«مجاريح في الحب يا مولانا»: البعد السياسي للموالد الصوفية
إذا كنت من سكان مدينة طنطا، فأنت على الأغلب لاحظت أن مولد السيد البدوي هذا العام هو الأكبر من حيث التنظيم والتشكيلات العسكرية، ناهيك عن توسع إصدار التراخيص للباعة ومنظمي ألعاب الأطفال، ربما يكون هذا التنظيم هو الأكبر خلال العقد الأخير كاملًا، مع أن الإقبال متوسط لم يرتفع عن سابق الأعوام. يدفعنا هذا الاهتمام الكبير من جانب الدولة للتساؤل عن أهمية تلك الموالد؟ ولماذا تبذل الدولة جهودًا لإنجاح هذه الكرنفالات الشعبية؟
ربما يكون التوسع في المولد هذا العام قد جاء كرد فعل من الدولة على احتجاجات سبتمبر/ أيلول الماضية، لكن لنختبر ذلك علينا معرفة الحفريات التاريخية لتلك الموالد، والتعرف على ظاهرة التصوف وعلاقتها بالسلطة عبر الأزمان، ومحاولة الإجابة على سؤال هل يمكن نشر ثقافة سياسية ما من خلالها، وذلك في محاولة لتسليط الضوء على البعد السياسي لهذه الظاهرة.
لم نعد نتذكر من أي قعر نمونا![1]
حسب الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية، يُقام في مصر أكثر من 2850 مولداً سنويًا، يحضره 40 مليون شخص، عدد منها موالد لقديسين مسيحيين كالأنبا شنودة ومولد مريم العذراء، أما الموالد الإسلامية على رأسها مولد الحسين والسيدة زينب في القاهر، والسيد البدوي في طنطا والدسوقي في كفر الشيخ وغيرها الكثير، وهناك موالد يهودية كأبوحصيرة في الإسكندرية، والذي أوقف القضاء المصري الاحتفال به سنة 2014.
تميل غالبية السرديات السنية إلى انتشار الموالد والتصوف في العهد الإسماعيلي الباطني، إبان الدولة العبيدية (الفاطمية) في مصر والشام، إلا أن ظاهرة الموالد قد تكون أقدم من ذلك بكثير، وربما هي إرث من عهد الفراعنة. يعلل أصحاب هذا الرأي بأن ظاهرة الموالد لم تنقطع في العهد الإسلامي الأول، بل إن الأقباط كانوا يمارسون تلك العادة على نطاق واسع كمولد الأنبا شنودة المتوفي في القرن الخامس الميلادي، ومولد العذرا الذي استمر الاحتفال به منذ القرن الرابع الميلادي.
كان الفرعون مبدأ لنظام الحكم في البلاد، فتوسعت اختصاصاته بناء على هندسة الري وشقها وإدارة المحصول والحماية من جفاف النيل وفيضانه، كما أنه في الخيال الشعبي المسئول عن خصوبة الأرض ويأتي بالأمطار من البلاد البعيدة[2]، تلك الآلهة كانت لها كرنفالات سنوية تقام بعد وفاتهم، وتتشابه مراسم نهاية المولد الحالي بالموكب مع تلك التي ينتهي بها الاحتفال بهذا الإله أو ذاك. وكانت تلك الاحتفالات بمثابة وسيلة للتواصل مع الآلهة، سواءً لإخصاب الأرض أو الحماية من الفيضان أو الجفاف.
ورثت المسيحية الوثنية حول البحر المتوسط، واستنسخت تلك العادات الراسخة، ومارستها عبر عقود مع إضافه تحويرات عديدة، فنجدها استنسخت الممارسات الوثنية في روما وضمتها إلى الممارسة الدينية المسيحية، وفي الحالة المصرية نجدها احتوت الممارسات والإرث الذي خلفه الفراعنة، أيضًا في الشام مع إضافة طبقات أخرى في الزهد والترهبن.
وفي صدر الإسلام كانت ممارسات الزهد حاضرة، فالاتجاه العرفاني جزء من التكوين الإنساني، ممتد من أبي ذر الغفاري مرورًا بالحسن البصري وزين العابدين وجعفر الصادق وعبدك الصوفي..إلخ، إلا أن ولادة التصوف في صورته الطرائقية وطبقاتها ومسالكها، بدأ تتجذر أكثر مع توسع سلطة الدولة.
