«سان بطرسبرج»: مدينة الجمال والتمرد في روسيا
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
يبرز المقال، الذي نشرته ديرشبيجل الألمانية في نسختها الدولية، أهمية مدينة سان بطرسبرج الروسية كأهم معاقل التمرد والاحتجاج على السلطة الحاكمة في البلاد، فضلًا على أنها المدينة الوحيدة التي لاتزال تحظى المعارضة داخلها بصوت مسموع. ويوضح المقال أن سان بطرسبرج ظلت عاصمة لروسيا طيلة قرنين من الزمن، وتم تغيير اسمها ثلاث مرات خلال القرن الماضي، وكانت المدينة التي يحكم من خلالها القياصرة، فضلًا على أنها شهدت قيام فلاديمير لينين بالإطاحة بحكومة كيرينيسكي وإطلاق ثورته الدموية. لكن تغيرًا شهدته المدينة مع انتقال الحكومة إلى موسكو عام 1918، لتنزلق إلى مستنقع المناطقية (بمعنى أنها تعرضت للتمييز والعنصرية).على الرغم من ذلك، يشير التقرير إلى أن المدينة تحقق تفوقًا في عدد من الأصعدة، إذ تُعد أهم الموانئ الروسية المطلة على بحر البلطيق، وتشبه في تلألئها مدينة البندقية الإيطالية (فينيسيا)، حيث يوجد بها 342 جسرًا تُفتح 9 منها للسفن كل ليلة. ويحوي مركزها التاريخي 2300 قصر وقلعة ومباني أخرى خلابة، ما دفع لجنة التحكيم الخاصة بجائزة السفر العالمية لإقرار المدينة كأكثر الأماكن الثقافية المهمة في العالم، وزارها العام الماضي أكثر من 6.9 مليون شخص. ويوضح التقرير أيضًا أن سان بطرسبرج لا تزال نقطة مركزية للحكومة، فبوتين ورئيس الوزراء ديميتري ميدفيديف من أبناء المدينة، فضلًا عن أن بوتين بدأ عمله في جهاز المخابرات داخل المدينة في سبعينيات القرن الماضي وكان يُطلق على المدينة حينها ليننجراد. وما يؤكد أهمية المدينة أيضًا للحكومة الروسية، أن بوتين يستقبل ضيوف الدولة في قصر كونستانتين بالمدينة، بل يصطحبهم في جولات إلى متحف الأرميتاج وأيضًا لمشاهدة العروض بمسرح ماريينسكي.أما على صعيد التمرد والاحتجاجات، فيلمح التقرير إلى أن إقبال الناخبين يظهر أن سان بطرسبرج هي المكان الذي يشهد تمرد الشعب ضد استبداد سياسات موسكو. وخلال سبتمبر/أيلول العام الماضي، أثناء التصويت لاختيار البرلمان الجديد، أدلى أقل من ثلث سكان المدينة بأصواتهم في الانتخابات.أيضًا، صوتت نسبة 13% ممن يحق لهم التصويت بالمدينة لصالح الحزب الحاكم التابع لبوتين، على عكس الشيشان التي شهدت تصويتا نسبته 91% لصالح الحزب نفسه.ويلفت التقرير النظر إلى الاحتجاجات التي شهدتها سان بطرسبرج على خلفية مقتل السياسي المعارض بوريس نيمستوف في موسكو، حيث نزل 15 ألفا من سكان المدينة إلى الشوارع للاحتجاج على ما ترتكبه السلطات بحق الليبراليين في روسيا. ويؤكد المقال أنه لا يوجد مكان في روسيا يمثل ضغطًا شعبيًا على الحكام أكثر من مدينة سان بطرسبرج، فالحاكم الحالي لسان بطرسبرج هو خامس حاكم للمدينة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي. وكان بوتين قد أُجبِر على الإطاحة بالحاكمة السابقة للمدينة من منصبها وإعادتها لموسكو بعد احتجاجات عارمة ضدها.