بترول «أرامكو» يعود إلى القاهرة: فيما ذهب وكيف عاد؟
قبل سبعة أيام، بطلاقة وبشكل مفاجئ، بلا تمهيدات أو تلويحات، خرج طارق الملا، وزير البترول والثروة المعدنية المصري، ليعلن استئناف شركة أرامكو السعودية توريد المنتجات البترولية إلى مصر بعد نحو خمسة أشهر من انقطاعها المفاجئ، في أكتوبر/ تشرين الأول.
وهكذا عاودت مجموعة من برامج التلفاز المصرية حديثها السابق عن قوة العلاقات بين القاهرة والرياض، بينما تحدثت أخرى عن قوة الدولة المصرية وعدم رضوخها لمحاولات الضغط الخارجية، وما بين هذا وذاك استقى المتابع عددًا من الأسباب التي تفسر عودة هذه المنتجات البترولية، والتي مال أغلبها إلى الجزم بقوة العلاقات بين الطرفين، وأنه من الطبيعي عودتها مرة أخرى. ولم يمر سوى يومين حتى جددت الخارجية المصرية على لسان المتحدث الرسمي باسمها أحمد أبو زيد تأكيدها على «استراتيجية العلاقات بين القاهرة والرياض»، منتقدة التدخلات الإيرانية السلبية بالمنطقة.
يطرح ذلك عدة تساؤلات حول أسباب هذا الربط، ودوافع الاستئناف المفاجئ للإمدادات البترولية السعودية، هل لواشنطن دور في ذلك، وإن كان لها دور، فما موقف القاهرة، وماذا ستقدم في المقابل، وماذا عن مستقبل علاقاتها مع الرياض؟
الأمر الذي نستعرضه في سياق التقرير.
«أرامكو» والرواية المصرية
شهد أبريل/نيسان الماضي زيارة للعاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى مصر، تم خلالها توقيع اتفاق بين البلدين على إمداد مصر بمنتجات بترولية مكررة بواقع 700 ألف طن شهريًا لمدة خمس سنوات، بقيمة 23 مليار دولار، على أن يتم السداد على 15 عامًا، قائم على الدفع الآجل وهو الأمر الذي يعطي العديد من المميزات عن أي اتفاقات أخرى.
وهكذا تسلمت مصر أول شحنة فى مايو/ آيار بمعدل 700 ألف طن، فيما وصلت آخر شحنة في سبتمبر/أيلول وتوقفت في أكتوبر/ تشرين الأول دون ذكر أسباب.
كان متوقعًا أن يصدر أبو زيد مثل هذا التصريح، فهو دبلوماسي محنك ومتحدث بلسان الخارجية المصرية، مما يحتم عليه التأكيد أن توقف المنتجات البترولية أو استئنافها ليس له أي أسباب سياسية، أما بالنظر إلى أسباب الملا فهي غير مقنعة، فلا يمكن لأعمال الصيانة – كما أشار الكاتب «عبد الباري عطوان» في إحدى مقالاته – أن تستمر في مصافي أرامكو، أو أي مصاف أخرى، لنحو خمسة أشهر!
وفي هذا السياق؛أرجع العديد من المراقبين هذا التوقف إلى الخلاف بين الجانبين حول الملف السوري، على خلفية تصويت القاهرة لصالح قرار روسي يرفض إدانة نظام بشار الأسد ودعمه بمجلس الأمن، على خلاف توجه الرياض التي تعارض بقاء الأسد في السلطة، كما فاقم التوتر الرفض المصري لإعادة جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية وتوالي الأنباء عن توجه القاهرة نحو إيران للحصول على الإمدادات النفطية.
ومن هنا؛ إذا كانت رواية وزارتي الخارجية والبترول غير مقنعتين، فما هو السبب الحقيقي وراء تلك الخطوة المفاجئة؟
ترامب كان حاضرًا في الكواليس
يبدو لأي متابع للسياسة السعودية أن عودة ضخ النفط لمصر تزامن مع زيارة ولي ولي العهد محمد بن سلمان لواشنطن، الأمر الذي لا يمكن النظر إليه كدرب من المصادفة، حيث أشارت العديد من الدوائر السياسية إلى أن هذه الزيارة لعبت دورًا كبيرًا في استنئناف ضخ هذا النفط، وأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو الدافع والمحرك الحقيقي لهذه الخطوة، مما يوحي أن إزالة التوتر في العلاقات بين الطرفين قد تم التخطيط له مسبقًا في البيت الأبيض.
