عراق خنزير في يد مجذوم: لمحات واقعية من إيران المعاصرة
لا شك أن أول ما سيلفت انتباه القارئ ويثير استغرابه في هذه الرواية/النوفيلا هو ذلك العنوان الغريب، وما الذي يرمي إليه الكاتب من تصديره كعنوان لروايته، وهو الأمر الذي لن يكتشفه حتى يمضي في قراءة الرواية، ليجد تلك المقولة لعلي بن أبي طالب والتي تأتي على خلفية أحداث الرواية:
والتي حرص الكاتب على شرح معناها وبيان كيف توصف الدنيا كلها بشيءٍ حقير لا قيمة له كبقايا اللحم التي تكون في يد مريضٍ بالجذام يهرب الناس منه خوفًا من العدوى.
في روايته التي حملت هذا العنوان يعرض الروائي الإيراني مصطفى مستور لوحة بانورامية للمجتمع الإيراني المعاصر، وقد اختار لذلك تقنية الراوي العليم الذي يدور حول عدد من البيوت في برجٍ سكني واحد ليرصد تفاصيل الحياة داخله.
في خمسة فصول/ مقاطع قصيرة نتعرّف على حياة نحو عشرة أفراد من عائلات مختلفة وثقافات وتقاليد متباينة، ربما يصلح كل واحدٍ منهم لكي يقوم ببطولة عملٍ روائي مستقل، ولكنه أراد أن يجمعهم في لوحةٍ واحدة ليطرح تلك الرؤية الأشمل.
نجد أنفسنا نتساءل منذ بداية الرواية مع دانيال الذي لا نعرف مشكلته تحديدًا، ولكننا نغرق معه في عددٍ من التساؤلات الوجودية، وننتقل فورًا منه إلى غيره من الجيران الذين يعيشون في نفس العمارة، فنتعرف على مشكلة الطلاق وتربية البنت التي يتعرض لها محسن وسيمين، وكذلك مشكلة عالم الفلك الدكتور محمد مفيد الذي يخشى وفاة ابنه المصاب بالسرطان، وغيرها من الحكايات الدرامية التي تمتلئ بها هذه البناية.
داخل كل بيت وبين جدران كل غرفةٍ مغلقة تموج صراعاتٌ عديدة، ويشهد كل فردٍ/بطل من أفراد الرواية تداعي عالمه الخاص، يرصد الكاتب ذلك بدقةٍ وبساطة، ليس ثمة أحلام متحققة ولا آمال عريضة يمكن لأحدٍ أن يسعى إليها، ليس إلا بواقي حياة وبواقي أحلام، كالرسائل التي يتركها الحبيب لحبيبته، والصورة التي يسعى المصور لالتقاطها لفتاةٍ تشبه حبيبته التي اختفت فجأة.
استطاع مصطفى مستور أن ينقل ببراعة صورة واقعية شديدة التأثير، دون أن يغرق في دراما الحكايات الجانبية، وأن يعبّر عن جوانب مختلف الأزمات التي تحيط بأبطاله الذين لا يمثلون بالتأكيد إيران وحدها، ولكن يمثلون مأساة الإنسانية بصفةٍ عامة في عالم اليوم، وكيف أن إيران رغم ما تحاول أن تصل إليه من تقدم وازدهار في عالم اليوم، وما تحاول أن تصنعه من رؤية مغايرة ومختلفة عن العالم من حولها إلا أنها غارقة في نفس المستنقع الآسن الذي يعاني منه الجميع.
في الرواية مزجٌ بين الحكايات الاجتماعية المأساوية، وبين بعض الإشارات السياسية للخلافات بين بعض الأحزاب والتوجهات الذي يؤدي إلى قتل أحد الأفراد المختلفين عنهم، في الوقت نفسه نجد اختلاف المصالح بين العاهرة والقواد وما يمكن أن يوصل الناس إليه في حكاية سوسن التي تقع في غرام أحد زبائنها الذي تكتشف أنه شاعر ويروقها أن يأخذها لعالمٍ آخر مختلف عن المادية التي تغرق فيها.
اقرأ أيضًا: الإيمان والفن في إيران: حوار مع الروائي «مصطفى مستور»
مصطفى مستور روائي ومترجم إيراني، ذاع صيته عربيًا بعد نشر وترجمة روايته وجه الله إلى العربية والتي حازت استحسانًا نقديًا وإقبالًا جماهيريًا كبيرًا في نسختها الفارسية التي نشرت عام 2001 ونال بها صاحبها جائزة القلم الذهبي، ثم عندما تُرجمت إلى العربية عام 2015، خاصة وأنها تحمل تناولاً صوفيًا خاصًا شديد الجاذبية.
صدرت روايته «عراق خنزير في يد مجذوم» عام 2005 ولاقت إقبالاً منقطع النظير. يعد مستور اليوم واحدًا من أهم عشرة أدباء إيرانيين معاصرين، وتحمل كتاباته طابعًا خاصًا يحرص على التنقل بين الواقعية والصوفية كما وجدنا في الرواية التي بين أيدينا.
ولعل من حسن حظ الكاتب أن نُقلت رواياته من خلال روائي ومترجم محترف، هو المترجم العراقي غسان حمدان الذي درس في إيران واهتم بعلم الاجتماع الإيراني الحديث، وترجم عددًا من الكتب والمؤلفات الدرامية والأدبية الفارسية للعربية.