الجميلة والوحوش: التاريخ السياسي لسكارليت جوهانسون
عندما تذكر اسم الممثلة الأمريكية سكارليت جوهانسون أمام أحدهم، ففي أغلب الأحوال لن تسمع منه إلا مدحًا في جمالها وأنوثتها اللذين كفلا لها مكانًا بارزًا ضمن قائمة «النساء الأكثر إثارة في العالم» لمجلة «اسكواير Esquire» في عام 2006 و2013.
في الحقيقة، تمتلك سكارليت جانبًا آخر في حياتها بعيدًا عن الأفلام وتصنيفات الجمال وصيحات الموضة، وهو النشاط السياسي. بالطبع لم تكن جوهانسون الممثلة الأمريكية الوحيدة التي تخوض معارك السياسية، ولكنها قد تكون الأبرز على الساحة الأمريكية في هذه الفترة.
فهذه الحسناء الأمريكية تمتلك جانبًا شرسًا لا يكفُّ عن الاشتباك مع خصومها السياسيين وقضايا بلدها؛ خرجت في مظاهرات مليونية وألقت الخطابات النارية ضد رؤساء بلدها ودعت لتعديل القوانين المُجحفة للمرأة، لتثبت للجميع أنها ليست مُجرد وجه جميل.. وإنما هي جميلة تمردت على دورها الناعم وقررت التدلّي عن عرشها لمحاربة الوحوش.
ديمقراطية بنت ديمقراطية
شبّت جوهانسون وسط أسرة تُقدس الحياة السياسية، وتهتمُّ بحضور كافة الأحداث السياسية، وكانت والدتها تحرص على اصطحاب سكارليت بصُحبة شقيقها التوأم «هانتر» معها أثناء مشاركتها في أي عملية تصويت؛ لإقناعهما بأهمية العملية الديمقراطية؛ ما كان له أثر عظيم على تشكيل شخصية سكارليت كـ«ناشطة سياسية».
كشفت جوهانسون عن هذه التنشئة السياسية المبكرة جدًّا، وقالت: كان والداي ليبراليين للغاية، لذلك أعتقد أنني نشأت في أسرة واعية سياسياً. لقد شاهدنا جميعًا الانتخابات والمناظرات على التلفزيون. وأصبحنا ناشطين سياسيين. لقد فهمنا أن الأمر مهم، وأن هذه مسؤوليتنا. لقد كنتُ دائمًا ناشطة سياسية. والداي، وجدتي كانوا يشجعوننا دائمًا على المشاركة.
ورثت سكارليت عن أمها هوىَ سياسيًا يميل الحزب الديمقراطي، والذي كان له حظ الاستئثار بنشاط حسناء هوليوود منذ زمنٍ مُبكر، في عام 2004م، أيَّدت جون كيري في الانتخابات الرئاسية، لكنّه تلقّى خسارة قاسية أمام المُرشح الجمهوري جورج دبليو بوش، وهو ما تسبّب لها بخيبة أمل، على حد قولها.
وفي انتخابات عام 2008م، حافظت على ولائها الديمقراطي عندما أعلنت تأييدها الحماسي للمُرشح الديمقراطي، حينها، باراك أوباما، والذي لم تكتفِ بالإعراب عن دعمها له بكلماتٍ على مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر وسائل الإعلام، وإنما ظهرت في الجولات، الواحدة تلو الأخرى، تعلن فيها دعمها لأوباما بعدما اعتبرت في إحداها أن باراك فرصة لـ«طوي صفحة على سياسة الاستقطاب في الماضي.. قلبي ملك لباراك».
وبالطبع، عندنا قرّر أوباما إعادة الترشح مجددًا عام 2012م كانت أكثر الداعمين المتحمسين له، ودشّنت حملة لجمع التبرعات لإعادة انتخابه.
وفي العام التالي، حينما ترشّح السياسي الديمقراطي سكوت سترينجر في انتخابات عُمدة مدينة نيويورك، أسهمت جوهانسون في هذه الحملات بشدة، وأطلقت العديد من الدعوات لتمويل حملاته الانتخابية.
