم من يعانون من متلازمة ما بعد كورونا.

6. النوم الكافي

أثناء النوم يتجدد النشاطان العصبي والجسدي، وتأخذ أعضاؤنا الحيوية هدنةً لالتقاط الأنفاس، ولإصلاح ما تتعرض له من أضرار. لدينا أدلة علمية كافية على أن عمليات تعافي الأنسجة والتئام الجروح تتسارع مع الحصول على قدرٍ كافٍ من النوم (6-8 ساعات ليلًا في المتوسط)، وأن هذا النوم الصحي من أبرز منشطات المناعة الطبيعية.

على من يعانون من أعراض متلازمة ما بعد كورونا حسن تنظيم اليوم، بحيث تُتاح لهم الفرصة للنوم الجيد مساءً، ومما يساعد على ذلك عدم الانشغال عن النوم بأية مشاغل لها علاقة بالعمل، أو بشاشة الهاتف الذكي… إلخ. وفي حالة استمرار المعاناة مع الأرق الشديد لدى البعض، فالأفضل استشارة الطبيب المختص لوصف أحد الأدوية المهدئة التي تساعد على النوم عند الضرورة.

اقرأ: الأرق يقتلنا: هل يمكننا تنظيم النوم؟

في المقابل، ليس المطلوب الاستسلام للكسل والإرهاق، وقضاء معظم أوقات اليوم نائمين كما يحدث لدى البعض ممن يعانون من متلازمة ما بعد كورونا، فهذا سيؤدي إلى نتائج عكسية، ويُبطئ عملية التعافي.

ختامًا، يجب التذكرة بأن الوسيلة الأجدى للقضاء على متلازمة ما بعد كورونا هي ألا نُصاب بكورونا من الأساس، وذلك بمواصلة الالتزام بإجراءات الوقاية كأقنعة الوجه، والتباعد الاجتماعي، والحصول على أحد لقاحات كورونا ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا.