ديستوبيا التكنولوجيا: البشر يخضعون لتطبيقات تقييم رقمي
يتناول مسلسل Black Mirror في حلقته الأولى من الموسم الثالث إلى أي مدى قد تصل بنا تطبيقات التواصل الاجتماعي وما شابهها في المستقبل القريب كان أو البعيد.
هنا، تعمل لايسي لتحسن من مستوى معيشتها للأفضل، لكن لابد لها من أن ترفع تقييمها من 4.2 حتى 4.5 لكي تستطيع أن تتمتع بخدمات المستخدم المثالي من مميزات وخصومات، وكذلك هيْبة، داخل أروقة المجتمع. يعتمد مجتمع لايسي على تقييم بعضهم الآخر على حسب التفاعل بينهم، فكلما أعجب الناس بمشاركاتك معهم رقميًا كلما ارتفع تقييمك، وبالتالي حصلت على مميزات أكثر كخصومات على أماكن شراء وقدرتك على الحصول على عرض تقسيطي أفضل عند شرائك سيارة لك. حتى إن رغبت أن تعيش في مسكن أرقى يمكنك أن تحقق ذلك من خلال رفع تقييمك، وإن لم تعجب مشاركاتك الكثيرين منهم، قل تقييمك وخسرت الكثير من مميزات كما حدث مع لايسي في نهاية الحلقة.
الأمر يصبح واقعًا
ما يتناوله مسلسل Black Mirror ليس ضربًا من الخيال، لكن الأمر يصبح واقعًا حقيقيًا كلما تقدمنا خطوات أكثر جهة المستقبل القريب، فهناك العديد من التطبيقات التي تتشابه مع تطبيق المسلسل في مفهوم التقييم المتبادل بين البشر، ربما أشهرها هو ما بدأت الصين، الدولة الأكبر من حيث تعداد السكان عالميًا، تفعله بالفعل.
الحكومة الصينية تطلق نظامًا لتقييم المواطنين
تسعى دولة الصين العظمى لبناء نظام رقمي لتقييم المواطنين يهدف إلى خلق مجتمع اشتراكي متناغم. حيث أوضحت وثيقة صدرت في سبتمبر/أيلول لعام 2016 خططًا لإدراج كل شخص في الصين بداخل قاعدة بيانات عملاقة، تتضمن هذه البيانات قائمة بالمعلومات المالية والحكومية الخاصة بكل فرد، وكذلك ترصد حتى المخالفات المرورية البسيطة التي يقوم بها، وأضافت هيئة الإذاعة البريطانية أن بيانات كل شخص سيتم تقييمه برقم معين يعبر عنه بناء على المعلومات المتوفرة لدى الحكومة عن الأفراد.
يعمل على ذلك المشروع ثماني شركات تحت إشراف الحكومة الصينية، منها شركة Sesame Credit الجناح المالي لشركة Alibaba التي تملك بيانات ما يزيد عن 400 مليون شخص، وكذلك شركة Baihe التي ستعمل على تعزيز وضع العملاء الذين حصلوا على درجات ائتمان جيدة، ومنحهم أوضاعًا بارزة على موقع الشركة.
النظام العملاق الذي تبنيه الصين لمواطنيها سيؤثر بشكل مباشر على الحالة الاجتماعية وحراكها للمواطنين، سيتحكم في منحهم امتيازات من عدمها، وسيحدد ما إذا كان بإمكان البعض منهم الحصول على قرض أم لا، وهل يستحقون أن يلتحق أولادهم بأفضل المدارس أم لا. هذا بالطبع سيجعل المواطن الصيني يعيش تحت حالة من الرهبة والخوف من الخطأ حتى لا يؤثر ذلك على تقييمه الحكومي ويقلل من امتيازاته التي قد تجعله يخسر فرصًا تحسن من حالته المادية والاجتماعية. ومؤخرًا،صدرت تقارير تقول بأن المواطن ذا التقييم المنخفض بسبب فعل غير أمين لن يستطيع استخدام القطارات والطائرات داخل الصين لمدة عام.
لست مواطنًا صينيًا؟ لا مشكلة. فهناك تطبيقات للعامة مطروحة من شركات خاصة تقوم على التقييم المتبادل بين المستخدمين. فالكثير من التطبيقات تستخدم مفهوم التقييم كركن أساسي بها. فعلى سبيل المثال، صار نظام التقييم ذو الخمس نجوم نظامًا معتادًا نستخدمه بشكل يومي أثناء مواصلاتنا، أثناء مكوثنا على مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى على المستوى المهني أصبح التقييم جزءًا لا يتجزأ من ثقافتنا الرقمية. لن نستطيع حصر تلك التطبيقات لكن سنضرب بعض الأمثلة.
Peeple
يسمح تطبيق Peeple للناس المشتركة به بتقديم توصيات للآخرين في التفاصيل المختلفة بحياتهم المهنية والشخصية وكذلك علاقاتهم العاطفية، فيمكنك التطبيق من تقييم الناس كما لو أنك تقيم بضائع على موقع أمازون.
