بيب جوارديولا: الرجل الذي لا يغيب أثره عن كأس العالم
هكذا تحدث جون ستونز، مدافع المنتخب الإنجليزي وفريق مانشستر سيتي، ليوضح مدى تأثير مدربه بيب جوارديولا على أداء المنتخب الإنجليزي قبل ثلاثة أشهر كاملة من بداية كأس العالم.
الحقيقة أن المنتخب الإنجليزي يقدم أداءً ثابتًا في مباريات كأس العالم الحالي، استطاع من خلاله أن يتأهل لدور الثمانية وهو ما لم يحدث في النسختين الماضيتين، ليقابل فريق السويد ويبدو الفريق الإنجليزي هو الفريق الأوفر حظًا للفوز بالمباراة، وفي حالة حدوث ذلك سيعبر منتخب إنجلترا نحو نصف نهائي البطولة وهو ما لم يحدث منذ عام 1990.
إلا أن ما يعنينا هنا هو قدرة تأثير بيب جوارديولا، إنها ليست المرة الأولى التي يدور فيها الحديث عن أثر بيب كمدرب في المنتخبات التي يدرب أنديتها. فالمنتخب الإسباني حقق كأس العالم 2010 في وجود جوارديولا كمدرب لنادي برشلونة، ثم حقق منتخب ألمانيا اللقب عام 2014 بعد تولي جوارديولا تدريب نادي بايرن ميونخ، والآن بيب جوارديولا هو مدرب فريق مانشستر سيتي وإنجلترا تتقدم نحو كأس العالم بشكل مغاير عن كل النسخ السابقة، الأمر ليس صدفة إذن!
ولكن هل لبيب جوارديولا أثر مباشر في تلك المنتخبات، دعونا نحلل الأمر من بدايته لنتبين هل لجوارديولا أثر بالفعل أم أنه أثر وهمي؟
إسبانيا 2010: القوام والاستحواذ
بدأ جوارديولا رحلته مع نادي برشلونة بداية من موسم 2008/09، ليبدأ في تغيير شكل الفريق تمامًا بعد الاستغناء عن رونالدينيو رفقة بعض اللاعبين والأهم هو بداية ظهور أسماء جديدة مثل بوسكيتس وبيدرو وبيكيه.
استطاع بيب بنهاية عام 2009 أن يهيمن على كرة القدم في العالم ليحقق السداسية الشهيرة، دوري وكأس وسوبر إسبانيا ودوري أبطال أوروبا والسوبر الأوروبي وكأس العالم للأندية. قدم بيب كرة قدم تعتمد بشكل كامل على حرمان المنافس من الكرة ليستحوذ فريق برشلونة على الكرة بشكل دائم، و هو ما ألقى الضوء على أهمية لاعبي خط الوسط خاصة الثلاثي بوسكيتس وانييستا وتشافي، وأسلوب الضغط بدون كرة أيضًا والذي يبدأ من المهاجم صامويل ايتو لاستعادة الكرة والاحتفاظ بها مرة أخرى، حتى أن المباراة التي انتهت بخسارة برشلونه بثلاثية أمام إنتر ميلان الإيطالي في دوري أبطال أوروبا كان الاستحواذ في صالح برشلونة بنسبة 71%.
بالطبع كان لذلك أثر كبير للغاية في أداء المنتخب الإسباني في كأس العالم 2010، بداية من القوام الأساسي للفريق والذي شمل 7 لاعبين يلعبون تحت قيادة جوارديولا؛ بيكيه وبيول في الدفاع والثلاثي «انييستا -تشافي -بوسكيتس» في الوسط وظهور مميز لبيدرو خلال البطولة.
لم تخسر إسبانيا الاستحواذ خلال سبع مباريات في هذه النسخة المونديالية، حتى عندما تقاسمت الاستحواذ في نصف النهائي مع الفريق الألماني ظهرت أكثر فاعلية على المرمى، أثر بيب على إسبانيا في 2010 أثر واضح كما يبدو.
ألمانيا 2014: إعادة التوظيف وأفكار بيب الرائعة
تصريح سابق لـ«يواكيم لوف» مدرب المنتخب الألماني.