وتتأصل روح التناقض في سان بطرسبرج، حيث اضطرت المدينة لأن تضحي بالكثير من أبنائها خلال الحقبة الشيوعية، فكانت موسكو تنظر إلى أنها تمثل تهديدًا سياسيًا وفكريًا. دفع ذلك الأمر الزعيم جوزيف ستالين إلى قمع عدد كبير من مواطني المدينة في ثلاثينيات القرن الماضي واستمر القمع داخلها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.وبالانتقال إلى عام 1950، يشير المقال إلى أنه قد تم إعدام قيادة المدينة بأكملها رميًا بالرصاص بزعم أنها كانت على وشك تأسيس حزب شيوعي جديد، وأعادت موسكو العمل بعقوبة الإعدام خصيصًا لتلك القضية، بعد إلغائها عام 1947.وفي أواخر سبعينيات القرن الماضي أيضًا، استمر الكرملين في تعقب فرق «الأندرجراوند الغنائية» بالمدينة، والتي كانت تقوم بتوزيع منشورات محظورة. ويوضح أيضًا أن أحد العناصر المميزة للمدينة هو مغني الروك الشهير سيرجي شنوروف، الذي يعد جزءًا من تاريخ «الأندرجراوند» بسان بطرسبرج.
وينسب التقرير لشنوروف قوله: «إن هناك العديد من المحرمات داخل روسيا لكن يمكن التغلب عليها، إذا بقيت بعيدًا بمسافة كافية عن السياسة، وبحثت عن لغة مشتركة مع الناس». موضحًاأن مواطني بلاده يعيشون حياة بشعة يوميًا، ما دفعه لتأليف أغنية في ذلك الصدد اعتبرها البعض هراء، فيما رآها آخرون ناجحة، وحقق الفيديو الخاص بالأغنية أكثر من 30 مليون مشاهدة على موقع يوتيوب.ويوضح التقرير أيضًا أن سكان المدينة استطاعوا تحقيق الانتصار الأكبر ضد شركة «جازبروم» المملوكة للحكومة الروسية، حيث كان المديرون التنفيذيون للشركة يرغبون في بناء مركز لها، عبارة عن ناطحة سحاب بارتفاع 400 متر على الرغم من حظر بناء تلك الأبنية بالمدينة. وقاد عضو المجلس البلدي لمدينة سان بطرسبرج بوريس فيشنفسكي حركة الاحتجاج ضد بناء ناطحة السحاب، وكتب أكثر من 400 مقالة لتحريك الجماهير ضد الشركة، وتمت مناقشة الأمر أمام المحكمة العليا، لتتراجع الشركة في النهاية بعد 4 أعوام عن المشروع.ويلفت المقال إلى أن ثمة أحداثا أخرى تؤكد أن المدينة لا تذعِن بسهولة للسطات، حيث نشبت خلافات بعد أن وعد حاكم المدينة بنقل كاتدرائية القديس إسحاق إلى عهدة الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، متجاهلًا جميع العقبات القانونية وغير مكترث بمعرفة آراء مواطني المدينة في ذلك الأمر. لكن النائب فيشنفسكي أعلنها صراحة مؤخرًا أنه لن يتم تسليم الكنيسة، وفي غضون وقت قصير قام 200 ألف من سكان سان بطرسبرج بالتوقيع على عريضة احتجاج على الأمر على شبكة الإنترنت.أيضًا، لا يوجد مكان آخر في روسيا يحقق داخله الناشطون نجاحًا في تقييد حرية عمل ممثلي السلطة إلا في سان بطرسبرج، ويرجع ذلك أيضًا لما تحقق من نجاح في الأيام الأولى للديمقراطية بروسيا. وكانت المدينة تحظى ببرلمان متخصص، يتقاضى أفراده راتبًا، وغير مسموح لهم العمل بوظائف أخرى، ما كان يمكنهم من مراقبة الحكام التابعين لبوتين.