هؤلاء تبخروا كما تبخر «جمال خاشقجي»
اختفى الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي، ذو الـ59 عامًا يوم الثلاثاء الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، في إسطنبول بعد دخوله القنصلية السعودية لإنهاء أوراق زواجه، وسربت السلطات التركية استنتاجها أن خاشقجي قُتل داخل المبنى، بينما أنكرت الحكومة السعودية، وقالت إنه خرج من القنصلية، لكنه لم تثبت خروجه بزعم أن «كاميرات القنصلية لا تعمل»، وما زالت التحقيقات التركية مستمرة، وما زالت التسريبات تتوالى، لكن الثابت أن خاشقجي لا أثر له، وأن قصة اختفائه ليست الأولى، ويبدو أن آلاف القصص المشابهة لا نعلم عنها إلا القليل، اخترنا لكم بعضها.
اقرأ أيضًا: خرج ولم يعد: من هو المعارض السعودي جمال خاشقجي؟
1. أمبروز بيرس
أمبروز بيرس، كاتب ساخر وصحفي ومؤلف قصص قصيرة أمريكي، وُلد في أوهايو عام 1842، اشتهر بقصته القصيرة «واقعة جسر أوول كريك»، ومنذ عام 1866 كرس حياته للكتابة والصحافة، وكتب في صحيفة «نيوز ليتر» في سان فرانسيسكو.
تنقل في بلاد عديدة منها، لندن وكاليفورنيا، وأخيرًا المكسيك، مكان اختفائه، تقول سيرته المتداولة: «إنه عاش حياة في منتهى الغرابة والتنقل، ثم اختفى ذات يوم من دون أن يعرف أحد أين اختفى ولماذا وكيف؟ كل ما عرفه الناس عنه في ذلك الحين، أي في عام 1913، أنه كان يحاول متـــابعة مآثر الثائر المكسيكي بانشو فيلا ومغامراته وتنقلاته في أصقاع المكسيك، ثم فــقد الجميع أثره ولم يعد أحد يـراه أو يعرف عنه شيئًا منذ ذلك الحين».
2. بن بركة
المهدي بن بركة، معارض يساري مغربي. بدأ النضال ضد الاستعمار في السادسة عشرة من عمره، وفي الرابعة والعشرين وقّع على عريضة المطالبة بالاستقلال عام 1944.
تولى عدة مناصب في حزب الاستقلال المغربي، ثم انشق عنه وكوَّن حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية عام 1959،كان معارضًا شرسًا للنظام المغربي، يعتبر أن الاستقلال المغربي «شكليًا» وأنه لا خيار لتحرير المغرب سوى بالثورة.
تعود قصة اختفائه بشكل غامض إلى عام 1965 في باريس بفرنسا، حيث كان يجلس في مقهى في الحي اللاتيني الباريسي في 30 أكتوبر، عندما اصطحبه شرطيان فرنسيان إلى مكان غير معلوم، ومن وقتها لا أثر له. اختلفت حوله الروايات، رواية تقول إن المخابرات المغربية قتلته، وأصحابها يزعمون أنه في ليلة 30 أكتوبر/تشرين الأول تم نقل جثة بن بركة على متن طائرة عسكرية إلى المغرب.
وفي دار المقري «مقر للتعذيب» تم تصوير الجثة وتسجيل عملية إذابتها في حمض الأسيد، لتُطوى صفحة المهدي بن بركة إلى الأبد، ورواية تتهم المخابرات الفرنسية بقتله، وأخرى تتهم الاحتلال الإسرائيلي والمخابرات الأمريكية، لكن الثابت إلى الآن، أنه تبخر ولم يعد له آثر.
3. موسى الصدر
الإمام موسى الصدر، عالم دين ومفكر وفيلسوف وسياسي وزعيم ديني شيعي ولد في 4 يونيو/حزيران عام 1928 في مدينة قُم الإيرانية، وهو ابن السيد صدر الدين الصدر المنحدر من جبل عامل في لبنان.