يشير لابدوس[3] إلى أنه مع الدولة الأموية وعهد الدولة العباسية تم استبعاد عدد كبير من القيادات الدينية جراء سياسات النظام العسكري والإداري، فاتجه العديد منهم إلى الزهد مثل الحسن البصري.
في المشرق ولد التصوف العرفاني المشرقي علي يد شقيق البلخي وآخرين، مستمدًا من البوذية والمزدكية والزرادشتية في نهايات القرن الثاني، ونجد أيضًا أن هناك تصوفاً آخر وُلد في مصر على يد ذي النون المصري[4] وهو عالم نوبي تحدث العربية وعلى علم باللغة الهيلوغريفية، كان على اطلاع بالممارسات الطقسية للأقباط والفراعنة، وقد أثر في الإمام الجنيد والترمذي والخراز وأبو يزيد البسطامي.
وقد زكى القرآن النموذج العرفاني عند تلك الطرق، وفي النهاية ولدت المسالك الصوفية على مستوى العالم الإسلامي، ومرد ذلك إلى ثلاثة أسباب؛ أولها، احتواء الثقافة الإسلامية والعربية للإرث الثقافي والعرفاني للعالم من الشرق وحتى الإغريق، وإعادة إنتاجه مرة أخرى كسبيل إنساني للمعرفة، ثانيًا، الاستبداد بالسلطة حيث اتُخذت الصوفية كممارسة للتحرر، وثالثًا، الفشل الذي منيت بها الدولة في معالجة التناقضات، وبداية عهد التدهور العربي مع نمو اجتماعي لفئات غير عربية سيطرت على الدولة فيما بعد.
يشير العروي[5] إلى أن التصوف كان يعني التحلل من السلطة الخارجية، المادية بصورة عامة وعلى رأسها السلطة السياسية، لذا فإنها قد تعني بصورة أخرى ممارسة للحرية، ورد فعل على السلطوية المفرطة التي ينسحق في مواجهتها الفرد.
يلجـأ الناس[6] لقبول بعض الأساطير لعجز الدولة عن القيام بمهامها، كحمايتهم وتحريرهم من الأسر، فتنشط الصوفية في حالة انهيار السلطة وفشلها، وفقدان تلك السلطة للأيديولوجيا والشرعية التي تمكنها من الاستمرار، وتصبح في النهاية نظاماً سلطوياً خالصاً، من دون فعالية أو نجاح حقيقي يستمد منه النظام شرعيته. الصوفية كنموذج عرفاني بامتياز تأتي كتخل عن الإغواء بالسلطة وتجاوزها إلى محاولة إخضاعها والمجتمع لقبول فكرة عدم وجودها، وهنا تتحول الصوفية إلى الفعل السياسي كما في حالة «الحلاج».
الدولة التي أجهزت على الفرد
بدأت الطرق الصوفية في الظهور مع مطلع القرن الثالث، وظلت في إطار الممارسة الذاتية، مع وجود ظاهرة الموالد القبطية الشعبية في مصر، والتي كانت تقام قبل وجود الدولة الفاطمية، قبل أن تستغل الأخيرة هذا التنامي في طور ضعفها وتستخدمه كشرعية سياسية لوجودها.
هذه المرة لم تعد الحالة الصوفية كافية، حتى دخلت فيها الممارسات القبورية، والتي لم تكن غريبة عن المجتمعات الوثنية التي سبقت الإسلام. كان دخول الممارسة القبورية مدعومًا برغبة سياسية في تجذير ثقافة السيطرة على المصير، والقوة القاهرة فوق الناس، وأن ما تقدمه السلطة أفضل ما يمكن، كما كانت مقرونة بوجود الوسيط بين الله والناس. ستلعب الدولة هذا الدور، سلطة الله في الأرض والوسيط بين الله والناس.
ظل وجود الحالة الصوفية يعني الحرية بصورة أو بأخرى، الحرية من الماديات الزائلة التي جزء منها شهوة الوصول إلى السلطة أو ممارستها أو حتى الخضوع لها. حدث الانقلاب التاريخي في علاقة التصوف والسلطة في عهد التنظيم العثماني، فالدولة العثمانية نشأت في لحظة انهيار كان رواج التصوف فيه هو الأمر البارز، حالة من الفشل عمت المنطقة العربية والإسلامية أمام حملات الغرب «الصليبية» والشرق «المغولية»، تلك النزعة الإنسانية لمحاولة السيطرة على المصير فعل إنساني بامتياز منذ قدم التاريخ، السحر والشعوذة والزهد والتخلي والتعلق بالأولياء وانتظار المخلّص.
