بيبي: الطيب الذي لم يعرفه أحد
بعد 10 سنوات قضاها «بيبي» داخل أسوار «البرنابيو» رحل في هدوء على عكس ما اعتاده الناس منه في الملعب أو ما أشاعه الكثير عنه، رحل بيبي تاركًا خلفه إرثًا كبيرًا من التضحية والقتال من أجل شعار دافع عنه بكل ما يملك، كذلك ترك خلفه الكثير من الجدل حول كونه لا يتمتع بأخلاق الرياضة، بسبب عنفه الزائد أو كونه مدافعًا جيدًا أم لا من الأساس. 10 سنوات من بيبي الذي لم يكن سوى درع ريال مدريد، وأحيانًا سيفه.
كيف تظلم نفسك مدى الحياة؟ بيبي الشرس
عاش بيبي –كما يحكي دائمًا- حالمًا بأن يُدافع عن القميص الأبيض، وحين سنحت له الفُرصة لتحقيق حلمه بعد التألق مع «بورتو» البرتغالي ترك انطباعًا مبدئيًا يوحي بأنه لاعب عنيف، المُشكلة أن هذا الانطباع لم يترسب فقط في عقول الحكام الذين باتوا يتصيدون له، بل في كُل منفذ إعلامي، مما جعل اللاعب يعيش ضغوطًا لا مثيل لها.
القصة الأشهر في تاريخ بيبي، وربما الشيء الأسرع الذي ستتذكره عند سؤالك عن اللاعب البرتغالي، كانت بتاريخ الواحد والعشرين من أبريل/نيسان من عام 2009 في مقابلة ريال مدريد وخيتافي، حينما كانت لوحة نتائج البرنابيو تشير للتعادل الإيجابي بهدفين لكل فريق، الآن لاعبوا الريال يُهاجمون بكل الطرق لإحراز التقدم للحاق ببرشلونة متصدر الدوري، وإذ بـ«كاسكيرو » متوسط ميدان خيتافي ينفرد بمرمى كاسياس ليجد يد بيبي تدفعه أرضًا، ثم قدمه تركله بعنف لا مثيل له، بالطبع ترك بيبي اللقاء مطرودًا وواجه عقوبة الإيقاف 10 مُباريات.
تلك الحادثة كادت تُكلف بيبي مسيرته الكروية، فقد صرح في وقتها أنه فقد الحماس للعب الكرة ويُفكر بالاعتزال! هل هذا لاعب غير رياضي؟ كل تلك الاعتذارات والوعود بعدم تكرار ما حدث في لحظة غضب، بل التأثر الذي يصل للتفكير في ترك الملعب من الأساس، يؤكد أن الإجابة لا.
مُعاناة بيبي مع تلك اللقطة لم تنته هُنا، بل دفع ثمنها غاليًا هو وريال مدريد في رد فعل طبيعي من الحكام، فالخطأ من بيبي يُعامل بمنظور، والخطأ من الآخرين بآخر، وليس أدل على ذلك من طرده أمام برشلونة في نصف نهائي دوري الأبطال 2011 بعد تدخل على داني ألفيش لو فعله أي لاعب آخر في العالم لنال إنذارًا على أقصى تقدير.
كذلك المُعاناة النفسية، حيث أصبح بيبي مثالًا للوحشية، في حين أن هُناك من هم أعنف منه في جيله وممن سبقوه وتلوه طوال مسيرتهم، وليست مُجرد لقطة، ولم يُعانوا الوصمة نفسها، فإذا صُنف بيبي مُدافعًا عنيفًا فماذا عن دي يونج الذي كاد يقتل تشابي ألونسو في نهائي كأس العالم، أو شاوكروس الذي جعل من ساق أرون رامزي قطعتين، وغيرهما الكثيرون.
أقوى من الجميع، بيبي الطيب
بيبي مُحتفلًا بالفوز علي فرنسا في نهائي يورو 2016 مع روي باتريسيو.
ما حدث في 2009 كان كفيلًا بإنهاء مسيرة البرتغالي، ولكن قوته الذهنية تغلبت على قوة بنيانه واندفاعه، فبعد ذلك لم يرتكب أي فعل مثل هذا، بل أصبح من أفضل مُدافعي جيله، الأمر الذي جعل مُدربًا بحجم «مورينيو» يستخدم قدراته الرهيبة في قطع الكُرات بوضعه في مُنتصف الميدان للتحكم في ميسي، وبالفعل نجح بيبي في ذلك،
استمر بيبي في التألق، حيث ظل أفضل مُدافعي العالم في السنين من 2010 حتى 2016 دون أي مشاكل داخل الملعب أو خارجه، وبمُباريات ظلت في الذاكرة، مثل نهائي الكأس 2011، ومُباراتي نصف النهائي أمام البايرن 2014، ونهائي يورو 2016، والكثير والكثير من دروس الدفاع التي قدمها مجانًا للعالم.
