يمكن تقسيم الأغاني الشعبية لفئتين رئيسيتين؛ الأولى هي أغاني المهرجانات التي تشبه موسيقي الراب والهيب هوب إلى حد كبير، حيث تعتمد على إيقاع ثابت في أغلب الأغنية. وتعتمد بشكل رئيسي على موسيقى غربية راقصة وصاخبة. والمهرجانات تهتم أكثر بالموسيقى على حساب الكلمات. ولأن الألحان غربية وغير أصلية غالبًا، فتكون المسئولية الكبرى على الموزع الموسيقي، لذلك يصبح موزعو أغاني المهرجانات نجومًا وذوي أسماء لامعة حتى في الأوساط غير الشعبية، مثل «فيفتي» و«السادات» و«عمرو حاحا».

اقرأ أيضًا:«أغاني المهرجانات»: ثورة الغلابة الموسيقية أما الفئة الثانية، ويمكن تسميتها بالأغاني الشعبية الطربية، وهي أغانٍ تشبه الموال لدرجة كبيرة، وتعتمد على قوة صوت المغني وقدرته على الطرب، وكذلك على قوة الكلمات وتأثيرها وعذوبتها، واستخدام الآلات الشرقية في اللحن، كالمزمار والطبلة والعود، لذلك فهي تحتاج لملحن أكثر من موزع. هذه الفئة عريقة وقديمة قدم الفن المصري، ومن أشهر مغنيها «منيرة المهدية»، و«محمد رشدي»، و«أحمد عدوية»، و«حسن الأسمر»، ومن المغنين الجدد «حكيم» و«عبد الباسط حمودة» و«أحمد شيبة» و«محمود الليثي».وفي بدايات القرن الحالي بدأت الأغاني الشعبية تعود بقوة، وخصوصًا في الأفراح، وأصبح للأوساط الشعبية نجومها الذين لا يعرفهم الإعلام. فاستغل المنتج «أحمد السبكي» هذه الظاهرة، وقرر أن يقدم الأفلام التي تجذب جمهور هذه الطبقات الشعبية. وتقديم كل عوامل الجذب دون ضرورة درامية. فجعل السبكي هؤلاء الموزعين والمغنين المغمورين يصنعون أغاني أفلامه. وبالفعل نجح مسعى السبكي، وأصبحت الأغاني الشعبية أحد أهم وسائل الدعاية لأفلامه. هكذا نقل السبكي الأغاني الشعبية من دهاليز الحارات الشعبية للأفلام التجارية، ومنها انتقلت للدراما الرمضانية.

بحبك ياصاحبي:

يمكن القول إن الدراما استفادت من الأغاني الشعبية أكثر من السينما، وخصوصًا في العامين الأخيرين اللذين شهدا ازدياد عدد الأغاني الشعبية في المسلسلات. وفي رمضان الماضي، شهد مسلسل «يونس ولد فضة» أغنية بحبك يا صاحبي للمطرب «أحمد سعد»، بالإضافة لأغنية التتر، والأغنية الدعائية لمسلسل «أزمة نسب» للمغنية «بوسي» بعنوان «مش مهم»، وأغنية «ابن دمي» للمطرب الشعبي «إسماعيل الليثي» في مسلسل «الأسطورة».رغم تميز مسلسل «يونس ولد فضة» وحصوله على ردود فعل جيدة، فإن أغنية «بحبك يا صاحبي» تجاوزت شهرة المسلسل بمراحل، فقد انتشرت في الأفراح ووسائل المواصلات والمناطق الشعبية بقوة. ويكمن سر قوتها في عذوبة كلماتها، ولا يخفى على أحد أن موضوع (الصاحب والصديق) له مركزية كبيرة في كلمات الأغاني الشعبية ومن أكثر المواضيع التي تنجح في جذب جمهور الأحياء الشعبية والطبقات الفقيرة. بالإضافة لمناسبة الكلمات لأحداث المسلسل. وجمال الألحان وتميز استخدام إيقاع الموال البطيء، ثم الإيقاع السريع والمزمار، فالألحان مناسبة للبيئة الشعبية والصعيدية في الوقت نفسه. أما «أحمد سعد» فهو فنان مميز ومتمكن في غناء المواويل منذ فترة كبيرة. إذن توافرت جميع الظروف لنجاح تلك الأغنية في العام الماضي ونجاحها تعدى نجاح مسلسلها، ومازالت تسمع كثيرًا في الشوارع حتى الآن. أما بقية مسلسلات أغاني مسلسلات العام الماضي فلم تلق نجاحًا مماثلًا.