حالة القهر تلك تبدت في ممارسات التحرر من السلطة، تمثلت في بدايات الترك من البداوة ثم العشيرة مقرونًا بالتصوف، كلها ممارسات عبرت عن رد فعل إزاء السلطة ليس من أجل التخلي عن ممارستها وإنما للحماية الذاتية للفرد من بطشها، ومع تجذر ذلك على مستوى واسع انقلب الأمر إلى إخضاعها والسعي لها، وعندما انتصر آل عثمان جرى على مدار القرون التي حكموا فيها، إخضاع كل المكونات التي ضمنت الحرية للفرد من بطش الدولة.
حسب العروي[7] كانت الدولة الإسلامية تتميز بإعطاء صلاحيات مطلقة لرأس النظام، وتصبح الدولة معها شديدة السطوة، إلا أنها تتوقف عند مكونات البداوة والعشيرة والقبيلة والتصوف، التي كانت تعني بصورة أو بأخرى التحرر منها، لذا قد وجدت بيئات لنمو الفرد بعيدًا قليلًا عن سلطوية الدولة، تحمي الفرد وممارساته طالما لم تخالف عرف ما ينتمي إليه، ولم يمارس السياسة كحق مشروع إلا من خلال تلك المؤسسات التي تتحالف والدولة.
أجهزت الدولة العثمانية على تلك المؤسسات، وجرى تضييق مساحة الفرد، ثم أتت الدولة الحديثة لتكمل على ما تبقى، وتنتزع الفرد من جماعته تلك وتربطه بها. كان من ضمن ذلك حركات التصوف، فنجد محمد علي ينشئ مشيخة الطرق الصوفية عام 1812، أتى ذلك لإلحاق تلك المؤسسات بجسد الدولة. استطاع محمد علي إخضاع المؤسسات الدينية لسلطة الدولة، مستغلًا ومحافظًا على تنافس محموم بين الأزهر ومشيخة الطرق الصوفية، وهو قائم حتى يومنا هذا.
حيث رفضت الطرق الصوفية الاعتراف بالطريقة (الخلواتية الحسانية) التي يترأسها شقيق شيخ الأزهر بعد تنازل أحمد الطيب عنها عند توليه المشيخة، في حين اعترفت بالطريقة (الشاذلية العلية) التي يترأسها علي جمعة.
أصبحت الصوفية الدين الشعبي للناس وللدولة، وهي البوابة الخلفية لأيديولوجية الدولة، كما تقوم الدولة بالتواجد المكثف في الموالد بل وحمايتها، باعتبارها الحدث الأبرز للممارسات الصوفية على مستوى المجتمع، وتحمي من خلاله الامتيازات التي تُمنح لقادتها، الذين يتمتعون بسلطة مجتمعية وسياسية وربما اقتصادية هائلة، هذا جزء من التحالف بين الدولة والمجتمع، بل هو أبرز سماته. ويتدخل في ذلك رجال الأعمال وكبار التجار التي تزهو تجارتهم بالتزامن مع الموالد، فهي أسواق ضخمة تتنقل بين المحافظات والمدن على مدار العام.
يجب التفريق بين الحالة الصوفية العرفانية والجماعة الصوفية الاجتماعية التي تكون الموالد أحد تمظهراتها. المولد يأتي كأداة سياسية واقتصادية بامتياز، من خلالها يتم تمرير خطاب السلطة، وأيضًا التأكيد على وجودها بحضورها الكثيف فيه، ومن خلال العلاقة الزبائنية تُقدم خدمة الحماية والاستمرارية مقابل الشرعية.
جرى خضوع ذلك الفعل الديني لسلطة الدولة العلمانية، فأهم ما يميز الحدث الديني قدسية الزمان والمكان بالإضافة إلى النسك. نجد أن الدولة تدخلت في تغيير مواعيد الاحتفالات الدينية كما في حالة السيد البدوي الذي أرفق مع عيد محافظة الغربية الوطني في النصف الأول من أكتوبر. كذلك فإنها ليست كالحج بمكان واحد يجتمع فيه كل العرب قبل الإسلام، بل انتزعت قدسية المكان الواحد وتوزعت في كل جبل ووادٍ، وترتبط بها مصالح اقتصادية، من رجال الأعمال الكبار وحتى أصغر مستفيد كالباعة الجائلين على حسب كل منطقة.