ربما لم يحظ بالدعم الإعلامي للسبب القديم أو لقلة أهدافه الحاسمة مُقارنة براموس، أو لأنه لا يصرح كثيرًا مثل بيكيه، بيبي أكمل مسيرته المدريدية كالذي كرّس حياته يُكفر عن ذنب واحد اقترفه، وبالفعل جاءت المُكافأة له طبقًا للقانون الإلهي، ليُثبت للجميع أنها كانت مُجرد سقطة، وليس طبعًا بداخله، ففي آخر موسمين من الليجا تحصل بيبي على 6 كروت صفراء، في حين تحصل نيمار، على سبيل المثال وهو في مركز هجومي، على 12.
بيبي الذي لم يتلق طردًا واحدًا في آخر 5 مواسم مع ريال مدريد في الليجا صرخ دون أن يُحدث ضجيجًا كعادته أنه وديع جدًا. المكافآت القدرية أدخلته التاريخ ليصبح أول من يحمل كأسًا للبرتغال، وأول من يحمل كأس أوروبا للأندية مرتين متتاليتين.
بيبي الجميل، مشهد النهاية
للأسف لا يحظى المدافعون في لعبتنا الجميلة بالقدر نفسه من الاهتمام الذي يتلقاه لاعبو الثلث الأمامي إلا قليلًا، وهذا القليل هو إما أن تكون هدافًا بالفطرة في استثناء للقاعدة مثل راموس، أو وفي للغاية مثل مالديني، ولكن كونك مُدافعًا جيدًا أم لا من الأساس ليس السبب الأول لتتصدر أغلفة الصُحف.
هل تتذكرون «دانييل أجير»؟ نعم، هو مُدافع ليفربول السابق وأحد أفضل مُدافعي جيله، ولكنه لم يكن يعرف شيئًا مع الدفاع سوى الوشم الذي كان يضعه لنفسه ولأصدقائه. أجير لم يكن يومًا من يغني له الجمهور، ولكنه بالفعل كان موهوبًا أتى في هدوء ورحل في هدوء، بشكل أو بآخر تلك هي حالة «كيبلير» الذي لم يستطع قطع الكرة من ميسي، ومن قبله «رونالدينهو» مثله، فالمُباريات الأخيرة تُثبت كم كان رائعًا في التمركز والانقضاض دون ارتكاب أخطاء، ولكن هدفًا من فاران أو راموس يُحول البوصلة فورًا في اتجاه آخر.
بيبي الذي لم يتحدث يومًا عن تجديد عقده بمبلغ خيالي، بل كررها مرارًا أن هدفه هو البقاء حتى النهاية مدريديستا، بيبي الذي كان يضع ريال مدريد فوق كل شيء فلم يفتعل يومًا مُشكلة مع مُدرب أو لاعب أو إدارة لمصلحته، بيبي الذي كان وبشهادة الجميع القائد الحقيقي لغرف الملابس، هو بيبي الجميل فعلًا.
بيبي لم يكن شرسًا أو ملاكًا، بل كان إنسان أخطأ يومًا واعتذر سنين، ولكن للأسف هو ليس مُهاجمًا لنتذكر له الإحصائيات المرعبة من التهديف في شباك الخصوم، وليس هُنالك إحصائية تذكر أكثر من قطع كُرات بالتاريخ أو شيء على هذا النحو، فيظل أداء المُدافع في أذهان من عاصروه فقط.
الآن كل ما في وسعنا فعله هو ذكر تاريخ مُدافع عظيم حتى لا يتذكره الجميع بمشهد مؤسف واحد، فمن الأفضل أن نتذكر أنه حضر في تشكيلة اليورو لثلاث دورات مُتتالية 2008، و2012، و2016، حتى أنه في 2016 وبعد فوز البرتغال بالكأس الوحيدة في تاريخها في جيل كان بيبي أحد أكبر ركائزه صنفه موقع جول كأفضل مدافعي العالم على حساب «بونوتشي»، و«راموس»، وقال عنه لوبوف مُدافع فرنسا السابق، إنه أفضل لاعب في البطولة وليس مواطنه جريزمان! ولما لا وهو أفضل لاعب في النهائي حسب الويفا.
كان لابُد أن تكون النهاية جميلة، فبعد سنين عاشها بيبي مُحاربًا من أجل شعار ريال مدريد لم تكن لتكتمل الصورة بمُباراة وداعية تكريمًا للاعب عاش عقدًا من الزمان بين أحضان جمهور الشامارتين القديم، بل كان يجب أن يخرج كما خرج، كان يجب أن يُنهي مسيرته كما افتتحها وكما أرادها أن تسير، وبالفعل خرج بيبي من آخر لقاء له على البرنابيو وهو لا يتحمل الألم بسبب كسر في ضلعه وهو يدافع عن مرماه بعد أن أحرز هدف التقدم على أتليتكو مدريد، ليكون حقًّا درع ريال مدريد وسيفه.