رحيل «بوتشيتينو»: الوضع الذي يهدد كلوب ويفهمه جوارديولا
يقولون إنه من الجنون الاستمرار في فعل نفس الشيء وتوقع نتائج مختلفة، وتقول «إيني ألوكو» الكاتبة بصحيفة «جارديان» البريطانية، إنه فيما يخص كرة القدم، فإنه لا يمكنك أيضًا الاستمرار في فعل نفس الشيء وتوقع نفس النتائج. تصف الجملة الأخيرة رحلة طويلة من الشراكة بين المدرب الأرجنتيني «ماوريسيو بوتشيتينو» وفريق توتنهام، والتي تُشير كل الحقائق الحالية إلى قُرب انتهائها لسوء النتائج.
وفقًا للتقرير الصادر عن الاتحاد الأوروبي والذي يحتوي على إحصائيات بطولة دوري الأبطال لموسم 2018/19، فإنه من إجمالي 366 هدفًا سُجلوا خلال ذلك الموسم من البطولة، قد تم تسجيل أكثر من 185 هدفًا منهم عن طريق استعادة الاستحواذ في ثلث الملعب الأخير. وهو ما يشير إلى الهوية التي ميّزت أغلب الفرق الأوروبية خلال المواسم القليلة المنقضية، والتي اعتُمِدَ في أغلبها على الضغط العالي كلغة موحدة للقارة.
باستمرار ترسيخ تلك الحقيقة في الكرة الأوروبية، كان من المفترض أن يرتفع شأن الفرق التي أسست تلك اللغة في ملاعب القارة العجوز، وعلى رأسهم توتنهام وليفربول. حينما ضرب القدر موعدًا لكليهما بنهائي دوري أبطال أوروبا في عام 2019، وُصف بأنه لقاء يجمع أكبر فرقتين نجحتا في اعتماد الضغط كصانع لعب مؤثر، لكن الحقيقة أن سبيرز كان مخجلًا أثناء ذلك ولم ينجح في تنفيذ الضغط إلا في 64 مرة فقط، في حين نجح المصري «محمد صلاح» في تنفيذه في 34 مرة منفردًا خلال نفس المباراة.
ضع سلاحك أرضًا
يقول «كلوب» إن الضغط المتقدم والعالي يسمح ببناء اللعب أفضل من أفضل لاعب يشارك في مركز 10، أي صانع اللعب الكلاسيكي، ويؤمن بوتشيتينو بنفس الحقيقة، لكن الغريب أنه رقميًا قد انخفض أداء كلا المدربين فيما يخص الضغط الأمامي من ثلث الملعب الأخير، ولكن بنتائج مختلفة على كليهما.
يمكن إثبات ذلك بالدليل عن طريق المُعدل الذي استحدثته شركة «Opta» والمعروف اختصارًا بـ«PPDA» والذي يُمكن ترجمته توضيحيًا إلى: عدد التفاعلات الدفاعية التي يقوم بها الفريق في الوضعية الدفاعية، وذلك عن طريق تنفيذ تدخلات دفاعية بأشكالها المختلفة، مثل الانزلاق والاعتراض المباشر … إلخ، مقابل عدد التمريرات التي يُسمح للفريق المهاجم بتنفيذها خلال نفس الهجمة.
يُعتمد على ذلك المعدل في قياس مدى قدرة الفرق على تنفيذ الضغط العالي، وخلال موسم 2017/18، كان مُعدل ليفربول يُساوي 10.37، في الوقت نفسه، كان توتنهام هو ثاني أكبر الفرق في هذا المُعدل بـ7.7، لكن بانتهاء نفس الموسم كان قد ارتفع عند ليفربول إلى 11.2 قبل أن يسجل ذلك المُعدل انخفاضًا عند الريدز إلى 13.5 في الموسم الذي تلاه، لكن الانخفاض في توتنهام كان كارثيًا حقًا.
يشير معدل استخلاص الفريق اللندني للكرة في الثلث الأخير من الملعب إلى انخفاض واضح خلال موسم 2019/20، حيث وصل إلى 2.3 استخلاصًا لكل لقاء، في حين كان ذلك المعدل 4.2 في الموسم الذي سبقه، وكان أعلى معدل قد وصلوا له هو 4.4، أي أن معدل استرداد الاستحواذ للسبيرز قد انخفض للنصف تقريبًا.
للسن أحكام
بخسارة فريق المدرب الأرجنتيني لميزته في الضغط المتقدم، قد خسر أكثر ما يميز أداءه الفني والذي وضعه بين الفرق الكبرى داخل القارة، لكن لا يتوازى ذلك مع تنازل ليفربول عن نفس الضغط وذلك لاختلاف الرغبة. احتاج الريدز ومدربهم إلى طريقة جديدة من أجل خلق الاستمرارية، في حين بحث بوتشيتينو عن الاستمرارية دون البحث عن طرق جديدة، فتضاربت تلك الرغبة مع تقدم لاعبيه في السن، فساءت الأوضاع.
تمتع توتنهام بالحركية والحيوية في العام الأول من ولاية بوتشي في شمال لندن، بفضل كون الفريق يافعًا أكثر من أي منافس آخر. كان مُعدل أعمار الفريق خلال موسمه الأول 2014/15 يشير إلى 24 عامًا فقط، كأصغر فريق في المملكة بالكامل، الآن يحتل فريقه الترتيب الـ16 في قائمة الفرق الشابة بمُعدل 27 عامًا و243 يومًا.
