دون الجليد البحري، لن يكون هناك دببة قطبية
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
البشر فضوليون ومبتكرون، مع موهبة لا جدال فيها لحل المشكلات. لذا حينما نقرأ عن تهديد ذوبان الجليد البحري لحياة الدببة القطبية، فمن الطبيعي بالنسبة إلينا أن نتساءل: لعلها تستطيع تعلُّم التكيف مع الحياة على اليابسة؟ ففي النهاية، سبعة من ضمن ثمانية أنواع للدببة في العالم بريّة.
الإجابة على هذا السؤال، مع ذلك، هي «لا» مدوّية. مع كون الإجابة بسيطة، إلّا أن أسبابها معقدة، وتكشف نواحي الأزمة في الاعتقاد أننا نستطيع بسهولة إعادة التوازن للنظم البيئية الحساسة بمجرد الإخلال بها. الواقع هو أنه، دون الجليد البحري، لن يكون هناك دببة قطبية. الجليد هو الحياة نفسها بالنسبة للدببة: هو أساس تكيفاتها البيئية والفسيولوجية المخصصة لها بشكل مدهش، قاعدة حيوية للتزاوج والسفر واصطياد الفقمات – الفقمة المطوّقة بالتحديد، نوع وجوده مرتبط مباشرة أيضًا بالجليد. إن كان للدب القطبي الاختيار بين أن يكون على اليابسة أو على جليد بحري وفير من نوع جيد، دومًا سيختار الأخير.
تقضي بعض الدببة القطبية الصيف على اليابسة، كما في خليج هدسون بكندا، حيث يختفي الجليد ويعاد تكوينه كل عام، أو على منحدر ألاسكا الشمالي، حين تجعل درجات الحرارة الموسمية الأدفأ الجليد يتراجع أبعد مما تستطيع الدببة اتباعه. تميل الدببة القطبية المحبوسة على اليابسة لأن تكون خاملة، موفرة طاقتها (على هيئة مخزون من الدهون) لحين عودة الجليد البحري وإمكان بدء صيد الفقمة من جديد. فعلى كل حال، بعض الطعام أفضل من لا طعام، والدببة القطبية حيوانات ذكية وفضولية وواسعة الحيلة. إذا بدا شيء جديد وقابل للأكل، فبالتأكيد ستقترب منه وتلقي نظرة وتأخذ قضمة. يتحول هذا السلوك إلى قصص عن مشاهدة دببة قطبية تأكل التوت وعشب البحر وجثث الحيتان وبيوض الطيور وحتى حيوانات الرنّة.
لكن توجد ثلاثة أسباب لعدم صلاحية هذه العناصر الغذائية لأن تكون بدائل على المدى الطويل. أحدها أن دهن الفقمة هو الشيء الوحيد ذو محتوى الطاقة المرتفع بما فيه الكفاية لاستمرار الدببة القطبية. الدب القطبي الشحيم هو دب قطبي سعيد، وتلزم طاقة كبيرة للحفاظ على بدانته. السمنة مِصدٌّ مهم في أراضي الصيد التي لا يمكن التنبؤ بها في الجليد القطبي الشمالي: التخطيط المستقبلي صعب في بيئة تتغير بشكل مستمر، وتختفي أو على الأقل تنكمش وتتناثر خلال بعض أوقات السنة. الدببة القطبية السمينة الناجحة في الصيد لها فرصة أكبر في النجاة خلال فترات ندرة أو عدم وجود الطعام.
للبقاء على قيد الحياة، يحتاج الدب القطبي متوسط الحجم لأن يأكل ما يعادل فقمة مطوَّقة واحدة أسبوعيًا، أو حوالي كيلوجرامين من الدهون يوميًا. (في الحقيقة، الدببة القطبية في حالة جسدية جيدة ستأكل غالبًا الدهون فقط، تاركة الأجزاء الأقل احتواء على السعرات الحرارية من جثة الفقمة وراءها كي تلتقطها الدببة القطبية الأنحف والثعالب القطبية والطيور). يزداد الاحتياج للسعرات الحرارية في حالة الأمهات الراعية لأطفالها، والدببة الحاملة التي ستنحبس قريبًا في عرائنها الأمومية، ولن تأكل إلّا بعد انقضاء ثمانية أشهر. للحفاظ على الدب القطبي شحيمًا ومعافى، يجب أن يكون حصوله الكليّ على الطاقة مساويًا على الأقل لاستهلاكه من الطاقة – وإلّا سيكون الدب في النهاية نحيفًا للغاية ولا يملك مخزون الدهون اللازم للتكاثر، ورعاية الأطفال، والحفاظ على الدفء خلال شهور الشتاء، ودرء المرض.
