صيد الكواكب: كيف نكشف عن وجود كوكب حول نجم بعيد؟
منذُ خليقة الإنسان وهو في بحث دائم عما يدور حوله؛ فبعد اكتشافه لكواكب المجموعة الشمسية لم يظل ساكنًا، بل آمن بوجود كواكب خارجها وأصبح يبحث عن أي دليل أو وجود لها. وبالفعل تم اكتشاف أول كوكب خارجي يدور حول نجم نابض في عام 1992، عندما أعلن الفلكيان «أليكساندر فولزكزان» و«ديل فريل» اكتشاف نظام كوكبي متعدد الكواكب حول نجم نابض يسمى PSR B1257 + 12.
وبعد ثلاث سنوات، أعلن «ميشيل مايور» و«ديدييه كيلوز» عام 1995 عن اكتشافهما كوكبًا يدور حول نجم يشبه الشمس يسمى (Pegasi 51). ولذلك حصل ميشيل مايور وديدييه كيلوز على نصف جائزة نوبل في الفيزياء عام 2019 بالمشاركة مع «جيم بيبلز» لتقديمه أساسًا لفهم تاريخ الكون من الانفجار الكبير وحتى اليوم.
تشير الإحصائيات الحديثة إلى وجود كوكب واحد على الأقل حول كل نجم في المجرة، وهذا يعني أن هناك ما يقارب تريليون كوكب في مجرتنا وحدها، والكثير منها في حجم الأرض.
إن البحث عن الكواكب خارج نظامنا الشمسي يشبه محاولة قراءة طابع بريدي عالق على مصباح المنارة البعيدة؛ لذلك ابتكر علماء الفلك أساليب للكشف عن الكواكب الخارجية من خلال قياس آثارها على نجومها، وهناك العديد من الطرق لرصد الكواكب ومنها:
1. السرعة القطرية (Radial velocity)
تعتبر إحدى الطرق لفهم تأثير الجاذبية بين النجوم والكواكب. لنتخيل لعبة شد الحبل، على جانب يوجد النجم الضخم وقوة جاذبيته، وعلى الجانب الآخر يوجد الكوكب الصغير بجاذبية أقل بكثير؛ وبالتأكيد نعلم أن الفائز هو النجم، والدليل على ذلك أن الكوكب يدور حول النجم، وليس العكس. وبالرغم من صغر حجم الكوكب فإنه لا يزال يمتلك قوة جاذبية، وبالتالي لديه تأثير على نجمه حتى لو كان أقل وضوحًا بكثير من تأثير النجم عليه؛ فجاذبية الكوكب تؤدي إلى تمايل النجم حول نفسه قليلًا.
فكلما كبر حجم الكوكب، كبر تأثيره على نجمه، وبالمثل كوكبنا الصغير يجعل الشمس تتمايل بتأثير قليل. يمكن أن يخبرنا «تمايل» النجمة بما إذا كان النجم لديه كواكب حوله، وكم عددها، وكم هي كبيرة.
تسمى هذه الطريقة أيضًا بالتحليل الطيفي لدوبلر؛ لأنها تعتمد على تأثير دوبلر. هل سبق أن لاحظت كيف يصبح صوت سيارة الإسعاف المارة في الشارع أعلى عندما تقترب منك، ثم أقل كلما ابتعدت؟!
السبب هو أنه عندما تتحرك السيارة بالقرب منك؛ فإن الأمواج تنضغط معًا كما في موجات الصوت؛ فتبدو أعلى عندما تقترب، وموجات الضوء المرئي التي تتضاغط مع بعضها (يصبح طولها الموجي أقصر)؛ فتميل أكثر للون الأزرق (blueshift).
وعندما يتحرك الجسم بعيدًا؛ فإن الأمواج تمتد بعيدًا كما في موجات الصوت؛ فتبدو أقل عندما تبتعد. وبالمثل لموجات الضوء المرئي (يصبح طولها الموجي أطول) فتميل أكثر للون الأحمر (redshift).
باستخدام أجهزة الطيف الحساس لقياس طيف النجم مع مرور الوقت، يمكن للعلماء اكتشاف تأثير دوبلر لمعرفة ما إذا كان الكوكب في السماء يتحرك بالقرب منا أو بعيدًا عنا.
2. العبور (Transit)
عندما يمر كوكب مباشرة بين المراقب على الأرض ونجمه الذي يدور حوله يُطلق على هذه الظاهرة «العبور»؛ فيحجب الكوكب بعضًا من ضوء النجم لفترة وجيزة من الوقت، ويصبح هذا النجم باهتًا، ومن ثَمَّ نحصل على البيانات ونستخدمها لرسم منحنى الضوء، وهو رسم بياني يوضح العلاقة بين شدة الضوء للأجسام السماوية مثل: النجوم خلال الزمن.
