غلابة «المهرجان»: ما لم ترصده الكاميرات في الجونة
نهض «أشرف عزوز» مذعورًا، ما إن تنامى إليه خبر الحريق الذي شب في إحدى القاعات المُخصصة للاحتفالات بمهرجان الجونة، الأربعاء الماضي، متوجهًا صوب المكان؛ حيث تملكته صدمة كبرى ما أن أبصر عمله -على مدار أسابيع عدة- رفقة زملائه في قسم الصيانة بمنتجع الجونة، تحول إلى رمادٍ، فشمّر عن ساعديه أسوة بباقي العمال، ليشرعوا في إصلاح ما تلف طيلة ليلة بأكملها.
قبيل حفل افتتاح مهرجان الجونة السينمائي في دورته الخامسة بنحو (24 ساعة) شبَّ حريقٌ ضخم في قاعة المؤتمرات التي كان من المقرر أن تشهد حفل الافتتاح، فجرت الاستعانة بعربات إطفاء نجحت في السيطرة على الحريق، ليبدأ عمال المنتجع السياحي في إعادة ترميم القاعة.
«يوم الخميس الصبح كانت القاعة رجعت تاني أحسن من الأول»، يقول عزوز لـ«إضاءات»، مزهوًا بما قام به بصحبة زملائه الذين بدأوا في العمل منذ ثلاثة أسابيع سبقت انطلاق المهرجان، إلى الاستعداد له، وذلك بقيامهم بأعمال عدة اعتادوا فعلها مع كل دورة، يقول «فحصنا كل مواسير المياه الخارجية والداخلية سواء في الفنادق أو في القاعات»، كما قاموا بإصلاح التالف منها، وتجديد ما تبقى «أي غلط كان هيحصل هيبقى في وشنا».
مش مسموح لنا نقترب من الفنانين
قبل 26 عامًا قَدَم «عزوز» من إحدى محافظات الدلتا إلى الغردقة؛ يتلمس طريقه؛ بحثًا عن عملٍ مجزٍ، فاهتدى إلى منتجع الجونة الذي كان ما زال فكرة قابلة للتطوير من قِبل شركة «أوراسكوم» المملوكة لسميح ساويروس، ليلتحق بقسم صيانة المياه، يقول «مكنتش متخيل إن الجونة هتتحول بالشكل اللي بقت عليه»، كبر المشروع نصب عينيه، ذاع صيته، أصبح قِبلة للسياح، فأدرك أن مستقبله هنا «جبت أسرتي كلها واستقرينا في الغردقة من يومها».
على مدار أعوام خلت، لم يمتنع الرجل صاحب الـ47 ربيعًا، عن الذهاب إلى عمله، يجتهد فينال احترام وإعجاب الآخرين، حتى بات مسؤولًا عن جمع من العمال، يوزع المهام عليهم، يلقي التعليمات، إلى أن جاءته تعليمات بعينها «من خمس سنين سمعنا عن المهرجان السينمائي اللي هيتعمل في الجونة»، فتكوّنت لديه قناعة بأنهم بصدد استعدادات كبيرة ليتم هذا الاحتفال «دورنا مهم لأن أيّ ماسورة مياه ممكن تبوظ هيحصل أزمة كبيرة».
من عام إلى سواه، تشرّب عامل قسم الصيانة المهام الكرنفالية، وكذا الاستعدادات للاحتفالات الكبيرة التي تُقام في «الجونة»، فباتت جميع الأحداث واحدة في التجهيزات التي تُعد لها «شغلنا مفهوش هزار، لازم نعمله بدقة»، غير أنه تطول ساعات عمله خلال المهرجان، فيبدأ مهامه في السابعة صباحًا لينتهي في السابعة مساءً «في الأيام العادية بنشتغل 8 ساعات بس، لكن في المهرجان الشغل مختلف».
يظل «أشرف عزوز» طيلة أيام المهرجان متأهبًا، يرهف السمع لكل استدعاء له لإصلاح أيّ أعطال، يهرول صوب هدفه من الأبواب الخلفية، يصب جُل تركيزه على مهمته حتى يفرغ منها، ليعود أدراجه دون أن يلفت الأنظار «مش مسموح لينا نقرب من الفنانين أو أيّ حد من العملا»، يعتبر نفسه «جندي مجهول»، إلى أن كٌشف عن دورهم للمرة الأولى بتكريمهم من قِبل سميح ساويروس على منصة حفل ختام المهرجان السينمائي، أمس الجمعة، «كانت لفتة محترمة، وخلتنا مبسوطين».
شغل يفتح النِفس
ابتسامة عريضة ارتسمت على تقاسيم ملامح «أحمد حجي» لحظة توجيه الشكر لكل العاملين خلال حفل الختام، فيما كان يتأهب لنقل أحد الفنانين إلى مطار الغردقة الذي يبعد عن المنتجع حوالي (22 كم)، كونه أحد سائقي شركة السيارات المُخول إليها نقل ضيوف المهرجان داخل الجونة.