الخطاب وإنتاج السلطة شعبيًا
تتكون الثقافة السياسية لدى الناس من ثلاثة مكونات رئيسية، هي القيم والمعتقدات التي تتعلق بالعداله والحرية، والاتجاهات والمشاعر التي يكنها الفرد للنظام من تأييد أو دعم، والبعد المعرفي وهو المعلومات التي يملكها الإنسان عن موضوع معين يتعلق بالسياسة. يشير المنوفي[9] إلى وجوب التمييز بين أيديولوجيا الدولة والمعتقدات والاتجاهات التي يحملها المواطن، لأنها قد تتطابق مع أيديولوجيا الدولة وربما لا، وتصبح فعالية النظام السياسي في إيجاد ذلك التطابق لإيجاد شرعية للنظام يستمر من خلالها، أو تغيير الثقافة السياسية بما يتوافق معه ليحفظ استمراريته، هنا تأتي أهمية الخطاب.
تعتبر ظاهرة الأغاني الشعبية في الموالد نموذجًا ظاهرًا للثقافة السياسية، ذلك الفلكلور الغنائي والشعري الذي تُسخدم معه الموسيقى يعبر عن التجربة الشعبية التي تمتد ربما إلى آلاف السنين[10]، وقد تجيب على سؤال كيف يرى المصري العالم من حوله؟ ويمكن من خلالها مناقشة تصوراته عن نفسه والقدر والله..إلخ، وفي جانبها السياسي وهو جزء ضمن ثقافة عامة شاملة، تستخدمه السلطة لإيجاد شرعيتها التي تستمدها من خلال تلك الثقافة المتنقلة عبر الزمن وتعيد إنتاجها باستمرار تُعتبر الموالد قناة لتواصل الدولة والمهمشين ورعاياها وتقديم خطابها الثقافي والسياسي عبره.
تؤكد الموالد من خلال الشعر والمراسم الطقسية على سلطة الفرد، فنجدهم يمجدون شيوخ طريقتهم، وأن سبيلهم في التعامل معه كالميت بين يدي مغسله، وذلك لأنه خليفة ذلك الولي الذي يمدحونه ويمجدونه، فلا يمنح المجد لتلك القبور وحسب بل يمتد إلى خليفتهم، الذي قد يتشابه مع آلهة الفراعنة التي تأتي بالأمطار من البلاد البعيدة، ويمنح جزءاً من قداسته للفرعون الذي يليه، وشعار خلفاء الولي لا تسأل عن أمر لم يبد لك،وآخر بأنك لن تستطيع معي صبرًا إن اعترضت.
يعبر ذلك عن سلطة القهر والخضوعية المطلقة لسلطه فوقية عليا، لذا فإن من الطبيعي أن يكون النظام السياسي المميز لذلك الشعب الغارق في تلك الممارسات، نظام الفرد وسلطوي بشكل مطلق، يتمتع فيه رأس هرم السلطة بنفوذ واختصاصات عظمى.
سنجد محورية قضايا القدر والتسليم، والتي تتجلى في صورتها الدينية وتستحث المريد على قبول الوضع القائم في كل الأمور، والتسليم به سواء على مستوى المال أو الألم، وكذلك قهر السلطة.
ومن المؤكد أيضًا تجذير ثقافة الذكورة والشجاعة والبطولة، من خلال أغاني الأبطال الشعبيين كالسيرة الهلالية، وذلك على حساب غياب شبه كامل لسمات الأنثوية في الرحمة واللين، والتي تستغل أيضًا ذاتها في خطاب تبرير التعبئة حول الجيش، والحالة العسكرية التي تحدثها الدولة من خلال التجنيد الإجباري في الجيش، وهي تكاد تكون متطابقة.
تظهر تربية المولد في تخلي الدولة عن الفرد، ولكن يجب ألا يتخلى هو عنها، وأن يتخلى عن حقوقه السياسية في المقابل عليه التزامات وحقوق تجاهها، فهي تعترف بوجود الفرد تحت سلطة شيخه وفي عباءة طريقته، ولا تعترف به كفرد خارجها.