سفيرة للنوايا الحسنة
لم يتوقف النشاط السياسي لسكارليت على الحزب الديمقراطي وحده ولا حتى على الساحة السياسية الأمريكية فقط، وإنما خطت جوهانسون خطوات أكثر عالمية عام 2005م، حينما أصحبت سفيرة للنوايا الحسنة لمنظمة «أوكسفام»، إحدى أكبر المنظمات الإغاثية بالعالم، وهي المهمة التي استمرّت فيها لـ8 سنوات متتالية، وكان يمكن أن تستمرَّ أكثر من ذلك لولا اندلاع أزمة بين الطرفين بسبب فلسطين.
بدأت الأزمة عندما وقّعت جوهانسون عقدًا مع شركة «صودا ستريم SodaStream» للمشروبات الغازية، عام 2014؛ لتكون وجهًا إعلانيًا لها، وبموجب هذا الاتفاق أصبحت الممثل العالمي للعلامة التجارية لشركة «SodaStream International» في يناير 2014.
وفي هذه الأثناء، كانت سهام الانتقادات تُوجَّه نحو الشركة المُتخصّصة في صناعة منتجات تسمح للأشخاص بإنتاج المشروبات الغازية في المنزل، بسبب امتلاكها مصنعًا داخل مستوطنة إسرائيلية تُدعى «معاليه أدوميم» بالضفة الغربية المحتلة، وهي الخطوة التي لطالما جلبت على الشركة الانتقادات بدعوى أنها تُدعِّم احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية.
خلقت خطوة جوهانسون قلقًا في نفوس مُنظِّمي «أوكسفام» بسبب تعارَض هذا الموقف مع سياساتهم الراسخة التي تُعارض التجارة المتعلقة بالبضائع التي تنتجها المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، بِاعتبار أنها كيانات «غير قانونية وتنكر حقوق الفلسطينيين».
أصدرت المنظمة الخيرية، بيانًا قالت فيه: بينما تحترم منظمة أوكسفام استقلالية سفرائها، فإن دور السيدة جوهانسون في الترويج لشركة (صودا ستريم) لا يتوافق مع دورها كسفيرة عالمية لمنظمة أوكسفام. وتعتقد أوكسفام أن الشركات، مثل (صودا ستريم) التي تعمل في المستوطنات، تزيد من استمرار الفقر وحرمان الفلسطينيين من حقوقهم التي نعمل على دعمها. وتعارض أوكسفام جميع التجارة من المستوطنات الإسرائيلية، التي تعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي.
وفي هذه الأثناء، أصدر عمر البرغوثي، مؤسس حملة مقاطعة إسرائيل اقتصاديًا وثقافيًا، بيانًا أكد فيه أن «أوكسفام منظمة لحقوق الإنسان. ولا يمكنهم الإبقاء على سفير متواطئ مع شركة إسرائيلية مقامة في مستوطنة (بالإشارة إلى سكارليت)».
وعلى إثر هذه الضغوط المتتالية لمدة 3 أسابيع، قدَّمت جوهانسون استقالتها كسفيرة لمنظمة أوكسفام بسبب ما اعتبرته حينها بأنه «اختلاف جوهري في الرأي».
حاولت سكارليت، حينها، الدفاع عن هذه الخطوة، التي وُصفت من قِبَل منتقديها بـ«السذاجة السياسية»، فأصدرت بيانًا قالت فيه إنها قرّرت إنهاء دورها كسفيرة لدى أوكسفام بعد 8 سنوات بدعوى أنها والمنظمة لديهما اختلاف جوهري في الرأي فيما يتعلق بحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات، مؤكدة أنها «فخورة جدًا بإنجازاتها وجهودها في جمع التبرعات خلال فترة عملها مع منظمة أوكسفام».
ولم تُعرب جوهانسون عن أسفها على هذه الخطوة التي قضت على منصبها كسفيرة نوايا حسنة دولية، وتشبّثت بالدفاع عن شركة المياه الغازية التي وصفتها بأنها «داعمة للتعاون الاقتصادي والتفاعل الاجتماعي بين إسرائيل الديمقراطية وفلسطين، وأن (صودا ستريم) شركة تلتزم ببناء جسر للسلام بين إسرائيل وفلسطين، ودعم الجيران الذين يعملون جنبًا إلى جنب، ويحصلون على رواتب ومزايا وحقوق متساوية».
ادّعاءات سكارليت حول مدى عدالة الشركة ضُحدت سريعًا بواسطة تقرير نشرته «رويترز»، نقلت فيه عن موظف فلسطيني- لم تذكر اسمه- قوله إن «هناك الكثير من العنصرية في العمل داخل ذلك المصنع»، وأضاف أن «معظم المديرين إسرائيليون، ويشعر موظفو الضفة الغربية أنهم لا يستطيعون طلب زيادات في الرواتب أو المزيد من المزايا لأنه يمكن فصلهم واستبدالهم بسهولة».
