القائمة القصيرة لبوكر 2021: 6 روايات تنافس ومصر تغيب
منذ أعلنت الجائزة العالمية للبوكر في مارس الماضي قائمتها الطويلة كان ملاحظًا اختلاف هذه القائمة عن قوائم السنوات السابقة، ليس فقط لتنوعها، ولكن لجودة وتماسك الأعمال المرشحة، وكونها تصدر عن ذائقة أدبية مختلفة، وتقدم أصواتًا جديدة متميزة بالفعل، القائمة التي ضمت ست عشرة رواية كان ملحوظًا وجود سبعة من بينهم من المغرب العربي وهم يوسف فاضل وعبد المجيد سباطة من المغرب، وسارة النمس وعمارة لخوص وعبد اللطيف ولد عبد الله من الجزائر، وأميرة غنيم والحبيب السالمي من تونس. فيما انضم إليهم كاتبان من العراق هما محسن الرملي ودنيا ميخائيل، وعبد الله البصيص من الكويت، ومن الأردن جلال برجس، ومن لبنان عباس بيضون، ومن مصر منصورة عزالدين، ومن السودان حامد الناظر، ومن اليمن أحمد زين، ومن السعودية عبد الله آل عياف.
وكان ملاحظًا أيضًا أن عددًا من هؤلاء الروائيين يصلون للقائمة الطويلة للبوكر للمرة الأولى، وبخاصة الروائيون الشباب منهم، مثل سارة النمس بروايتها «جيم»، وعبد اللطيف ولد عبد الله بروايته «عين حمورابي»، وعبد المجيد سباطة «الملف42» وأميرة غنيم بروايتها «نازلة دار الأكابر»، مع عبد الله البصيص «قاف قاتل سين سعيد»، وعبد الله آل عياف براويته «حفرة إلى السماء».
وبدا في النهاية أن لجنة التحكيم التي تشكلت برئاسة الشاعر والناقد اللبناني شوقي بزيع قد رأت أن توزّع الروايات الست بين الكبار والشباب، فجاء الروائي الأردني جلال برجس والتونسي الحبيب السالمي (وقد سبق أن وصلت رواياتهم إلى قوائم الجائزة في سنوات سابقة) ودنيا ميخائيل من العراق، جنبًا إلى جنب مع تجارب الشباب الواعدة عبد المجيد سباطة من المغرب، وعبد اللطيف ولد عبد الله من الجزائر، وأميرة غنيم من تونس. هنا إطلالة سريعة على هذه الروايات الست.
مساءلة التاريخ وتوثيق الواقع
تحمل روايات القائمة القصيرة عددًا من الأفكار المهمة المتباينة، ما بين محاولات توثيق وعرض عدد من القضايا المحلية الشائكة والمهمة لأصحابها، وما بين محاولات المزج الواقعي بالتاريخي من جهة أخرى، ولكن يظهر في جميع هذه الروايات قدر عالٍ من التجريب والقدرة على تقديم مضمون روائي وسردي مختلف.
1. دفاتر الوراق – جلال برجس
في رواية «دفاتر الوراق» لجلال برجس من الأردن، نحن مع شخصية بائع كتب مثقف في عمان، يجد في سطور الكتب والروايات عالمه الخاص الذي سرعان ما يتقمص شخصياته، ومن خلال شخصية هذا الوراق نتعرّف على عدد من المشكلات المجتمعية الخاصة بالأردن، في فترة زمنية تمتد من أربعينيات القرن الماضي حتى عصرنا الحالي، بين أشخاصٍ يفقدون بيوتهم، وآخرين يعيشون مجهولي النسب.
ويتطور الأمر بالوراق ليعيش حالة فصامية صعبة، إذ يجد داخله شخصًا آخر يحرضه على ارتكاب عدد من الجرائم، بين شخصية المثقف الواعي، وشخصية البسيط الذي يريد أن ينتقم مما يجده في المجتمع من مشكلات تدور رواية دفاتر الوراق، التي استطاع جلال برجس أن ينسج خيوطها بعناية. ولذا حظيت الرواية منذ صدورها في العام الماضي على متابعة نقدية لافتة، كما حصلت على قراءات إيجابية عديدة على موقع جودريدز من مختلف القراء الذين أشادوا بالراوية وما فيها من مهارة وتجريب متقن.
2. الاشتياق إلى الجارة – الحبيب السالمي
فيما نجد حكاية أخرى عند الروائي التونسي الحبيب السالمي في «الاشتياق إلى الجارة» لا تختلف كثيرًا عن حكاياته التي كتبها في روايات سابقة، إذ نجد أستاذًا جامعيًا تونسيًا يعيش مع زوجته في فرنسا مغتربًا يسيطر عليه شعور الحنين إلى بلاده، ويقع في غرام خادمة تسكن منزلاً بالقرب منهم، تبدو الحكاية على بساطتها عادية وتقليدية، ولكنها تكشف في الوقت نفسه عن الاحتفاء بالحياة في أبسط تجلياتها.
تجدر الإشارة إلى أن السالمي قد وصلت رواياته «روائح ماري كلير » و«نساء البساتين» من قبل إلى القوائم القصيرة للبوكر في سنوات سابقة.