بالعودة إلى الوراء 40 عامًا، نجد أن موسى الصدر قد وصل إلى ليبيا في زيارة للمشاركة في احتفالات «ثورة الفاتح من سبتمبر»، بصحبة الشيخ محمد يعقوب والصحفي عباس بدر الدين، وتمت استضافتهم في فندق الشاطئ بطرابلس، وكانت الأمور على ما يرام، لكنه اختفى ورفيقاه فجأة، وشوهد الصدر ورفيقاه آخر مرة في 31 أغسطس/آب 1978.
بعد اختفائه أعلنت السلطات الليبية حينها أن الصدر ورفيقيه غادروا طرابلس مساء 31 أغسطس/آب على متن رحلة للخطوط الإيطالية متجهة إلى روما، وعثرت السلطات الإيطالية فيما بعد على حقائب الصدر والشيخ يعقوب في فندق «هوليداي إن» بروما.
أجرى القضاء الإيطالى تحقيقًا واسعًا في القضية انتهى بقرار اتخذه المدعي العام في روما بتاريخ 12 أغسطس/آب 1979، بحفظ القضية بعد أن ثبت أن الإمام الصدر ورفيقيه لم يدخلوا الأراضى الإيطالية.
4. ناصر السعيد
عمل ناصر في الشركة النفطية «أرامكو» وقاد مع مجموعة من زملائه حملة لتنظيم العمال في الشركة للمطالبة بحقوقهم ورفع الظلم عنهم، وكان ذلك بمثابة وضع اللبنة الأولى للعمل النقابي في المملكة العربية السعودية، الأمر الذي دفع أرامكو إلى الاستعانة بالسلطات السعودية لفض التنظيم واعتقال القائمين عليه، مما ألجأ السعيد إلى دمشق حيث مارس نشاطه السياسي المعارض من هناك.
تنقل خلال الستينيات بين القاهرة وعدن وبيروت التي كانت آخر مكان يزوره قبل اختفائه. هذه قصة مختصرة جدًا عن السعودي المعارض ناصر السعيد، فبعد 30 عامًا من غيابه في ظروف غامضة في العاصمة اللبنانية عام 1979، خرجت زوجة المعارض السعودي المختفي، ناصر السعيد، عن صمتها في عام 2009، و اتهمت المملكة العربية السعودية بالمسؤولية عن مصيره، وقالت إن السلطات السعودية انزعجت من انتقاد ناصر السعيد للطريقة التي تعامل من خلالها النظام مع مجموعة جهيمان العتيبي الذي قاد تمردًا في ديسمبر/كانون الأول 1979.
ومن الروايات التي تواترت حول اختفائه، أن قياديين في حركة فتح، قبضا مبالغ طائلة من المملكة العربية السعودية مقابل اختطاف السعيد وتسليمه للسفارة السعودية في بيروت التي نقلته بدورها مخدرًا إلى مطار بيروت حيث وضع في طائرة خاصة ونقل إلى السعودية.
5. منصور الكيخيا
الكيخيا الذي ولد عام 1931، كان سياسيًا ودبلوماسيًا محنكًا، ومعارضًا بارزًا لنظام العقيد الراحل معمر القذافي. تدرج في مناصب رسمية مهمة في السلك الدبلوماسي، وعيّن في منصب الممثل الدائم لليبيا في الأمم المتحدة بين أعوام 1975 و1980، ثم استقال بعد ذلك وانضم إلى صفوف المعارضة الليبية.
أعلن استقالته ومعارضته لنظام القذافي احتجاجًا على سياسات التصفية الجسدية، التي يمارسها النظام الليبي آنذاك عبر اللجان الثورية، إضافة إلى احتجاجه على مقتل زملائه من قيادات البعث. انتخب منصور الكيخيا أمينًا عامًا للتحالف الوطني الليبي المعارض الذي أسسه عام 1986، وأرسى قواعد للحوار الديمقراطي للمعارضة الوطنية، ودعاها إلى تنسيق جهودها وتقسيم الأدوار فيما بينها لمواجهة النظام.
