بيب مدربًا للبرازيل: ماذا لو لعب نيمار كلاعب ارتكاز؟
مرحبًا بك، نحن هنا في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث انتهى مونديال 2026 بالأمس بخسارة منتخب البرازيل أمام إيطاليا «الواقعية» بثلاثة أهداف مقابل هدفين. والمتهم في هذه الخسارة دون شكٍ هو «بيب جوارديولا».
لا جديد يُذكر، لا يزال «جوناثان ويلسون» يتعجّب من إفراط الإسباني في التفكير، على الرغم من الفارق الفني الضخم ما بين تشكيل «السيليساو» ونظيره الإيطالي، الذي يضمن له الفوز دون الحاجة لتدخُّلات متطرفة من جانبه، تاركًا في النهاية تساؤلًا واضحًا: هل كان من المنطقي أن يبدأ «نيمار» نهائي كأس العالم كارتكاز مساند؟
«عقدة الخواجة»
بنهاية مونديال قطر 2022، أعلن «تيتي»، المدير الفني للبرازيل اعتزاله تدريب كرة القدم، بعد فشله في تحقيق اللقب الغائب منذ 20 عامًا، واضعًا «إيدنالدو رودريجيز»، رئيس الاتحاد البرازيلي لكرة القدم، أمام اختبار صعب، حيث أثقل كاهله بحمل مسؤولية اختيار مدرب جديد للمنتخب الوطني.
لحماية نفسه من الجماهير الغاضبة، أشار «رودريجيز» ضمنيًا أنه يرى في «بيب» خيارًا مناسبًا للمستقبل، تتواءم أفكاره مع رغبة الجماهير البرازيلية في لعب كرة قدم جميلة ذات فعالية، على عكس ما قدمه «تيتي» تحفُّظ نجومه، حتى وإن كان هذا الاختيار بدوره قد يضرب عرض الحائط بتقليد «المدرب الوطني» الذي صمد لعقود.
حقيقةً، لم تعد البرازيل قادرة على تخريج أجيالٍ من المدربين الوطنيين أصحاب الأفكار الحديثة، حيث تحولّت كرة القدم داخل البرازيل لبيئة سامّة، يستحيل أن تحتوي المبدعين، أو على أقل تقدير من يحاولون أن يكونوا مُبدعين.
بيئة كرة القدم البرازيلية تفتقد للصبر على المدربين، لأسباب متعددة؛ أهمها رغبة الرؤساء في الحفاظ على مناصبهم. بالتالي، ولأن المدربين بشر، يرغبون في ضمان مصدر دخل لهم و لعائلاتهم، أصبحت الأفكار تدور حول «عدم الخسارة» وليس الفوز. ومن هنا، اكتسبت كرة القدم في البرازيل وجهًا شاحبًا، انعكس بداهة على أداء المنتخب الوطني.
على طاولة المفاوضات
قبل أيام، ودّع نادي «مانشستر سيتي» الإنجليزي مدربه الإسباني «بيب جوارديولا»، بعد عدم الوصول لصيغة اتفاق على عقد جديد يُرضي الطرفين، فيما خرج الإسباني موضحًا حزنه الشديد لترك النادي الذي حلم أن يكمل مسيرته التدريبية بداخله، مُلمحًا إلى إمكانية العودة مجددًا في المستقبل.
المكان: مقر الاتحاد البرازيلي لكرة القدم بـ«ريو دي جانيرو».
الزمان: صيف 2023.
على طاولة المفاوضات، جلس كل من «إيدنالدو رودريجيز»، «بيب جوارديولا»، وشقيقه ومدير أعماله «بيري جوارديولا» من أجل مناقشة إمكانية تدريب نجم برشلونة الأسبق لمنتخب السيليساو.
من داخله، سئم المدير الفني الأسبق لبرشلونة من تدريب الأندية، وتكرار التعليمات على لاعبيه بحصص تدريبية مملة كل يومٍ، بل ويؤمن تمامًا أنّ تدريب أحد المنتخبات الكبيرة مكافأة مثالية على نجاحاته، حيث يمكنه لعب الغولف بأريحية، مع ضمانة بعدم الابتعاد عن الأضواء تمامًا.
بعد أن شرد ذهن «بيب» للحظات، يعود إلى أرض الواقع، أو بمعنىً أوضح، جلسة التفاوض، حيث يخبره رئيس الاتحاد أن الهدف الرئيسي له هو تكوين جيل ممتاز للمنتخب البرازيلي، يلعب كرة قدم جميلة، والأهم؛ الظفر ببطولة كأس العالم. وفي المقابل، يلتزم الاتحاد البرازيلي بمنحه الحرية التامّة في اختيار معاونيه، واللاعبين الذين يرغب في الاعتماد عليهم، بالإضافة إلى عقد يمتد لثلاث سنوات قابلة للتمديد مقابل 15 مليون يورو للعام الواحد.