المشكلة الثانية، هي أنه حتى مصادر الطعام البديلة ليست غير محدودة. تحب الدببة القطبية التسلق، ويمكن أحيانًا رؤيتها وهي تنهب مستعمرات طيور البحر على الجروف الصخرية. أيضًا تستهدف الطيورَ القطبيةَ التي تبني أعشاشها على الأرض. كبديل عن الفقمة، بيوض الطيور غذاء غنيّ بالطاقة بشكل معقول. لكنها صغيرة الحجم، مما يعني أن على الدب استهلاك 100 بيضة أو أكثر للحصول على كمية الطاقة ذاتها التي كان ليحصل عليها من وجبة مكونة من فقمة مطوّقة واحدة. يمكن لزيارة واحدة لدب قطبي أن تكون مدمِّرة لمستعمرة طائر، مما يعني أن هلاك المستعمرة بالكامل لن يستغرق الكثير. الوضع مشابه بالنسبة لحيوان الرنة وجثث الحيتان. لا يتاح منهم ما يكفي للإبقاء على كل الدببة القطبية في العالم.
وأخيرًا، الدببة القطبية ليست صالحة ببساطة للجري لأيّ فترة زمنية طويلة، وهو ما أنت بحاجة إليه إذا كنت تطارد الطيور أو الرنة. الجري مهمة تستهلك قدرًا هائلاً من الطاقة بالنسبة للدب القطبي، والطبقة العازلة الطبيعية بجسده تعني أن درجة حرارته ترتفع بسرعة أكثر مما يحتمل، حتى في درجات الحرارة الباردة. على الأرض، يمكن للدب المثابر أن يختطف حيوان رنّة من حين لآخر، لكن حيوان الرنّة البالغ المنتبه لما حوله ينبغي أن يكون قادرًا على أن يسبق الدب. على العكس من ذلك، يتطلب الحصول على فقمة الكثير من الصبر، دون احتياج لقدر مماثل من اللياقة الرياضية. سينتظر الدب القطبي بهدوء خروج إحداها للحصول على الهواء من فتحة تنفس – فجوات دائرية في الجليد تصنعها الفقمات وتحافظ عليها بمخالبها الحادة. أو سيلاحق الدب القطبي خلسة فقمة ممددة تتدفأ تحت الشمس، وينهي الصيد بسباق قصير.
إذن فالأمر حقًا هو مسألة بيولوجية أساسية. الدببة القطبية هي الحيوانات المفترسة على قمة السلسلة الغذائية القطبية. تكيفت على أكل الفقمات لما يزيد على مئات الآلاف من السنين، ولا تستطيع العيش طويلاً مع نظام غذائي قائم على كائنات اليابسة. الدببة السمينة المعافاة على الأرض هي سمينة؛ لأن الصيد كان جيدًا عندما كانت على الجليد. كل دب قطبي تراه على اليابسة ببساطة يفعل أقصى ما لديه للنجاة لفترة قصيرة أثناء انتظاره لدرجات الحرارة الأبرد، ولعودة الجليد والفقمات.
في النهاية، أهمية هذه المناقشة عن الدببة القطبية تتجاوز مصيرهم كمخلوقات. الدببة القطبية هي ما يمكن أن نسميه نوعًا مؤشِّرًا: طريقة أداء الدببة مؤشِّر على حالة بيئتها ككل. لا يمكن النظر للدببة الجائعة على اليابسة كحالة مستقلة «علّة في النظام» يجب إصلاحها. عوضًا عن ذلك، هم عَرَضٌ لنظام بيئي قطبي في اضطراب، حيث تنحل علاقات بيئية حساسة ومعقدة أثناء كلامنا.