كما قاد برنامج عمل أزعج النظام الذي تخوف من الدور الفاعل للكيخيا ونتائجه محليًا وعربيًا ودوليًا، واختفى في ظروف غامضة أثناء مشاركته في اجتماع مجلس أمناء المنظمة العربية لحقوق الإنسان بالقاهرة في العاشر من ديسمبر/كانون الأول 1993.
وفي عام 1993 وأثناء رحلة له في القاهرة لعقد ميثاق بين أطياف المعارضة الليبية، تم اختطاف الكيخيا أمام أحد الفنادق، ولم تظهر آثاره من وقتها إلا في عام 2012 حين كشف شقيقه عن تطابق عينات حمضه النووي مع عينة لجثة كانت سلطات التحقيق تعتقد أنها للإمام اللبناني الشيعي موسى الصدر، مؤكدًا أن الجثة لشقيقه منصور.
6. رضا هلال
هكذا صرح العميد ياسر الفقي، رئيس مباحث السيدة زينب بالقاهرة، في عام 2003، تعقيبًا على اختفاء رضا هلال، الصحفي المصري بجريدة الأهرام «الحكومية».
اقرأ أيضًا: الصحافة كهدف لأصحاب الجلالة: حكايات أقلام قصفتها السلطة
في 11 أغسطس/آب من عام 2003، دخل هلال، العمارة التي يسكن فيها بمنطقة السيدة زينب، لكنه لم يتمكن من الصعود إلى شقته، تبخّر في أقل من دقيقة، ومن وقتها لا يعلم أصدقاؤه أين هو؟
لم تكشف أو تكتشف الجهات الأمنية المصرية سر اختفائه، الروايات حوله تعددت، منها «أن هلال ذهب إلى منتدى دافوس العالمي في الأردن في يونيو/حزيران 2003، وأنه تحدث كثيرًا هناك عن جمال مبارك، وأن الترتيب لخطفه بدأ منذ هذه اللحظة».
وفي هذا قال الكاتب الصحفي عبد الحليم قنديل إن هلال قُتل ودُفن في مكان مجهول بعد تسريبه معلومات خطيرة عن جمال مبارك. وأنه باح لأحد الأشخاص حول ثروة جمال مبارك وشراكته لرجال أعمال أجانب بينهم يهود في لندن.
7. ضيف الغزال
في طريق عودة الصحفي الليبي ضيف الغزال، من منزل أحد الأصدقاء، وبالقرب من إحدى مزارع الهواري في بنغازي شرقي ليبيا، اختطف بقوة السلاح. ادعوا أنهم من رجال الأمن، كان هذا في ليلة 21 مايو/آيار من عام 2005.
كتب الغزال في عدة جرائد ليبية، وكان عضوًا في رابطة الأدباء والكتاب الليبيين، وعمل صحفيًا في جريدة «الزحف الأخضر» قبل أن يأخذ موقفًا صارمًا من الصحافة الليبية ويعلن مقاطعته كل الصحف المحلية احتجاجًا على ما سماه «المسار المعوج» الذي تسلكه أركان الدولة.
كان ينتقد علانية فساد نظام الراحل معمر القذافي، كما هدد بنشر وثائق ومستندات حول انتهاكات وعمليات فساد واسعة، جعلت متشددي اللجان الثورية يحاربونه. و كتبت عنه مؤسسة الرقيب لحقوق الإنسان:
وفي 30 مايو/آيار 2005، أبلغ مركز شرطة قاريونس أهل ضيف الغزال بأنهم عثروا على جثة مجهولة صباحًا، وطلبوا منهم الحضور من أجل التعرف على جثة مقيدة اليدين بدت وكأنها آخذة في التحلل، وفي يوم 3 يونيو/حزيران 2005 تم دفن ضيف الغزال، وقال تقرير الطبيب الشرعي إنه تعرض إلى عيار ناري بالرأس.