كان يُفترض أن يتم تغيير سياسة الفريق بالكامل بإضافة دماء جديدة تساعد على تقديم نفس الفكر بذات الحيوية المُعتادة، لكن توافق ذلك مع الواقع الكروي، ليس ملزمًا لأن يتوافق مع سياسة النادي في التعاقدات بالمرة. كان إنفاق إدارة النادي خلال آخر 5 مواسم شحيح وتقشفي بحت، بمعدل 7 ملايين دولار فقط لكل موسم انتقالات. وإن تم وضع ذلك الرقم في مقارنة منطقية، ربما نصل لإجابة واضحة عن التساؤل الأزلي عن الفارق بين سبيرز ومنافسيهم الخمسة الأكبر، بما فيهم الغريم المتقشف أرسنال، والذي لا يسير بالدقة المطلوبة، لكنه على الأقل يملك مُعدل أعلى في الصرف، لأنه لا يملك نفس المشاكل المادية.
الإرث المادي
ناهيك عن الحالة الفنية التي استلم عليها بوتشيتينو نادي توتنهام، فإن النادي كان حينها يصارع ماديًا بدرجة واضحة، كان يملك قيمة تجارية تساوي 514 مليون دولار فقط، في حين تتخطى هذه القيمة المليار ونصف المليار دولار خلال عام 2019 الجاري.
سمح ذلك لإدارة النادي بتنفيذ مشروع تطوير ملعبهم «وايت هارت لين» في فترة زمنية قياسية، بجانب اطمئنانهم لتقبل الجماهير لارتفاع أسعار تذاكر المباريات. يملك توتنهام 310 ملايين دولار من مداخيل ملعبه الجديد. صحيح أنه من المتوقع أن تنخفض تلك العوائد في ظل ضياع الميزة الأفضل وهي الأداء، إلا أنها تظل أفضل من ذي قبل بكثير.
لا يهم مدى إيمان «ماوريسيو» بقدرات فريقه في الفوز بالبطولات عما قريب. الحقيقة واضحة بشكلٍ جلي، الإدارة لا تسعى للفوز بالكؤوس المحلية، كما صرح المدرب الأرجنتيني في عديد المرات، لأنها ببساطة ذات عائد مادي غير مغرٍ، وبالطبع يوجد استحالة لخطف لقب الدوري من بين فكي ليفربول ومانشستر سيتي. كذلك فإن حلم الوصول إلى نهائي دوري أبطال أوروبا مرة أخرى بهذا المستوى يتخطى المستحيل بعديد الخطوات.
لا ترمي الإدارة، بقيادة «دانيال ليفي»، بالًا لمشاكل الأداء، حتى لو استمر الفريق على هذا النهج حتى نهاية الموسم، الأهم أن يظل محافظًا على مركزه ضمن الأربعة الكبار، وبالتالي الفوز بفرصة للمشاركة في دوري الأبطال، حتى لو مشاركة ضعيفة. وطالما يقوم الأرجنيتيني بهذا الدور بنجاح، فلن تتم إقالته مهما تعددت الأقلام والأصوات المطالبة بذلك.
ألا يبدو ذلك الوضع مألوفًا؟
نحو المزيد من أرسن فينجر
حاول تخيل مرور موسم جديد لليفربول دون الفوز بالدوري الإنجليزي، ومن ثم توقع ماذا سيفعل «جوارديولا» في حال فشل في تحقيق تقدم في دوري أبطال أوروبا، النتيجة واحدة في الحالتين.
رفع كلا المدربين من طموحات جماهيرهم إلى مدى بعيد، باتت جماهير الريدز غير مقتنعة بأي أسباب تعيق فوزهم باللقب المحلي، حتى لو تضمنت القوة المالية والشرائية الضخمة لمانشستر سيتي، أو الحظ أو الإصابات، أو أي شيء آخر، وفي حال فشل كلوب في ذلك لموسم جديد، يعني تعارض طموحهم الحالي مع قدرات مدربهم، بالتالي الإقالة هي الحل.
يملك الإسباني الوضع نفسه في الجانب الأزرق من مانشستر، لا ينقصهم حاليًا سوى إنجاز أوروبي يضعهم وسط الأباطرة، وسيسعون لذلك حتى لو كان على حساب التضحية بجوارديولا نفسه. أما في توتنهام، فطموح الإدارة الحالي يتناسب جدًا مع ما يقدمه بوتشي ولن تتم التضحية به إلا في حالة فشله.
التساؤل الحقيقي الآن، هو ماذا ينتظر الأرجنتيني؟ 10 سنوات وأكثر قد مرت من مسيرته وهو لا يملك أي بطولة، وبالتدريج يخسر فرصه في تقديم نفس الأداء المعهود، ومن ثم سيتحول من أحد أكبر الأسماء المنتظر انفجارها إلى اسم في طي النسيان، تخشى جماهير كل الفرق الأخرى في حال ظهرت أنباء تربطهم به. كما حدث بالضبط مع الفرنسي «فينجر» من نفس الجانب في المدينة.
لذا، إن كان يجب أن يحمل المستقبل خبرًا مهمًا، فالطبيعي أن يكون استقالة بوتشيتنو خوفًا على سمعته التي باتت على المحك، حيث من المستحيل أن تكون الصيغة هي إقالته والإطاحة به من النادي الذي وضعه على الخريطة المادية والفنية لفرق العالم.