الجمال المُسمّم: التاريخ المظلم للعلاجات التجميلية
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
على مر التاريخ، عمل البشر على تجربة كل الطرق والمنتجات التي تجعل مظهرهم الخارجي يبدو أفضل. وكردٍ على ذلك تآمرت الشركات الناشئة وأيقونات الجمال معًا ليبيعونا كل شيء تقريبًا – من الماء إلى السم – تحت مسمى العلاجات التجميلية. في حين أنه أُثبت في نهاية المطاف أن العديد من مستحضرات التجميل تقدم القليل من النتائج الفعالة، كما أن عددًا كبيرًا منها يتسبب في الأذى الجسدي أو حتى الموت في بعض الأحيان.
تخضع مستحضرات التجميل والجراحات التجميلية الآن لتنظيم أكثر صرامة مما كانت عليه في القرن التاسع عشر، فقد كانت المساحيق التجميلية تحتوي على الرصاص وكانت كريمات الوجه تحتوي على سموم شائعة. وعلى الرغم من ذلك فحتى يومنا هذا هناك آثار جانبية خطيرة ومخاطر محتملة تنتج عن الجراحات التجميلية، على وجه الخصوص.
فعلى سبيل المثال أُفيد أن حقن البلازما الغنية بالصفائح الدموية وحقن الحشو التجميلية، تؤدي إلى زيادة عدد المرضى المصابين بالتهابات مزمنة واحتمالية حدوث تشوهات، بالإضافة إلى إصابات بكتيرية. في حين أن هذا النوع من الجراحات أصبح شائعًا، حيث ينفق أكثر من مليار دولار على عمليات التجميل سنويًا في أستراليا وحدها. و تشير البحوث إلى أن ما يقرب من خمس المرضى يعانون من هذه المضاعفات.
بالطبع، وحتى بعد تقديم أكبر قدر من الرعاية الطبية، لا تزال هناك أسئلة محتملة عن المخاطر الصحية الناتجة عن استخدام «البوتكس» – مستحضر يحتوي على السموم من النوع A – والذي يُستخدم لمكافحة أو منع تجاعيد الوجه. في حين أن العديد من الناس ومعظمهم من النساء يؤمنون بأهميته ويعتقدون أنه آمن، وفي عام 2009 حذرت «إدارة الغذاء والدواء» الأمريكية من أن «البوتكس» قد ينتشر من منطقة الحقن إلى مناطق أخرى مسببًا أعراض حدوث التسمم مثل: ضعف العضلات وصعوبة في التنفس.
حتى منتجات التجميل الأكثر شيوعًا من حيث الاستخدام تنضوي على مخاطر محتملة تنتج عن استخدامها. فكّر في أحمر الشفاه، ذلك الذي يوضع مباشرة على جلد الشفاه الرقيق، وكيف أنه يُمتص كالطعام، وكيف أنه يوضع عدة مرات في اليوم. يطلب من المصنعين ألا يدرج الرصاص ضمن مكونات أحمر الشفاه، لكنه وعلى الرغم من ذلك يوضع كعنصر في المنتج، ويكون بتركيز أعلى في بعض الألوان. وأشار الاختبار الذي أجرته إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على 400 وحدة من منتج أحمر الشفاه، إلى أن كل وحدة منها تحتوي على الرصاص، ومع ذلك أضافت الإدارة أن مستوى 10 أجزاء في المليون هو مستوى مقبول لوجود الرصاص في المنتج.
شرحت «أليسون ماتيوس» في كتابها «ضحايا الموضة» كيف أن الرصاص كان جزءًا من مستحضرات التجميل على مدى عدة قرون، «ذلك لأنه يجعل اللون أقوى في ظهوره، ويقدم اللمعان الذي يتناسب مع حرية العمل في الهواء الطلق للعرق الراقي». كان غسول الوجه الأميركي «ملمع الشباب أو اللؤلؤة السائلة» بمثابة مُبيض للبشرة، «مما يساعد السيدات المصابات بعلامات الإحمرار والنمش والجلد الخشن أو الجلد الباهت».