3. وشم الطائر – دنيا ميخائيل
تنتقل بنا الروائية والشاعرة العراقية دنيا ميخائيل في روايتها الجديدة وشم الطائر إلى عالم شديد القسوة والسوداوية يعيشه عدد من السبايا العراقيات في أسر تنظيم داعش الإرهابي، التجربة التي تكمل بها دنيا ميخائيل ما فعلته في روايتها السابقة «في سوق السبايا»، حيث تصوّر في الرواية مأساة بيع النساء الإيزيديات في العراق، وذلك من خلال قصة حب تجمع بطلة الرواية هيلين بالصحفي العراقي إلياس وما يواجهانه بعد ذلك من سيطرة تنظيم داعش، وفي الوقت نفسه تعرض الكاتبة جزءًا من فولكلور وعادات وتقاليد الإيزيديين، وحكاياتهم المدهشة.
4. نازلة دار الأكابر – أميرة غنيم
فيما تذهب الروائية والأكاديمية التونسية أميرة غنيم إلى توثيق صفحاتِ مهمة من تاريخ تونس المعاصر، من خلال روايتها «نازلة دار الأكابر » التي تدور حول حكاية واحد من المفكرين والإصلاحيين الكبار في تونس وهو الطاهر حداد الذي كان مدافعًا عن حقوق المرأة، وذلك من خلال أصوات عدد من النساء في المجتمع، كاشفةً عن العلاقات العاطفية التي جمعته بعدد منهم مما لا تذكره كتب التاريخ، إلا أن الرواية تؤكد عددًا من تلك الحكايات بخاصة علاقة تجمعه باللازبيدة، ومن خلال تلك الحكاية تعرض أميرة غنيم طرفًا من التاريخ التونسي المعاصر، وما يدور وراء البيوت من أسرار، من خلال حكايات النساء وريثات عرش شهرزاد الكبير، الذين يحفظون الذاكرة الشعبية الحقيقية للمجتمع ويفضحون السيطرة الذكورية.
5. الملف 42 – عبد المجيد سباطة
يخوض الروائي والمترجم المغربي عبد المجيد سباطة تجربة مختلفة تمامًا في روايته «الملف 42»، إذ يلجأ إلى أسلوب التشويق والإثارة في بناء رواية محكمة، تقوم على ثلاثة خطوط رئيسية، ويتداخل فيها عالم الكتابة المحلي بالعالمي، من خلال استدعاء بطلة روائية أمريكية، صاحبة روايات أكثر مبيعًا تخوض هي الأخرى تجربة جديدة من أجل التغلب على قفلة الكتابة التي تمر بها، مما يجعلها تفتش في تاريخ عائلتها، لتتقاطع خيوط الرواية بشكلٍ ذكي مع حكاية مأساوية شديدة الأهمية وهي كارثة الزيوت المسممة التي حدثت في المغرب عام 1959 ودمرت حياة الآلاف من المغاربة في ذلك الوقت.
تدريجيًا ومع كل فصل نتعرّف أكثر على عالم الكاتبة الأمريكية، وحياتها وحكايتها، كما نتعرّف على حكاية الشاب زهير وحكايته شديدة الخصوصية من المغرب لروسيا، بالتوازي مع هاتين الحكايتين تظهر شخصية أخرى، هو باحث أكاديمي رشيد بناصر يدرس الرواية المغربية ويعد رسالة دكتوراه عن رواية مجهولة اسمها «أحجية مغربية» لنكتشف بعد ذلك أنه سيكون مساعدًا للكاتبة الأمريكية حينما تقرر فجأة أن تذهب للمغرب، لتتبع واستكشاف تاريخ والدها وحكايته التي يشوبها بعض الغموض.
6. عين حمورابي – عبد اللطيف ولد عبد الله
كما يخوض الروائي الجزائري عبد اللطيف ولد عبد الله في روايته الثالثة «عين حمورابي» أجواء قريبة من عالم الروايات البوليسية أيضًا، إذ تبدأ الرواية بالبطل رهن التحقيق هربًا من سكان المنطقة التي كان فيها دوار أحد الأولياء الصالحين، بحثًا عن آثار مهمة مع صديقه الألماني، وهناك يسرد تاريخ حياته منذ كان شابًا في هذه المنطقة، متعرفين على جذوره وحكايته حيث غادر قريته وقطع علاقته بها منذ ثماني سنوات، وسافر أوروبا وتخصص في الآثار، وإذا بحظه العثر يعيده لمسقط رأسه مرة أخرى! وهكذا ينتقل السرد بين الماضي والحاضر، وبين الواقعي والمتخيل يكشف جوانب من واقع الجزائر وحياة الناس فيها، بطريقة سردية محكمة.
هكذا تنوعت وتعددت طرائق السرد، وعوالم روايات القائمة القصيرة للبوكر العربية لهذا العام، وهي كلها تؤكد في النهاية ثراء الإنتاج الروائي العربي وقدرته على الحضور والاستمرار بل والمنافسة أيضًا. ومن المنتظر أن يعلن عن الرواية الفائزة بالبوكر لهذا العام في آخر مايو المقبل.