واحدة من أعظم مزايا قياس الضوء العابر أنها يمكن أن توفر معلومات دقيقة عن الكوكب العابر؛ فكلما كان الكوكب كبيرًا؛ فإنه يحجب كمية أكبر من الضوء؛ لذلك فهي تخلق تغيرات أكبر في منحنى الشدة الضوئية، وبالمثل كلما كان الكوكب صغير؛ فإنه يحجب كمية أقل من الضوء ويخلق تغيرات أقل في المنحنى.
باستطاعتنا أيضًا أن نحسب كتلة الكوكب عن طريق السرعة القطرية (الطريقة السابقة). وبقسمة كتلة الكوكب على حجمه نحصل على كثافة الكوكب، ومن هنا يمكن للفلكيين تحديد البنية المادية للكوكب وتكوينه، أي تحديد ما إذا كان كوكبًا عملاقًا أو كوكبًا صخريًّا.
ومن الصعوبات الرئيسية في قياس الضوء العابر أنه من أجل قياس التأثير الضوئي لا بد أن يمر كوكب مباشرة بين نجمه والأرض؛ لكي يحدث العبور يجب أن يكون المستوى المداري تقريبًا بمحاذاة الراصد على الأرض، وهذا ينطبق فقط على أقلية من الكواكب البعيدة.
3. التصوير المباشر (Direct Imaging)
الكواكب الخارجية بعيدة جدًّا؛ لذلك التقاط صور لها بنفس الطريقة التي نتخذها لتصوير كوكب المشتري أو الزهرة مثلًا، صعب للغاية؛ ولكن باستخدام التقنيات الحديثة والتكنولوجيا المتطورة نجعل ذلك ممكنًا بالبحث عن الضوء المنعكس من الغلاف الجوي للكوكب بأطوال موجات الأشعة تحت الحمراء.
المشكلة الرئيسية التي يواجهها الفلكيون في محاولة التصوير المباشر للكواكب الخارجية هي أن النجوم التي تدور حولها أكثر إشراقًا بملايين المرات من كواكبهم؛ لذلك أي إشعاع حراري أو ضوء ينعكس من الكوكب نفسه يغرق بفعل الكميات الهائلة من الأشعة القادمة من نجمها المضيف؛ كأنك تبحث عن اليراعة التي ترفرف حول مصباح مضيء.
عادةً في الأيام المشمسة تَستخدم النظارة الشمسية أو ربما تستخدم يدك في حجب أشعة الشمس حتى تستطيع رؤية الأشياء من حولك. هذا هو المبدأ وراء الأدوات المصممة للتصوير المباشر؛ لذلك تُستخدم تقنيات لحجب ضوء النجوم؛ فبمجرد تقليل وهج النجم، يمكنهم الحصول على نظرة أفضل للأشياء من حوله. وهناك طريقتان رئيسيتان يستخدمها الفلكيون لحجب ضوء النجم هما:
- جهاز تصوير طبقة الكورونا (Coronagraphy): يستخدم داخل التلسكوب لحجب ضوء النجم قبل وصوله إلى كاشف التلسكوب. تم بناؤه كجزء داخلي في التليسكوبات، ويُستخدم بالفعل لتصوير الكواكب الخارجية مباشرة من المراصد الأرضية.
- جهاز حجب ضوء النجوم (Starshade): يتم وضعه خارجيًّا لحجب ضوء النجم قبل عبوره للتليسكوب؛ لذلك قاتم النجوم يجب أن يكون في مركبة فضائية منفصلة عن التليسكوب ومصمم لوضعه على مسافة وزاوية مناسبة لحجب ضوء النجوم.
أحد مميزات التصوير المباشر أنها الأكثر استخدامًا عندما يتعلق الأمر بوصف الغلاف الجوي للكواكب الخارجية. أما قصورها فإنها لا يمكنها الكشف عن الكواكب إلا عندما تدور حول نجومها بمسافات بعيدة أو تكون ضخمة؛ لذلك فإن هذه الطريقة ليست مفيدة عندما يتعلق الأمر بالبحث عن الكواكب الخارجية التي يحتمل أن تكون صالحة للسكن.
4. عدسة الجاذبية (Gravitational lensing)
طريقة نلاحظ بها أن أشعة الضوء القادمة من النجوم البعيدة تنحني حول الكواكب الخارجية ونجومها وتظهر للمراقب على الأرض؛ فتجعلها تبدو أكثر لمعانًا لمدة شهر تقريبًا ثم تتلاشى. يحدث هذا التأثير فقط عندما يقع نجمان بمحاذاة بعضهما بالنسبة إلى المراقب.
