سياسة ترامب الخارجية: ليست جمهورية على الإطلاق
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
يعتبر دونالد ترامب كسب تأييد الحشود أهم بكثير من الالتزام بأي من ثوابت السياسة الخارجية للجمهوريين. تفصّل هذه الحقائق الخمس أوجه الاختلاف بين النهج الجمهوري التقليدي تجاه العالم، وآراء مرشحٍ يتبنى سياسة خارجية متمردة بقدر تمرده.
التجارة
في يوم من الأيام – قبل ستة أشهر – كان الحزب الجمهوري هو الحزب الأمريكي الودود تجاه الشركات، وكونه مناصرًا للشركات عنى أنه مناصر للتجارة. لكن ترامب لديه وجهة نظر مختلفة: «تبنى سياسيونا بقوة سياسة العولمة – نقل وظائفنا، ثرواتنا، ومصانعنا إلى المكسيك وخارج البلاد. وقد محت هذه الموجة من العولمة طبقتنا المتوسطة». هاجم ترامب اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية «نافتا» – التي تدعم 14 مليون وظيفة، منها 5 ملايين وظيفة متوفرة بسبب الاتفاقية فقط، وفق بيانات غرفة التجارة الأمريكية -، وتعهد بتمزيق اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ المقترحة، التي يتوقع أن توفر دخلًا سنويًا صافيًا يصل إلى 77 مليار دولار، وأن تدعم 650,000 وظيفة للعمال الأمريكيين بشكل إجمالي. جدير بالذكر أيضًا أن مايك بنس، المرشح الجديد لمنصب نائب الرئيس، يعد داعمًا قويًا لاتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ. أو على الأقل كان كذلك حتى هذا الأسبوع.
في عام 2009، قال 59 بالمئة من الجمهوريين إن الاتفاقيات التجارية تصب في مصلحة البلاد. وبحلول عام 2015، هبطت هذه النسبة إلى 53 بالمئة، قبل هبوطها الحاد هذا العام إلى 39 بالمئة. يرجح أن ترامب لا يستطيع الفوز دون أصوات المجمعين الانتخابيين بأوهايو وبنسلفانيا مجتمعةً وعددها 38 صوتًا، وهي ولايات تعتبر اتفاقات التجارة الحالية غير مقبولة فيها بشكل خاص، كما تمثل أصوات المجمع الانتخابي بميتشيجان – وعددها 16 صوتًا – هدفًا رئيسيًا له. بالنسبة للتجارة، يرى ترامب فجوة آخذة في الاتساع بين صفوة الحزب والمصوتين الذين فقدوا وظائفهم في القطاعات الصناعية. وسوف ينحاز ترامب لهؤلاء المصوتين.
الشرق الأوسط
يتركز نهج الحزب الجمهوري التقليدي تجاه الشرق الأوسط على الدعم الثابت لإسرائيل «79% من الجمهوريين متعاطفين مع إسرائيل»، وضرورة التدخل في المنطقة لحماية المصالح الأمريكية «91% من الجمهوريين دعموا حرب العراق عام 2003» والمعارضة القوية لإيران «6% فقط من الجمهوريين دعموا الاتفاق النووي الإيراني بعد توقيعه في الصيف الماضي».
تبنى ترامب موقف الحزب بالنسبة لاتفاق إيران النووي «الكارثي». ولكن بالنسبة لإسرائيل، أدت محاولة ترامب المبكرة لتنصيب نفسه كمحكم محايد بين الإسرائيليين والفلسطينيين إلى نتائج عكسية بشكل مذهل. للتعويض عن ذلك، كان ترامب مجبرًا على إلقاء خطاب مكتوب بعناية أمام أكبر مجموعة ضغط مناصرة لإسرائيل في البلاد، والذي لعب فيه على جميع الأوتار التقليدية. كما زعم ترامب عدة مرات أنه قد عارض حرب العراق من البداية، وهو جدال كاذب بشكل واضح، ويضعه على أي حال في خلاف مع نسبة 62% من الجمهوريين الذين لا يزالون يعتقدون أن الذهاب للحرب في العراق كان خطوة صحيحة.
الأسلحة النووية
لقد كان الأب الروحي للحزب الجمهوري الحديث، رونالد ريجان، هو من اقترح على نحو معروف خفض حجم الترسانة النووية في العالم في لحظة عصيبة من الحرب الباردة. وانخفضت توريدات العالم من الأسلحة النووية منذ ذلك الحين بمقدار الثلثين ليتبقى حوالي 15,000 فقط. حوالي 93% من تلك الأسلحة يتبع الولايات المتحدة وروسيا، والسبعة% المتبقية مقسمة بين 6 دول «باستثناء كوريا الشمالية».