الخروج عن القانون تحت معية الدولة
في سلسلة أفلام أناركي (Anarchy) يخرج الناس يوم 21 مارس/ آذار، كل عام للقتال ضد بعضهم، وممارسة العنف كنوع من التطهير، وذلك من خلال تعليق القانون في البلاد لمدة يوم، يساهم ذلك في تحسن الاقتصاد من خلال انخفاض أعداد العاطلين والفقراء والمهمشين، والأهم انخفاض معدلات الجريمة والعنف عبر تحريره، وتمارس الدولة بالرغم من غيابها بقدراتها العالية العنف أيضًا، مع انتفاء القانون إلا أنها موجودة وتمارسه في إشارة إلى أن الدولة ما هي إلا عنف منظم، وحشية بقدرات عالية عن بقية المجتمع، ناهيك عن وجود السلطة في ظل انتفائها، وتجسيد قيم الذكورة والعنف في مقابل الأنثوية والرحمة، وطبيعة الإنسان الشريرة.
ذلك ما يتم اقتباسه في صورة أقل عنفًا في الموالد، فالدولة موجودة بكثافة كما في حالة السيد البدوي. تشكيلات شرطية من خمس محافظات لتأمين ما يقرب من مليون زائر، إلا أن الدولة تترك مظاهر العنف والخروج عن القانون، الذي يتبدى في المولد دون تدخل عنيف من قبلها، مثل تجارة المخدرات والحشيش، وصولًا إلى التحرش، وترك الممارسات العنفية (كالسيوف والتحطيب والعركات) التي تبدد ذلك العنف، وكانت بعض الموالد أماكن لارتكاب الجرائم كالقتل والخطف والاغتصاب، وتستغل أيضًا في التجارة الخارجة عن القانون مثل بيع الأسلحة.
في النهاية يجب التخلي عن المقولة بأن تبني الدولة للصوفية سببه الرئيس مواجهة حركات الإسلام السياسي، لأن تلك المقولة على صحتها لم تكن السبب الرئيسي لذلك التحالف. التحالف قديم وتاريخي، فالموالد توسعت في عهد علي بيك الكبير ثم في عهد محمد علي بالرغم من حداثة دولتهم، وكان ذلك قبيل وجود حركات الإسلام السياسي.
اقرأ أيضًا: الزاهد والسياسي العلاقة بين الطرق الصوفية والنظام في مصر
الأمر متعلق بشكل السلطة، الصوفية التي تُحالف الدولة وجهازها البيرقراطي، وما إن أتى الاستعمار وسيطر على الدولة تحالفت معه، وتمثل الموالد شاهدًا على ذلك التحالف من خلال رعاية الدولة، كما أن الموالد والحضرات تُدار فيها بعض العلاقات بين ضباط الجيش وشيوخ الطرق، وبالتالي سبيلًا لتسهيلات سياسية وأخرى اقتصادية.
وعداء الطرق الصوفية لحركات الإسلام السياسي، عداء سياسي بامتياز، وليس كما يُروج بأن الطرق الصوفية ترفض ممارسة السياسة، لأن الصوفية تمارس السياسة وهي الدين الشعبي للدولة وتتحالف معها. وتخوُّفها من حركات الإسلام السياسي هو خوف على مكانتها وسلطتها ومصالحها الاقتصادية، التي قد تفقدها إن أصبحت حركات الإسلام السياسي جزءاً من النظام، فالصوفية حلت محل الأزهر وكانت الموالد سبيلاً لانتشارها المجتمعي في عهد محمد علي وقبله، وكان ذلك على حساب الأزهر الذي وُجهت له العديد من الضربات من خلال التعليم المدني وانتزاع الدين الشعبي منه ليُمنح لطرق الصوفية مع إرث تاريخي ساعد في ذلك.
- العنوان مقتبس من قصيدة «ورود البحر » للشاعر السويدي غونار إيكيلوف.
- نزيه الأيوبي ، الدولة المركزية في مصر.ص49.
- م.لابدوس، تاريخ المجتمعات الإسلاميةج1.ص125-135.
- كروث إيرنانديث، تاريخ الفكر في العالم الإسلامي ج1.ص239
- عبدالله العروي، مفهوم الحرية.
- مصطفى حجازي، التخلف الاجتماعي مدخل الى سيكولوجية الإنسان المقهور.ص145.
- عبدالله العروي، مفهوم الحرية.ص36.
- عزمي بشارة، مقالة في الحرية.ص22
- كمال المنوفي، أصول النظم السياسية.ص152.
- يشير شوقي عبد الحكيم ربما الى أن بعض الأشعار الفلكلورية تمتد الى عهد الفراعنة وتم تعريبها، وأصبحت تعبر عن تجربة وجدانية لشعب المصري وقد اضيف عليها المزيد فيما بعد، الشعر الشعبي الفلكلوري دراسة ونماذج، هنداوي 2015.ص9.