طبقًا لنسبية أينشتاين، وجد أن المكان والزمان متداخلان وينحنيان على بعضهم البعض باسم الزمكان. أدرك أن الأجسام تسببت انحناءً في الزمكان حسب كتلهتها.
تخيل وضع جسم كبير في وسط الترامبولين سيحدث انحناء على القماش أكبر من انحناء جسم آخر أقل منه في الكتلة. وتبعًا؛ لذلك فإن مسار الضوء القادم من النجم ينحرف عند مروره قرب كتلة ضخمة كالشمس متأثرًا بانحناء الزمكان ويصبح مركزًا كعدسة مُكبرة.
هذه الطريقة تم استخدامها بواسطة آرثر إدينغتون عام 1919 كأول إثبات تجريبي لنظرية النسبية؛ فأثناء خسوف الشمس أرادوا التقاط صورة للنجوم كانت مرئية في النطاق حول الشمس، والمفاجأة أن الصورة أكدت تنبأ أينشتاين ووجدوا أن ضوء هذه النجوم انحنى لمجال جاذبية الشمس.
الفلكيون لا يمكنهم التنبؤ متى أو أين ستحدث عدسة الجاذبية؛ لذلك يتعين عليهم مشاهدة أجزاء كبيرة من السماء خلال فترة طويلة من الزمن؛ فعند تسجيل نجم يكون في البداية أكثر لمعانًا لمدة شهر تقريبًا ثم يعتم، ويقومون بتحليل البيانات للحصول على معلومات حول الحجم المقدر للنجم وما يدور حوله.
في بعض الأحيان يمكن لهذه الطريقة أيضًا أن ترصد الكواكب بين النجوم -التي لا تدور حول أي نجم- ستُسبب تغيرًا سريعًا في عدسة الجاذبية، وتمكَّن الفلكيون من رصدها مما يعطينا فكرة عن مدى شيوع الكواكب «المارقة» في المجرة.
هذه الطريقة هي الوحيدة القادرة على اكتشاف الكواكب الخارجية على بعد آلاف السنين الضوئية. وأيضًا الكواكب ذات الكتلة الصغيرة في مداراتها الواسعة حول نجومها. هذه المميزات جعلت عدسة الجاذبية الطريقة الأكثر فعالية للعثور على كواكب تشبه الأرض حول نجوم شبيهة بالشمس.
وأحد معوقات هذه الطريقة أنها تعتمد على أحداث نادرة وعشوائية -مرور نجم واحد أمام آخر بالضبط- كما يُرى من الأرض مما يجعل عمليات اكتشافها نادرة وغير متوقعة.
5. القياس الفلكي (Astronomy)
طريقة للقياس الدقيق لمواقع النجوم في السماء أي تستخدم في البحث عن التذبذب المنتظم لموقع النجم مقارنة بمواقع النجوم الأخرى. فتأثير دوبلر ليس الطريقة الوحيدة للفلكيين لإيجاد النجوم التي تتمايل بفعل جاذبية كواكبهم. يمكن للتمايل أيضًا أن يكون مرئيًّا كتغييرات في مواقع النجم في السماء، ومن أجل تتبع حركة هذه النجوم. يأخذ العلماء سلسلة من الصور لنجم وبعض النجوم الأخرى القريبة منها، وفي كل صورة يقومون بمقارنة المسافة بين النجوم المرجعية والنجم المحتمل تواجد كوكب خارجي حوله. إذا تحرك النجم المستهدف بالنسبة للنجوم الأخرى، يمكن لعلماء الفلك تحليل هذه الحركة بحثًا عن علامات وجود الكواكب الخارجية.
تزداد حساسية الاكتشافات الفلكية مع زيادة المسافة بين كوكب ونجمه، وهذا يعني أن علم الفلك يمكنه –نظريًّا- اكتشاف الكواكب الصغيرة التي تدور بعيدة عن نجومها، وهى ميزة حاسمة للعلماء الذين يبحثون عن الكواكب الشبيهة بالأرض.
القياس الفلكي يتطلب علم بصريات دقيق للغاية، ويصعب القيام به على سطح الأرض؛ لأن غلافنا الجوي يشوه ويحني الضوء. وأيضًا؛ لأنها تتطلب درجة من الدقة نادرًا ما يتم تحقيقها حتى مع التلسكوبات الأكبر والأكثر تقدمًا. وما زال صراع البحث عن عوالم جديدة يشغل تفكير العلماء أملًا في استكشاف وفهم الكون الذي نعيش فيه وبحثًا عن معالم الحياة.