ومع ذلك فإن مُنعم البشرة ذاك كان يحتوي على كمية كبيرة من الرصاص، والتي تسببت في شلل المعصم أو شلل العصب الكعبري عند بعض النساء. تقلص معصم أحد النساء حتى أصبح هيكلًا عظميًا، في حين سُجل أن إحدى النساء قد توفيت بسبب التسمم الناتج عن الاستخدام طويل الأمد للمستحضر، وأيضًا تلك المستحضرات منزلية الصنع، والتي تحتوي على مُقشرات البشرة البيضاء والجلسرين.
حكَتْ ماتيوس في كتابها كيف أنها اشترت وعاءً من مسحوق تجميل يُدعى «تيتلو سوان دون»، والذي يعود تاريخه إلى سبعينيات القرن التاسع عشر. وقد سُوق المنتج على أنه غير ضار وادُعي أنه يعتمد على مسحوق أكسيد الزنك للتبييض، بدلًا من المنتجات السامة الشائعة كالرصاص والزرنيخ والبزموث. وقد اختُبر المسحوق بالطرق الحديثة، ووجد أنها تحتوي على كمية كبيرة من الرصاص، والتي يمكن أن تُستنشق كغبار أثناء الاستخدام.
التاريخ المظلم
لم يبدأ التنظيم الجدي لبراءات الاختراع الخاصة بأدوية ومستحضرات التجميل حتى حلول القرن العشرين، وهو ما يعني وجود نقص في الرقابة الحكومية، مما يعني أن المُصنعين يستطيعون تعبئة أي شيء تقريبًا وبيعه دون الحاجة إلى التحقق من صحة ادعائهم بأن المنتجات قد خضعت للفحص البدائي الذي كان متاحًا حينها، أو إعلان أسماء مكونات المنتج بوضوح.
كانت الطريقة التي تعامل بها المستهلكون البريطانيون والأمريكيون مع تلك المنتجات تتبع الإعلانات والسمعة التي بُنيت في المجلات واسعة الانتشار، والتي أصبحت منتشرة بغزارة في أواخر القرن التاسع عشر. كما شهدت هذه الفترة أيضًا بروز العلامات التجارية الخاصة بمستحضرات التجميل، بجوار العلامات التجارية الراسخة والمُعلن عنها من قبل، مثل «صابون pears»، والذي يوفر واحدة من المؤشرات القليلة للسلامة والجودة. وأكدت معظم الإعلانات الخاصة بمنتجات التجميل على نقائها وفوائدها الصحية، مقارنة بالمنتجات المعروفة من الكريمات والمساحيق الضارة والأصباغ.
«آنّا روبرت شيلتون»، المتخصصة في بشرة النجوم الأميركيين، قدمت مثالًا جاهزًا عن الطبيعة الزائفة للإعلانات الخاصة بمنتجات التجميل، وحقيقة ما يُسوق له بأنها «طبيعية» وبالتالي فهي صحية في هذا العصر. خلال عامي 1891 و1892 ظهر العديد من الإعلانات في مجلات النساء البريطانية، بما في ذلك المنشورات عالية الجودة مثل منشورات «الملكة»، وقد كانت الإعلانات عن محاضرات لخبير الجمال الأمريكي المزعوم.
أشارت تلك الإعلانات إلى كتاب روبرت «الجمال الطبيعي»، بالتوازي مع إعلانات منتجات علاج البشرة، وقد سُوقت هذه المنتجات في الولايات المتحدة على أنها لتبييض البشرة، والاستفادة من الطلب المتزايد من النساء للحصول على بشرة ألمع، ولم يكن الطلب مقتصرًا على الأمريكيات وحسب، بل على النساء ذوي الأصول الأفريقية. وقد وُصف المنتج في إعلان «الملكة» على أنه غير مؤذٍ وغير مرئي:
«إنها ليست مستحضرات تجميل، كما أنها لا تظهر على الوجه بعد الاستخدام». ومع ذلك فواقعيًا كان منتج روبرت منتجًا خطرًا، فبعد خضوعه للتحليل الكيميائي، كشفت المجلة الطبية البريطانية في عام 1893 أن المنتج يحتوي على مكون ضار وهو «كلوريد الزئبق»، وقد كان سببًا في تسمم السيدة «ك» بالزئبق. كما اكتشفت «كارولين رانس» الأمر في نفس العام، وقد خضعت روبرت للمحاكمة بسبب انتهاك قانون الصيدلة الأيرلندي وصارت سمعتها سيئة حينها بسبب ذلك الأمر.