واجهت النسخة الأولى منه انتقادات واسعة جدا بشأن مخاوف المضايقات التي قد تنتج عنه للبعض وكذلك مدى مخالفة التطبيق لأبسط حقوق الإنسان لاعتباره بابًا ممكنًا للتهكم وتوجيه النقد اللاذع للأشخاص والتقليل منهم. على الرغم من ذلك يرى المسؤولون أنه سيساعد الناس أن تحسن من علاقاتها للأفضل، وسيمكنهم من الحصول على فرص مهنية أفضل، ويعزز من آلية اتخاذ القرار وأخذها بصورة أكثر استنارة حول الآخرين.
عزف الكثير من الناس عن استخدام التطبيق رفضًا لفكرته وتحريضه على التفرقة والمضايقات الصريحة للعامة، وواجه التطبيق انهيارًا نتيجة لذلك العزوف، لكن ما زال البعض يرى أن ذلك النوع سيظهر بنفس المبدأ على نفس الشاكلة أو غيرها في المستقبل القريب.
يحتوي موقع LinkedIn على خاصية تأكيد ومصادقة لمهارات بعضنا الآخر تسمى Endorsement أو مصادقة. يضيف أحد زملائك مجموعة من المهارات التي يراها في نفسه على حسابه الخاص، ويقوم البعض بالمصادقة على هذه المهارات أو لا، وإن كثر عدد المصادقات على مجموعة من المهارات فهذا يزيد من التأكيد على أن هذا الشخص يتمتع فعلا بهذه المهارات، أما المهارات التي حصلت على أقل مصادقات فتعني أن الآخرين لا يرون أنك تتمتع بهذه المهارات بشكل قوي. بالتالي يظهر أن مهاراتك تقع تحت وطأة آراء المحيطين بك والتي يتوجب عليك إقناعهم بقدراتك ليصادقوك عليها.
Uber
تطبيق Uber والتطبيقات الشبيهة به تمكن مستخدميه سواءً كانوا سائقين أو ركابًا من تقييم بعضهم الآخر، وعلى أساس التقييم تقرر الشركة تقديم خصومات أو حوافز وعروض يستفيد منها كلا الجانبين. تلقى السائق يقدم زجاجة مياه أو حلوى للركاب حتى يستطيع أن يحصل منهم على تقييم مرتفع، وكذلك يقيم السائق مستخدم الخدمة من حيث تعامله معه من لحظة ركوبه حتى لحظة نزوله من سيارته.
تعتمد الشركة على مبدأ عدم الكشف عن الأشخاص المقيمين لبعضهم البعض، فلا يمكنك أن تتعرف على من أعطاك تقييمًا بنجمتين ومن أعطاك تقييمًا بخمس نجمات، لكن ترى متوسط تقييمك عامة سواء كنت سائقًا أو راكبًا. لكن البعض يحاول استنباط ومعرفة من أعطاه تقييمًا عاليًا ومن لم يعطه من خلال المتابعة المستمرة للتقييم بعد كل عملية توصيل، وعليه يبادل السائق راكبه تقييمًا مماثلاً دون الامتثال لقواعد التقييم.
قواعد التقييم كذلك تحمل بعض النقص بها وتحتاج إلى كثير من التطوير والتحسين، من المواقف التي تعبر عن ذلك تقول إحدى السائقات إنها حصلت على تقييم ضعيف نتيجة أنها تمنع الراكبين من الركوب معها إن كانوا يجلبون معهم خمرًا. هي بالتأكيد لم تكسر أي قواعد، لكنها على المستوى الشخصي لا تحب أن يركب أحد سيارتها ومعه خمر. في النهاية، اضطرت أن تدفع 100 دولار حتى تستطيع أن تعود للعمل مع Uber مرة ثانية بعد أن تم طردها.
هناك العديد من التطبيقات التي تستخدم التقييم كذلك كتطبيقات المواعدة المختلفة، ومواقع التواصل الاجتماعي. أصبح نظام التقييم جزءًا رئيسيًا من الحياة الرقمية الآن، وأصبح عاملاً رئيسيًا للحكومات والشركات وكذلك الأفراد وله تأثيره على الحياة المجتمعية في نقاط عديدة.
المستقبل يؤكد أن نظام التقييم سيدخل جميع نواحي حياتنا عاجلا أم آجلاً بشكل أكثر عمقًا وأكبر تأثيرًا، لكن يتبقى فقط كيفية استخدام هذا النظام بشكل لا ينتهك الحياة الشخصية للأفراد، ولا يؤثر على الحياة النفسية للعامة نتيجة خسارتهم العديد من الامتيازات وتعرضهم لأزمات نفسية نتيجة لسعيهم الدائم للحصول على مجرد رقم يفتح لهم أبوابًا عدة كانت مغلقة أمامهم.
لا نعلم أي ضمانات نستطيع الحصول عليها لحدوث ذلك سواء من الحكومات أو الشركات الخاصة، فدعونا ننتظر ماذا سيحدث.