قبل انطلاق الحدث السينمائي، وقع الاختيار على «حجي»، ليكون أحد السائقين الذين سافروا إلى الجونة من مقر الشركة الرئيس في العاصمة القاهرة، بعد ثلاثة أيام من الفحوصات والتدريب «وصلنا الجونة قبل المهرجان بيومين»، فأخذوا في جولة سريعة من قِبل العاملين القدامى، للتعرف على جميع الأماكن والبنايات بالمنتجع «عشان نقدر ننقل الناس بسهولة ومن غير تأخير» كما يقول السائق لـ«إضاءات».
بزيه المُخصص للمهرجان، وقف «حجي» مُرتبكًا، في يومه الأول أمام أحد أكبر الفنادق بالمنتجع الذي أقام فيها العديد من أشهر الفنانين، في انتظار أحدهم، لينقله إلى وجهته، ليفاجأ بممثله المٌفضل الذي يشبه الكثير من أبناء منطقته بـ«شبرا»، يحكي «أول ما شوفت سيد رجب فرحت جدًا.. كان نفسي أتصور معاه»، فطلب منه ذلك عقب انتهاء الطريق «الموبايل بتاعي هنج.. فقالي اقفله وافتحه ونتصور، وفضل مستني لحد ما تصورنا»، فتملكته سعادة كبرى.
مواقف عدة لاقاها السائق ذو الـ34 عامًا، منذ بداية اليوم الأول للمهرجان، في طريق توصيله لأكثر من 20 ممثلًا لأماكن مختلفة، جعلته على مقربة ممن كان يسمع عنهم «أول مرة أشتغل في المهرجان، وكنت خايف من التعامل مع الفنانين»، لكنه سرعان ما تلاشى هذا الخوف، ما أن بدأت نتفًا من الأحاديث هنا أو هناك مع ذاك الممثل أو تلك، فتحولت لديه المهمة المُخيفة إلى رحلة ممتعة رغم عدد ساعات العمل الطويلة التي لا يكف فيها عن التنقل في أرجاء الجونة.
17 يومًا كانت مدة عمل خريج جامعة عين شمس، في شركة السيارات الشهيرة، لم يكن يعلم أن الظروف ستلقي به في المهرجان السينمائي خلال مهمته الأولى «أول مرة أشتغل شغل يفتح النفس»، يقولها ضاحكًا، نظرًا لما أبصره في حدث أصابه بدهشة؛ قلما اعترته طيلة حياته التي سافر خلالها إلى العديد من البلدان العربية؛ بحثًا عن العمل «أنا مش مهتم قوي بالسينما والفن بس كان ليا ممثلين بحبهم، أول ما بقيت قريب وبنتكلم فرحت جدًا».يعتبر أن فترة عمله في المهرجان كانت الأفضل في مسيرته العملية «معتقدش أنه هيجي حاجة أحسن منها».
مسؤول أمن المهرجان
على أحرِّ من الجمر، كان «حميد خلف» – عامل أمن بأحد الفنادق- ينتظر انتهاء تلك الفترة منذ بداية المهرجان، لشعوره بثل المهمة الكبيرة التي أُلقيت إليه بحراسة أحد الفنادق التي أقام فيها فنانين ومشاهير كُثر، لاعتباره أنها مسؤولية كبيرة وُضعت على عاتقه، لا مجال فيها للخطأ «إحنا مسؤولين عن كل واحد داخل وخارج من الفندق، ماينفعش حد غريب يدخل، ولازم أكون مركز طول الوقت»، يحكي الشاب لـ«إضاءات».
من أعماق الصعيد المصري في محافظة قنا، جاء «خلف» إلى الغردقة كغيره من شباب عدة، للعمل في منتجع الجونة، قبل عامٍ ونصف العام؛ إذ اعتاد الأحاديث الدائرة عن أيام المهرجان، وما يتخذونه من إجراءات قُبيل انطلاقه، ولم يتبادر إلى ذهنه أنه سيكون خلال أشهر معدودة على مقربة من الحدث الذي تابعه الجميع في مصر «السنة اللي فاتت عدد اللي حضروا المهرجان كان أقل من السنة دي»، فسارت نوبات حراساته الطبيعية دون تعب.
قبل انطلاق المهرجان بأيامٍ معدودات، انقلب جداول أعمال الحُراس في الجونة بأكملها، توزع الجميع على أماكن جديدة غير المنوط به حراستها في الأيام العادية، زادت عدد ساعات النوبات النهارية والليلية، تلقوا التعليمات الجديدة، تلقفوا الزي الخاص بهم خلال أيام المهرجان، ولا مجال للأخطاء هناك «إحنا دورنا نمنع أيّ مشكلة ممكن تحصل أو نسيطر على أيّ مشكلة حصلت سواء للضيف أو للناس العادية في الفندق».
لم تعترض طريق الشاب العشريني أيّ من المشكلات في أيام المهرجان، إلاّ أن دهشة كبيرة اعترته ما أن شاهد العديد من الممثلين الذين أقبلوا عليه، لمصافحته وشكره عما يقوم به، فتعززت ثقته بنفسه «وطلبت أتصور معاهم وكانوا بيرحبوا»، ذاك الطلب الأول من نوعه الذي يفعله، إذ كان يخشى أن يجد نفسه في موقف محرج، إلى أن انتهت المهمة بسلام، ليتنفس الصعداء «الحمدالله المهرجان عدى بدون ما يحصل مشكلة».