سأدعم من يُسقط ترامب
لم تُثنِ هذه الأزمة سكارليت عن نسيان تفاعلها الرئيسي مع الساحة الأمريكية، وهذه المرة كانت على موعدٍ مع حدث جعل اسمها يتصدّر عناوين الصحف في الأسابيع التي تلت انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية في يناير 2017م.
في 21 يناير 2017، شارك نحو نصف مليون شخص في واشنطن في أكبر مسيرة نسائية، فيما يُعرف بـ«الحراك النسائي Women’s March» الذي ظهر بعد فترة قصيرة من تنصيب ترامب، وكان احتجاجًا عالميًا للدعوة إلى إقرار تشريعات تخص حقوق الإنسان وحقوق المرأة، وإصلاح قوانين الهِجرة ونظام الرعاية الصحية، وغيرها من القضايا.
كان من بين المتظاهرين الكثير من الممثلات الشهيرات، مثل: لينا دنهام، وإيمي شومر، وكاتي بيري، وغيرهن ممن أظهرن دعمهن لحقوق المرأة، لكن سكارليت فقط من استأثرت بالأضواء كلها بعد ما صعدت على المنصة، وألقت خطابًا مثيرًا ضد ترامب.
بدأت جوهانسون حديثها مُعلنة: «ترامب، أنا لم أصوت لك»، مضيفة: أريد أن أكون قادرة على دعمك، لكن أولًا أطلب منك دعمي. ادعم الرجال والنساء اليوم، الذين ينتظرون بفارغ الصبر لمعرفة ما إذا كانت تحركاتك التالية ستؤثر بشكل كبير على حياتهم. ادعم ابنتي التي تكبر في بلد يتراجع إلى الوراء وليس يتقدم إلى الأمام، والتي قد لا يكون لديها الحق في اتخاذ قرارات بشأن جسدها ومستقبلها مثلما تتمتع به ابنتك إيفانكا من امتيازات وحقوق.
عقب هذا الخطاب الناري، أصبحت سكارليت المتحدثة الرسمية بِاسم الحراك النسائي في واشنطن، وتعهّدت بالاستمرار في الانخراط في السياسة. مُعلنة أنها ستستمر في التحدث علنًا عن القضايا السياسية، لأنها لا تُخطّط لعدم استخدام صوتها في أي وقت قريب، قائلة «لقد كنت دائمًا ناشطة سياسية».
ومن حينها لم تتوقف الناشطة الديمقراطية سكارليت عن إطلاق النيران من فمها بحقِّ ترامب، وفي مقابلة معها نشرها موقع «تايم أوت time out»، بتاريخ 27 مارس 2017، وعندما سألها أحد الصحفيين عن رأيها في فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، قالت: هذه الرئاسة غير مسبوقة؛ لأن لدينا شخصًا (ترامب) في المنصب ليس لديه أي خبرة سياسية على الإطلاق. إنه شخص لا يمكن التنبؤ به، ومن الواضح أنه مصاب بجنون العظمة. أيضا، لدينا إدارة بعيدة كل البعد عن الواقع.
وتابعت: لقد فكر الناخبون للتو: فلنجرب شيئًا آخر! دون التفكير في الواقع ماذا يمكن أن يعني ذلك. الإصلاح: نعم، أنا أؤيد ذلك. لكن كونك مناهضًا للحكومة تمامًا، هذا لا معنى له. إنه جهل وسخافة وإحباط. لكن ها أنت ذا.. أربع سنوات! الظلام قريب. لا بأس، أنا باقية. سأقاتل.
وفي 1 يناير 2018، تأسست حركة «تايمز آب Time’s Up»، التي تسعى إلى إنهاء التمييز ضد النساء والأقليات سواء في هوليوود أو خارجها، وكانت سكارليت من أبرز المشاركات بها، ومن أوائل المُوقِّعين على خطاب الحركة.
وفي ذات الشهر، كانت حسناء هوليوود على موعدٍ مع المشاركة في الحراك النسائي السنوي الثاني، وخطبت جوهانسون قبالة آلاف الأشخاص الذين شاركوا في هذه المسيرة قُدِّر عددهم بـ700 ألف مُتظاهر، وهذه المرة صبّت جام غضبها على الممثل والمخرج جيمس فرانكو، وزميلها في مبادرة «Time’s Up».
