الاتفاق النووي .. مسكين يا نتنياهو!
من المفارقات في الاتفاق التاريخي حول البرنامج النووي الإيراني أن ثمة مصلحة صهيونية واضحة في توقيعه!
الصهاينة انكبوا أمس ( الثلاثاء، 14/7 ) على الحديث عن اتفاق مجموعة ( 5+1) وإيران ومدى استفادتهم أو خسارتهم من الاتفاق، وكأنه الشغل الشاغل لهم، ما يشير بجلاء إلى أهمية ما يمثله حصول دولة إسلامية على برنامج نووي، سلمي أو عسكري، الأمر سيان، في وقت تصارعوا للتأكيد على أن الاتفاق التاريخي الذي وقَّع فجر أمس، الثلاثاء، هو مصلحة صهيونية، وليست مصيبة كما يردد نتانياهو أو غيره من المسئولين الإسرائيليين؛ لأن تل أبيب، بطبيعة الحال، ستطلب حزمة تعويضات من الولايات المتحدة ببضعة مليارات من الدولارات، مثلما طلبوا من قبل، مع ظهور البرنامج النووي الإيراني!
المصارحة السابقة جاءت على لسان المحلل السياسي، والمعلق العسكري الإسرائيلي البارز، يوسي ميلمان، على صدر صحيفة ” معاريف “، أمس، الثلاثاء ( 14/7 )، وهو ما وفر علينا كمتابعين للشؤون الصهيونية، والترجمة من العبرية، عناء البحث عن دليل للاستفادة الإسرائيلية من اتفاق تاريخي لإيران، على حساب المنطقة العربية. وتوافق معه كُتاب صهاينة كُثر، في محاولة للتخفيف من وطأة الصدمة والمفاجأة الدولية لإسرائيل، مقارنة برغبة الكيان الصهيوني في كبح جماح الإيرانيين!
الغريب أن المصارحة السابقة جاءت في صحيفة ” معاريف ” على لسان أكثر من محلل سياسي، فها هو الدكتور إميلي لندوا، يعتبر أن ما وَّقع مع إيران بمثابة إدارة للصراع في منطقة الشرق الأوسط، وتقاسم مصالح بين القوى الدولية وإيران، صحيح إنه لم يذكر بلاده صراحة، لكن أكد أن الاتفاق ليس سيئاً بجملته، ولكنه يعني تفوق إيراني واضح، يتبعه استفادة صهيونية، وكأن إسرائيل تستغل كل حدث أو واقعة لتستفيد من ورائها!
الشاهد أن ثورة الغضب العارمة، أو ثورة الشك في التطمينات الأمريكية لإسرائيل حول الإدعاء بكبح جماح البرنامج النووي الإيراني لصالح إسرائيل، تستدعي الوقوف بقوة على تصريحات وكتابات الصهاينة، فالمتابع للصحافة العبرية يدرك للوهلة الأولى مدى اهتمام الصهاينة بالاتفاق ومراحله التاريخية، منذ سنوات، وليس منذ أيام الشروع في توقيعه، بل وتوقعوا جميعهم توصل مجموعة ( 5+1 ) وإيران لاتفاق تاريخي، يحسب لطهران وللسياسة الإيرانية الخارجية، التي سبق وأن كتب مركز دراسات الأمن القومي، التابع لجامعة تل أبيب، أن الدبلوماسية الإيرانية تحقق النجاحات الواحدة تلو الأخرى، ونجحوا في تسويف الوقت لصالحهم، خاصة وأن وقت المفاوضات وصل إلى ما يزيد عن عشرين شهراً كاملاً، في أكثر من بلد، سواء في سويسرا، أو عُمان، أو غيرها من دول العالم ـ سراً!
الإيرانيون ليسوا في حاجة لشهادة ألد أعدائهم، أو ربما من بعض أصدقائهم؛ لأنهم بالفعل حققوا اتفاقاً تاريخياً مع الدول الست الكبرى، سيحوِّل من مسار المجرى التاريخي لمنطقة الشرق الأوسط؛ وأنه من البدهي أن هذه الدول تدرك قوة وعنفوان إيران، خاصة مع مدها الشيعي في بعض دول المنطقة، ونفوذها المتصاعد، ما يعني ضرورة الاستفادة منها في بؤر الصراع الإقليمي والدولي، سواء في العراق، أو سوريا، أو اليمن.
بضغطه زر واحدة على ” جوجل ” يمكننا معرفة من المنتصر في هذا الاتفاق التاريخي، ففك الحظر عن إيران، والسماح بعودة الأموال الإيرانية المجمدة في البنوك الغربية، والتي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، يفتح المجال أمام إيران أخرى، ليفتح شهيتها نحو نفوذ أوسع وأكثر اختراقاً للدول العربية والإسلامية، وهو ما يجب استثماره بشكل إيجابي، والاستفادة منه، عربياً وإسلامياً، مع الإشارة إلى أن العلاقات التجارية بين إيران ودول العالم لم تنقطع طوال فترات الحظر السابقة على طهران، وربما كانت الولايات المتحدة وإسرائيل من بين هذه الدول، إن لم تكن على رأسها………!!!
الاجتماع الرئيسي للحكومة الصهيونية المصغرة ( الكابينيت )، أمس، الثلاثاء، في أعقاب توقيع الاتفاق، دار، في المقام الأول، حول كيفية الاستفادة منه بشكل يضمن مصالح إسرائيل وأمنها القومي، سواء بالضغط على الولايات المتحدة والغرب لزيادة المساعدات الاقتصادية والعسكرية، أو من حيث زيادة ميزانية وزارة الحرب، بوجه عام، أو حيال التنسيق مع الغرب، وإيران من وراء الستار، حول إدارة الصراع في منطقة الشرق الأوسط من جديد، بما يخدم مصالح الجميع!
المصلحة الصهيونية عبر عنها بوضوح ” ب ميخال ” في صحيفة ” هاآرتس ( أمس، الثلاثاء )، حينما رأى أن رئيس وزراءه، نتانياهو، لن يجد ” لعبة ” يضحك بها على ناخبيه، بعد فقده لذريعة ” البرنامج النووي الإيراني “، فقد أخذ التوقيع على الاتفاق النووي منه تلك اللعبة، التي كثيراً ما تغنى بها، واستفاد من ورائها، ولن يأتي اليوم الذي يُخوِّف فيه نتانياهو المجتمع الدولي من خطورة البرنامج النووي الإيراني على مستقبل البلاد، بعد أن نجح الغرب في كبح جماحه، بعض الشيء، وهي رؤية إسرائيلية أخرى تشير بوضوح إلى مدى الاستفادة الصهيونية السابقة والقادمة ـ بأشكال وصور مختلفة ـ من توقيع اتفاق مع إيران حول برنامجها النووي!
البرنامج النووي الإيراني والإصرار على استكمال مراحله من طهران، حتى ولو كان سلمياً، يعني الشروع في محاور وأحلاف جديدة، قائمة على المصلحة، وسيكون لإيران الدور الأكبر فيها … ويا ليتنا نتعلم ونستفيد !