8. الأمير تركي بن بندر آل سعود
كان الأمير تركي بن بندر آل سعود مسؤولًا في جهاز الأمن السعودي، لكن نزاعًا مع أسرته على الإرث انتهى به إلى السجن. وبعد إطلاق سراحه، فرّ إلى باريس حيث بدأ في عام 2012 يبث مقاطع فيديو في موقع التواصل الاجتماعي يوتيوب يدعو فيها إلى ضرورة تبني إصلاحات في السعودية، حاول السعوديون إقناع الأمير تركي بالعودة إلى بلاده، وعندما اتصل نائب وزير الداخلية بالأمير تركي، سجل الأمير المحادثة ثم بثها على الإنترنت.
ولما طلب نائب وزير الداخلية من الأمير العودة رد الأخير: «ماذا عن الرسائل التي أرسلتها إلى ضباطك، والتي جاء فيها، يا ابن العاهرة، سنسحبك إلى بلدك مثل سلطان بن تركي». وظل تركي ينشر مقاطع الفيديو حتى يوليو/تموز 2015، ثم اختفى في وقت لاحق من السنة ذاتها.
وبحسب موقع BBC قال صديق لتركي، وهو مدون وناشط يسمى وائل الخلف، «كان يتصل بي كل شهر أو شهرين، ثم اختفى لمدة أربعة أو خمسة أشهر. انتابتني الشكوك، ثم سمعت من ضابط كبير في المملكة أن تركي بن بندر معهم.
رحَّلوه إلى السعودية، اختطفوه، بعد بحث طويل عن أي أخبار تتعلق بتركي، عثرت على مقال في صحيفة مغربية جاء فيه أنه كان عائدًا إلى فرنسا بعد زيارة إلى المغرب عندما اعتقل وسجن هناك. ثم سُلِّم إلى السلطات السعودية بناء على طلب منها بموافقة محكمة مغربية».
9. سعود بن سيف
سعود بن سيف النصر من أفراد الأسرة المالكة، بدأ في عام 2014، كتابة تغريدات تنتقد النظام الملكي في السعودية. ودعا إلى مقاضاة المسؤولين السعوديين الذين أيدوا عزل الرئيس المصري محمد مرسي بدعم من الجيش، وظهرت دعوات مجهولة لانقلاب على العائلة الحاكمة، فأيدها سعود علانية، وكان الأمير الوحيد من الأسرة الحاكمة الذي فعل ذلك.
وبعد مرور أيام قليلة، نشر تغريدة جاء فيها: «أدعو الشعب السعودي إلى تحويل فحوى هاتين الرسالتين إلى ضغوط شعبية» ثم تبخر. ويعتقد الأمير سعودي المنشق خالد بن فرحان آل سعود،أن الأمير سعود وقع في فخ لاستدارجه من مدينة ميلانو إلى العاصمة روما لمناقشة مشروع مع شركة روسية إيطالية كانت تسعى لفتح فروع في الخليج، وأن طائرة خاصة من الشركة جاءت وأخذت الأمير سعود، لكنها لم تهبط في روما وإنما في الرياض!
10. الأمير سلطان بن تركي
كان من ضمن الأمراء البارزين في الأسرة الحاكمة، تعرض للسجن والإقامة الجبرية، وفي عام 2010، سافر إلى مدينة بوسطن في ولاية ماساتشوستس من أجل العلاج. وهناك تقدم بشكوى جنائية في المحاكم السويسرية اتهم فيها الأمير عبد العزيز بن فهد والشيخ صالح آل الشيخ بالمسؤولية عن اختطافه في عام 2003. وهو أول أمير سعودي يفعل هذا الأمر.
وفي يناير/كانون الثاني 2016، كان سلطان مقيمًا في فندق خاص بباريس، وكان ينوي زيارة أبيه المقيم في القاهرة وهو أيضًا أمير معروف بانتقاداته للحكومة السعودية. عرضت القنصلية السعودية عليه وعلى مرافقيه أي نحو 18 فردًا بمن فيهم طبيب خاص وممرضات وحرس شخصي من الولايات المتحدة وأوروبا استخدام طائرة خاصة، فوافق، لكن الطائرة لم تصل إلى القاهرة، واتجهت إلى الرياض. ولم تتسرب أي أنباء عن الأمير سلطان منذ هذه الأحداث.