مواد ترويجية لـ آنا روبرت
في كتاب آخر عن الجمال صدر عام 1885 نصح القراء بـ«تجنب استخدام أصباغ الشعر لأنها تضر بالصحة في بعض الأحيان، وخصوصًا تلك التي تحتوي على الرصاص والزئبق، وكان من المعروف حينها أنه يسبب أمراضًا خطيرة». وقد انعكس ذلك الخوف من الأصباغ الضارة في العديد من إعلانات المجلات في خلال حقبة ظهور «مصلحي الشعر» الذين وعدوا بإعادة الشعر الرمادي إلى وضعه الأصلي دون استخدام الأصباغ.
كانت تقنيات التجميل المنزلية أيضًا موضع تحذير من المخاطر، فعلى سبيل المثال كانت نصائح التبرج والحفاظ على الجمال والحصول عليه منذ عام 1883 ألا تتهاون في استخدام أوراق التوت النباتية الغنية بالعصارة لتوسيع حدقة العين. إلا أن استخدام مستخلصات التوت قد يتسبب في حدوث ضعف الرؤية أو حتى حدوث العمى الدائم مع طول فترة الاستخدام. وقد عرض هذا الدليل طريقة أخرى أقل خطورة لتوسيع حدقة العين: «إذا كانت عيناكِ مملة وباهتة فتناولي كأسًا من الشمبانيا بدلًا من استخدام أوراق التوت».
الثقافة الجنسانية
وُصمت أنّا روبرت بالعار لأنها كتبت في كتابها عن الجمال الذي نشر في 1892 بأن المرأة لا يمكنها أن تتجاهل مظهرها أبدًا، «بل إن الجمال الأكثر نبلًا إذا لم تلحظه العيون وتتابعه، يفقد بريقه وسحره سريعًا». وقد أحدث تعليقها ذلك صدى كبيرًا ومهمًا في ثقافة الجمال اليوم.
أولًا: ما زال سعي المرأة إلى الحصول على مستحضرات التجميل والقيام بالعمليات التجميلية هو إحدى الضروريات في المقام الأول، وقد كانت نصيحة روبرت لإحدى النساء المنتسبات للملكة فيكتوريا هي أن الحفاظ على حيوية مظهرها يعتبر أمرًا ضروريًا للحفاظ على زواجٍ سعيد، وأما عن وجهة نظرنا الحديثة «عصر ما بعد النسوية» هي أن المرأة تختار اتباع أنماط ومعايير الجمال والموضة.
ثانيًا: لا يزال الجمال يُفهم على أنه عملية مستمرة من العمل والصيانة، ومن الممكن أن تجرى عمليات حقن البوتكس بشكل استباقي لدرء التجاعيد والترهل قبل حدوثها، لكن الأمر يتطلب حدوث الاستخدام المستمر مع مرور الوقت للحفاظ على آثاره.
ثالثًا وهو الأهم من ذلك: إن التمايز بين الجنسين في استخدام مستحضرات التجميل يعني أن النساء أكثر تأثرًا بالمنتجات والعمليات الخطرة، وكما أشارت ماتيوس إلى أن مستحضرات التجميل ما زالت تخضع لتنظيم أقل صرامة مقارنة بمنتجات أخرى مثل الشامبو ومزيل العرق والتي تصنف باسم «منتجات العناية الشخصية».
مرت قرون عديدة من المواقف المتراخية تجاه مكونات مستحضرات التجميل، والآن تضيف عمليات التجميل غير المرئية ليس فقط مواقف تحمل طابع القصور بل تحمل قصصًا بشعة، بدايةً من ملمع البشرة الشبابي الممتلئ بالرصاص إلى مستحضرات التجميل التي يتم تسليمها في ظروف مشكوك فيها. إن تاريخ استخدام مستحضرات التجميل الخطرة يخبرنا عن النساء التي عانت بسبب توقعاتهن للجمال.