الشعبي للشعبي: رمضان كريم

أما هذا العام فشهد استمرار الظاهرة مع خمسة مسلسلات، وهي: «رمضان كريم»، و«خلصانة بشياكة»، و«الحساب يجمع»، و«الحلال»، و«الحرباية». وتفاوت استخدام الأغاني الشعبية هذا العام بين التوظيف الجيد دراميا ودعائيا، أو مجرد استغلالها من أجل صنع خلطة ناجحة جماهيريًا على طريقة السبكي دون التركيز على المستوى الفني أو الضرورة الدرامية.وكان أفضل موظف للأغنية الشعبية في مسلسلات رمضان هذا العام هو المخرج «سامح عبد العزيز» في مسلسل رمضان كريم. فالإعلان الدعائي للمسلسل كان أغنية «صح النوم» لـ«أحمد عدوية» و«محمود الليثي»، وهي أغنية شعبية طربية كلماتها معبرة عن واقع أبطال المسلسل، فهي تعبر في بدايتها عن أحزان الأبطال وتخبطهم في الحياة، إلى أن نصل لعبارة «صح النوم مسيرها تروق». تبدأ الكلمات المحذرة على لسان المغني الشاب محمود الليثي من السعي الأحمق خلف المال وتغير الأصل، وهذه إشارة للعديد من الشخصيات في المسلسل، أغلبهم من الشباب، كشخصية «سناء» التي تجسدها «روبي». ثم يتحدث عدوية، وهو الأكبر سنًا موجهًا نصائحه للشخصيات الأكبر بضرورة التمسك بالحياة وعدم اليأس من كبر السن وضياع العمر. هكذا تتحول الأغنية الدعائية لمصدر للوعظ، وربما تحمل تنبؤات خفية لنهاية المسلسل. وكأنها سرد موازٍ وذكي لأحداث المسلسل في بضع عبارات.أما تتر البداية فلم يختلف كثيرًا في تميزه، فكانت كلماته معبرة عن شهر رمضان وعادات وتقاليد الحارة المصرية فيه، والموسيقى عبرت عن روح السعادة الرمضانية. كما أن صوت «حكيم» مميز جدًا في الغناء الطربي الشعبي خصوصًا في الإيقاع السريع.أما تتر مسلسل «الحساب يجمع» فتتحدث كلماته عن ضرورة نهاية الظلم والنصب والجبروت ومحاسبة فاعليه. وهذا يتماشي مع الأحداث الدرامية في القصة، حيث تكشف «نعيمة» المرأة الشعبية العديد من قضايا القتل والابتزاز والنصب.

ليس على المدعي حرج:

في عام 2014 غنى «تامر حسني» تتر مسلسله «فرق توقيت»، المسلسل ينتمي لنوعية الجريمة والغموض والمطاردات، ولكن أغنية التتر كانت مخالفة لنوعية المسلسل، فقد كانت أغنية رومانسية. المسلسل لم يحقق نجاحًا يذكر، ولكن أكثر ما استفز العديد من النقاد آنذاك هو اختلاف جوهر التتر عن أحداث المسلسل. وكأن الغرض من التتر تقديم أغنية جديدة لتامر حسني. لم يقلل أحد من جودة الأغنية أو لحنها، ولكن ليس لها محل من الإعراب في المسلسل.في إحدى القصص الفرعية التي يقصها الحاج «بيومي فؤاد» في مسلسل «خلصانة بشياكة»، يغني أحمد مكي وشيكو وماجد، بالاشتراك مع «المدفعجية»، مهرجانًا بعنوان «الحالة جات». يظهر في هذه الأغنية العديد من المشاكل، أهمها إقحامها في المسلسل لاختصار زمن الحلقة القصير من الأساس، فضُيِّعت خمس دقائق كاملة من زمن الحلقة الذي لا يزيد عن العشرين دقيقة، وخمس دقائق أخرى للتمهيد للحدث الذي سيغنى فيه المهرجان. وهو حدث غير ضروري إطلاقا في أحداث القصة الفرعية. بالإضافة لكلمات الأغنية التي حتى بمعايير المهرجانات متدنية المستوى.وأغنية «جابوني الدنيا» لـ«طارق الشيخ» في مسلسل «الحرباية» كانت أكثر جودة على مستوى الألحان والكلمات، ولكنها لم تختلف في هدفها عن أغنية الحالة جات، بالإضافة لتقديم الخلطة المعتادة المراهن عليها لجذب الجمهور؛ الأغنية والرقصات الشرقية (وتقوم بها الراقصة دينا) وأجواء الأفراح.يمكن القول إن حال الأغنية الشعبية في دراما رمضان، سواء في العام الحالي أو السابق ليس بالسيئ، وأفضل من السينما في المجمل. يوجد العديد من الإخفاقات ومحاولة استغلال لموضة فنية جديدة. ولكن يوجد الكثير من النجاحات والاستغلال الجيد لها، كما في مسلسل رمضان كريم.