يمكن الاستدلال على هذا من خلال المكالمة الهاتفية، التي أجراها دونالد ترامب مع العاهل السعودي منذ شهر تقريبًا، والتي تم خلالها الاتفاق على إقامة مناطق آمنة في سوريا واليمن، وتكوين تحالف من الدول المعتدلة لمواجهة السياسات الإيرانية بالمنطقة.
اقرأ أيضًا:تحالف عربي إسرائيلي لمواجهة إيران
وفي سياق سياسات ترامب لمواجهة طهران؛تأتي على ما يبدو أطروحة «الناتو العربي» والذي سبق أن أشار إليه، حيث يضم السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة والأردن إلى جانب إسرائيل، لمواجهة طهران، مما يحتم ضرورة إزالة الفتور في العلاقات المصرية السعودية وعودتها إلى سابق عهدها، كخطوة لقيام هذا الناتو.
القاهرة تراقب بحذر
بعد معرفة الدور الذي من المحتمل أن يلعبه دونالد ترامب في محاولة لإعادة العلاقات المصرية السعودية لسابق عهدها، ننتقل للجانب المصري وموقفه من تلك المحاولة، وهنا يمكن الإشارة إلى أن استجابة القاهرة لتلك الخطوة أمر متوقع، خاصة مع التأكيدات المتكررة من الجانب المصري على أهمية العلاقة مع المملكة ونفيها المستمر لوجود أي خلاف بين الجانبين، كما سبق الإشارة إليه بتأكيد وزارة الخارجية على «استراتيجية العلاقات مع الرياض».
ومع ذلك فالتساؤل المطروح الآن هو: هل بالفعل ستعود العلاقات بين البلدين لسابق عهدها، متجاوزةً التوترات والملفات العالقة بين البلدين؟
يمكن في هذا الإطار توقع عودة العلاقات ظاهريًا في حال صدق الأنباء عن احتمالية عقد قمة بين الجانبين بالأردن، على هامش أعمال القمة العربية المرتقبة في أواخر مارس/ آذار الجاري، ولكن ما لا يمكن تجاهله في هذا السياق أن هذه العلاقات لن تعود – على الأقل في المدى القصير – إلى ما كانت عليه من قبل، إذ لن يكون ثمة حماس للعمل المشترك إزاء قضايا المنطقة.
وهو الأمر الذي يمكننا إرجاعه إلى استمرار وجود أزمة الملفات العالقة بين البلدين خاصة ملف جزيرتي تيران وصنافير، والرؤية السعودية للموقف المصري منها، والنظر إليها كمحاولة للمرواغة وعدم الشفافية، هذا بالإضافة إلى التباين بين الجانبين حول عدد من قضايا المنطقة في مقدمتها الأزمة في اليمن وسوريا.
المملكة الآن ليس لديها هذا الشغف لعودة العلاقات كما كانت في ظل تعدد خياراتها ووجود القوى الإقليمية الأخرى التي يمكن أن تستفيد منها وتوثق التعاون معها كما هو الحال مع تركيا، والتي لا يكاد يمر شهر حتى تتوالى التصريحات حول تبادل الزيارة بين تركيا والخليج وعقد العديد من الاتفاقيات التي تمهد لتعاون استراتيجي بين الجانبين.
هذا من جانب المملكة، أما من جانب مصر، فالأمر أيضًا لا يبشر بعودة قوية لعلاقات البلدين، فعلى الرغم من امتلاك مصر الرغبة في استعادة المملكة، إلا أن هذا لايعني بالضرورة الوقوف وراء هذا التحالف السعودي الأمريكي لمحاصرة إيران والذي كان الدافع الأساسي للمبادرة الأمريكية.
فمازالت القاهرة تقف موقف المراقب الحذر لهذا التحالف وإمكانية قيامه، كما أنها لا تزال تنتظر ضمانات حقيقية من جانب ترامب حول الموقف الأمريكي منها ومستقبله، وعودة المنتجات البترولية ليست مؤشرًا أو ضمانة كافية في هذا الإطار.
وأخيرًا تجدر الإشارة إلى أن هذه المحاولات لضم مصر ضمن تحالف إقليمي لمواجهة إيران، ليست بالضرورة أن تنجح، فالقاهرة على مدار عقود مضت لم تتأزم علاقاتها مع طهران لتشمل الدخول في تحالفات ضدها، بل كانت تكتفي في أغلب الأحيان بتأكيد الرفض للتدخلات الإيرانية والإعلان عن أنها من أوائل الدول التي قطعت علاقاتها بإيران.