كان سبب غضبها هو الحملة التي نظمتها مجموعة من النساء على «تويتر» ضد فرانكو، بعدما اتهمنه بسوء السلوك الجنسي معهن، وهي الاتهامات التي نفاها الممثل خلال ظهوره في برنامج «The Late Show with Stephen Colbert».
لم تقتنع جوهانسون بهذا النفي، وخصّصت خطابها بالكامل للهجوم عليه، دون أن تذكر اسمه صراحةً، وقالت: كيف يمكن لشخص أن يقف علنًا إلى جانب منظمة تساعد في تقديم الدعم لضحايا الاعتداء الجنسي بينما يفترس الناس الذين ليس لديهم قوة أو سلطة سرًا؟ أريد المُضي قدمًا، وهو ما يعني لي أن ابنتي تكبر في عالم لا يجب أن تكون فيه ضحية.
وفي وقتٍ لاحِق كشفت سكارليت، أنها، مثل معظم الديمقراطيين، تُخطِّط لدعم أي شخص تتوسّم فيه أن يكون قادرًا على الإطاحة بترامب، لكنها خلال هذه الفترة أعربت عن قلقها من عدم وجود مرشح ديمقراطي واضح، إلا أنها آثرت انتقاء أفضل الأسوأ، وأعلنت أنها تُدعِّم السياسية الأمريكية إليزابيث وارين، التي لم تتمكن من نيل ثقة الديمقراطيين، الذين فضّلوا جو بايدن عليها مرشحًا لهم في وجه ترامب.
وقبل تنظيم الانتخابات الرئاسية 2020م، اعتبرت جوهانسون أن إقبال الناخبين أكثر أهمية من أي وقت مضى في هذه الانتخابات، وحثّت الأمريكيون على المشاركة بكثافة في هذا الحدث، قائلة «أعتقد حقًا أنه إذا صوت الناس فعلاً، فإن حكومتنا ستبدو بالشكل الذي يُفترض بها أن تكونه، لكن الناس لا يصوتون. هذا يحيرني».
وأكدت جوهانسون في حديثٍ لصحيفة «هوليوود ريبورتر The Hollywood Reporter» اهتمامها التام بالمشاركة في هذا الاستحقاق التاريخي، قائلة «سأكون موجودة. إذا كان بإمكاني المساعدة في مشاركة الناخبين، سواء كان من خلال الاشتراك في حملة أو محاولة حث الناس على المشاركة في عملية التسجيل والتصويت».
وأضافت: «لن أخبر الناس أبدًا لِمَن يُصوِّتون، لكن إذا كان الضوء مُسلطًا عليّ، فأنا إذن سأحب أن أوجه هذا الضوء على الأسباب التي أعتقد أنها تستحق أو إلى الشخصيات الجديرة بالاهتمام».
ولهذا كانت سكارليت اختيارًا مثاليًا لتكون بطلة الحلقة التي أعدّها برنامج SNL التلفزيوني الساخر، والذي خصّص حلقة كاملة للتنكيل بترامب وعائلته، لعبت فيها سكارليت دور الابنة الشقراء ميلانيا ترامب، لتكون واحدة من اللحظات النادرة التي تجمع فيها جوهانسون بين الفن والسياسة في آنٍ واحد.، وهي الحلقة التي أثارت انتقاد ميلانيا وأعربت عن استيائها منها.
ويبدو أن ذلك الإدمان السياسي الذي يجري في عروق سكارليت لن يتوقف دومًا عن دفعها للتوغل أكثر فأكثر في هذا الحقل الآسن، ففي العام الماضي، بدا أن سكارليت تعتزم تتويج مسيرتها السياسية بالترشح في إحدى المعارك الانتخابية يومًا ما، بعدما أعلنت أنها «لا تستبعد احتمالية دخولها إلى المجال السياسي، في وقت ما بالمستقبل».
وخلال مقابلة لها مع «Variety» (مجلة أمريكية أسبوعية)، وأثناء مناقشة نشاطها السياسي والاجتماعي، أعلنت جوهانسون أن لها «تطلعات سياسية»، موضحة: أنها ربما في مرحلةٍ ما في المستقبل البعيد ستخوض تلك التجربة.