قبل موسم واحد من بدء فعاليات كأس العالم 2014، أصبح بيب المدير الفني للعملاق الألماني بايرن ميونخ، خلال هذا الموسم بدأ بيب في الاعتماد على فيليب لام كلاعب خط وسط وهو الاقتراح الذي واجه بعض الانتقادات حينها لأنه لم يحدث من قبل للظهير الألماني بالإضافه إلى عمره. كذلك بزغ الحارس نوير كحارس ليبرو يتقدم ليفسد الهجمات المرسلة في ظهر الدفاع ومشاركته في تمرير الكرة وهو الشيء المولع به بيب في حارس المرمى.
فهل تأثرت ألمانيا بأفكار بيب خلال كأس العالم 2014؟ الإجابة نعم.فقد لعب فيليب لام أغلب مباريات مونديال البرازيل في وسط المعلب وليس كمدافع أيمن. مباراة الجزائر في دور الـ 16 مثال جيد. نستطيع أن نرى مركز فيليب لام في المباراة. وبالتأكيد، كان دور نوير في التغطية في هذه المباراة مثاليًا، كما كان دوره في توزيع الكرات كذلك.
عاد لام إلى مركز المدافع الأيمن بشكل اضطراري بدءًا من دور الـ 8 بعد إصابة موستافي وحتى نهاية البطولة. عاد لام وترك انطباعًا جيدًا في أذهان الملايين من متابعي المانشافت بصحة وجهة نظر بيب في توظيفه في منتصف الملعب سواء في البايرن أو تحت قيادة يواكيم لوف.
إنجلترا 2018: وداعًا للكرات الطويلة
قرر بيب جوارديولا الموسم المنصرم أن يقدم مانشستر سيتي في زي مخالف تمامًا، الاعتماد على ثلاثة في خط الدفاع وبناء الهجمة من الخلف طبقًا لخطة 3-1-4-2، العناصر الإنجليزية في قوام بيب الأساسي ثلاثة عناصر هم ستونز وووكر في الدفاع وستيرلنج في الهجوم.
قرر ساوثجيت الاستعانة بخطة بيب كما هي تمامًا وبالطبع بالثلاثي السابق. يغير بيب من طريقة لعبه خلال الموسم إلى 4-3-3 بمشتقاتها لمحاولة تفادي الإرهاق طوال الموسم، أما ساوثجيت فهو لا يحاول أن يغير من تلك الخطة أبدًا.
تأثر المنتخب الإنجليزي بتلك الخطة بالطبع، ربما لم يسجل من لعبة تكتيكية واضحة سوى أمام بنما الضعيف، لكن في نفس الوقت يبدو المنتخب الإنجليزي على قدر كبير من الثبات والقدرة على التحكم في رتم المباراة. كم كبير من الفرص خلال المباريات لم نره في المنتخب الإنجليزي منذ عقود، انتهت تمامًا الكرات الطويلة وأصبح بناء اللعب من الخلف سمة أساسية للفريق.
تشكيل فريق مانشستر سيتي في بداية الموسم (يمين) وتشكيل منتخب إنجلترا في كأس العالم روسيا 2018.
نعم بيب له أثر واضح، ولكنه ليس الوحيد
تأثرت إذن المنتخبات التي يدرب أنديتها بيب جوارديولا؛ سواء كليًا كالمنتخب الإسباني، أو جزئيًا كالمنتخب الألماني، أو تكتيكيًا كالمنتخب الإنجليزي. لكن يبقى السؤال هنا: لماذا بيب؟
الإجابة لأن الرجل كما قال يواكيم لوف يقدم أفكارًا رائعة، ولأن المنتخبات تبحث دومًا عن الاستقرار والتجانس. لذا فمن المنطقي بالطبع أن يبحث مدربو المنتخبات الوطنية عن لاعبين يتفهمون خطة لعب معينة ويتفاهمون فيما بينهم بعد قضاء موسم طويل.
فمع المعسكرات القصيرة والمقتضبة يصعب على مدرب المنتخب أن يصل إلى تناغم خاص بين اللاعبين أو إعادة توظيف مراكز بعضهم، ولكنه بالطبع يستفيد من مدربي الأندية الذين يقدمون كل ذلك خلال موسم طويل خاصة إذا كان مدربًا مبدعًا مثل بيب جوارديولا.