فجأة، اقتحم جوارديولا الحديث مجيبًا بالموافقة على العرض، موضحًا لرئيس الاتحاد أنّه لطالما حلم بأن يشرف على تدريب المنتخب البرازيلي يومًا ما، لما يكّنه للكرة البرازيلية من احترام منذ أن كان مراهقًا.
يعد «جوارديولا» أحد أنجب تلامذة «كرويف»، كما اشتهر بتقديره الشديد لـ«مارسيلو بييلسا»، لكن ما يخفى عن الغالبية العظمى؛ هو تشكيل «تيلي سانتانا»، المدير الفني الأسبق للبرازيل، لملامح الكرة التي يفضلها الإسباني.
يرى «بيب» أنّ الأهم من الفوز، هو الأسلوب المتبع للوصول إليه، وهنا تتقاطع فلسفته مع فلسفة «سانتانا» الخاصة بلعب كرة القدم، حيث يجب أن تلعب الكرة -طبقًا لهما- من أجل الفوز، وحتى وإن كان التعادل كافيًا؛ لأن هذه الصبغة الهجومية هي ما يعلق بأذهان الجماهير.
بعد إنهاء الاتفاق والإعلان الرسمي عن التعاقد، بدأت التقارير تخرُج من كل حدبٍ وصوب، حول مدى صحة التعاقد مع مدير فني أجنبي للبرازيل، والأهم؛ ما إذا كان «جوارديولا» تحديدًا هو الأنسب لقيادة المنتخب الذي يضم بين صفوفه مجموعة من اللاعبين الذين يصعب ترويضهم فنيًا.
إجابة السؤال الأول كانت بسيطة، تاريخيًا، لجأت البرازيل لبراجماتية أوروبا في أكثر من مناسبة، كان أبرزها؛ إقناع «بيلا جوتمان» في خمسينيات القرن الماضي الجماهير والمسؤولين بضرورة استغلال مهارة لاعبي المنتخب البرازيلي بوضعهم داخل قالب تكتيكي أكثر تعقيدًا، لضمان حصد الألقاب.
أما بالنسبة للسؤال الثاني، بالفعل قد يبدو الإسباني أكثر رغبة في التحكُّم في لاعبيه، عبر تكراره تعليمات حول وضعيات الجسد الصحيحة، طريقة الاستلام والتسلم، ملء الفراغات وأنصاف المساحات، لكن في نفس الوقت، تؤتي هذه التعليمات ثمارها، فلم لا نمنحه فرصة؟
مهمة بسيطة شاقة
بديهيًا، يختلف الإشراف على المنتخبات عن الإشراف على الأندية، وهو ما جعل من مهمة «جوارديولا» مع البرازيل مهمة بسيطة وشاقة في نفس الوقت، لكن كيف؟
أولى المشكلات التي واجهت «بيب» كانت قلة الوقت المسموح للتحضيرات قبل المباريات، ما يعني عدم قدرته على «تحفيظ» لاعبيه لأفكاره، لكن في نفس الوقت، سمح له التباعد بين تجمعات المنتخب باختبار عدد أكبر من اللاعبين للوصول إلى أفضل مجموعة.
نتيجة لهذه الأزمة، اضطر «بيب» لتثبيت خطة لعبه، حتى وإن لجأ لأسماء مختلفة، بل وتخلّى طواعيةً عن رغبته المستمرة في تغيير أنماط الفريق الهجومية والدفاعية، ولجأ للعب كرة قدم أكثر أمانًا.
للعب كرة قدم أكثر أمانا، اعتمدت قوائم «جوارديولا» المستدعاة على أصحاب الخبرة، أو من يعيشون فترة «القمة الكروية»، وهي الفترة ما بين سن الـ24 والـ29، بالتالي ارتكب لاعبوه أخطاءً أقل. وفي منافسة مثل كأس العالم، حينما تمتلك الجودة، وترتكب أخطاءً أقل من منافسيك، قد تصل إلى المباراة النهائية، وهو ما حدث.
بالليلة التي سبقت المباراة النهائية ضد إيطاليا، نظر «جوارديولا» إلى مرآته، وتحدث إلى نفسه قائلًا:
«هذا ليس أنا، مرّت عديد السنوات دون أن أبتكر شيئًا، لقد فزت كثيرًا، وغدًا قد أتوّج بلقب كأس العالم، لكن هل هذا يكفي؟»
ربما تغيّر جوارديولا فعلًا حين أصبح مدربًا لمنتخب كبير، لكنه لم يستطع طرد هاجس الأفكار المتطرفة من رأسه، ليبدأ بـ«نيمار» كارتكاز مساند، كي يضمن أن تكون المتعة حاضرة على أرض الملعب، حتى وإن خسر، تمامًا مثل فريق «سانتانا».