إن نجح ترامب، سوف ينمو النادي النووي، سريعًا. جادل المرشح الجمهوري المعلن مؤخرًا بأن الولايات المتحدة تدفع أكثر من حصتها العادلة من أجل الأمن العالمي، وهو ما يعد بالتأكيد موقفًا يمكن الدفاع عنه. لكن اقتراحه لحل هذه المشكلة – وهو، ترك دولٍ مثل اليابان وكوريا الجنوبية «والسعودية!» لتدافع عن نفسها بترسانات نووية خاصة بها – قد أربك الديمقراطيين والعديد من الجمهوريين. طوال عقود، عمل الرؤساء الأمريكيين من أجل منع انتشار الأسلحة النووية لتقليل مخاطر وصولها إلى الأيادي الخاطئة. بالنسبة لترامب، تمثل الأسلحة النووية أوراق مساومة عادية في الصراع من أجل معالجة تكاليف الدفاع.
حلفاء الولايات المتحدة
لكن اختلاف ترامب مع زملائه بالحزب الجمهوري يعد أعمق من ذلك. فقد عزز الرؤساء من الحزبين تقليديًا العلاقات مع الحلفاء للمساعدة في توسيع النفوذ الأمريكي في الخارج. بينما يتحدث ترامب عن الحلفاء كمستغلين يستفيدون من الكرم الأمريكي الأحمق. «لقد أنفقنا تريليونات الدولارات على مر الزمن – على الطائرات، الصواريخ، السفن، المعدات – مجهزين جيشنا ليوفر دفاعًا قويًا لأوروبا وآسيا. يجب على الدول التي ندافع عنها دفع تكاليف هذا الدفاع – وإن لم تفعل ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تتركهم ليدافعوا عن أنفسهم».
أنفقت الولايات المتحدة بالفعل تريليونات الدولارات على الدفاع على مر العقود، وانتفع الحلفاء دون الوفاء بواجباتهم المتفق عليها دائمًا. على سبيل المثال، من بين 28 دولة، الأعضاء بحلف الناتو، تنفذ خمس دول فقط – الولايات المتحدة، اليونان، بولندا، إستونيا، والمملكة المتحدة – توجيه الناتو الموصى به الخاص بإنفاق 2% من إجمالي الناتج المحلي على الدفاع. بل تنفق الولايات المتحدة بالفعل أكثر من 3,5% من إجمالي ناتجها المحلي على الدفاع. لكن الجمهوريين – وأغلبية قوية من الشعب الأمريكي، أي، الـ77% منه التي ترى أن حلف الناتو جيد للولايات المتحدة – يتقبلون الأعباء الإضافية كجزء من ثمن القيادة العالمية. أوضح ترامب مجددًا خلال المؤتمر الجمهوري أنه سوف يتخلي عن شركاء الناتو الذين لم «يفوا بالتزاماتهم لنا»، وهو أمر تناوله باستفاضة في مقابلة مع «نيويورك تايمز» حيث ألقى ظلالًا من الشك على ما إذا كان سيأتي لنجدة حلفاء الناتو مثل إستونيا في حال التعرض لغزو روسي.
منافسو الولايات المتحدة
لكن يمكن القول إن التطور الأكثر إثارة للدهشة في هذه الدورة الانتخابية كان إعجاب ترامب المعلن بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي رد بالمثل. عامل القادة الجمهوريون السابقون حكم بوتين الاستبدادي وعدوانه العسكري بازدراء. ووصف المرشح الجمهوري السابق، جون ماكين، بوتين بأنه «مسؤول الكى جي بي القديم الذي يريد استعادة الامبراطورية الروسية». ووصف المرشح الجمهوري الأخير، ميت رومني، روسيا في عهد بوتين بأنها «العدو الجيوسياسي الأول». لكن يبدو أن ترامب معجب بأسلوب الرجل القوي الخاص ببوتين.
يتبنى ترامب وجهة نظر مختلفة تمامًا تجاه القوة الاستبدادية التي يود الكثير من الجمهوريين والديمقراطيين القيام بأعمال تجارية معها. تعد الصين أكبر مستورد من الولايات المتحدة وثالث أكبر وجهة تصدير لها؛ بينما تأتي روسيا في المركز الرابع والعشرين على قائمة المستوردين، ولا تصنف ضمن أكبر ثلاثين مصدّر. لكن ترامب يعامل الصين أولًا وقبل كل شيء كدولة مفترِسة اقتصاديًا ويتعهد بفرض ضريبة شاملة نسبتها 45% على الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة. يعد ذلك طريقة جيدة لبدء حرب تجارية تضر الصين، الولايات المتحدة وكامل الاقتصاد العالمي.
الخلاصة؟ يعد ترامب قليل الاهتمام بالثوابت المميزة للحزب الجمهوري – وكذلك بأي ضرر قد يلحقه هو بتلك الثوابت – لأن الحزب الجمهوري هو ببساطة وسيلة انتقاله المتاحة إلى البيت الأبيض. سوف تنجو السياسة الخارجية التقليدية للحزب الجمهوري مع خسارةٍ مرجحةٍ لترامب في نوفمبر. بينما تبدو قدرتها على الصمود في مواجهة فوز ترامب أقل وضوحًا بكثير.